ﰡ
مكيّة وهى ثمان وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ النفر من الثلاثة الى العشرة فقيل كانوا تسعة من جن نصيبين وقيل كانوا سبعة والجن أجسام ذات أرواح كالحيوان عاقلة كالانسان خفية عن أعين الناس ولذا سميت جنا خلقت من النار كما خلق آدم من طين قال الله تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم تتصف بالذكورة والأنوثة وتتوالد والظاهر ان الشياطين قسم منهم بخلاف الملائكة فانهم لا يتصفون بالذكورة ولا بالانوثة ووجود الجن والشياطين والملائكة ثابت بالشرع وأنكره الفلاسفة وليست العقول العشرة التي اخترعها الفلاسفة من الملائكة من شى حيث يزعمونها مجردات بخلاف الملائكة فانها أجسام ذات أرواح والله تعالى اعلم وسوق هذا الكلام يقتضى ان النبي - ﷺ - لم ير الجن وانما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قراءته فاستمعوها فقص الله ذلك على رسوله فيما اوحى اليه اخرج الشيخان والترمذي وغيرهم عن ابن عباس رض قال ما قرأ رسول الله - ﷺ - على الجن ولا رايهم ولكنه انطلق مع طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فقالوا ما هذا الا بشى قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامه لى رسول الله - ﷺ - وهو بنخلة يصلى بأصحابه صلوة الفجر فلما سمعوا القران استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا الى قومهم فقالوا يا قومنا انا سمعنا قرانا عجبا إلخ فانزل الله تعالى على نبيه قل اوحى الى قول الجن وقال اكثر المفسرين لما مات ابو طالب خرج رسول الله - ﷺ - وحده الى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه فروى محمد بن اسحق عن يزيد بن زياد عن محمد للقرظى انه قال لما انتهى رسول الله - ﷺ - الى الطائف عمد الى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادت ثقيف واشرافهم وهم اخوة ثلثة عبد يا ليل ومسعود وحبيب بنو عمير وعند أحدهم امرأة من قريش
وانا رجل من اهل نينوى فقال رسول الله - ﷺ - أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال وما يدريك يونس بن متى قال رسول الله - ﷺ - ذلك أخي كان نبيا وانا نبى فاكب عداس على رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فقبل راسه ويديه وقدميه قال فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه اما غلامك فقد أفسده عليك فلما جائهما عداس قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل راس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدى ما على الأرض خير من
واثار نيرانهم قال الشعبي وسألوه الزاد وكانوا من جن جزيرة فقال رسول الله ﷺ لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى ايديكم او ما يكون فيه لحم وذلك بعرة علف دوابكم فقال رسول الله - ﷺ - فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم من الجن وروى عن ابن مسعود انه رأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه ما رايت من الجن ليلة الجن قلت والظاهر عندى ان استماع الجن القران من النبي - ﷺ - عامدا الى سوق عكاظ وقافلا من الطائف كان اولا وهو المحكي عنه بقوله تعالى قل اوحى الى واما ليلة الجن التي رواها ابن مسعود فكانت بعد ذلك قال البغوي فى تفسير سورة الأحقاف انه قال ابن عباس فاستجاب لهم اى تفر من الجن بعد ما استمعوا القران من النبي - ﷺ - بنخلة ورجعوا الى قومهم منذرين من قومهم سبعين رجلا من الجن فرجعوا الى رسول الله - ﷺ - فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القران وأمرهم ونهاهم وذكر الخفاجي انه قد دلت الأحاديث على ان وفادة الجن كانت ستة مرات وهذا يدل على انه صلى الله عليه واله وسلم كان مبعوثا الى الجن والانس جميعا وقال مقاتل لم يبعث قبله نبى الى الانس والجن والله تعالى اعلم فَقالُوا هؤلاء النفر من الجن حين رجعوا الى قومهم إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً بديعا مباينا لكلام المخلوق مصدر وصف به للمبالغة.
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ الى الحق والصواب من التوحيد والإحسان الذي يقتضيه العقل والبرهان صفة اخرى للقران فَآمَنَّا بِهِ ط اى بالقران وَلَنْ نُشْرِكَ فى العبادة بِرَبِّنا أَحَداً من خلقه حيث نهى الله سبحانه عنه.
وَأَنَّهُ الضمير عائد الى ربنا او للشان
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا جاهلنا قال قتادة ومجاهد هو إبليس وقيل المراد به مردة الجن عَلَى اللَّهِ شَطَطاً اى قولا ذا شطط وهو ابعد اى قولا بعيدا عن شانه والجور فى الحكم او التجاوز عن الحد فى القاموس شط عليه فى حكم جار فى سلعته جاوز القدر والحد وتباعد عن الحق اى كان يقول على الله تعالى ويحكم بالجور والتباعد عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد اليه تعالى.
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ
وَأَنَّهُمْ اى الانس ظَنُّوا ظنا كَما ظَنَنْتُمْ يا معشر الجن أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً بعد موته ان لن يبعث قائم مقام المفعولين يعنى نزل القران أمنوا بالغيب بعد فساد ظنهم فانتم ايضا ايها الجن أمنوا بالبعث كايمانهم قال ذلك بعضهم لبعض هذا على قراءة كسر ان واما على تقدير فتحها فهذه الجملة وما قبلها اعنى كان رجال إلخ معترضات من كلام الله تعالى معطوفتان على انه استمع يعنى اوحى الى هذين الامرين وتاويل الاية على هذا التقدير انهم اى الجن ظنوا كما ظننتم ايها الكفار من قريش مكة عدم البعث فلما نزل القران واستمع الجن أمنوا بالبعث فعليكم ايها الكفار ان تؤمنوا كما أمنوا.
وَأَنَّا لَمَسْنَا أردنا المس السَّماءَ بعد مبعث النبي ﷺ والظاهر ان المراد بالسماء السحاب فان السماء يطلق على ما هو فوقك ويدل على هذا التأويل حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر لامر الذي قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتتوجه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري فان قيل قد وقع فى بعض الاخبار بلفظ يدل على حقيقة السماء عن ابى هريرة رض ان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها فضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فرغ عن قولهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق وهو العلى الكبير فسمعها مسترقوا السمع هكذا بعضه فوق بعض ووضع سفيان بكفه ليستمع الكلمة فيلقها الى من تحته ثم يلقها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل ان يلقيها وربما ألقيها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة الحديث رواه البخاري وفى حديث ابن عباس ربنا تبارك وتعالى إذا قضى امرا سبح حملة العرش ثم سبح اهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يحملون العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم
وَأَنَّا كُنَّا قبل ذلك نَقْعُدُ مِنْها اى من السماء اى من السحاب حال من مَقاعِدَ خالية عن الحرس والشهب صالحة للترصد والاستماع ظرف لتقعد لِلسَّمْعِ متعلق بنقعد او صفة لمقاعد فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يعنى بعد مبعث النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً اى رصدا له ولاجله يمنعه من الاستماع بالرجم او ذوى شهاب راصدين على انه جمع للراصد فصار هذا معجزة للنبى صلى الله تعالى عليه واله وسلم لاجل الجن أمنوا به.
وَأَنَّا لا نَدْرِي يعنى انا كنا لا ندرى قبل ذلك أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ بحراسة أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً فاما الان إذا سمعنا القران ان الذي حال بينكم وبين خبر السماء هو بعث هذا النبي حتى يكون معجزة له يعجزه الكهنة عن إتيان خبر السماء مثله فظهر ان الله سبحانه تعالى انما أراد للعالمين هداية ورشدا ففى هذه الجمل الثلث احتجاج على حقية القران ورسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم والشر والخير وان كانا جميعا بخلقه تعالى وإرادته لكنهم اسندوا ارادة الخير اليه تعالى صريحا وارادة الشر كناية بذكره على صيغة المجهول رعاية الأدب.
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ عنوا بهم الذين كانوا منهم مؤمنين بالتورية وغيره من الكتب السماوية والأنبياء السابقين عليه السلام وَمِنَّا قوم دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ اى ذوى طرائق اى مذاهب او مثل طرائق فى اختلاف الأحوال او كانت طرائق قِدَداً متفرقة مختلفة وهذه الجملة اعنى قولهم كنا طرائق قددا تأكيد لمضمون ما سبق من قولهم انا منا الصالحون إلخ وقددا جمع قدة بمعنى القطعة من الشيء قال الحسن والسدى
وَأَنَّا ظَنَنَّا اى علمنا وتيقنا بتعليم الله تعالى فى القران وهدايته او المعنى كنا نظن ذلك قبل هذا او المعنى كنا نتيقن ذلك بعلمنا ما فى التورية أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ اى لن تفوته ان أراد بنا سوأ وكائنا فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً اى هاربين من الأرض الى السماء ان طلبنا مهربا وهذا على كونه حالا من فاعل نعجز ويحتمل ان يكون مفعولا مطلقا بمعنى تهرب هربا او مفعولا له اى نعجزه للهرب او ظرفا اى نعجزه فى الهرب او تميزا من نسبة الفاعل اى نعجزه هربها.
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى اى القران فانه موجب للهدى آمَنَّا بِهِ فامنوا به أنتم ايضا يا قومنا معاشر الجن فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ شرط والفاء للسببية والجزاء ما بعده فَلا يَخافُ خبر مبتداء محذوف اى فهو لا يخاف بَخْساً نقصا فى الثواب وَلا رَهَقاً اى ولا ان ترهقه وتغشياه ذلة او المعنى لا يخاف جزاء نقص فى الطاعات ولا جزاء له رهوق ظلم اى غشيان ظلم لان من حق الايمان بالقران ان يحبب ذلك.
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ الأبرار وَمِنَّا الْقاسِطُونَ ط اى الجائرون عن الحق يقال اقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار فهو قاسط انما ذكر هذه الجملة مع ذكر مفهون فيما سبق بقوله وانا منا الصالحون ومنا دون ذلك ليكون تمهيد التفصيل حال الفريقين والمقصود هاهنا تفصيل الحال وفيما سبق التفرق فحسب لدفع كون الإسلام امرا مبدعا ويحتمل ان يكون الذين يستمعون القران بعضهم اسلموا وبعضهم لم يسلموا وهذا مقولة المسلمين منهم لما رجعوا الى قومهم فَمَنْ أَسْلَمَ بالله ورسله فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً قصدوا طريقا موصلا الى الفلاح.
أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
توقد بهم جهنم كما توقد النار بالحطب وهذه الجمل السبعة من قوله تعالى وانا لمسنا السماء الى قوله وانا منا المسلمون فمن اسلم إلخ لا شك انها من كلام الجن فلا غبار على قراءة انا بالكسر واما على قراءة الفتح فلا بد ارتكاب تكلف
تعالى قال من اثبت الثواب فقوله مبنى على دليل وشهادة على الإثبات فيقبل بخلاف قول ابى حنيفة فانه متوقف بناء على عدم بدليل ولا شك ان قول ابن عباس واقوال عمرو بن عبد العزيز ونحوه من ثقات الصحابة والتابعين لها حكم الرفع وقد اخرج البيهقي عن انس رض عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم مرفوعا ان مومنى الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسالنا عن ثوابهم وعن مومنهم فقال على الأعراف وليسوا فى الجنة فسألنا وما الأعراف قال خارج الجنة تجرى فيه الأنهار وتنبت فيه الأشجار والأثمار والله تعالى اعلم.
وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا ان مفتوحة بإجماع القراء مخففة من المثقلة واسمها ضمير الشأن محذوف وجملة الشرطية خبرها والجملة معطوفة على انه استمع نفر من الجن والمعنى انه اوحى الى انه لو استقاموا اى الجن والانس عَلَى الطَّرِيقَةِ المرضية لله تعالى وهى دين الإسلام والفطرة التي فطر الناس عليها لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً اى كثيرا قال مقاتل نزلت هذه الاية بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين وقيل المراد من الماء الغدق الرزق الواسع على التجوز لان الماء سبب للرزق كما أريد من الرزق المطر فى قوله تعالى وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الأرض والمعنى لاعطينهم مالا كثيرا وعيشا رغدا وهذه الاية فى المعنى قوله تعالى ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم لاكلون من فوقهم ومن تحت أرجلهم
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ط متعلق باسقيناهم اى لنختبرهم كيف شكرهم وهذا التأويل قول سعيد بن المسيب وعطاء بن ابى رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن وقيل معناه ان لو استقاموا على طريقة الكفر لاعطيناهم مالا كثيرا لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا حتى يفتنوا بها فتذهب بهم نحو قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء وهذا قول الربيع بن انس وزيد بن اسلم والكلبي وابن كيسان وهذا القول ليس بسديد والا يلزم ان يكون الكفر موجبا لسعة الرزق وحسن المعيشة ويابى ذلك قوله تعالى ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل الاية وقوله تعالى ولو ان اهل القرى أمنوا الاية وكذا قوله تعالى ولولا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان سقفا من فضة الاية فان كلمة لولا لامتناع الثاني لا لاجل امتناع الاول واما قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم واقعة حال ماضى لا يدل على العموم والا يلزم التعارض فيما لا يحتمل النسخ وايضا وقائع اهل مكة حالة على صحة التأويل الاول دون الثاني فان أبا جهل وغيره من كفار مكة الذين لم يومنوا ابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا الروث ثم قتلوا ببدر فى أقبح حال والذين أمنوا مع النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم واستقاموا على الطريق أعطاهم الله ملك كسرى وقيصر وغيرهما وايضا يدل على صحة التأويل الاول مقابلته بقوله تعالى وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ حيث حكم بلزوم العذاب بالاعراض عن الذكر وذلك يقتضى الحكم بضد ذلك اى بحسن العيش على هذا الاعراض وهو المراد بالاستقامة على الشريعة كما هو عادة الله سبحانه فى كتابه والله تعالى اعلم يَسْلُكْهُ قرأ اهل كوفة ويعقوب بالياء على الغيبة اى يدخله ربه وآخرون بالنون على التكلم عَذاباً صَعَداً شاقا يعلو المعذب ويغلبه معهد وصف به والمراد بالعذاب منها اما عذاب الدنيا او عذاب القبر او عذاب الاخرة وكذلك فى قوله تعالى ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى والظاهر ان المراد به هاهنا عذاب الدنيا بدليل المقابلة وكذلك من ضنك المعيشة هنالك لعطف قوله ونحشره كما ان المراد بالحياة الطيبة فى قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون روى عن ابن عباس رض انه قال كل مال قل او كثر فلم؟؟؟
فيه فلا خير فيه وهو الضنك فى المعيشة وان قوما اعرضوا عن الحق وكانوا أول سعة من الدنيا
وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ عطف على ان لو استقاموا على الوحى به قيل المراد بالمساجد المواضع التي بنيت للصلوة- فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعتهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمر الله تعالى المؤمنين ان يخلصو الله الدعوات إذا دخلوا المساجد وأراد به المساجد كلها وامر بتطهيرها فقال طهرا بيتي للطائفين الاية وامر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشركائكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم واقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على ابوابها المطاهر وجمروها فى الجمع رواه ابن ماجة عن واصلة مرفوعا ونهى عن تناشد الاشعار فى المسجد وعن البيع والشراء فيه وان يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة فى المسجد رواه ابو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال البزاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها متفق عليه عن انس رض قال عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد رواه ابو داود والترمذي عنه وقال من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فيقول لا ردها الله عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم عن ابى هريرة رض وروى الترمذي والدارمي وزاد إذا رأيتم من يبيع او يبتاع فى المسجد فقولوا لا اربح الله تجارتك والله تعالى اعلم وقال الحسن أراد بها البقاع كلها لان الأرض جعلت كلها مسجدا لهذه الامة يعنى لا تدعوا مع الله أحدا فى شىء من البقاع واخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى صالح عن ابن عباس رض قال قالت الجن أتأذن لنا فنشهد معك الصلاة فى مسجدك فانزل الله تعالى ان المساجد لله فلا تدعوا
وَأَنَّهُ الضمير للشان قرأ نافع وابو بكر بكسر الهمزة على الاستيناف والباقون بالفتح عطفا على الموحى به لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ محمد ﷺ انما ذكر لفظ العبد دون الرسول او النبي او غير ذلك للتواضع فانه واقع موقع كلامه عن نفسه والاشعار بما هو المقتضى لقيامه وقال المجدد العبودية أقصى مراتب الكمال يَدْعُوهُ حال من عبد الله اى يعبده ويذكره كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ع قرأ هشام لبد بضم اللام والباقون بالكسر وهو جمع لبدة واصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ومعناه على ما قال الحسن وقتادة وابن زيد انه لما قام عبد الله بالدعوة الى التوحيد كاد الجن والانس يكونوا مجتمعين لابطال امره يريدون ان يطفؤا نور الله بأفواههم ويابى الله الا ان يتم نوره وينصره على من عاداه ويحتمل ان يكون معناه انه لما قام عبد الله يدعوه ويقرأ القران بنخلة كان الجن يكون عليه لبدا متراكمين من ازدحامهم عليه شوقا لاستماع القرآن.
قُلْ كذا قرأ عاصم وحمزة وابو جعفر بصيغة الأمر موافقا لما بعده والباقون بصيغة الماضي اى قال عبد الله إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً فما لكم يجتمعون على ابطال امرى او المعنى قال عبد الله حين اشتاق الجن الى كلامه انما ادعوا ربى فادعوا أنتم ايضا كدعائى ولا تشركوا به أحدا وقال مقاتل قال كفار مكة للنبى ﷺ لقد جئت بامر عظيم فارجع عنه فنحن بخيرك فنزلت هذه الاية وما بعدها.
قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً يعنى ضرا ولا نفعا او غيا ولا رشدا عبر عن أحدهما باسم وعن الاخر باسم سببه او مسببه اشعارا بالمعنيين.
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ملتجأ أميل اليه ان أرادني سوء وهذين الجملتين المستانفتين كانهما فى جواب ما أقول حين يقول الكفار الذين اجتمعون لابطال امرى انك لن كنت نبيا فاتنا بعذاب من عند الله او يقول الكفار ارجع عن دينك فنحن بخيرك ويحتمل ان يكون الجملة الاولى
إِلَّا بَلاغاً كائنا مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ عطف على بلغا والاستثناء اما من قوله لا املك فان التبليغ ارشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض موكد لنفى الاستطاعة فلا يلزم الفصل بأجنبي يعنى لا املك لكم من رفع الضرر او إيصال الرشد الا التبليغ والرسالة فانى أملكه واما من قوله أحد او ملتحدا على سبيل التنازع واعمال الثاني يعنى لا يجيرنى من الله أحد من دونه ملتحدا الا التبليغ والرسالة فان التبليغ والرسالة فريضة على من الله تعالى يجيرنى من عذاب الله ويعذبنى الله ان لم افعل كذلك قال الحسن ومقاتل قيل المعنى لا املك لكم خيرا ولا شرا ولا رشدا ولكن بلاغا من الله ورسالة ثابت وقيل الا مركب من ان الشرطية ولا النافية وجزاء الشرط محذوف اكتفاء بما مضى يعنى ان لا أبلغكم بلاغا كائنا من الله ورسالاته لن يجيرنى من الله أحد وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى الأمر بالتوحيد ولم يؤمن به فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أفرد ضمير يعص الله وضمير له نظرا الى لفظة من وجمع ضمير خالدين نظرا الى معناه وجملة ومن يعص الله معطوفة على مقدر يعنى ملك لكم بلاغا من الله ورسالاته فمن يطع الله ورسوله فاولئك تحروا رشدا ومن يعص الله ورسوله الاية حتى إذا رأوا اى الكفار غاية لقوله تعالى يكونون عليه لبدا ان كان المراد به اجتماع الكفار لابطال امر النبي صلى الله عليه واله وسلم والا فهو غاية لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار له وعصيانهم له كانه قيل لا يزالون يعصونه ويستضعفونه.
حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ اما العذاب فى الدنيا كوقعة بدر واما الساعة ساعة الموت فان من مات فقد قامت له القيامة المشتملة على جهنم والساعة أدهى وامر فَسَيَعْلَمُونَ حين حلوله بهم مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً أهم أم النبي صلى الله عليه واله وسلم جملة استفهامية قائمة مقام المفعولين لقوله تعالى فسيعلمون فقال بعض الكفار متى هذا الوعد فنزل.
قُلْ يا محمد إِنْ أَدْرِي لا أدرى أَقَرِيبٌ خبر مبتداء بعده او مبتداء من القسم الثاني
عالِمُ الْغَيْبِ صفة ربى او خبر مبتداء محذوف اى هو عالم الغيب لا غيره فكانه تعليل لقوله لا أدرى والمراد بالغيب ما لم يوجد بعد كاخبار المعاد او العدم بعد الوجود كاخبار المبدأ والقصص الماضية التي انقطعت الرواية عنها واما ما غاب عن العباد من اسماء الله تعالى وصفاته التوقيفية التي لا يدل عليه البرهان واما ما قام عليه الدليل والبرهان كوجوده تعالى ووجوبه وتوحده وكونه متصفا بصفات الكمال منزها عن سمات النقص والزوال فليس من الغيب بل من الشهادة لشهود ما يدل عليه من العالم وكذا مسئلة حدوث العالم مثلا ليس من الغيب بل من الشهادة لمشاهدة قابلية التغير الدال على الحدوث وهذه الاقسام من الغيب لا يمكن العلم بها الا بتوفيق من الله تعالى ومن الغيب ما هو غيب بالنسبة الى بعض دون بعض كاحوال الجن واحوال بعض أشياء البعيدة غيب بالنسبة الى الانس دون الجن ومن ثم زعم الانس ان الجن يعلمون الغيب وهم لا يعلمون الا ما يشهدونه قال الله تعالى فى قصة سليمان عليه السلام فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين وكاحوال السموات بالنسبة الى اهل الأرض دون اهل السماء واحوال المشرق بالنسبة الى اهل المغرب وهذا القسم من علم الغيب قد يحصل بالوحى والإلهام وقد يحصل برفع الحجب وجعلها مثل الحجب الزجاجة روى مسلم عن ابى هريرة رض انه صلى الله عليه وآله وسلم قال لقد رايتنى فى الحجر وقريش سالنى عن مسراى فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله فرفعه الله الى النظر اليه ما يسألنى عن شىء الا انبأتهم وروى البيهقي عن ابى عمران عمر بعث جيشا وامر عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح يا سارية الجبل وروى ابو داود عن عائشة قالت لما مات النجاشي كنا نتحدث انه لا يزال يرى على قبره نور وعند رفع الحجب لا يكون هذا من علم الغيب بل من علم الشهادة وان كان من قبيل المعجزة او الكرامة فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً من الخلق.
إِلَّا مَنِ ارْتَضى العائد الى الموصول محذوف فانه يطلع من ارتضاه أحيانا ليكون معجزة ويبشر المطيعين ومنذر العاملين مِنْ رَسُولٍ أعم من البشر والملائكة ويشتمل لفظة الرسول الأنبياء ايضا قال الله تعالى
نفسه بنفسه قال الله تعالى نحن اقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون ايها العوام ويبصره من أبصره الله تعالى وهذا العلم اللدني يحصل للاولياء بتوسط الرسول ﷺ ولو بوسائط فان قيل نحن اقرب إليكم منكم خطاب لسائر الناس ويلزم منه ان يكون لسائر الناس علما بالله تعالى حضور يا فوق علمه بنفسه قلنا نعم لكن العلم تابع للحيوة لا يتصور بدونها وقد ذكر فى تفسير سورة الملك ان الحيوة على اربعة اقسام منها ما يستتبع المعرفة وتلك الحيوة بالتجليات الذاتية والصفاتية ولاجل حصول هذه الحيوة الاكتساب والتصوف فان قيل لو كان هذا العلم الثاني قطعيا لما اخطأه فيه ولما تعارض أقوالهم وقد يخطئون كما يدل عليه تعارض أقوالهم المقتضى خطاء أحد المتنافيين فانه يقول بعضهم بالتوحيد الوجودي وبعضهم بالتوحيد الشهودى ونحو ذلك قلت هذا الخطاء انما يقع فى علم العلم الذي من قبيل العلم الحصولى دون نفسه وقد يقع فى بيانه وتصويره حيث لم يوضع لهذه المعاني ألفاظ فى اللغات قال الشاعر بالفارسي
گفتگوى كفر ودين آخر بكجا ميكشد | خواب يك خوابست باشد مختلف تعبيرها |
الجنى فنقرها فى اذن وليه قرأ الدجاجة فيخلطون فيه اكثر من مائة كذبة متفق عليه واما علم الطب والنجوم فمبناهما اما التجارب وذلك من علم الشهادة دون الغيب والا ظهران ذينك العلمين اعنى العلم بخواص الادوية والطبائع وكذا بخواص النجوم من السعادة والنحوسة وغيرها مقتبسان من علوم الأنبياء فبقى العلمان فى الكتب ونسبحت عناكب النسيان على سلاسل الرواة واكتفوا بشهادة التجارب فى معرفتها قال الله تعالى فى قصة ابراهيم عليه السلام فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم اى ساسقم وذكر البغوي فى تفسير سورة سبأ ان سليمان عليه السلام ما يأتي عليه يوم الا تثبت فى محراب بيت المقدس شجرة فيسالها ما اسمك فيقول اسمى كذا فيقول لاى شى أنت فيقول لكذا وكذا فامر بها فينقطع فان كانت بنت الغرس غرس لها وان كانت الدواء كتب حتى تنبت الخروبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لاى شىء أنبتت قالت لخراب مسجدك كذا ذكر الامام حجة الإسلام محمد الغزالي رحمة الله تعالى فى رسالة المنقذ من الضلال ثم ان علم الطب والنجوم ليسا بوجهان للقطع فان التاثيرات المودعة فى الادوية والكواكب امر عادى جرت العادة الالهية على خلق تلك الآثار بعد استعمال تلك الادوية وبعد طلوع تلك النجوم ويتخلف تلك الآثار عنها كثيرا ان شاء الله ومن هاهنا يعلم ان من استدل بالنجوم على شىء وزعم ان الله تعالى يفعل كذلك بعد طلوع ذلك النجم جريا على عادته فلا يكفر كمن زعم ان الله تعالى يخلق الشفاء بعد شرب الدواء ويخلق الموت بعد شرب السم واما من زعم ان حدوث ذلك الشيء بذلك النجم فيكفر كما زعم ان الدواء علة تامة على الشفاء عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول الله ﷺ صلوة الصبح بالحديبية على اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قد أصبح قوم من عبادى مؤمن بي وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مومن بي والكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب متفق عليه فهذا الحديث انما يدل
ان يسترق السمع او يخلطوا فى الوحى بما ليس منه قال مقاتل وغيره كان إذا بعث الله رسولا أتاه إبليس فى صورة ملك يخبره فبعث الله من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة يحرسونه ويطرد والشياطين فاذا جاء الشيطان فى صورة ملك اخبروه بانه شيطان فاحذره وإذا حاء ملك قال له هذا رسول ربك ونظيره هذه الاية قوله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.
لِيَعْلَمَ الله اى ليتعلق علمه به موجودا نظيره قوله تعالى ليعلم الله من