تفسير سورة الجن

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الجن من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة الجن
أهداف سورة الجن
( سورة الجن مكية، وآياتها ٢٨ آية، نزلت بعد سورة الأعراف )
وهي سورة تصحح كثيرا من المعلومات الخاطئة لأهل الجاهلية عن الجن، حيث كانوا يزعمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يتلقى ما يقوله لهم من الجن، فتجيء الشهادة من الجن أنفسهم بهذه القضايا التي يجحدونها ويجادلون فيها، وبتكذيب دعواهم في استمداد محمد من الجن شيئا.
والجن لم يعلموا بهذا القرآن إلا حين سمعوه من محمد صلى الله عليه وسلم، فهالهم وراعهم ومسّهم منه ما يدهش ويذهل، فانطلقوا يحدثون عن هذا الحدث العظيم الذي شغل السماء والأرض، والإنس والجن والملائكة والكواكب، وترك آثاره ونتائجه في الكون كله، وهي شاهدة لها قيمتها في النفس البشرية حتما.
أوهام عن الجن
كان العرب يبالغون في أهمية الجنّ، ويعتقدون أن لهم سلطانا في الأرض، فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض، فيقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه.. ثم يبيت آمنا.
كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب، وتخبر به الكهان فينبئون بما يتنبأون، وفيهم من عبد الجن، وجعل بينهم وبين الله نسبا، وزعم أن له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة. وهكذا نجد كثيرا من الأوهام والأساطير تغمر قلوب الناس ومشاعرهم، وتصوراتهم عن الجن في القديم، ولا تزال هذه الأوهام تسود بعض البيئات إلى يومنا هذا.
ونجد في الصف الآخر منكرين لوجود الجن أصلا، يصفون أي حديث عن هذا الخلق المغيب بأنه حديث خرافة.
وبين الإغراق في الوهم، والإغراق في الإنكار، يقرر الإسلام حقيقة الجن، ويصحح التصورات العامة عنهم، ويحرر القلوب من خوفها وخضوعها لسلطانهم الموهوم.
الجن في القرآن
تحدث القرآن الكريم عن الجن في عدد من السور، وقد عالج القرآن الأخطاء الشائعة عن الجن، وأثبت الحقيقة فيما يتصل بهم، وأعطى للإنسان صورة واضحة دقيقة متحررة من الوهم والخرافة، ومن التعسف في الإنكار الجامح، فالجن عالم نؤمن به وبخصائصه كما وردت في القرآن الكريم، والجن لا يظهر للعين ولا يراه الإنسان بحاسة البصر.
قال تعالى : إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم.. ( الأعراف : ٢٧ ).
والجن منهم الضالون المضلّون، ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون، ومنهم المستقيمون على الطريق القويم والمنهج السليم، وليس للجن معرفة بالغيب، وليس لهم قوة ولا حيلة مع قوة الله، وليس بينهم وبين الله صهر ولا نسب، وقد كان إبليس من الجن ثم فسق عن أمر ربه وتمحض للشر والفساد والإغواء، وقد خلق الجن من النار، كما خلق الإنسان من الطين.
وقد سخرت الجن لسليمان عليه السلام، فمنهم من كان يبني له المساجد والمنازل والأبنية المختلفة، ومنهم من كان يغوص في البحر يستخرج له اللؤلؤ والياقوت والأحجار الكريمة، وسلطه الله على المردة والخارجين على القانون، فكان يقيدهم في السلاسل والأغلال، ويسخرهم في الأعمال، ويرهقهم بألوان العذاب، وقد جعل الله السيطرة على الجن منحة خاصة لسليمان عليه السلام، فقد سأل ربه ملكا لا يتهيأ لأحد من بعده، فأعطاه الله ملك الريح والجن والشياطين والمردة :
قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب* فسخّرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب* والشياطين كل بنّاء وغوّاص* وآخرين مقرّنين في الأصفاد* هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب* وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب. ( ص : ٣٥-٤٠ ).
" إن الكون من حولنا حافل بالأسرار، عامر بالرواح، حاشد بالقوى، وهذه السورة من القرآن- كغيرها- تمنحنا جوانب من الحقائق في هذا الوجود، تعين على بناء تصور حقيقي صحيح للوجود، وما فيه من قوى وأرواح وحيوانات تعج من حولنا، وتتفاعل مع حياتنا، وهذا التصور هو الذي يميز المسلم، ويقف به وسطا بين الوهم والخرافة، وبين الادعاء والتطاول، ومصدره هو القرآن والسّنة، وإليهما يحاكم المسلم كل تصور آخر، وكل قول، وكل تفسير )i.
استماع الجن للقرآن
في كتب السّنة ما يفيد أن الجن قد استمعت للقرآن عرضا دون قصد، فأسلمت وآمنت، وانطلقت تدعو قومها إلى الإسلام.
وفي روايات أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق متعمدا ليبلغ دعوته إلى الجن، وقد افتقده أصحابه ذات ليلة فاشتد بهم القلق، وباتوا بشرّ ليلة بات بها قوم، فلما أصبحوا جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم من قبل حراء، فقال :( أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن ). والروايتان السابقتان واردتان في الصحيح، أحداهما عن ابن عباس تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف بحضور النّفر من الجن، والرواية الثانية عن ابن مسعود تقول إنهم استدعوه ويوفق البيهقي بين الروايتين بأنهما حادثان لا حادث واحد.
وفي رواية ثالثة لابن إسحاق أن الجن استعمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة عودته من الطائف قبل الهجرة.
ولعل الجن قد استمعت للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، وكان في استماع الجن للنبي بمكة قبل الهجرة تطييب لخاطره، وتصديق لدعوته، وتحقيق للحق بشأن الجن، وتصحيح لمفاهيم الجاهلية عن الجن، وإرشاد للمسلمين ليكون إيمانهم عن بيّنة، وقد ساقت سورة الجن كثيرا من الحقائق عن الألوهية والعقيدة والوحدانية، وإخلاص العبادة لله سبحانه، فهي سورة الجن ولكنها توجيه وإرشاد وتعليم للخلق أجمعين.
أسماء السورة
نلاحظ أن السورة في القرآن تسمى بأغرب شيء فيها أو أهم شيء فيها، فسورة البقرة اشتملت على قصة قتيل ضرب بقطعة من البقرة فدرت إليه الحياة، وسورة آل عمران اشتملت على قصة مريم ابنة عمران، وسورة النساء اشتملت على ذكر أحكام النساء، وسورة المائدة اشتملت على قصة المائدة التي نزلت من السماء استجابة لدعاء عيسى عليه السلام.
كما سمى سبحانه سور كتابه بأسماء تبعث على النظر والاعتبار، وتوجب التفكير، فسمى بالأنعام، وبالحشرات كالنمل والنحل والعنكبوت، وبما هو ألطف من ذلك كالنور، كما سمى ببعض الأنبياء كيوسف ويونس وهود، وببعض الأخلاق كالتوبة، وببعض الكواكب العلوية كالشمس والقمر والنجم، وببعض الأوقات كالليل والفجر والضحى، وببعض المعادن كالحديد، وببعض الأماكن كالبلد، وببعض النبات كالتين، وكل ذلك مما نراه.
وهنا سمى هذه السورة بعالم لا نراه وهو عالم الجن، وهو عالم لم يعرف في الإسلام إلا من طريق الوحي، وليس للعقل دليل عليه، فالمؤمن يؤمن بالغيب، ويؤمن بالملائكة وبالجن على نحو ما ورد في القرآن.
وسميت السورة سورة الجن لأنها تحدثت عنهم وبدأت بذكرهم، فقالت : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا. ( الجن : ١ ).
مع آيات السورة
٢، ١- تطالعنا السورة بأن الجن فوجئت باستماع القرآن الكريم، فقالوا لقومهم : إنا سمعنا كتابا بديعا يهدي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، فصدّقنا به، ولن نعود ما كنا عليه من الإشراك بالله.
٣- ثم نزّهوا ربهم عن الزوجة والولد، فقالوا : علا ملك ربنا وسلطانه أن يكون ضعيفا ضعف خلقه، الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة، أو ملامسة يكون منها الولد، وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله، جاءته من صهر مع الجن، فجاءت الجن تكذب هذه الخرافة الأسطورية، في تسبيح الله وتنزيه له.
٤- وأن الجهّال من الجن يقولون قولا شططا عن الصواب، بنسبة الولد والصاحبة إليه تعالى.
٥- وأنهم كانوا يستعظمون أن يجرؤ أحد على الكذب على الله، فلما قال لهم سفهاؤهم : إن الله صاحبة وولدا، صدقوهم لأنهم لم يتصوروا أنهم يكذبون على الله.
٦- وأن رجالا من الإنس يستعيذون في القفر برجال من الجن فزادوا الجن بذلك طغيانا وغيّا، إنهم لما استعاذوا بالجن خوفا منهم ولم يستعيذوا بالله، استذلوهم واجترؤوا عليهم.
٧- ظنّت الطائفة الظالمة من الجن أن الله لن يبعث رسولا إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده والإيمان برسله واليوم الآخر. أو ظنّوا أن لن يبعث الله أحدا بعد الموت، وهذا الظن مخالف للاعتقاد في حكمة الله وكماله. وهؤلاء النفر من الجن المؤمن يصححون لقومهم ظنّهم، والقرآن في حكايته عنهم يصحح للمشركين أوهامهم.
٨-٩- كان الجن يحاولون الاتصال بالملأ الأعلى، واستراق شيء مما يدور بين الملائكة، عن شئون الخلائق في الأرض، ثم يوحون ما التقطوه لأوليائهم من الكهان والعرافين، الذين يستغلون الكثير من الحق فيمزجونه بالكثير من الباطل، ويروجونه بين جماهير الناس.
وبعد رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حاولت الجن استراق السمع من السماء فلم يتمكنوا، لأن الحراسة شدّدت على السماء، ومن حاول استراق السمع ومعرفة الغيب رجم بالشهب فتقتله أو تخبله.
١٠- إن الجن لا تعلم شيئا عن الغيب المقدّر للبشر، ولا يدرون الحكمة من حراسة السماء بالشهب، ولا ماذا قدر الله لعباده في الأرض، أعذابا أراد الله أن ينزله بهم، أم أراد بهم ربهم الهدى، بأن يبعث فيهم رسولا مرشدا يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
١١- من الجن الصالح والطالح، ومنهم المسلم والجائر، فهم مثلهم مثل الإنسان في طبيعته، لديهم استعداد للخير والشر، إلا من تمحض منهم للشر وهو إبليس وقبيله.
١٢- إن الله قادر علينا حيث كنا فلا نفوته هربا، فهم يقدرون ضعف المخلوق أمام الخالق، ويشعرون بسلطان الله القاهر الغالب.
١٣- لما سمعنا القرآن صدقنا به وأقررنا بأنه من عند الله، ومن يصدق بالله وبما أنزله على رسله فلا يخاف نقصا من حسناته، ولا هوانا ولا جوارا، لأن المؤمن في حماية الله وعونه ورعايته، وسينال جزاءه وافرا كاملا.
١٤- من الجن فريق مؤمن أطاع الله واستقام على الهدى، وفريق قاسط جائر مائل عن الصواب، وقد وصل الفريق المؤمن إلى الصواب، حين اختار الإسلام وحرص على الرشد والاعتدال.
١٥- أما الجائرون عن سنن الإسلام فشأنهم أن يكونوا حطبا لجهنم، تتلظى بهم وتزداد اشتعالا، كما تتلظى النار بالحطب.
١٦- يلتفت القرآن في الخطاب، وينتقل من الحديث على لسان الجن إلى مخاطبة الرسول والخلق أجمعين فيقول : لو استقام الإنس والجن على ملة الإسلام لوسعنا عليهم أرزاقهم، ولبسطنا لهم خيرات الحياة.
١٧- وهذه النعم للاختبار والابتلاء، فمن شكر النعمة وأحسن التصرف فيها استحق بقاءها، ومن أعرض عن منهج الله دخل في العذاب الشاق الذي يعلوه ويغلبه ولا يطيق له حملا.
١٨- إن السجود أو مواضع السجود – وهي المساجد- لا تكون إلا لله، فهناك يكون التوحيد الخالص، ويتوارى كل ظل لكل أحد، ولكل قيمة، ولكل اعتبار، وينفرد الجو للعبودية الخالصة لله.
١٩- لما قام محمد صلى الله عليه وسلم يعبد الله، كاد الجن يكونون جماعات بعضها فوق بعض تعجبا مما شاهدوا من عبادته، وسمعوا من قراءته، واقتداء أصحابه به قياما وركوعا وسجودا، وأخذوا ودهشوا من جلال ما سمعوا، وروعة ما شاهدوا، وهو دليل على انشغال السماء والأرض والملائكة والجن بهذا الوحي، وعلى الجدّ الذي يتضمنه : إنه لقول فصل* وما هو بالهزل. ( الطارق : ١٣، ١٤ ).
٢٠- قل يا محمد للناس : إنما أعبد الله و

استماع الجن للقرآن الكريم
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا ١ يهدي إلى الرّشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ٢ وأنه تعالى جدّ ربنا ما اتّخذ صاحبة ولا ولدا ٣ وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ٤ وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ٥ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ٦ وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ٧ ﴾
المفردات :
أوحي إليّ : الوحي شرعا : إعلام الله تعالى أنبياءه ما يريد إبلاغهم به من الشرائع والأخبار بطريق خفي.
النفر : ما بين الثلاثة والعشرة.
الجن : واحدهم جنّي، كروم ورومي.
عجبا : بديعا مباينا لكلام الناس، في حسن النظم ودقة المعنى.
التفسير :
١- قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا.
قل يا محمد لقوم : إن جبريل أخبرني بأن جماعة من الجن، قد استمعت القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم في صلاة الفجر بعد عودته من الطائف، فقال الجن لإخوانهم ولقومهم :
إنا سمعنا قرآنا عجبا.
أي : باهرا عجيبا بديعا في حسن نظمه، ودقة معانيه، فهو عجيب باهر في أسلوبه ونظامه ورصف معانيه، وهو عجيب باهر في رشاقة ألفاظه، وتسلسل أفكاره، وهو عجيب باهر فيما اشتمل عليه من أحكام وتشريع وآداب، وأخبار عن الأمم الماضية، ومشاهد للقيامة والحساب والجزاء، والصراط والميزان، والجنة والنار.
٢- يهدي إلى الرّشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا.
هذا القرآن يهدي إلى الرّشد، وإلى العقل والحكمة والهداية ومرضاة الله، وإلى البعد عن النّزق والطيش والفساد والانحراف، لذلك آمنا بهذا الكتاب المتميزّ، الهادي للرشاد والحكمة، ولن نشرك بعبادة الله أحدا، بل نعبد الله وحده لا شريك له.
المفردات :
جدّ ربنا : عظمته وسلطانه وجلاله، يقال : جدّ فلان في عيني. أي : عظم، قال أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا، أي : جل قدره وعظم.
التفسير :
٣- وأنه تعالى جدّ ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا.
الجدّ : العظمة والسمو.
وفي الأثر : كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة جدّ فينا. أي : جلّ قدره.
والمعنى :
تنزهالله، وجل قدر ربنا، فهو إله منزه عن كل نقص، متّصف بكل كمال، ليس في حاجة إلى صاحبة، وليس في حاجة إلى ولد، إنما يحتاج إلى ذلك الإنسان ليأنس بالزوجة، ويفتخر بالولد، ويحتمى به عند الكبر، أما الله جلّ جلاله، وتقدّست أسماؤه، فلا يحتاج إلى زوجة أو ولد، وإنما هو سبحانه منزّه عن ذلك، فهو الإله الحقّ، المنزه عن الاحتياج إلى أيّ شيء، المستغنى عن كل شيء.
والخلاصة : تنزّه الله العظيم الجليل عن أن يتخذ زوجة أو ولدا.
المفردات :
السفيه : الجاهل أو الأحمق.
شططا : غلوّا مجاوزا الحدّ، في نسبة الصاحبة والولد إلى الله.
التفسير :
٤- وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا.
إن الجاهل فينا والأحمق، أو ضعيف العقل، أو إبليس كان يقول على الله قولا بعيدا عن الصواب، بعيدا عن الحق والاعتدال، حيث كان يدعّي أن لله صاحبة أو ولدا، أو كان إبليس يدعوهم إلى عبادة غير الله.
٥- وأنّا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا.
ظننا أن أحدا من الإنس أو الجن لا يجرؤ على أن يكذب على الله الجليل العظيم، فلما سمعنا القرآن ينزّه الله الواحد الأحد عن الشريك وعن الصاحبة والولد، تيقنّا بصدق القرآن، وبافتراء وكذب من ادعى أن لله صاحبة أو ولدا أو شريكا، حيث كان السفهاء يروّجون أن الله تزوج من سراة الجن، فأنجبت له الملائكة، وادعوا أن الملائكة بنات الله، وأن لله زوجة من الجن، وكل هذه المفتريات أدركوا كذبها بعد سماع القرآن، ووصول الإيمان إلى قلوبهم، فأدركوا على الفور كذب هذا السّفه، وهكذا الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وكأن هذه الآية نداء جهير لأهل مكة، يقول لهم : أما تشاهدون أن الجن سمع القرآن مرة واحدة، فاهتدى وآمن وصدّق بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّا ورسولا، وبالقرآن كتابا سماويا منزلا، من عند الله على رسوله، هاديا إلى الرشد والحق، وأنتم تسمعون القرآن منذ الجهر بالدعوة، وتعرضون عن هدايته، فما أقسى قلوبكم، وما أبعدكم عن الهدى.
المفردات :
يعوذون : يلتجئون، وكان الرجل إذا أمسى بقفر قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه.
رهقا : تكبرا، وأصل الرهق : الإثم وغشيان المحارم.
التفسير :
٦- وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا.
كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا أمسى في قفر من الأرض قال : أعوذ بسيد هذا الوادي، أو بعزيز هذا المكان، من شر سفهاء قومه، يريد الجن وكبيرهم فيبيت في جواره حتى يصبح.
وهذه الاستعاذة من الإنس بعزيز الجن وكبيرهم، زادت الجن تيها وكبرا، وصلفا وعتوّا، حيث قالت الجن : سدنا الإنس والجن، أو أن الجن زادوا الإنس خوفا وفرقا، بل زادوهم كفرا، إذ الاستعاذة لا تكون إلا بالله، وأن تعظيم الجن والخوف منهم، واعتقاد أن لهم ضررا أو نفعا بدون إذن الله، يؤدي إلى فساد العقيدة.
وخلاصة المعنى :
كان بعض رجال الإنس يتحصّنون ويتعوّذون بسادة الجن، فعبثت الجن بهؤلاء الناس، وزادتهم خوفا وقلقا واضطرابا، ويؤخذ من ذلك أن المؤمن يتحصّن بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة، كما ورد في المأثورات.
ومما يتعوذ به المؤمن من الحسد والعين والسحر والجن ما يأتي :
١- قراءة الفاتحة.
٢- آية الكرسي.
٣- خواتيم سورة البقرة.
٤- بسم الله ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
٥- قل هو الله أحد، والمعوذتين.
٦- فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين. ( يوسف : ٦٤ ).
٧- إخراج صدقة.
٨- ( أعيذك بكلمات ربنا التامّات المباركات، ما علمت منها وما لم أعلم، من شرّ ما ينزل في الأرض وما يخرج منها، وما يصعد إلى السماء وما ينزل منها، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان ).
٩- اليقين الجازم بأن بيد الله الخلق والأمر، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضرّوك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، فهذا اليقين هو الصخرة الصمّاء التي تتكسر عليها سهام الحاسدين والمؤذين.
إن العقيدة الصادقة بأنّ بيد الله كل شيء، وأن الجن لا تستطيع نفعا أو ضرّا إلا بإذن الله، ذلك هو الذي يبدد الخوف والقلق، ويبعث على الرضا وراحة البال وسعادة النفس.
٧- وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا.
ظنّ بعض الإنس كما ظن الجن أن الله لن يبعث رسولا لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإرشادهم إلى العقيدة الصحيحة، والتفكير الأمثل السويّ.
أو تفهم الآية على النحو الآتي :
ظن كفار قريش كما ظنّت الجن أنه لا بعث ولا حشر، ولا حساب ولا جزاء، وكلاهما فهم خاطئ. فالله يرسل الرسل لهداية الناس، والله أكد أن البعث حق : قل بلى وربي لتبعثن... ( التغابن : ٧ ).
حتى يجازي كل إنسان بما عمل، بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا.
معلومات عن الجن
﴿ وأنّا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ٨ وأنّا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ٩ وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ١٠ وأنّا منّا الصالحون ومنّا دون ذلك كنا طرائق قددا ١١ وأنّا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا ١٢ وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ١٣ وأنّا منا المسلمون ومنّا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا ١٤ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ١٥ وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ١٦ لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ١٧ ﴾
المفردات :
وأنا لمسنا السماء : طلبنا خبرها كما جرت بذلك عادتنا.
حرسا : الحرس والحراس واحدهم حارس، وهو الرقيب.
شديدا : قويّا.
التفسير :
٨- وأنّا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا.
أي : طلبنا بلوغ السماء، والتنصت على أخبارها كما كنّا نفعل في الجاهلية، فوجدنا السماء قد ملئت بالحرّاس الأشداء من الملائكة، التي تمنع الجن من استراق السمع والتقاط أخبار السماء ونقلها إلى الكهّان فيزيد الكاهن على الكلمة الواحدة تسعا، فيصدق في كلمة ويكذب في الباقي، فإذا عيّروه بالكذب، وعدم تحقق ما قاله، أجاب الكاهن : ألم أخبركم بشأن كذا يوم كذا، وقد صدق ؟
وإذا حمل الجنيّ خبر السماء، وأفلت من حراسة الملائكة تبعه شهاب من نيران الكواكب، يقتله أو يخبله، ويمنعه من نقل أسرار السماء.
وفي الأحاديث النبوية الصحيحة ما يفيد أن الجن كانت ترصّ بعضها فوق بعض، فيضع الجني أقدامه فوق كتف الأوّل، ويضع الثالث أقدامه فوق كتف الثاني وهكذا، حتى يستطيع آخر جنّي أن يسمع خبر السماء، وأن يتنصت على كلام الملائكة، تقول لبعضها مثلا : قضى الليلة بموت فلان، أو نصر فلان، فينقل الجنّي الخبر إلى الكهّان، فيكذب الكاهن مع الكلمة تسعا، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم شددت الحراسة على السماء، فمن أراد أن يقعد في مكان قريب من السماء لاستراق السمع، منعه الحرّاس وأحرقته الشهب بنيرانها لا تتخطاه، والغرض من ذلك حفظ الوحي والقرآن الكريم من استراق الشياطين.
المفردات :
السمع : الاستماع.
الشهب : واحدها شهاب، وهو الشعلة المقتبسة من نار الكواكب.
رصدا : أرصد له ليرمى به.
التفسير :
٩- وأنّا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا.
أي : كنا في الجاهلية نجد أماكن خالية نجلس فيها، ونقعد لاستماع حديث الملائكة مع بعضها، لكن الأمر تغيّر، فمن حاول الجلوس لاستماع أخبار السماء وجد شهابا محرقا من النار، مترصدا له ليقتله أو ليخبله.
١٠- وأنّا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا.
لقد تغير الحال عما ألفناه، فقد كنّا نسترق السمع، ونجلس في مقاعد قرب السماء نسمع أخبار الغيب في الجاهلية، والآن شدّدت الحراسة على السماء، ومنعنا من استراق السمع، لا ندري، هل هذا العمل بسبب عذاب أراده الله بأهل الأرض المكذبين لرسله، أم أراد الله بهم خيرا وفضلا حين يرسل رسولا، فيؤمنون به ويهتدون برسالته.
المفردات :
طرائق قددا : جماعات متفرقة، وفرقا شتى، أو مذاهب مختلفة.
قددا : جمع قدّة، وهي القطعة من الشيء.
التفسير :
١١- وأنّا منا الصالحون ومنّا دون ذلك كنا طرائق قددا.
تخبر الجن عن نفسها بأنها نوعان : المؤمنون الصالحون المستقيمون على أمر الله، والكافرون الرافضون للإيمان.
كنا طرائق قددا.
كنّا مذاهب مختلفة، وجماعات متعددة، بعضها بالغ الحسن في الصلاح، وبعضها دون ذلك في الدرجة والاستقامة، أو بعضها وكافر فاجر، فكنّا فرقا شتى، وأديانا مختلفة.
قال سعيد بن المسيب : كنّا مسلمين ويهودا ونصارى ومجوسا.
المفردات :
نعجز الله : نفوته ونتفلّت منه.
هربا : هاربين إلى السماء.
التفسير :
١٢- وأنا ظننّا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا.
تيقنّا وتأكدنا أننا في قبضة الله وسلطانه أينما كنّا، فأين المهرب من قضاء الله وقدره، وبيده سبحانه الخلق والأمر ؟
قال القرطبي : أي علمنا بالاستدلال والتفكّر في آيات الله أنّا في قبضته وسلطانه، لن نفوته بهرب ولا غيره. اه.
وقال غيره : لن نعجز الله في الأرض مع بسطها وسعتها وكثرة فجاجها، وتشعب طرقها، فلا نفوته إذا أراد بنا أمرا أينما كنّا فيها، ولن نستطيع أن نفلت منه –عز وجل- هربا إلى السماء، وإن هربنا فلن نخلص منه، وذلك لشدة قدرته وعظيم سلطانه.
هذه هي الجن تعترف بعجزها وانكسارها أمام القوة الواحدة الغالبة على هذا الكون ومن فيه.
المفردات :
البخس : النقص على سبيل الظلم.
رهقا : ظلما ومشقة عليه، بالزيادة في آثامه وسيئاته.
التفسير :
١٣- وأنّا لما سمعنا الهدى آمنّا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا.
يعود الجن إلى سعادتهم بالإيمان والقرآن، فيقولون : وأنّا لما سمعنا القرآن يتلى –وهو هداية ورشد- آمنا به، وصدقنا بالإسلام، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فالمؤمن في رعاية الله وعدالته، وحاشا لله أن يظلم أحدا.
قال تعالى : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم... ( النساء : ١٤٧ ).
فمن يؤمن بالله فلا يخاف بخسا ولا نقصا من حسناته، ولا يخاف رهقا، أي : إرهاقه بالسيئات أو بالهوان والمذلّة.
قال تعالى : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما. ( النساء : ٤٠ ).
وقال عز شأنه : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
المفدرات :
القاسطون : الجائرون والمائلون عن طريق الحق.
تحروا رشدا : قصدوا طريق الحق والصواب.
حطبا : وقودا للنار.
التفسير :
١٤، ١٥- وأنّا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا* وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا.
الجن طائفة منها المسلم المؤمن المستقيم الذي رجّح جانب الخير على جانب الشر، شأن مسلم الإنس، ومنهم الجائر الظالم.
فأما المسلم فقد اختار الرشد، وبحث وتحرّى عن عقيدته التي يدين بها، فاختار الإسلام، وأما الكافرون الظالمون فقد آثروا الضلال والعناد، فمآلهم جهنم، وسوف يكونون وقود النار وحطبها.
روى عن سعيد بن جبير رحمه الله : أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال له حين أراد قتله : ما تقول فيّ ؟ فقال سعيد : قاسط عادل، فقال القوم : ما أحسن ما قال، فقال الحجاج : يا جهلة، إنه سمّاني ظالما مشركا، وتلا لهم قوله تعالى : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا. وقوله عز وجل : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. ( الأنعام : ١ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:المفدرات :
القاسطون : الجائرون والمائلون عن طريق الحق.
تحروا رشدا : قصدوا طريق الحق والصواب.
حطبا : وقودا للنار.

التفسير :

١٤، ١٥- وأنّا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا* وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا.
الجن طائفة منها المسلم المؤمن المستقيم الذي رجّح جانب الخير على جانب الشر، شأن مسلم الإنس، ومنهم الجائر الظالم.
فأما المسلم فقد اختار الرشد، وبحث وتحرّى عن عقيدته التي يدين بها، فاختار الإسلام، وأما الكافرون الظالمون فقد آثروا الضلال والعناد، فمآلهم جهنم، وسوف يكونون وقود النار وحطبها.
روى عن سعيد بن جبير رحمه الله : أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال له حين أراد قتله : ما تقول فيّ ؟ فقال سعيد : قاسط عادل، فقال القوم : ما أحسن ما قال، فقال الحجاج : يا جهلة، إنه سمّاني ظالما مشركا، وتلا لهم قوله تعالى : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا. وقوله عز وجل : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. ( الأنعام : ١ ).

المفردات :
الطريقة : هي طريق الإسلام.
غدقا : كثيرا.
لنفتنهم فيه : لنختبرهم، أيكفرون أم يشكرون.
يسلكه : يدخله.
صعدا : شاقّا، يعلوه ويغلبه فلا يطيقه، ومنه قول عمر :( ما تصعّدني شيء كما تصعّدني في خطبة النكاح )، أي : ما شق عليّ.
التفسير :
١٦، ١٧- وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا* لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا.
يلتفت الخطاب ويتغير من الحديث على لسان الجن إلى خطاب موجّه من الله تعالى لنبيه وللبشرية كلها، يدعوها إلى الهداية والإيمان بالله، ويبين أن سعادة الدنيا والآخرة في طاعة اله ورسوله، والتمسك بأهداف لتشريع الإلهي.
والمعنى :
لو أن الجن والإنس استقاموا على طريقة الإسلام لأغدق الله عليهم النّعم، وحفّتهم بركات السماء، فحيث يكون الماء يكون المال، وحيث يكون المال تكون الفتنة والاختبار.
لنفتنهم فيه...
لنعاملهم معاملة المختبر، حيث نعطيهم النعمة ونرى تصرّفهم حيالها.
ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا.
ومن أعرض عن هدى الله، واختار العاجلة على الآجلة، ترك الله قلبه للشقاء والعذاب المتصاعد الأليم، الذي يعلوه ويغلبه ولا يطيق له حملا.
والآيتان تشيران إلى سنة من سنن الله، وهي إسعاد من يختار طريق الهدى، لأنه متناسق مع الكون، خاضع لأمر الله، متوافق مع سنن الله، ومع نواميس الكون والحياة، وأن من يعرض عن هداية الله وشرعه يصب بالتعاسة والعذاب الداخلي الذي لا يطيق حمله، ولا التغلب عليه.
وقريب من ذلك قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. ( الأنبياء : ١٠٥ ).
وقوله عز شأنه : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون. ( الأعراف : ٩٦ ).
وفي صحيح البخاري :( إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بحقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه من غير حقّه كان كالذي يأكل ولا يشبع، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ، إلا آكلة الخضراء، أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها ( جنباها ) استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت )ii.
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج لكم من زهرة الدنيا )، قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال :( بركات الأرض )iii.
وجاء في تفسير القرطبي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم )iv.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:المفردات :
الطريقة : هي طريق الإسلام.
غدقا : كثيرا.
لنفتنهم فيه : لنختبرهم، أيكفرون أم يشكرون.
يسلكه : يدخله.
صعدا : شاقّا، يعلوه ويغلبه فلا يطيقه، ومنه قول عمر :( ما تصعّدني شيء كما تصعّدني في خطبة النكاح )، أي : ما شق عليّ.

التفسير :

١٦، ١٧- وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا* لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا.
يلتفت الخطاب ويتغير من الحديث على لسان الجن إلى خطاب موجّه من الله تعالى لنبيه وللبشرية كلها، يدعوها إلى الهداية والإيمان بالله، ويبين أن سعادة الدنيا والآخرة في طاعة اله ورسوله، والتمسك بأهداف لتشريع الإلهي.

والمعنى :

لو أن الجن والإنس استقاموا على طريقة الإسلام لأغدق الله عليهم النّعم، وحفّتهم بركات السماء، فحيث يكون الماء يكون المال، وحيث يكون المال تكون الفتنة والاختبار.
لنفتنهم فيه...
لنعاملهم معاملة المختبر، حيث نعطيهم النعمة ونرى تصرّفهم حيالها.
ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا.
ومن أعرض عن هدى الله، واختار العاجلة على الآجلة، ترك الله قلبه للشقاء والعذاب المتصاعد الأليم، الذي يعلوه ويغلبه ولا يطيق له حملا.
والآيتان تشيران إلى سنة من سنن الله، وهي إسعاد من يختار طريق الهدى، لأنه متناسق مع الكون، خاضع لأمر الله، متوافق مع سنن الله، ومع نواميس الكون والحياة، وأن من يعرض عن هداية الله وشرعه يصب بالتعاسة والعذاب الداخلي الذي لا يطيق حمله، ولا التغلب عليه.
وقريب من ذلك قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. ( الأنبياء : ١٠٥ ).
وقوله عز شأنه : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون. ( الأعراف : ٩٦ ).
وفي صحيح البخاري :( إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بحقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه من غير حقّه كان كالذي يأكل ولا يشبع، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ، إلا آكلة الخضراء، أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها ( جنباها ) استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت )ii.
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج لكم من زهرة الدنيا )، قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال :( بركات الأرض )iii.
وجاء في تفسير القرطبي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم )iv.

صدق العقيدة
﴿ وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ١٨ وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ١٩ قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا ٢٠ قل إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا ٢١ قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ٢٢ إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ٢٣ حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ٢٤ ﴾
المفردات :
المساجد : واحدها مسجد، وهو موضع السجود للصلاة والعبادة، ويدخل فيها الكنائس والبيع ومساجد المسلمين.
فلا تدعوا : فلا تعبدوا.
سبب النزول :
سبب نزول الآية ( ١٨ ) :
وأنّ المساجد لله... الآية.
أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال : قالت الجن : يا رسول الله، ائذن لنا، فنشهد معك الصلوات في مسجدك، فأنزل الله : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا. وروى ذلك أيضا عن الأعمش.
وأخرج ابن جرير، عن سعيد بن جبير قال : قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف لنا نأتي المسجد ونحن ناءون عنك، أي : بعيدون عنك، أو كيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك، فنزلت : وأن المساجد لله... الآية.
سبب نزول الآية ( ٢٠ ) :
قل إنما أدعوا ربي... سبب نزولها كما ذكر الشوكاني : أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك جئت بأمر عظيم، وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا فنحن نجيرك.
سبب نزول الآية ( ٢٢ ) :
قل إني لن يجيرني... أخرج ابن جرير، عن حضرمي، أنه ذكر أن جنيّا من الجن من أشرافهم ذا تبع قال : إنما يريد محمد أن يجيره الله، وأنا أجيره، فأنزل اله : قل إني لن يجيرني من الله أحد... الآية. v.
التفسير :
١٨- وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا.
كان المشركون يضعون الأصنام حول الكعبة، ويدعونها ويتقربون إليها مع عبادتهم لله تعالى، فأنزل الله تعالى هذا التوجيه الإلهي، يفيد أن المساجد لله وحده، فلا يجوز أن يعبد صنم أو وثن أو شخص مع الله عز وجل، أي أخلصوا المساجد لتوحيد الله وعبادته عبادة خالصة له، ولا تدعوا معه أي أحد من المخلوقين.
وقال سعيد بن جبير : نزلت في أعضاء السجود، أي هي لله فلا تسجدوا بها لغير الله.
وفي الحديث أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال :( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة –وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين )vi. فلا يجوز السجود بها لغير الله.
وقيل : المعنى : أفردوا المساجد لذكر الله، ولا تتخذوها هزوا ومتجرا ومجلسا وطرقا، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيبا.
وفي الحديث :( من نشد ضالة في المسجد فقولوا : لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لذلك )vii.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى وقال : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا. ( اللهم أنا عبدك وزائرك، وعلى كل مزور حق، وأنت خير مزور، فأسألك برحمتك أن تفكّ رقبتي من النار )، فإذا خرج من المسجد قدّم رجله اليسرى وقال :( اللهم صبّ على الخير صبّا، ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا، ولا تجعل معيشتي كدّا، واجعل لي في الأرض جدّا ). أي غنى.
المفردات :
يدعوه : يعبده.
لبدا : جماعات، شبهت بالشيء المتلبّد، المتراكم بعضه فوق بعض، من ازدحامهم عليه.
التفسير :
١٩- وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا.
وأنه لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبد ربه في صلاة الفجر في بطن نخلة، ويؤم أصحابه خلفه في نظام وعبادة، ومتابعة في الركوع والسجود، تجمّع الجن وتراكموا متزاحمين، متعجبين مما رأوه من عبادته، ومما تلاه من القرآن العظيم.
واللبد : الشيء الذي تلبّد بعضه فوق بعض، ولفظ : لبدا. جمع لبدة، وهي الجماعة المتزاحمة، ومنه لبدة الأسد للشعر المتزاحم في رقبته.
وقد وصف الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه عبد الله، تكريما وتشريفا له صلى الله عليه وسلم.
وقيل :
معنى الآية : لما قام عبد الله ( محمد ) صلى الله عليه وسلم يدعو ربه، ويعبده وحده، مخالفا المشركين في عبادتهم، كاد المشركون يزدحمون عليه، متراكمين، لا ليسمعوا ويطيعوا، وإنما ليجدوا ثغرة او وسيلة ينفذون منها، لتنفير الناس من القرآن الكريم.
والرأي الأول أرجح، لأن الآثار قد وردت، في أن الجن قد الفتوا حول النبي صلى الله عليه وسلم، حين سمعوه يقرأ القرآن، وهو الموافق للآية الأولى من سورة الجن.
قال الزبير بن العوام : هم الجن، حين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، كادوا يركب بعضهم بعضا، ازدحاما عليه.
٢٠- قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا.
قل يا محمد لأهل مكة، وللإنس والجن وسائر من تدعوهم للإسلام : إن دعوتي خالصة مجردة لعبادة الله وحده، ولا أعبد مع الله صنما ولا وثنا.
سبب النزول :
قال كفار قريش للرسول صلى الله عليه وسلم : إنك جئت بأمر عظيم، وقد عاينت الناس كلهم، فارجع عن هذا فنحن نجيرك، فنزلت الآية تأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بأنه يعبد ربه وحده لا شريك له، ولا يشرك بعبادته أحدا، وأنه لا مجير له من عذاب الله، ولن يجد ملجأ أو ملتحدا يحميه من عذاب الله إن أٍراده به.
المفردات :
ولا رشدا : ولا نفعا.
التفسير :
٢١- قل إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا.
إنه التّجرّد الكامل، وبيان وظيفته صلى الله عليه وسلم، وهي الدعوة إلى الله وتبليغ الرسالة، أمّا الهداية أو الغواية، فذلك بيد الله وحده، الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وييسر الهداية للمتقين، ويسلب الهدى عن الضالين.
وفي الحديث الشريف :( أفلا نتكل يا رسول الله ) ؟
أي : أفلا نعتمد على أنّ كل إنسان قد حدد مصيره إلى الجنة أو إلى النار ؟
فقال صلى الله عليه وسلم :( لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له، إن الله عز وجل يقول : فأما من أعطى واتقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسّره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذّب بالحسنى* فسنيسّره للعسرى. viii ( الليل : ٥-١٠ ).
قال ابن كثير :
وقوله تعالى : قل إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا.
أي : إنما أنا عبد من عباد الله، ليس لي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم، بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز وجل. اه.
المفردات :
ملتحدا : ملجأ يركن إليه، قال الشاعر :
يا لهف نفسي ونفسي غير مجدية عنّي وما من قضاء ملتحدا
بلاغا من الله : تبليغا لرسالاته، أي : لا أملك لكم إلا البلاغ، أي : تبليغ الرسالات.
التفسير :
٢٢، ٢٣- قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا* إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا.
قل يا محمد : إنني رسول الله، أبلّغ رسالته، ولا أتأخّر عما أمرني به ربي، ولا يملك أحد أن يجيرني من عذاب الله، ولا تملكون أنتم ذلك، بل ولا تملك الدنيا كلها أن تحميني من عذاب الله إن أرادني بسوء، فلا رادّ لما يريده، ولن أجد من دون الله ملجأ أو مهربا أو ملتحدا أركن إليه، فما من قضاء الله مهرب، وليس من أمر الله مفرّ.
وفي هذا المعنى يقول الله عز وجل : وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال. ( الرعد : ١١ ).
إلا بلاغا من الله ورسالاته...
إن المخلص والنجاة لي من عذاب الله لا يكمن إلا في أن أبلّغ رسالة ربي إليكم، فليس عليّ إلا البلاغ، وأنا لا أملك هدايتكم، فالله وحده هو الذي يملك ذلك، فأنا متجرد لتبليغ الرسالة، ولا يحميني من عذاب الله إلا تبليغ ما أرسلت به إليكم، وحمل الرسالة والقرآن إلى مسامعكم.
كما قال تعالى : يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته... ( المائدة : ٦٧ ).
قال ابن كثير : أي لا يجيرني منه ويخلّصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب الله عليّ أداءها.
ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا.
أي : أنا أبلغكم رسالة الله ودعوته إلى التوحيد، والإيمان بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ومن يعص الله ورسوله فجزاؤه نار جهنم خالدين فيها، أي ماكثين فيها أبدا على الدوام، ولا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها، فقد كانوا عازمين على الشرك بالله أبدا مدة حياتهم، فعاقبهم الله بالخلود في النار أبدا مدة آخرتهم.
وقوله : أبدا. دليل على أن العصيان هنا هو الشرك، وإنما جمع خالدين. حملا على معنى من. لأن لفظها مفرد ومعناها جمع.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٢:المفردات :
ملتحدا : ملجأ يركن إليه، قال الشاعر :
يا لهف نفسي ونفسي غير مجدية عنّي وما من قضاء ملتحدا
بلاغا من الله : تبليغا لرسالاته، أي : لا أملك لكم إلا البلاغ، أي : تبليغ الرسالات.

التفسير :

٢٢، ٢٣- قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا* إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا.
قل يا محمد : إنني رسول الله، أبلّغ رسالته، ولا أتأخّر عما أمرني به ربي، ولا يملك أحد أن يجيرني من عذاب الله، ولا تملكون أنتم ذلك، بل ولا تملك الدنيا كلها أن تحميني من عذاب الله إن أرادني بسوء، فلا رادّ لما يريده، ولن أجد من دون الله ملجأ أو مهربا أو ملتحدا أركن إليه، فما من قضاء الله مهرب، وليس من أمر الله مفرّ.
وفي هذا المعنى يقول الله عز وجل : وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال. ( الرعد : ١١ ).
إلا بلاغا من الله ورسالاته...
إن المخلص والنجاة لي من عذاب الله لا يكمن إلا في أن أبلّغ رسالة ربي إليكم، فليس عليّ إلا البلاغ، وأنا لا أملك هدايتكم، فالله وحده هو الذي يملك ذلك، فأنا متجرد لتبليغ الرسالة، ولا يحميني من عذاب الله إلا تبليغ ما أرسلت به إليكم، وحمل الرسالة والقرآن إلى مسامعكم.
كما قال تعالى : يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته... ( المائدة : ٦٧ ).
قال ابن كثير : أي لا يجيرني منه ويخلّصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب الله عليّ أداءها.
ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا.
أي : أنا أبلغكم رسالة الله ودعوته إلى التوحيد، والإيمان بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ومن يعص الله ورسوله فجزاؤه نار جهنم خالدين فيها، أي ماكثين فيها أبدا على الدوام، ولا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها، فقد كانوا عازمين على الشرك بالله أبدا مدة حياتهم، فعاقبهم الله بالخلود في النار أبدا مدة آخرتهم.
وقوله : أبدا. دليل على أن العصيان هنا هو الشرك، وإنما جمع خالدين. حملا على معنى من. لأن لفظها مفرد ومعناها جمع.

المفردات :
حتى إذا رأوا ما يوعدون : ما يوعدون به من العذاب في الدنيا كوقعة بدر، أو في الآخرة بعذاب النار.
فسيعلمون : عند حلول العذاب بهم يوم بدر، أو يوم القيامة.
من أضعف ناصرا وأقل عددا : من أضعف أعوانا، وأقل عددا، هو أم هم.
التفسير :
٢٤- حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا.
حتى إذا رأى المشركون المعاندون ما يوعدون من الهزيمة في بدر، أو عذاب جهنم يوم القيامة، فسيعلمون من هو الضعيف المخذول، المهزوم أمام خصمه، هم أم المؤمنون في الدنيا، ومن هو الضعيف المهزوم أمام الآخر، هم أم الله عز وجل وملائكته وجنده يوم القيامة، وقد نصر المؤمنون يوم بدر وهزم المشركون، وفي القيامة سيدخل المؤمنون الجنة، ويدخل الكافرون النار.
قال صاحب الظلال :
وإذا كان المشركون يركنون إلى قوة وإلى عدد، ويقيسون قوتهم إلى قوة محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون القلائل معه، فسيعلمون حين يرون ما يوعدون –إما في الدنيا وإما في الآخرة- من أضعف ناصرا وأقل عددا. وأي الفريقين هو الضعيف المخذول، القليل الهزيل. اه.
ختام سورة الجن
﴿ قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ٢٥ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ٢٦ إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ٢٧ ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ٢٨ ﴾
المفردات :
أمدا : زمانا بعيدا أو قريبا.
تمهيد :
أمر سبحانه وتعالى رسوله أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد، وأنه لا يعلم شيئا من الغيب إلا إذا أعلمه الله به، وهو سبحانه يعلم أن الرّسل قد أبلغوا رسالات ربّهم، ويعلم الأشياء إجمالا وتفصيلا، وكان الكفار يتساءلون : متى يكون هذا اليوم توعدنا به ؟ فأنزل الله هذه الآيات.
التفسير :
٢٥- قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا.
كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما خوّف المشركين أهوال الساعة، وأهوال الحساب والجزاء، وأهوال يوم القيامة، قال المشركون : متى يكون هذا اليوم الذي تخوّفنا به ؟ سؤال استبعاد وتشكك، فأنزل الله ردّا عليهم أن القيامة ستقوم قطعا، ولا علم لي كرسول مبلّغ عن الله بوقتها، هل قريب أم بعيد، فذلك لا يعلمه إلا الله.
قال تعالى : يسألونك عن الساعة أيّان مرساها* فيم أنت من ذكراها* إلى ربك منتهاها* إنما أنت منذر من يخشاها. ( النازعات : ٤٢-٤٥ ).
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة فقال :( ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأنبئك عن أشراطها ( علاماتها ) : أن تلد الأمة ربّتها، وأن يتطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، وأن يصبح الحفاة العالة سادة الأمم )ix.
والمعنى :
من علامات الساعة كثرة العقوق حتى أن الابن يستخدم أمّة كخادمة، والبدو الرّحل يتطاولون في بناء العمارات العالية، ويوسّد الحكم إلى الحفاة الحثالة، أو أن من لا أصل له ولا تاريخ يزيّنه يصبح سيد الموقف.
ونادى أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جهوري، فقال : يا محمد، متى الساعة ؟ قال :( ويحك إنها كائنة، فما أعددت لها ) ؟ قال : أما إني لم أعدّ لها كثير صلاة ولا صيام، ولكنّي أحب الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم :( فأنت مع من أحببت )، قال أنس : فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديثx.
تمهيد :
أمر سبحانه وتعالى رسوله أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد، وأنه لا يعلم شيئا من الغيب إلا إذا أعلمه الله به، وهو سبحانه يعلم أن الرّسل قد أبلغوا رسالات ربّهم، ويعلم الأشياء إجمالا وتفصيلا، وكان الكفار يتساءلون : متى يكون هذا اليوم توعدنا به ؟ فأنزل الله هذه الآيات.
المفردات :
الغيب : ما خفى واستتر.
التفسير :
٢٦- عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا.
الله تعالى وحده هو عالم الغيب، فلا يطلع على هذا الغيب أحد سواه، ومن هذا الغيب علم الساعة.
قال تعالى : إن الله عنده، علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير. ( لقمان : ٣٤ ).
تمهيد :
أمر سبحانه وتعالى رسوله أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد، وأنه لا يعلم شيئا من الغيب إلا إذا أعلمه الله به، وهو سبحانه يعلم أن الرّسل قد أبلغوا رسالات ربّهم، ويعلم الأشياء إجمالا وتفصيلا، وكان الكفار يتساءلون : متى يكون هذا اليوم توعدنا به ؟ فأنزل الله هذه الآيات.
المفردات :
ارتضى : اختار واصطفى.
رصدا : حفظة.
التفسير :
٢٧- إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا.
اختص الله وحده بعلم الغيب، لكن من ارتضاه سبحانه واختاره لرسالته، سواء أكان من الملائكة كجبريل، أم من البشر كمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى يعلمه بشيء من الغيب، بالطريقة التي يختارها الله، وفي الوقت الذي يشاؤه الله، وعندما ينتقل الوحي أو الغيب إلى الرسول من الملائكة أو إلى الرسول من البشر فإن الله تعالى ييسر له حراسة مترصّدة تحفظه من جميع الجهات، ليظلّ الوحي في مكان أمين حتى يصل إلى البشر غير مختلط بمعرفة الشياطين له.
وعن الضحاك : ما بعث نبي إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين، الذين يتشبّهون بصورة الملك، فإذا جاء شيطان في صورة الملك، قالوا : هذا شيطان فاحذره، وإن جاء الملك قالوا : هذا رسول ربك.
والخلاصة : إن الله تعالى يسخّر حفظة من الملائكة، يحفظون قواه الظاهرة والباطنة من الشياطين، ويعصمونه من وساوسهم.
وفي الآيتين ( ٢٦، ٢٧ ) من سورة الجن دليل على أن الرسل –عليه السلام- مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض المغيبات.
قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام : وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم... ( آل عمران : ٤٩ ).
وفي قوله تعالى : إلا من ارتضى من رسول...
إشارة إلى إبطال الكهانة والسحر والتنجيم، لأن أصحابها أبعد شيء عن ارتضاء الله، وأدخل ما يكون في سخطه وغضبه.
وقد أفاد القرطبي في تفسير الآيتين أن الغيب لله وحده لا يطّلع عليه إلا من ارتضى من رسله، وليس المنجم ومن ضاهاه، ممن يضرب بالحصى، وينظر في الكتب، ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول، فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله، مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه، وليت شعري ما يقول المنجم في سفينة ركب فيها ألف إنسان، على اختلاف أحوالهم وطوالعهم، وتباين مواليدهم، ودرجات نجومهم، فعمّهم حكم الغرق في ساعة واحدة، فلا فائدة أبدا في عمل المواليد، ولا دلالة على شقي ولا سعيد، ولم يبق إلا معاندة القرآن العظيم، وفيه استحلال دمه على هذا التنجيم.
قل للمنجم صبحة الطوفان هل ولد الجميع بكوكب الغرق
( وقيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد لقاء الخوارج : أتلقاهم والقمر في العقرب ؟ فقال رضي الله عنه : فأين قمرهم ؟ وكان ذلك في آخر الشهر.
فانظر إلى هذه الكلمة التي أجاب بها، وما فيها من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم، والإفحام لكل جاهل يحقق أحكام النجوم.
وقال له مسافر بن عوف : يا أمير المؤمنين، لا تسر في هذه الساعة، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار. فقال له علي رضي الله عنه : ولم ؟ قال : إنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك بلاء وضرّ شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت وظهرت وأصبت ما طلبت. فقال علي رضي الله عنه : ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ولا لنا من بعده -في كلام طويل يحتج فيه بآيات من التنزيل- فمن صدّقك في هذا القول لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ندّا أو ضدّا، اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك. ثم قال للمتكلم : نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي تنهانا عنها. ثم أقبل على الناس فقال : يا أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر، وإنما المنجم كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم وتعمل بها لأخلدنك في الحبس ما بقيت وبقيت، ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان. ثم سافر في الساعة التي نهاه عنها، ولقي القوم فقتلهم وهي وقعة النهروان الثابتة في الصحيح لمسلم.
ثم قال : لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها وظفرنا لقال قائل : سار في الساعة التي أمر بها المنجم. ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ولا لنا من بعده، فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر وسائر البلدان، ثم قال : يا أيها الناس، توكلوا على الله وثقوا به، فإنه يكفي ممن سواه )xi.
تمهيد :
أمر سبحانه وتعالى رسوله أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد، وأنه لا يعلم شيئا من الغيب إلا إذا أعلمه الله به، وهو سبحانه يعلم أن الرّسل قد أبلغوا رسالات ربّهم، ويعلم الأشياء إجمالا وتفصيلا، وكان الكفار يتساءلون : متى يكون هذا اليوم توعدنا به ؟ فأنزل الله هذه الآيات.
المفردات :
أحاط بما لديهم : علمه علما تامّا.
وأحصى كل شيء عددا : ضبط كل شيء معدودا محصورا.
التفسير :
٢٨- ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا.
يعلم الله سبحانه وتعالى علم مشاهدة وواقع، كما علمه غبيا وأزلا في علمه القديم، أن الرّسل عليهم السلام قد أبلغوا رسالات ربهم كما طلب منهم، وألزموا العباد الحجة بهذا البلاغ، وقد أحاط سبحانه وتعالى بما عند الرسل من الملائكة، وبما عند الرسل من البشر، ظاهرا وباطنا من الأحكام والشرائع، وبما يسره لهم من الحفظ وتأمين وصول الرسالات سالمة من كل تغيير أو تبديل، وأحاط علمه سبحانه وتعالى بكل شيء في الوجود، فهو عالم علما كاملا بكل شيء قي الكون، وذلك مثل القطر والمطر والرمال وورق الأشجار وماء البحار، وبالأفراد والجماعات والأمم وسائر المخلوقات.
وأورد القرطبي عدة آراء في تفسير هذه الآية، من بينها ما يأتي :
لقد أخبر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بحفظ الوحي، ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حالته من التبليغ بالحقّ والصدق، أو ليعلم أن جبريل ومن معه قد أبلغوا إليه رسالة ربه.
وقال الزجاج : ليعلم الله أن رسله قد أبلغوا رسالاته، كقوله تعالى : ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين. ( آل عمران : ١٤٢ ).
أي : ليعلم الله ذلك علم مشاهدة كما علمه غيبا.
وقال مجاهد : ليعلم من كذّب الرسل أن المرسلين قد بلّغوا رسالات ربهم.
وقرأ الجماعة : ليعلم. بفتح الياء، وتأويله ما ذكرناه، وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد ويعقوب بضم الياء، أي ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغواxii.
i في ظلال القرآن ٢٩/١٥١.
ii إن هذا المال خضرة حلوة :
رواه البخاري في الجهاد ( ٢٨٤٢ ) وابن ماجه في الفتن ( ٣٩٩٥ ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال :( إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض )، ثم ذكر زهرة الدنيا فبدأ بإحداهما وثنى بالأخرى، فقام رجل فقال : يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشر ؟ فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم قلنا : يوحى إليه، وسكت الناس كأن على رءوسهم الطير، ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء فقال :( أين السائل آنفا أو خير هو ) ثلاثا ( إن الخير لا يأتي إلا بالخير وإنه كلما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر كلما أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة ونعم صاحب المال لمن أخذه بحقه فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين وابن السبيل، ومن لم يأخذه بحقه فهو كالآكل الذي لا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة ).
iii أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا :
رواه مسلم في الزكاة ( ١٠٥٢ ) من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا )، قالوا : وما زهرة الدنيا يا رسول الله ؟ قال :( بركات الأرض ). قالوا : يا رسول الله وهل يأتي الخير بالشر ؟ قال :( لا يأتي الخير إلا بالخير، لا يأتي الخير إلا بالخير، لا يأتي الخير إلا بالخير، إن كل ما أنبت الربيع يقتل أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها تأكل حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس ثم اجترت وبالت وثلطت ثم عادت فأكلت، إذ هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ).
iv ما الفقر أخشى عليكم :
رواه البخاري ( ٣١٥٨، ٤٠١٥ ) ومسلم ( ٢٩٦١ ) وأحمد ( ١٨٤٣٦ ) والترمذي ( ٢٤٦٢ ) من حديث عمرو بن عوف.
v التفسير المنير، أ. د وهبة الزحيلي، الجزء ٢٩ ص١٧٥.
vi أمرت أن أسجد على سبعة أعظم :
رواه البخاري في الأذان ( ٨١٢ ) ومسلم في الصلاة ( ٤٩٠ ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب والشعر ).
vii من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد :
رواه مسلم في المساجد ( ٥٦٨ ) وأبو داود في الصلاة ( ٤٧٣ ) وابن ماجة في المساجد ( ٧٦٧ ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا ). ورواه النسائي في المساجد ( ٧١٧ ) من حديث جابر قال : جاء رجل ينشد ضالة في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا وجدت ).
viii اعملوا فكل ميسر لما خلق له :
رواه البخاري في تفسير القرآن ( ٤٩٤٩ )، في التوحيد ( ٧٥٥١ )، ومسلم في القدر ( ٢٦٤٧، ٢٦٤٩ )، والترمذي في القدر ( ٢١٢٦ )، وفي التفسير ( ٣١١١ )، وأبو داود في السنة ( ٤٧٠٩ )، وابن ماجة في المقدمة ( ٧٨، ٩١ )، وفي التجارات ( ٢١٤٢ )، وأحمد ( ٢٠، ٦٢٢، ١٣٥٢ )، من حديث علي، وعمر، وعمران بن الحصين، وأبي حميد، وسراقة، وأبي بكر الصديق.
ix ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
رواه البخاري في الإيمان ( ٥٠ ) وفي التفسير ( ٤٧٧٧ ) ومسلم في الإيمان ( ٩، ١٠ ) والنسائي في الإيمان ( ٤٩٩١ ) وابن ماجة في المقدمة ( ٢٣ ) وفي الفتن ( ٤٠٤٤ ) من حديث أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس فأتاه جبريل فقال : ما الإيمان ؟ قال :( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث ). قال : ما الإسلام : قال :( الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان ). قال : ما الإحسان ؟ قال :( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). قال : متى الساعة ؟ قال :( ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ إن الله عنده علم الساعة... ﴾ الآية. ثم أدبر فقال :( ردوه )، فلم يروا شيئا فقال :( هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم ). قال أبو عبد الله : جعل ذلك كله من الإيمان. ورواه مسلم في الإيمان ( ٨ ) وأحمد في مسنده ( ١٨٥ ) وأبو داود في السنة ( ٤٦٩٥ ) والترمذي في الإيمان ( ٢٦١٠ ) وابن ماجة في المقدمة ( ٢٣ ) من حديث عمر بن الخطاب قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ). قال : صدقت، قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال : فأخبرني عن الإيمان، قال :( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ). قال : صدقت، قال : فأخبرني عن الإحسان، قال :( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )، قال : فأخبرني عن الساعة، قال :( ما المسئول عنها بأعلم من السائل )، قال : فأخبرني عن أماراتها قال :( أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان )، قال : ثم انطلق فلبث مليا ثم قال لي :( يا عمر، أتدري من السائل ) ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال :( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ).
x أنت مع من أحببت :
رواه البخاري في المناقب ( ٣٦٨٨ ) ومسلم في البر والصلة ( ٢٦٣٩ ) من حديث أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال : متى الساعة ؟ قال :( وماذا أعددت لها ) ؟ قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال :( أنت مع من أحببت ) قال أنس : فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت مع من أحببت ). قال أنس : فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.
xi تفسير القرطبي، المجلد الثامن، ص٧٠٠٨.
xii تفسير القرطبي، المجلد الثامن، ص ( ٧٠٠٩، ٧٠١٠ ) دار الغد العربي، العباسية القاهرة.
Icon