تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني
المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني
.
لمؤلفه
أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني
.
المتوفي سنة 893 هـ
ﰡ
سورة الإنسان
مكية، وهي إحدى وثلاثون آية
أَهل رَأَونا بِسَفح القاعِ ذي الأَكَمِ
والمعنى: على التقرير والتقريب. (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) طائفة من الزمن الممتد غير المحدود. (لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) شيئاً يعتد به ويُذكر، بل متقلّباً في الأطوار: نطفة وعلقة ومضغة. والمراد به بنوا آدم؛ لقوله تعالى:
مكية، وهي إحدى وثلاثون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ... (١) هل بمعنى قد مع الاستفهام أي: أقد. كقوله:أَهل رَأَونا بِسَفح القاعِ ذي الأَكَمِ
والمعنى: على التقرير والتقريب. (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) طائفة من الزمن الممتد غير المحدود. (لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) شيئاً يعتد به ويُذكر، بل متقلّباً في الأطوار: نطفة وعلقة ومضغة. والمراد به بنوا آدم؛ لقوله تعالى:
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ... (٢) فالمعرفة عين الأولى، وفي إيثار المُظهر فضل تقرير. وقيل: الأول: آدم، والثاني: بنوه. (أَمْشَاجٍ) جمع مشيج، كأيتام في يتيم. لأنَّ ماء الرجل والمرأة كل منهما مختلف الأجزاء رقّة وقواماً وخواصاً، وما يصلح مادّة جزء منه لا يصلح لآخر. وعن أبي مسعود - رضي الله عنه -: " عروق النطفة ". وعن قتادة: " أمشاج: ألوان وأطوار ". وقيل: لفظه جمع ومعناه مفرد كـ (بُرْمَةُ أعشارٍ وبُرْدُ أكباش). (نَبْتَلِيهِ) حال مقدَّرة. أي: مقدّرين ومريدين ابتلاءه، أو ناقلين له من حال إلى حال، فالابتلاء مستعار؛ لأنَّ في كل طور يظهر ظهوراً آخر كظهور الممتحن، وقيل: على التقديم والتأخير أي: (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) نبتليه، وفيه تكلف؛ لوجود الفاء. وتخصيص السمع والبصر؛ لأنهما أعظم الحواس، وبهما يتلقى الأوامر ويشاهد المعجزات.
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ... (٣) بإنزال الآيات ونصب الأدلة. (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) حال من الهاء. أي: هديناه في حاليه؛ لئلا يكون للكفر حجة. ومقابلة الشاكر بالكفور؛ إشارة إلى غلبة الكفران على الإنسان.
(إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (٤) ذكر الوعد والوعيد بعد ذكر الشاكر والكفور وقدّم الوعيد مع تأخر الكفور؛ لأن الإنذار أهمّ، وليكون فتح الكلام وختمه مع المؤمنين. قرأ نافع والكسائي وأبو بكر وهشام. " سلاسلاً " منوناً؛ ليناسب " أغلالاً ". وحمزة وقتبل: بإسكان اللام في الوقف، وكذا حفص وابن ذكوان والبزي في وجه؛ لمنعها من الصرف.
(إِنَّ الْأَبْرَارَ... (٥) جمع برّ، كأرباب جمع ربٍّ. (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) هو الزجاج ما دام فيه الخمر، ويطلق على الخمر وهو المراد؛ لقوله: (كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) أي: ماء كافور وهو عين في الجنة، وقيل: نخلق فيه رائحة الكافور وبرده، وقيل: يمزج خمرهم بالكافور.
(عَيْنًا... (٦) بدل من (كَافُورًا) على الأول، وعلى الآخرين من محلّ (مِنْ كَأسٍ) على تقدير مضاف كأنه قيل: يشربون خمراً خمر عين، أو نصب على الاختصاص.
(يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) المقربون. أي: يمزجون الخمر بمائها. كقوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ). هذا إن جعل " كَافورًا " اسم عين. والألف والباء مزيدة. (يُفَجِّرُونَهَا) حيث شاءوا من منازلهم. (تَفْجِيرًا) سهلاً بلا تعبٍ.
(إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (٤) ذكر الوعد والوعيد بعد ذكر الشاكر والكفور وقدّم الوعيد مع تأخر الكفور؛ لأن الإنذار أهمّ، وليكون فتح الكلام وختمه مع المؤمنين. قرأ نافع والكسائي وأبو بكر وهشام. " سلاسلاً " منوناً؛ ليناسب " أغلالاً ". وحمزة وقتبل: بإسكان اللام في الوقف، وكذا حفص وابن ذكوان والبزي في وجه؛ لمنعها من الصرف.
(إِنَّ الْأَبْرَارَ... (٥) جمع برّ، كأرباب جمع ربٍّ. (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) هو الزجاج ما دام فيه الخمر، ويطلق على الخمر وهو المراد؛ لقوله: (كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) أي: ماء كافور وهو عين في الجنة، وقيل: نخلق فيه رائحة الكافور وبرده، وقيل: يمزج خمرهم بالكافور.
(عَيْنًا... (٦) بدل من (كَافُورًا) على الأول، وعلى الآخرين من محلّ (مِنْ كَأسٍ) على تقدير مضاف كأنه قيل: يشربون خمراً خمر عين، أو نصب على الاختصاص.
(يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) المقربون. أي: يمزجون الخمر بمائها. كقوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ). هذا إن جعل " كَافورًا " اسم عين. والألف والباء مزيدة. (يُفَجِّرُونَهَا) حيث شاءوا من منازلهم. (تَفْجِيرًا) سهلاً بلا تعبٍ.
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ... (٧) استئناف لما عسى أن يسأل: لماذا كان ذلك الإكرام؟. ونبّه بذكر النذر على أنهم في واجبات اللَّه أسعى وأوفى. (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) منتشراً أقصى ما يمكن من الانتشار. من استطار الفجر.
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ... (٨) أي: حب الطعام والاحتياج؛ لقوله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، وقيل: على حب اللَّه. وفي قوله: " لوجه اللَّه " غنية عن هذا.
(مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) مدح لهم على اختيار موضع الصدقة، فإنها كالبذر لا تنبت إلا في أرض طيبة. ويدخل في الأسير: المسلم والكافر والغريم والمملوك. وفي الحديث. " غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك ". وكان يؤتى بالأسير إلى رسول اللَّه فيدفعه إلى بعض المسلمين ويقول: " أحسن إليه ".
(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ... (٩) يقولونه بلسان الحال، أو بلسان المقال؛ منعاً لمن أحسنوا إليه عن المكافآت والثناء، (لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) توكيد للأولى.
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا... (١٠) عذاب يوم. أي: إنما أردنا بالإطعام وجه اللَّه؛ لأنا نخاف جزاء ذلك اليوم، ومن خاف ذلك لازم الإخلاص، أو لم نرد منكم على الصدقة مكافأة؛ خوفاً من عقاب اللَّه على طلب المكافأة. (عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) شديد العبوس. من
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ... (٨) أي: حب الطعام والاحتياج؛ لقوله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، وقيل: على حب اللَّه. وفي قوله: " لوجه اللَّه " غنية عن هذا.
(مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) مدح لهم على اختيار موضع الصدقة، فإنها كالبذر لا تنبت إلا في أرض طيبة. ويدخل في الأسير: المسلم والكافر والغريم والمملوك. وفي الحديث. " غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك ". وكان يؤتى بالأسير إلى رسول اللَّه فيدفعه إلى بعض المسلمين ويقول: " أحسن إليه ".
(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ... (٩) يقولونه بلسان الحال، أو بلسان المقال؛ منعاً لمن أحسنوا إليه عن المكافآت والثناء، (لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) توكيد للأولى.
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا... (١٠) عذاب يوم. أي: إنما أردنا بالإطعام وجه اللَّه؛ لأنا نخاف جزاء ذلك اليوم، ومن خاف ذلك لازم الإخلاص، أو لم نرد منكم على الصدقة مكافأة؛ خوفاً من عقاب اللَّه على طلب المكافأة. (عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) شديد العبوس. من
القطر والميم مزيدة يقال: " جمع فلان قطرته إذا اشتد تغيِّره مغضباً ". إما مجاز حكمي وصفٌ بوصَف أهله؛ لما في الحديث: " إنَّ الكافر يعبس حتى يسيل من بين عينيه شبه القطران "، أو استعارة بالكناية، شُبِّه بالأسدِ العبوس في ضراوته.
(فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ... (١١) لما قدموا له من البر. (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) بهجة في وجوههم. (وَسُرُورًا) في قلبهم.
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢) ليأكلوا الهنيء، ويلبسوا البهيّ. وما نقلوه عن عليّ لا يصح؛ لأن السورة مكية.
(مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ... (١٣) على هيئة المترفين. نصب على الحال. (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) أي: لا حرَّ ولا برد؛ لاعتدال الهواء. وعن ثعلب الزمهرير: القمر بلغة طي. وأنشد:
(فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ... (١١) لما قدموا له من البر. (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) بهجة في وجوههم. (وَسُرُورًا) في قلبهم.
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢) ليأكلوا الهنيء، ويلبسوا البهيّ. وما نقلوه عن عليّ لا يصح؛ لأن السورة مكية.
(مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ... (١٣) على هيئة المترفين. نصب على الحال. (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) أي: لا حرَّ ولا برد؛ لاعتدال الهواء. وعن ثعلب الزمهرير: القمر بلغة طي. وأنشد:
قطَعتهَا وَالزَمْهَريرُ مَا زَهَرْ | وَلَيْلَةٍ ظَلَامُهَا قَدِ اعتكرْ |
(وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا... (١٤) عطف على الجملة الحالية؛ لأنَّها في تأويل المفرد، والواو؛ للدلالة على اجتماع الأمرين لهم. كأنه قيل: جامعين في الجنة بين البعد عن الحرّ، ودنو الظلال عليهم. ويجوز أن يجعل " متكئين " وما بعده صفات لـ " جنة " على مذهب من لا يوجب إبراز الضمير في صفة جرت على غير من هي له؛ لكون " متكئين " كذلك، أو عطف على " جنة " على أنهم وعدوا جنتين كقوله: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا) أي: لا تمتنع على القِطاف، بل يقطفون كما شاءوا. عطف على دانية. وإيثار الفعلية لقصد التجدد؛ لأنَّ القطوف بحسب الحاجة. أو صفة مثلها، أو حال من ضميرها.
(وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ... (١٥) أباريق بلا عرى. (كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ... (١٦) القارورة: ما يكون من الزجاج، استعيرت لما كان من فضة بجامع الصفاء والشفيف فجاءت حسنة بديعة. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص:
قواريرا. الأول غير منون، ووقف عليه حمزة بدون ألف، وهم مع ابن كثير الثاني أيضاً، ووقفوا بلا ألف سوى هشام. (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) صفة قوارير. أي: جاءت على مقدار صوّروها في أنفسهم، أو قدّروها بأعمالهم الصالحة، أو الضمير للطائعين، والمعنى: قدروا الشراب الذي فيها على قدر الرِّيِّ وهو ألذ للشارب.
(وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (١٧) لأن العرب تستلذ طعمه. قال الأعشي:
(وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (١٧) لأن العرب تستلذ طعمه. قال الأعشي: