تفسير سورة سورة الجن من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
قوله: ﴿أُوحِيَ﴾ : هذه قراءةُ العامةِ أعني كونَها مِنْ أَوْحَى رباعياً. وقرأ العَتكِيُّ عن أبي عمروٍ وابنُ أبي عبلة وأبو إياس «وُحِيَ» ثلاثياً، وهما لغتان، يقال: وحى إليه كذا، وأَوْحاه إليه بمعنى واحدٍ. وأُنْشِد للعجاج:
٤٣٤٦ - وَحَى لها القرارَ فاسْتَقَرَّت... وقرأ زيدُ بن علي والكسائيُّ في روايةٍ وابنُ أبي عبلةَ أيضاً «أُحِي» بهمزةٍ مضومة ولا واوَ بعدها. وخُرِّجَتْ على أنَّ الهمزةَ بدلٌ من الواوِ المضمومةِ نحو: «أُعِدَ» في «وُعِدَ» فهذه فَرْعُ قراءةِ «وُحِيَ» ثلاثياً. قال الزمخشري: «وهو من القَلْبِ المطلقِ جوازُه في كلِّ واوٍ مضمومةٍ، وقد أطلقَه المازنيُّ في المكسورةِ أيضاً كإشاح وإسادة و» إعَآءِ
٤٣٤٦ - وَحَى لها القرارَ فاسْتَقَرَّت... وقرأ زيدُ بن علي والكسائيُّ في روايةٍ وابنُ أبي عبلةَ أيضاً «أُحِي» بهمزةٍ مضومة ولا واوَ بعدها. وخُرِّجَتْ على أنَّ الهمزةَ بدلٌ من الواوِ المضمومةِ نحو: «أُعِدَ» في «وُعِدَ» فهذه فَرْعُ قراءةِ «وُحِيَ» ثلاثياً. قال الزمخشري: «وهو من القَلْبِ المطلقِ جوازُه في كلِّ واوٍ مضمومةٍ، وقد أطلقَه المازنيُّ في المكسورةِ أيضاً كإشاح وإسادة و» إعَآءِ
479
أَخِيهِ « [يوسف: ٧٦]، قال الشيخ:» وليس كما ذَكَرَ، بل في ذلك تفصيلٌ. وذلك أنَّ الواوَ المضمومةَ قد تكونُ أولاً وحَشْواً وآخِراً، ولكلٍ منها أحكام. وفي بعضِ ذلك خلافٌ وتفصيلٌ مذكورٌ في النحو «. قلت: قد تقدَّم القولُ في ذلك مُشْبَعَاً في أولِ هذا الموضوعِ ولله الحمدُ. ثم قال الشيخ: بعد أن حكى عنه ما قَدَّمْتُه عن المازني» وهذا تكثيرٌ وتبجُّحٌ. وكان يَذْكُرُ ذلك في سورة يوسف عند قوله ﴿وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ [يوسف: ٧٦]. وعن المازنيِّ في ذلك قولان، أحدُهما: القياسُ كما ذكر، والثاني: قَصْرُ ذلك على السَّماع «. قلت: لم يَبْرَحِ العلماءُ يَذْكرون النظيرَ مع نظيرِه، ولَمَّا ذَكَرَ قَلْبَ الهمزةِ بأطِّرادٍ عند الجميعِ ذَكَرَ قَلْبَها بخلافٍ.
قوله: ﴿أَنَّهُ استمع﴾ هذا هو القائمُ مَقَامَ الفاعل؛ لأنَّه هو المفعولُ الصريحُ، وعند الكوفيين والأخفش يجوزُ أَنْ يكونَ القائمُ مَقامَه الجارَّ والمجرورَ، فيكونَ هذا باقياً على نصبِه. والتقدير: أُوْحي إليَّ استماعَ نَفَرٍ. و» مِنْ الجنِّ «صفةٌ ل» نَفَرٌ «ووَصْفُ القرآنِ بعَجَب: إمَّا على المبالغةِ، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذا عَجَبٍ، وأمَّا بمعنى اسم الفاعلِ، أي: مُعْجِب: و» يَهْدِي «صفةٌ أخرى.
قوله: ﴿أَنَّهُ استمع﴾ هذا هو القائمُ مَقَامَ الفاعل؛ لأنَّه هو المفعولُ الصريحُ، وعند الكوفيين والأخفش يجوزُ أَنْ يكونَ القائمُ مَقامَه الجارَّ والمجرورَ، فيكونَ هذا باقياً على نصبِه. والتقدير: أُوْحي إليَّ استماعَ نَفَرٍ. و» مِنْ الجنِّ «صفةٌ ل» نَفَرٌ «ووَصْفُ القرآنِ بعَجَب: إمَّا على المبالغةِ، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذا عَجَبٍ، وأمَّا بمعنى اسم الفاعلِ، أي: مُعْجِب: و» يَهْدِي «صفةٌ أخرى.
480
وقرأ العامَّةُ: ﴿الرشد﴾ : بضمة وسكونٍ
480
وابن عمر بضمِّهما، وعنه أيضاً فَتْحُهما، وتَقَدَّم هذا في الأعراف.
481
قوله: ﴿وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا﴾ : قرأ الأخَوان وابن عامر وحفص بفتح «أنَّ» وما عُطِف عليها بالواو في اثنتي عشرة كلمةً، والباقون بالكسرة. وقرأ ابنُ عامر وأبو بكرٍ «وإنه لَمَّا قام» بالكسرة، والباقون بالفتح، واتفقوا على الفتحِ في قوله: ﴿وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ﴾ وتلخيص هذا: أن «أنَّ» المشددةَ في هذه السورةِ على ثلاثةِ أقسامٍ: قسمٍ ليس معه واوُ العطفِ، فهذا لا خلاف بين القُرَّاءِ في فتحِه أو كسرِه. على حسبِ ما جاءَتْ به التلاوةُ واقْتَضَتْه العربيةُ، كقولِه: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع﴾ لا خلافَ في فتحِه لوقوعِه موقعَ المصدرِ وكقوله: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً﴾ [الجن: ١] لا خلافَ في كسرِه لأنه محكيٌّ بالقول.
القسم الثاني أَن يقترنَ بالواوِ، وهو أربعَ عشرةَ كلمةً، إحداها: لا خلاف في فتحِها وهي: قولُه تعالى: ﴿وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] وهذا هو القسم الثالث والثانية: ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ﴾ [الجن: ١٩] كَسَرَها ابنُ عامرٍ وأبو بكر، وفتحها الباقون. والاثنتا عشرةَ الباقيةُ: فَتَحها الأخوان وابن عامرٍ
القسم الثاني أَن يقترنَ بالواوِ، وهو أربعَ عشرةَ كلمةً، إحداها: لا خلاف في فتحِها وهي: قولُه تعالى: ﴿وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] وهذا هو القسم الثالث والثانية: ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ﴾ [الجن: ١٩] كَسَرَها ابنُ عامرٍ وأبو بكر، وفتحها الباقون. والاثنتا عشرةَ الباقيةُ: فَتَحها الأخوان وابن عامرٍ
481
وحفص، وكسرها الباقون، كما تقدَّم تحريرُ ذلك كلِّه. والاثنتا عشرةَ هي قولُه: ﴿وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا﴾، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ﴾ [الجن: ٤] ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ﴾ [الجن: ٥] ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ﴾ [الجن: ٦] ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ﴾ [الجن: ٧] ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا﴾ [الجن: ٨] ﴿وَأَنَّا كُنَّا﴾ [الجن: ٩] ﴿وَأَنَّا لاَ ندري﴾ [الجن: ١٠] ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصالحون﴾ [الجن: ١١] ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ﴾ [الجن: ١٢] ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا﴾ [الجن: ١٣] ﴿وَأَنَّا مِنَّا المسلمون﴾ [الجن: ١٤]. وإذا عَرَفْتَ ضَبْطَها من حيث القراءاتُ فالتفِتْ إلى توجيهِ ذلك.
وقد اختلف الناسُ/ في ذلك فقال أبو حاتم في الفتح: «هو معطوفٌ على مرفوعِ» أُوْحِيَ «فتكونُ كلُّها في موضعِ رفعٍ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُه». وهذا الذي قاله قد رَدَّه الناسُ عليه: مِنْ حيث إنَّ أَكثرَها لا يَصِحُّ دخولُه تحت معمولِ «أُوْحِي» ألا ترى أنه لو قيل: أوُحي إليِّ أنَّا لَمَسْنا السماءَ، وأنَّا كُنَّا، وأنَّا لا نَدْري، وأنَّا منَّا الصالحون، وأنَّا لمَّا سَمِعْنا، وأنَّا مِنَّا المسلمون لم يَسْتَقِمْ معناه. وقال مكي: «وعَطْفُ» أنَّ «على {
وقد اختلف الناسُ/ في ذلك فقال أبو حاتم في الفتح: «هو معطوفٌ على مرفوعِ» أُوْحِيَ «فتكونُ كلُّها في موضعِ رفعٍ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُه». وهذا الذي قاله قد رَدَّه الناسُ عليه: مِنْ حيث إنَّ أَكثرَها لا يَصِحُّ دخولُه تحت معمولِ «أُوْحِي» ألا ترى أنه لو قيل: أوُحي إليِّ أنَّا لَمَسْنا السماءَ، وأنَّا كُنَّا، وأنَّا لا نَدْري، وأنَّا منَّا الصالحون، وأنَّا لمَّا سَمِعْنا، وأنَّا مِنَّا المسلمون لم يَسْتَقِمْ معناه. وقال مكي: «وعَطْفُ» أنَّ «على {
482
آمَنَّا بِهِ} [الجن: ٢] أتَمُّ في المعنى مِنْ العطفِ على» أنَّه استمعَ «لأنك لو عَطَفْتَ ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ﴾ [الجن: ٥] ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا﴾ [الجن: ١٣] ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس﴾ [الجن: ٦] ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا﴾ [الجن: ٨]، وشِبْهَ ذلك على ﴿أَنَّهُ استمع﴾ [الجن: ١] لم يَجُزْ؛ لأنه ليس مِمَّا أُوْحِي، إليه، إنما هو أمرٌ أو خبر، وأنه عن أنفسهم، والكسرُ في هذا أَبْينُ، وعليه جماعة مِنْ القُراءِ.
الثاني: أنَّ الفتحَ في ذلك عَطْفٌ على مَحَلِّ» به «مِنْ» آمَنَّا به «. قال الزمخشري:» كأنه قال: صَدَّقْناه وصَدَّقْناه أنه تعالى جَدُّ رَبَّنا، وأنَّه كان يقولُ سفيهُنا، وكذلك البواقي «، إلاَّ أنَّ مكيَّاً ضَعَّفَ هذا الوجهَ فقال: والفتحُ في ذلك على الحَمْلِ على معنى» آمَنَّا به «وفيه بُعْدٌ في المعنى؛ لأنهم لم يُخْبِروا أنهم آمنوا بأنَّهم لَمَّا سَمِعوا الهدى آمنوا به، ولم يُخْبِروا أنهم آمنوا أنه كان رجالٌ، إنما حكى اللَّهُ عنهم أنهم قالوا ذلك مُخْبِرين به عن أنفسِهم لأصحابِهم، فالكسرُ أَوْلى بذلك» وهذا الذي قاله غيرُ لازمٍ؛ فإنَّ المعنى على ذلك صحيحٌ.
الثاني: أنَّ الفتحَ في ذلك عَطْفٌ على مَحَلِّ» به «مِنْ» آمَنَّا به «. قال الزمخشري:» كأنه قال: صَدَّقْناه وصَدَّقْناه أنه تعالى جَدُّ رَبَّنا، وأنَّه كان يقولُ سفيهُنا، وكذلك البواقي «، إلاَّ أنَّ مكيَّاً ضَعَّفَ هذا الوجهَ فقال: والفتحُ في ذلك على الحَمْلِ على معنى» آمَنَّا به «وفيه بُعْدٌ في المعنى؛ لأنهم لم يُخْبِروا أنهم آمنوا بأنَّهم لَمَّا سَمِعوا الهدى آمنوا به، ولم يُخْبِروا أنهم آمنوا أنه كان رجالٌ، إنما حكى اللَّهُ عنهم أنهم قالوا ذلك مُخْبِرين به عن أنفسِهم لأصحابِهم، فالكسرُ أَوْلى بذلك» وهذا الذي قاله غيرُ لازمٍ؛ فإنَّ المعنى على ذلك صحيحٌ.
483
وقد سَبَق الزمخشريَّ إلى هذا التخريجِ الفَرَّاءُ والزجَّاجُ. إلاَّ أنَّ الفَرَّاء استشعر إشكالاً وانفصل عنه، فإنه قال: «فُتِحَتْ» أنَّ «لوقوع الإِيمانِ عليها، وأنت تجدُ الإِيمانَ يَحْسُنُ في بعضِ ما فُتحَ دونَ بعضٍ، فلا يُمْنَعُ من إمضائِهنَّ على الفتح، فإنه يَحْسُنُ فيه ما يُوْجِبُ فَتْحَ» أنَّ «نحو: صَدَقْنا وشَهِدْنا، كما قالت العربُ:
فنصَبَ» العيونَ «لإِتباعِها الحواجبَ، وهي لا تُزَجَّجُ. إنما تُكَحَّلُ، فأضمر لها الكُحْلَ» انتهى. فأشار إلى شيءٍ مِمَّا ذكرَه مكيٌّ وأجاب عنه. وقال الزجَّاج: «لكنَّ وجهَه أَنْ يكونَ محمولاً على معنى» آمنَّا به «؛ لأنَّ معنى» آمَنَّا به «صَدَّقْناه وعَلِمْناه، فيكون المعنى: صَدَّقْنا أنه تعالى جَدُّ ربِّنا».
الثالث: أنه معطوفٌ على الهاء به «به»، أي: آمنَّا به وبأنه تعالى جَدُّ ربِّنا، وبأنه كان يقولُ، إلى آخره، وهو مذهب الكوفيين. وهو وإن كان قوياً من حيث المعنى إلاَّ أنَّه ممنوعٌ مِنْ حيث الصناعةُ، لِما عَرَفْتَ مِنْ أنَّه لا يُعْطَفُ على الضميرِ المجرورِ إلاَّ بإعادةِ الجارِّ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذَيْن القولَيْن مستوفىً في سورةِ البقرة عند قولِه: {وَكُفْرٌ بِهِ
٤٣٤٧ -....................... | وزَجَّجْنَ الحواجبَ والعُيونا |
الثالث: أنه معطوفٌ على الهاء به «به»، أي: آمنَّا به وبأنه تعالى جَدُّ ربِّنا، وبأنه كان يقولُ، إلى آخره، وهو مذهب الكوفيين. وهو وإن كان قوياً من حيث المعنى إلاَّ أنَّه ممنوعٌ مِنْ حيث الصناعةُ، لِما عَرَفْتَ مِنْ أنَّه لا يُعْطَفُ على الضميرِ المجرورِ إلاَّ بإعادةِ الجارِّ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذَيْن القولَيْن مستوفىً في سورةِ البقرة عند قولِه: {وَكُفْرٌ بِهِ
484
والمسجد الحرام} [البقرة: ٢١٧] على أنَّ مكِّيَّاً قد قَوَّى هذا لمَدْرَكٍ آخرَ وهو حَسَنٌ جداً، قال رحمه الله: «وهو يعني العطفَ على الضميرِ المجرورِ دونَ إعادةِ الجارِّ في» أنَّ «أجوَدُ منه في غيرها، لكثرةِ حَذْفِ حرفِ الجرِّ مع» أنَّ «.
ووجهُ الكسرِ العطفُ على قوله: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا﴾ [الجن: ١] فيكون الجميعُ معمولاً للقولِ، أي: فقالوا: إنَّا سَمِعْنا، وقالوا: إنَّه تعالى جَدُّ ربِّنا إلى آخرِه. وقال بعضُهم: الجملتان مِنْ قولِه تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ﴾ [الجن: ٦] ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ﴾ [الجن: ٧] معترضتان بين قولِ الجنِّ، وهما مِنْ كلامِ الباري تعالى، والظاهرُ أنَّهما مِنْ كلامِهم، قاله بعضُهم لبعضٍ. ووجهُ الكسرِ والفتحِ في قولِه: ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله﴾ [الجن: ١٩] ما تقدَّم. ووَجْهُ إجماعِهم على فتح ﴿وَأَنَّ المساجد﴾ [الجن: ١٨] وجهان، أحدُهما: أنَّه معطوفٌ على ﴿أَنَّهُ استمع﴾ [الجن: ١] فيكونُ مُوْحى أيضاً. والثاني: أنه على حَذْفِ حرفِ الجرِّ، وذلك الحرفُ متعلِّقٌ بفعل النهي، أي: فلا تَدْعوا مع اللَّهِ أحداً؛ لأنَّ المساجدَ للَّهِ، ذكرهما أبو البقاء.
ووجهُ الكسرِ العطفُ على قوله: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا﴾ [الجن: ١] فيكون الجميعُ معمولاً للقولِ، أي: فقالوا: إنَّا سَمِعْنا، وقالوا: إنَّه تعالى جَدُّ ربِّنا إلى آخرِه. وقال بعضُهم: الجملتان مِنْ قولِه تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ﴾ [الجن: ٦] ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ﴾ [الجن: ٧] معترضتان بين قولِ الجنِّ، وهما مِنْ كلامِ الباري تعالى، والظاهرُ أنَّهما مِنْ كلامِهم، قاله بعضُهم لبعضٍ. ووجهُ الكسرِ والفتحِ في قولِه: ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله﴾ [الجن: ١٩] ما تقدَّم. ووَجْهُ إجماعِهم على فتح ﴿وَأَنَّ المساجد﴾ [الجن: ١٨] وجهان، أحدُهما: أنَّه معطوفٌ على ﴿أَنَّهُ استمع﴾ [الجن: ١] فيكونُ مُوْحى أيضاً. والثاني: أنه على حَذْفِ حرفِ الجرِّ، وذلك الحرفُ متعلِّقٌ بفعل النهي، أي: فلا تَدْعوا مع اللَّهِ أحداً؛ لأنَّ المساجدَ للَّهِ، ذكرهما أبو البقاء.
485
قال الزمخشري:» أنه استمع «بالفتح؛ لأنَّه فاعلُ» أُوْحي «
و ﴿إِنَّا سَمِعْنَا﴾ [الجن: ١] بالكسرِ؛ لأنَّه مبتدأٌ مَحْكِيٌّ بعد القولِ، ثم تحملُ عليهما البواقي، فما كان مِنَ الوحي فُتِحَ، وما كان مِنْ قَوْل الجِنِّ كُسِرَ، وكلُّهُنَّ مِنْ قولِهم إلاَّ/ الثِّنْتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ وهما: ﴿وَأَنَّ المساجد﴾ [الجن: ١٨] ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله﴾ [الجن: ١٩]. ومَنْ فتح كلَّهن فعَطْفاً على مَحَلِّ الجارِّ والمجرور في ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: ٢]، أي: صَدَّقْناه، وصَدَّقْنا أنه «.
وقرأ العامَّةُ: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ بالفتح مضافاً ل» رَبِّنا «، والمرادُ به هنا العظمةُ. وقيل: قُدْرتُه وأمرُه. وقيل: ذِكْرُه. والجَدُّ أيضاً: الحَظُّ، ومنه قولُه عليه السلام:» ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ «والجَدُّ أيضاً: أبو الأبِ، والجِدُّ بالكسرِ ضِدُّ التَّواني في الأمر.
وقرأ عكرمةُ بضمِّ باءِ» رَبُّنا «وتنوينِ» جَدٌّ «على أَنْ يكون» ربُّنا «بدلاً مِنْ» جَدٌّ «، والجَدُّ: العظيم. كأنه قيل: وأنَّه تعالى عظيمٌ ربُّنا، فأبدل المعرفة من النكرةِ، وعنه أيضاً» جَدَّاً «منصوباً منوَّناً،» رَبُّنا «مرفوعٌ. ووجْهُ ذلك أَنْ ينتصِبَ» جَدَّاً «على التمييز، و» ورَبُّنا «فاعلٌ ب» تعالى «وهو
و ﴿إِنَّا سَمِعْنَا﴾ [الجن: ١] بالكسرِ؛ لأنَّه مبتدأٌ مَحْكِيٌّ بعد القولِ، ثم تحملُ عليهما البواقي، فما كان مِنَ الوحي فُتِحَ، وما كان مِنْ قَوْل الجِنِّ كُسِرَ، وكلُّهُنَّ مِنْ قولِهم إلاَّ/ الثِّنْتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ وهما: ﴿وَأَنَّ المساجد﴾ [الجن: ١٨] ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله﴾ [الجن: ١٩]. ومَنْ فتح كلَّهن فعَطْفاً على مَحَلِّ الجارِّ والمجرور في ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ [الجن: ٢]، أي: صَدَّقْناه، وصَدَّقْنا أنه «.
وقرأ العامَّةُ: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ بالفتح مضافاً ل» رَبِّنا «، والمرادُ به هنا العظمةُ. وقيل: قُدْرتُه وأمرُه. وقيل: ذِكْرُه. والجَدُّ أيضاً: الحَظُّ، ومنه قولُه عليه السلام:» ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ «والجَدُّ أيضاً: أبو الأبِ، والجِدُّ بالكسرِ ضِدُّ التَّواني في الأمر.
وقرأ عكرمةُ بضمِّ باءِ» رَبُّنا «وتنوينِ» جَدٌّ «على أَنْ يكون» ربُّنا «بدلاً مِنْ» جَدٌّ «، والجَدُّ: العظيم. كأنه قيل: وأنَّه تعالى عظيمٌ ربُّنا، فأبدل المعرفة من النكرةِ، وعنه أيضاً» جَدَّاً «منصوباً منوَّناً،» رَبُّنا «مرفوعٌ. ووجْهُ ذلك أَنْ ينتصِبَ» جَدَّاً «على التمييز، و» ورَبُّنا «فاعلٌ ب» تعالى «وهو
486
المنقولُ مِنْ الفاعليةِ، إذ التقديرُ: تعالى جَدُّ رَبِّنا، ثم صار تعالى ربُّنا جَدَّاً، أي: عَظَمةً نحو: تَصَبَّبَ زيدٌ عَرَقاً، أي: عَرَقُ زيدٍ. وعنه أيضاً وعن قتادةَ كذلك، إلاَّ أنَّه بكسرِ الجيم، وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، و» رَبُّنا «فاعلٌ ب» تعالى «والتقدير: تعالى ربُّنا تعالِياً جدَّاً، أي: حقاً لا باطلاً. والثاني: أنَّه مصنوبٌ على الحالِ، أي: تعالى ربُّنا حقيقةً ومتمكِّناً قاله ابنُ عطية.
وقرأ حميد بن قيس» جُدُّ ربِّنا «بضم الجيم مضافاً ل» ربِّنا «وهو بمعنى العظيم، حكاه سيبويه، وهو في الأصل من إضافةِ الصفةِ لموصوفِها؛ إذ الأصلُ: ربُّنا العظيمُ نحو:» جَرْدُ قَطِيفة «الأصل قطيفة جَرْدٌ، وهو مُؤَول عند البَصْريين وقرأ ابن السَّمَيْفَع» جَدَى رَبِّنا «بألفٍ بعد الدال مضافاً ل» ربِّنا «. والجَدى والجَدْوى: النَّفْعُ والعَطاء، أي: تعالى عَطاءُ ربِّنا ونَفْعُه.
والهاءُ في» أنَّه استمعَ «» وأنَّه تعالى «وما بعد ذلك ضميرُ الأمرِ والشأنِ، وما بعده خبرُ» أنَّ «وقوله ﴿مَا اتخذ صَاحِبَةً﴾ مستأنَفٌ فيه تقريرٌ لتعالِي جَدِّه.
وقرأ حميد بن قيس» جُدُّ ربِّنا «بضم الجيم مضافاً ل» ربِّنا «وهو بمعنى العظيم، حكاه سيبويه، وهو في الأصل من إضافةِ الصفةِ لموصوفِها؛ إذ الأصلُ: ربُّنا العظيمُ نحو:» جَرْدُ قَطِيفة «الأصل قطيفة جَرْدٌ، وهو مُؤَول عند البَصْريين وقرأ ابن السَّمَيْفَع» جَدَى رَبِّنا «بألفٍ بعد الدال مضافاً ل» ربِّنا «. والجَدى والجَدْوى: النَّفْعُ والعَطاء، أي: تعالى عَطاءُ ربِّنا ونَفْعُه.
والهاءُ في» أنَّه استمعَ «» وأنَّه تعالى «وما بعد ذلك ضميرُ الأمرِ والشأنِ، وما بعده خبرُ» أنَّ «وقوله ﴿مَا اتخذ صَاحِبَةً﴾ مستأنَفٌ فيه تقريرٌ لتعالِي جَدِّه.
487
قوله: ﴿سَفِيهُنَا﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ اسمَ كان، «ويقول» الخبرُ، ولو كان مثلُ هذه الجملةِ غيرَ واقعةٍ خبراً ل «كان» لامتنع تقديمُ حينئذٍ نحو: سفيهُنا يقول، لو قلت: «يقولُ سفيهُنا»
487
على التقديمِ والتأخيرِ لم يَجُزْ. والفرقُ: أنه في غيرِ بابِ «كان» يُلْبَسُ بالفعلِ والفاعلِ، وفي باب «كان» يُؤْمَنُ ذلك. والثاني: أنَّ «سَفيهُنا» فاعلُ «يقولُ» والجملةُ خبرُ «كان» واسمُها ضميرُ الأمرِ مستترٌ فيها. وقد تقدَّم هذا في قولِه: ﴿مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ وقوله «شَطَطاً» تقدَّم مثلُه في الكهف.
488
قوله: ﴿ظَنَنَّآ أَن لَّن﴾ : مخففةٌ، واسمُها مضمرٌ، والجملةُ المنفيةُ خبرُها، والفاصلُ هنا حَرْفُ النفيِ. و «كَذِباً» مفعولٌ به، أو نعتُ مصدرٍ محذوفٍ. وقرأ الحسنُ والجحدريُّ وأبو عبد الرحمن ويعقوبُ «تَقَوَّلَ» بفتح القافِ والواوِ المشدَّدةِ، وهو مضارع «تَقوَّلَ»، أي: كَذَّب. والأصلُ تتَقَوَّل، فحذف إحدى التاءَيْن نحو: ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢] وانتصب «كَذِباً» في هذه القراءةِ على المصدرِ؛ لأنَّ التقوُّلَ كَذِبٌ نحو قولِهم: قعدْتُ جُلوساً.
قوله: ﴿مِّنَ الإنس﴾ : صفةٌ لرجال، وكذلك قولُه «من الجنِّ».
قوله: ﴿أَن لَّن يَبْعَثَ﴾ : كقولِه: ﴿أَن لَّن تَقُولَ﴾ [الجن: ٥] وأَنْ
488
وما في حَيِّزها سادَّةٌ مَسَدَّ مفعولَيْ الظَّنِّ، والمسألةُ من بابِ الإِعمال لأنَّ «ظنُّوا» يَطْلُبُ مفعولَيْن، و «ظَنَنْتُم» كذلك، وهو إعمال الثاني للحذفِ مِنْ الأولِ، والضمير في «أنهم ظَنُّوا» للإِنسِ، وفي «ظَنَنْتُم» للجنِّ، ويجوزُ العكسُ. وبكلٍ قد قيل.
489
قوله: ﴿فَوَجَدْنَاهَا﴾ : فيها وجهان، أظهرُهما: أنَّها متعدِّيَةٌ لواحدٍ؛ لأنَّ معناها أصَبْنا، وصادَفْنا، وعلى هذا فالجملةُ مِنْ قولِه «مُلِئَتْ» في موضعِ نصبٍ على الحال. والثاني: أنَّها متعدِّيةٌ لاثنينِ، فتكونُ الجملةُ في موضعِ المفعولِ الثاني.
«وحَرَساً» منصوبٌ على التمييزِ نحو: «امتلأ الإِناءُ ماءً». والحَرَسُ اسمُ جمع ل حارِس نحو: خَدَم لخادِم، وغَيَب/ لغائِب، ويُجْمَعُ تكسيراً على أحْراس، كقولِ امرىء القيس:
والحارس: الحافظُ الرقيبُ، والمصدرُ الحِراسةُ. و «شديداً» صفةٌ ل حَرَس على اللفظِ، كقوله:
٤٣٤٩ - أخشى رُجَيْلاً ورُكَيْباً عادِياً...
«وحَرَساً» منصوبٌ على التمييزِ نحو: «امتلأ الإِناءُ ماءً». والحَرَسُ اسمُ جمع ل حارِس نحو: خَدَم لخادِم، وغَيَب/ لغائِب، ويُجْمَعُ تكسيراً على أحْراس، كقولِ امرىء القيس:
٤٣٤٨ - تجاوَزْتُ أَحْراساً وأهوالَ مَعْشَرٍ | عليَّ حِراصٍ لو يُشِرُّون مَقْتلي |
٤٣٤٩ - أخشى رُجَيْلاً ورُكَيْباً عادِياً...
489
ولو جاءَ على المعنى لقيل: شِداداً بالجمع.
وقوله: ﴿وَشُهُباً﴾ جمعُ شِهاب ك كِتاب وكُتُب. وهل المرادُ النجومُ أو الحَرَسُ أنفسُهم؟ وإنما عَطَفَ بعضَ الصفاتِ على بعضٍ عند تغايُرِ اللفظِ كقولِه:
وقرأ الأعرج «مُلِيَتْ» بياءٍ صريحةٍ دونَ همزةٍ. ومقاعِد جمعُ مَقْعَد اسمَ مكان.
وقوله: ﴿وَشُهُباً﴾ جمعُ شِهاب ك كِتاب وكُتُب. وهل المرادُ النجومُ أو الحَرَسُ أنفسُهم؟ وإنما عَطَفَ بعضَ الصفاتِ على بعضٍ عند تغايُرِ اللفظِ كقولِه:
٤٣٥٠ -............................ | .......... أتى مِنْ دُونِها النَّأْيُ والبُعْدُ |
490
قوله: ﴿الآن﴾ : هو ظرفٌ حاليٌّ. واستعير هنا للاستقبال كقوله:
فاقترنَ بحرفِ التنفيس، وقد تقدَّم هذا في البقرة عند قوله ﴿فالآن بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] ورَصَداً: إمَّا مفعولٌ له، وإمَّا صفة لشِهاباً، أي: ذا رَصَد. وجعل الزمخشريُّ الرَّصَد اسمَ جمعٍ كَحَرَس، فقال: «والرَّصدُ: اسمُ جَمْعٍ للراصِد ك حَرَس على معنى: ذوي شِهابٍ راصِدين بالرَّجْم، وهم الملائكةُ. ويجوزُ أَنْ يكونَ صفةً للشِّهاب، بمعنى الراصِد، أو كقولِه:
٤٣٥١ -.................. ولكنْ | سأسْعى الآن إذ بلغَتْ أناها |