ﰡ
مكية، وآيها: عشرون وثماني آيات، وحروفها: سبع مئة وتسعة وخمسون حرفًا، وكلمها: مئتا كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١)﴾.[١] ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ أصله وحي؛ من وحي إليه، فقلبت الواو همزة لضمها.
﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ وكانوا تسعة من جن نصيبين اليمن، استمعوا قراءة النبي - ﷺ -، وتقدم ذكر أسمائهم وقصتهم وحكمهم في سورة الأحقاف، والجن أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النارية أو الهوائية.
﴿فَقَالُوا﴾ لما رجعوا إلى قومهم: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ بليغًا، لأنهم تعجبوا من حسنه وغزارة معانيه. قرأ ابن كثير: (قُرَانًا) بالنقل، والباقون: بالهمز (١).
[٢] ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ يدعو إلى الإيمان ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ بالقرآن.
﴿وَلَنْ نُشْرِكَ﴾ بعد اليوم ﴿بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ وفيه دلالة على أنه - ﷺ - لم يرهم، ولم يقرأ عليهم، وإنما اتفق حضورهم وقت قراءته، فسمعوها، فأخبر الله به نبيه.
...
﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (٣)﴾.
[٣] ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ أي جلالُ ربنا وعظمتهُ (١)، والجَدُّ: البخت والحظ، والمعنى: تعاظم جلاله وقدرته عن المحدَثات.
﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ اختلف القراء في (أَنَّهُ تَعَالَى) وما بعدها إلى قوله (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ)، وتلك اثنتا عشرة همزة، فقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: بفتح الهمزة فيهن، وافقهم أبو جعفر في ثلاتة: (وَأَنَّهُ تَعَالَى)، (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ)، (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ)، وقرأ الباقون: بكسرها في الجميع (٢)، فمن كسر، استأنف فوقف على أواخر الآيات، ومن فتح، عطف على أنه عطف على (أَنَّهَ اسْتَمَعَ)، واتفقوا على فتح (أَنَّهُ اسْتَمَعَ)، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ)؛ لأنه لا يصح أن يكون من قولهم، بل هو مما أوحى الله إليه - ﷺ -، بخلاف الباقي؛ فإنه يصح أن يكون
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١٥)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٨١)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٣٧ - ٢٤٠).
...
﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (٤)﴾.
[٤] ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ جاهلُنا إبليس ﴿عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ كذبًا وعدوانًا.
...
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥)﴾.
[٥] ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ حَسِبْنا ﴿أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ المعنى: كان في ظننا أن أحدًا لا يكذب على الله بنسبة الزوجة والولد إليه. قرأ يعقوب: (تَقَوَّلُ) بفتح القاف والواو مشددة، والباقون: بضم القاف وإسكان الواو مخففة (٢). إلى هنا تم الكلام.
...
﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)﴾.
[٦] وابتدأ كلام الله سبحانه، وهو قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا سافر،
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٤٨٢)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٣٩ - ٢٤٠).
﴿فَزَادُوهُمْ﴾ أي: زاد الإنسُ الجنَّ باستعاذتهم.
﴿رَهَقًا﴾ طغيانًا وسفهًا؛ بأن قالوا: سُدْنا الجنَّ والإنسَ.
...
﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (٧)﴾.
[٧] ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا﴾ أي: الجنَّ ﴿كَمَا ظَنَنْتُمْ﴾ يا كفار الإنس.
﴿أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ بعد موته.
...
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨)﴾.
[٨] ثم رجع إلى قول الجن، وهو قوله: ﴿وَأَنَّا﴾ أي: تقول الجنُّ: إنا.
﴿لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾ طلبنا بلوغ السماء، واللمس مستعار من المس: الطلب؛ كالجس.
﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ﴾ قرأ أبو جعفر: (مُلِيَتْ) بفتح الياء بغير همز، والباقون: بالهمز (١) ﴿حَرَسًا شَدِيدًا﴾ من الملائكة يحرسون ﴿وَشُهُبًا﴾ من النجوم محرقة.
[٩] ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا﴾ أي: السماء ﴿مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ فيه إيذان بخلو بعض السماء من الحرس قبل بعثة النبي - ﷺ -، فلما بُعث، منعوا منها بالكلية، يدل عليه: ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ المعنى: كنا قبل نستمع.
﴿فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾ صفة لـ (شِهَابًا)، أي: أُرصد، يعني: أُعِدَّ له ليرمى به.
...
﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ بحراسة السماء.
﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ خيرًا.
...
﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (١١)﴾.
[١١] ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ﴾ المؤمنون الأبرار ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي: قوم دون ذلك، وهم المقتصدون.
﴿كُنَّا طَرَائِقَ﴾ مذاهب ﴿قِدَدًا﴾ فرقًا مختلفة الأهواء، والقدة: القطعة من الشيء.
[١٢] ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ أَيْقَنَّا ﴿أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ﴾ كائنين ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أينما كنا.
﴿وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ أي: هاربين منها إلى السماء.
...
﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (١٣)﴾.
[١٣] ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى﴾ القرآن ﴿آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ﴾ أي: فهو لا يخاف، مبتدأ وخبر، وليس بنهي، ولو كان نهيًا، لقيل: فلا يخف.
﴿بَخْسًا﴾ نقصًا ﴿وَلَا رَهَقًا﴾ ظلمًا.
...
﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾ وهم من آمن بمحمد - ﷺ - ﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ الجائرون، وهم الذين جعلوا لله ندًّا، يقال: أقسط الرجل: إذا عدل، فهو مُقْسِط، وقَسَطَ: إذا جار، فهو قاسِط.
﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا﴾ تَوَخَّوا وتعمَّدوا ﴿رَشَدًا﴾ خيرًا وهداية.
[١٥] ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ توقَد بهم يوم القيامة. إلى هنا من كلام الجن.
...
﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦)﴾.
[١٦] ثم قال الله تعالى إخبارًا عن الكفار: ﴿وَأَلَّوِ﴾ (وَأَنْ) مخففة من الثقيلة، تقديره: (وَأَنَّهُ لَو) ﴿اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ طريقة الإسلام.
﴿لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ كثيرًا، وذلك بعد ما رُفع عنهم المطر سبع سنين.
...
﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)﴾.
[١٧] ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ لنختبرهم كيف يشكرون ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ عن عبادته ﴿يَسْلُكْهُ﴾ ندخله. قرأ الكوفيون، ويعقوب: (يَسْلُكْهُ) بالياء؛ أي: يُدخله ربه، وقرأ الباقون: بالنون التي للعظمة (١) ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ شاقًّا.
...
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨)﴾.
[١٨] ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ﴾ المبنية للصلاة ﴿لِلَّهِ﴾ تُفرد للصلاةِ والدعاءِ
وأما حكم القاضي في المسجد، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يجوز؛ لأن رسول الله - ﷺ - كان يقضي بين الخصوم في المسجد، وكذا الخلفاء الراشدون بعده، ومذهب الشافعي: يُكره كراهة تنزيه، فلو اتفقت قضية أو قضايا وقت حضوره في المسجد لصلاة أو غيرها، فلا بأس بفصلها، وأما الحدود، فلا تقام في المساجد بالاتفاق.
﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ فلا تعبدوا فيها غيره سبحانه.
...
﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩)﴾.
[١٩] ثم رجع عن الإخبار عن الكفار إلى الإخبار عن الجن، فقال: ﴿وَأَنَّهُ﴾ قرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: بكسر الهمزة، والباقون: بفتحها (١) ﴿لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ هو محمد - ﷺ - ﴿يَدْعُوهُ﴾ يعبد الله تعالى، ويقرأ القرآن بنخلة عند سوق عكاظ.
﴿كَادُوا﴾ يعني: الجن، وهم النفر الذين جاؤوه من جن نصيبين.
﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ أي: يركب بعضهم بعضًا، يزدحمون حرصًا على
...
﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿قُلْ﴾ قرأ أبو جعفر، وعاصم، وحمزة: (قُلْ) بغير ألف على الأمر؛ أي: قل للمتظاهرين عليك، وقرأ الباقون: بالألف على الخبر (٢)، يعني: قال رسول الله - ﷺ -، وهو يرجع إلى قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ).
﴿إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾ إلها معبودًا.
﴿وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ في العبادة وغيرها، فلم تتظاهرون علي؟!
...
﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١)﴾.
[٢١] ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا﴾ غَيًّا.
﴿وَلَا رَشَدًا﴾ خيرًا، وإنما هو تعالى المالك لذلك.
...
﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ﴾ من عذابه إن عصيته.
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٢٥)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٨٦)، و "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٤٦).
...
﴿إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (٢٣)﴾.
[٢٣] وتستثنى من ﴿لَا أَمْلِكُ﴾ إلى ﴿رَشَدًا﴾ ﴿إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ﴾ وتعطف على ﴿بَلَاغًا﴾ ﴿وَرِسَالَاتِهِ﴾ المعنى: لا أملك إلا تبليغَ الرسالة.
﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ فلم يؤمن ﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ جمعه للمعنى.
...
﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا﴾ فيه إضمار معناه: انتظرهم يا محمد، وأمهلهم حتى إذا رأوا، يعني: المشركين ﴿مَا يُوعَدُونَ﴾ من العذاب.
﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ عند حلوله بهم ﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾ أعوانًا هم أم المؤمنون.
...
﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي﴾ أي: ما أدري ﴿أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ من العذاب.
﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾ أجلًا. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير،
...
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾ رفع على نعت قوله: (رَبِّي).
﴿فَلَا يُظْهِرُ﴾ يُطْلع.
﴿عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ مما يختص به علمه.
...
﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى﴾ أي: اصطفى ﴿مِنْ رَسُولٍ﴾ فإنه يظهره على ما يشاء مما هو قليل من كثير.
﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ﴾ يسير ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ يدي الرسول.
﴿وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ حَفَظَة من الملائكة يحرسونه من الشيطان.
...
﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿لِيَعْلَمَ﴾ قرأ رويس عن يعقوب: بضم الياء؛ أي: ليُعلم الناسَ
﴿أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا﴾ أي: الرسل ﴿رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ والآية مضمنة أنه تعالى قد علم (٢) ذلك، فعلى هذا الفعل المتضمن العطف.
﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ أي: علم ما عند الرسل، وأحاط علمه به. قرأ حمزة، ويعقوب: (لَدَيْهُمْ) بضم الهاء، والباقون: بكسرها (٣).
﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ أي: معدودًا محصورًا، فلم يخف عليه شيء، ونصب (عددًا) على الحال، والله أعلم.
(٢) "قد علم" زيادة من "ت".
(٣) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٢٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٤٨).