تفسير سورة الجن

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة الجن من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة الجن مكية.

١ - ﴿اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ﴾ القرآن صرفهم الله تعالى إلى رسوله [صلى الله عليه وسلم] لسماع القرآن أو منعوا من استراق السمع ورموا بالشهب ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين له ظاهر فأتوا إبليس فأخبروه فقال ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوه فشمها فقال صاحبكم بمكة أو رجعوا إلى قومهم فقالوا ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا حدث في الأرض فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ففعلوا حتى أتوا تهامة فوجدوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] يقرأ " ع ". فمن قال صرفوا إليه ذكر أنه رآهم ودعاهم [٢٠٨ / أ] / وقرأ عليهم ومن قال ضربوا
371
مشارق الأرض ومغاربها قال لم يرهم ولم يقرأ عليهم بل أتوه بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بنفرٍ من أصحابه الصبح فلما سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حالَ بيننا وبين خبر السماء " ع " وكانت قراءته ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ وكانوا تسعة أحدهم زوبعة أو سبعة ثلاثة من حرَّان وأربعة من نصيبين أو تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق فَصَلّوا مع الرسول [صلى الله عليه وسلم] الصبح ثم ولَّوْا إلى قومهم منذرين. قيل الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامه قال ابن عباس رضي الله - تعالى - عنهما الجن من ولد الجان منهم المؤمن والكافر وليسوا شياطين والشياطين من ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس ويدخل مؤمنو الجن الجنة وقال الحسن رضي الله - تعالى - عنه هم ولد الجان والإنس ولد آدم عليه الصلاة والسلام فمن الجن والإنس المؤمن والكافر يثابون ويعاقبون فمؤمن الطائفتين ولي الله - تعالى - وكافرهما شيطان ويدخلون الجنة بإيمانهم " ح " أو لا يدخلها الجان وإن صرفوا عن النار قاله مجاهد ﴿عَجَباً﴾ في فصاحته أو في بلاغة مواعظه أو في عظم بركته.
372
٢ - ﴿الرُّشْدِ﴾ مراشد الأمور أو معرفة الله - تعالى -.
٣ - ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ أمره أو فعله " ع " أو ذكره أو غناه أو بلاغه أو ملكه وسلطانه أو جلاله وعظمته أو نعمه على خلقه أو ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ أي ربنا أو
372
الجد أب الأب لأن هذا من قول الجن.
373
٤ - ﴿سَفِيهُنَا﴾ إبليس أو جاهلنا وعاصينا ﴿شَطَطاً﴾ جوراُ أو كذباً اصله البعد فعبّر به الجور والكذب لبعدهم من العدل والصدق.
٦ - ﴿يَعُوذُونَ﴾ كانوا في الجاهلية إذا نزل أحدهم بواد قال أعوذ بكبير هذا الوادي من سفهاء قومه فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم ﴿رَهَقاً﴾ طغياناً أو إثماً " ع " أو خوفاً أو كفراً أو أذى أو غياً أو عظمة او سفها.
﴿وأنا لمسنا السماءَ فوجدناها ملئتْ حرساً شديداً وشُهُباً (٨) وأنا كنا نقعدُ منها مقاعدَ للسمعِ فمن يستمعِ الآنَ يجدْ لهُ شهاباً رصَداً (٩) وأنا لا ندري أشرٌّ أريدَ بمن في الأرضِ أمْ أرادَ بهمْ ربُّهْمْ رشَداً (١٠) ﴾
٨ - ﴿لَمَسْنَا﴾ طلبنا التمست الرزق ولمسته أو قاربناها لأن الملموس مقارب فوجدنا أبوابها أو طرقا ﴿حَرَساً شَدِيداً﴾ الملائكة الغلاظ الشداد ﴿وَشُهُباً﴾ جمع شهاب وهو انقضاض الكواكب المحترقة وكان انقضاضها قبل البعث وإنما زيد بالبعث إنذاراً بحال الرسول [صلى الله عليه وسلم] قال الأكثر وقال الجاحظ لم
373
يكن الانقضاض إلا بعد المبعث.
374
٩ - ﴿مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ كانوا يسمعون من الملائكة الأخبار فيلقونها إلى الكهنة فلما حرست بالشهب [٢٠٨ / ب] / قالوا ذلك، ولم يكن لهم طريق إلى استماع [الوحي] قبل الحراسة ولا بعدها.
١٠ - ﴿لا نَدْرِى﴾ هل بعث محمد ليؤمنوا به فيرشدوا أم يكفروا به فيعاقبوا وهل حراسة السماء لرشد وثواب أم لشر وعقاب.
﴿وأنا منا الصالحونَ ومنا دونَ ذلكَ كنا طرائقَ قدداً (١١) وأنا ظننا أن لن نعجزَ اللهَ في الأرضِ ولن نعجزَهُ هرباً (١٢) وأنا لمَّا سمعنَا الهدىءامنا بهِ فمن يؤمن بربِّهِ فلا يخافُ بخساً ولاَ رهقاً (١٣) وأنا منا المسلمونَ ومنا القاسطونَ فمنْ أسلمَ فأولئكَ تحرواْ رشداً (١٤) وأما القاسطونَ فكانوا لجهنمَ حطباً (١٥) وألوِ استقامواْ على الطريقةِ لأسقيناهمْ ماءً غدقاً (١٦) لنفتنهمْ فيهِ ومَن يعرضْ عن ذكر ربهِ يسلكهُ عذاباً صعداً (١٧) ﴾
﴿الصالحون﴾ المؤمنون ﴿دون ذلك﴾ المشركون ﴿طرائق قِداداً﴾ فرقاً شتى أو أدياناً مختلفة أو أهواء متباينة.
﴿ الصّالحون ﴾ المؤمنون ﴿ دون ذلك ﴾ المشركون ﴿ طرائق قِدَدًا ﴾ فرقا شتى أو أديانا مختلفة أو أهواء متباينة.
١٣ - ﴿لَمَّا سَمِعْنَا﴾ القرآن من الرسول صدقنا به وكان مبعوثاً إلى الإنس والجن قال الحسن لم يبعث الله - تعالى - رسولاً قط من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء لقوله: ﴿وما أرسلنا قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى﴾ [يوسف: ١٠٩]. ﴿بَخْساً﴾ نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيئاته البخس: النقصان والرهق: العدوان وهذا من قول الجن.
١٤ - ﴿الْقَاسِطُونَ﴾ الخاسرون أو الفاجرون أو الناكثون القاسط: الجائر لعدوله عن الحق والمقسط العادل لعدوله إلى الحق.
١٦ -،
١٧ - ﴿لو اسْتَقَامُواْ﴾ لو أقاموا على طريق الكفر والضلال ﴿لأَسْقَيْنَاهُم﴾ لأغرقناهم كآل فرعون أو كثرنا الماء لإنبات زروعهم وكثرة أموالهم. ﴿لنفتهم﴾ بزينة الدنيا أو بالاختلاف بينهم بكثرة المال أو بالعذاب كقولهم ﴿هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات: ١٣]. ﴿ومن يعرض﴾ عن قبول القرآن يسلكه عذاباً قاله جماعة. أو لو استقاموا على الهدى والطاعة " ع " ﴿لأَسْقَيْنَاهُم﴾ لهديناهم الصراط المستقيم " ع " أو لأوسعنا عليهم الدنيا أو لأعطيناهم عيشاً رغداً أو مالاً واسعاً ﴿غَدَقاً﴾ عذباً معيناً " ع " أو كثيراً واسعاً قال عمر رضي الله - تعالى - عنه: حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة ﴿لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ في الدنيا بالاختبار أو بتطهيرهم من الكفر أو بأخراجهم من الشدّة والجدب إلى الرخاء والخصب أو لنفتنهم فيه في الآخرة بتخليصهم وإنجائهم من فتنت الذهب إذا خلصت غشه بالنار ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً﴾ [طه: ٤٠] خلصناك من فرعون أو نصرفهم عن النار ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ﴾ [الإسراء: ٧٣] ليصرفونك ﴿وَمَن يُعْرِضْ﴾ منهم عن العمل بالقرآن. ﴿عَذَاباً صَعَداً﴾ جب في النار أو جبل فيها إذا وضع عليه يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت. مأثور أو مشقة من العذاب " أو عذاب لا راحة فيه أو صخرة في النار يكلفون صعودها على وجوههم فإذا رقوها حدروا فذلك دأبهم أبداً ".
375
﴿وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً (١٨) وأنه لما قامَ عبد اللهِ يدعوهُ كادواْ يكونونَ عليهِ لبداً (١٩) قل إنما أدعواْ ربي ولاَ أشركُ بهِ أحداً (٢٠) قلْ إني لا أملكُ لكمْ ضرًّا ولا رشداً (٢١) قلْ إني لن يجيرني منَ اللهِ أحدٌ ولنْ أجدَ مِن دونه ملتحداً (٢٢) إلاَّ بلاغاً منَ اللهِ ورسالاتهِ ومن يعصِ اللهَ ورسولهُ فإنَّ لهُ نارَ جهنَّمَ خالدينَ فيها أبداً (٢٣) حتى إذا رأواْ ما يوعدونَ فسيعلمونَ منْ أضعفُ ناصراً وأقلُّ عدداً (٢٤) ﴾
376
﴿ لنفتهم ﴾ بزينة الدنيا أو بالاختلاف بينهم بكثرة المال أو بالعذاب كقولهم ﴿ هم على النار يفتنون ﴾ [ الذاريات : ١٣ ]. ﴿ ومن يُعْرِض ﴾ عن قبول القرآن يسلكه عذاباً قاله جماعة. أو لو استقاموا على الهدى والطاعة " ع " ﴿ لأسقيناهم ﴾ لهديناهم الصراط المستقيم " ع " أو لأوسعنا عليهم الدنيا أو لأعطيناهم عيشاً رغداً أو مالاً واسعاً ﴿ غَدَقًا ﴾ عذباً معيناً " ع " أو كثيراً واسعاً قال عمر رضي الله -تعالى- عنه : حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة ﴿ لنفتنهم فيه ﴾ في الدنيا بالاختبار أو بتطهيرهم من الكفر أو بإخراجهم من الشدّة والجدب إلى الرخاء والخصب أو لنفتنهم فيه في الآخرة بتخليصهم وإنجائهم من فتنت الذهب إذا خلصت غشه بالنار ﴿ وفتنّاك فتونا ﴾ [ طه : ٤٠ ] خلصناك من فرعون أو نصرفهم عن النار ﴿ وإن كادوا ليفتنونك ﴾ [ الإسراء : ٧٣ ] ليصرفونك ﴿ ومن يُعْرِض ﴾ منهم عن العمل بالقرآن. ﴿ عذابا صَعَدًا ﴾ جب في النار أو جبل فيها إذا وضع عليه يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت. مأثور أو مشقة من العذاب ' أو عذاب لا راحة فيه أو صخرة في النار يكلفون صعودها على وجوههم فإذا رقوها حدروا فذلك دأبهم أبداً '.
١٨ - ﴿الْمَسَاجِدَ﴾ الصلوات أو أعضاء السجود أو بيوت الله " ع " أو كل موضع صلّى فيه الإنسان فهو بسجوده فيه مسجد ﴿فَلا تَدْعُواْ﴾ فلا تعبدوا معه غيره قالت الجن للرسول [صلى الله عليه وسلم] : ائذن لنا نصلّ معك في مسجدك فنزلت " أو نزلت في اليهود والنصارى أضافوا إلى الله غيره في بيعهم وكنائسهم " أو في قول المشركين في تلبيتهم حول البيت إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك.
١٩ - ﴿عبد الله﴾ محمد [صلى الله عليه وسلم] قام إلى الصلاة يدعو الله [٢٠٩ / أ] / فيها وائتمّ به أصحابه عجبت الجن من ذلك أو قام إليهم داعياً لهم إلى الله ﴿لبدا﴾ أعواناً أو جماعات بضعها فوق بعض واللبد لاجتماع الصوف بعضه فوق بعض وهم المسلمون في اجتماعهم على الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو الجن في استماع قراءته أو الجن والإنس لتعاونهم عليه في الشرك.
٢١ - ﴿لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً﴾ لمن آمن ﴿وَلا رشدا﴾ لمن كفر [وفيه ثلاثة أوجه] عذاباً ولا نعيماً أو موتاً ولا حياة أو ضلالة ولا هدى.
٢٢ - ﴿لَن يُجِيرَنِى﴾ كان الجن الذين بايعوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] سبعين ألفاً
376
وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر قاله مكحول وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - لما تقدّم إليهم ازدحموا عليه فقال سيدهم وردان أنا أزجلهم عنك فقال: إني لن يجيرني من الله أحدٌ ﴿مُلْتَحَداً﴾ ملجأ وحرزاً أو ولياً ومولى أو مذهباً ومسلكاً.
377
٢٣ - ﴿إِلا بَلاغاً﴾ لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً إلا أن أبلغكم رسالات ربي أو لن يجيرني منه أحدٌ إن لم أبلغ رسالته.
﴿قلْ إنْ أدري أقريبُ ما توعدونَ أمْ يجعلُ لهُ ربي أمداً (٢٥) عالمُ الغيبِ فلا يظهرُ على غيبهِ أحداً (٢٦) إلاَّ من ارتضى من رسولٍ فإنهُ يسلُكُ من بينِ يديه ومنْ خلفِهِ رصداً (٢٧) ليعلمَ أن قد أبلغواْ رسالاتِ ربهمْ وأحاطَ بما لديهمْ وأحصى كلَّ شيءٍ عددا (٢٨) ﴾
٢٦ - ﴿الْغَيْبِ﴾ السر " ع " أو ما لم تروه مما غاب عنكم أو القرآن أو القيامة وما يكون فيها.
٢٧ - ﴿مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ جبريل عليه السلام أو نبي فيما يطلعه عليه من غيب أو " نبي فيما أنزله عليه من كتاب " ع " ﴿رَصَداً﴾ يجعل له طريقاً إلى علم بعض ما كان قبله وما يكون بعده أو ملائكة يحفظون النبي من الجن والشياطين من ورائه وأمامه " ع " وهم أربعة. أو يحفظون الوحي فما كان من ألله - تعالى - قالوا هو من عند الله وما ألقاه الشيطان قالوا هو من الشيطان أو يحفظون جبريل عليه
377
السلام إذا نزل بالوحي من السماء أن يسمعه مسترقو السمع من الشياطين فيلقوه إلى الكهنة قبل أن يبلغه الرسول إلى أمّته.
378
٢٨ - ﴿ليعلم﴾ محمد [صلى الله عليه وسلم] أن جبريل عليه السلام قد بلغ إليه رسالة ربه وما نزل جبريل عليه السلام إلا ومعه ملائكة حفظة أو ليعلم محمد [صلى الله عليه وسلم] أنّ الرسل قبله قد بلغت الرسالات وحفظت أو ليعلم مكذب الرسل أنّ الرسل قد بلغت أو ليعلم الجن أنّ الرسل بلغوا الوحي ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع أو ليعلم الله - تعالى - أن رسله قد بلغوا رسالاته.
378
سورة المزمل
مكية أو إلا آيتين ﴿واصبر على ما يقولون﴾ [١٠] والتي بعدها " ع ".

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿يأيها المزملُ (١) قمِ اليلَ إلاَّ قليلاً (٢) نصفهُ أو انقصْ منهُ قليلاً (٣) أو زدْ عليهِ ورتلِ القرءانَ ترتيلاً (٤) إنَّا سنلقي عليكَ قولاً ثقيلاً (٥) إنَّ ناشئة اليلِ هيَ أشدُّ وطئاً وأقومُ قيلاً (٦) إنَّ لكَ في النهارِ سبحاً طويلاً (٧) واذكرِ اسمَ ربكَ وتبتلْ إليهِ تبتيلاً (٨) ربُّ المشرقِ والمغربِ لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ فاتخذْهُ وكيلاً (٩) ﴾
379
Icon