ﰡ
وهي مكّيّة في قول جماعة، وقيل: مدنيّة
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤)فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)
قال ابن عبّاس وغيره: المراد ب الْعادِياتِ: الخيلُ لأَنها تَعْدُو بالفُرْسَانِ، وَتَضْبَحُ بأصْوَاتِها «١»، وعن ابن مسعود وعلي أن الْعادِياتِ هنا: الإبِلُ لأنها تَضْبَحُ في عَدْوِها «٢»، قال علي- رضي اللَّه عنه-: والقَسَمُ بالإبل العادياتِ مِنْ عَرَفَةَ ومِنَ المُزْدَلِفَةِ، إذا دَفَعَ الحاجُّ، وبإبِل غَزْوَةِ بدرٍ «٣»، والضَّبْحُ تَصْوِيتٌ جَهِيرٌ عِنْدَ العَدْوِ، قال الداوديّ: وهو الصوتُ الذي يُسْمَعُ من أجوافِها وقتَ الرَّكْضِ، انتهى.
وقوله تعالى: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً قال علي وابن مسعود هي: الإبلُ وذلك بأنها [في] عَدْوِها تَرْجُمُ الحَصْبَاءَ بالحَصْبَاءِ فَتَتَطَايرُ منهَا النارُ، فذلك القَدْحُ، وقال ابن عباس:
هي الخيلُ وذلكَ بِحَوَافِرِها في الحِجَارة، وقال ابن عباس أيضاً وجماعةٌ: الكلام/ عَامٌّ يَدْخُلُ في القَسَمِ كلُّ مَنْ يُظْهِرُ بِقَدْحِه ناراً. - ص-: قَدْحاً أبو البقاء: مصدر مؤكّد
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٦٧)، (٣٧٧٨٥)، وذكره البغوي (٤/ ٥١٧)، وابن عطية (٥/ ٥١٣)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٤١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦٥٢)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٦٦)، (٣٧٧٨١)، وذكره البغوي (٤/ ٥١٧)، وابن عطية (٥/ ٥١٣)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٤١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦٥٢)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في «المصاحف»، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عبّاس بنحوه.
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً قال علي وابن مسعود هي: الإبل، وجَمْعاً هي المزدلفة، وقال ابن عباس وجماعة: هي الخيلُ، والمرادُ جَمْعٌ مِنَ الناسِ هم المَغْزُوُّونَ، والقَسَمُ واقِع على قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الكَنُودُ؟
قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الكَفُورُ الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ، وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ»، وقد يَكُونُ في المؤمِنينَ الكَفُورُ بالنِّعْمَةِ فتقديرُ الآيةِ: إنَّ الإنْسَانَ لِنعمةِ ربِّه لَكَنُودٌ، وأَرْضٌ كَنُودٌ: لاَ تُنْبِتُ شَيْئاً، والكَنُودُ: العَاصِي بلُغَةِ كِنْدَة، ويقال للبخيل: كَنُودٌ، وفي البخاريِّ عن مجاهدٍ: الكنود الكفور، انتهى «١».
[سورة العاديات (١٠٠) : الآيات ٧ الى ١١]
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
وقوله تعالى: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ يحتملُ الضميرُ أنْ يعودَ عَلَى اللَّهِ تعالى وقالَهُ قتادة «٢»، ويحتملُ أَنْ يَعُودَ على الإنسان أَنَّه شَاهِدٌ عَلى نَفْسِهِ بِذَلِكَ وهذا قول مجاهد وغيره».
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ أي: وإنَّ الإنسانَ لحبِّ الخَيْرِ، والمعنى من أجْلِ حبِّ الخَيْرِ، لَشَدِيدٌ أي: بَخِيلٌ بالمَالِ ضَابِطٌ له، والخيرُ هنا المالُ، ويحتملُ أن يُرَادُ هنا الخيرُ الدنيويُّ من مالٍ، وصحةٍ، وجاهٍ عندَ الملوك، ونحوه لأَنَّ الكفارَ والجُهَّال لا يعرفونَ غَيْرَ ذلكَ، وأَمَّا [الحُبُّ في خَيْرِ الآخرة فَمَمْدُوحٌ مَرّجُوٌّ لَه الفوزُ، وقَال الفراء: معنى الآية: أنّ
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٧٣)، (٣٧٨٤٤)، وذكره ابن عطية (٥/ ٥١٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٤٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦٥٤)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة.
(٣) ذكره ابن عطية (٥/ ٥١٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٤٢)، والسيوطي في «الدر المنثور»، وعزاه لابن أبي حاتم.
وقوله تعالى: أَفَلا يَعْلَمُ تَوْقِيفٌ، أي: أفلا يعلم مآلَه ومصيرَه فيستعدّ لَهُ.
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، أي: مُيِّزَ وأبْرزَ مَا فِيها ليقعَ الجزاءُ عليه، ويفسّر هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» وفي قولِه تعالى: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ وَعِيدٌ، - ص-: والعَامِلُ في يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ على تضمينِه مَعْنى: لَمُجازٍ لأنّه تعالى خبير دائما، انتهى.