تفسير سورة الشرح

مراح لبيد
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد .
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

سورة ألم نشرح
مكية، ثمان آيات، وتسع وعشرون كلمة، ومائة وثلاثة أحرف
يروى عن طاوس وعمر بن عبد العزيز كانا يقولان: هذه السورة وسورة الضحى سورة واحدة، وكان يقرءانهما في الركعة الواحدة وما كانا يفصلان بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم. قال الجمل: ولما ذكر الله تعالى بعض النعم عليه صلّى الله عليه وسلّم بقوله تعالى: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ [الضحى: ٣] إلخ أتبعه بما هو كالتتمة له وهو شرح الصدور فقال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) قال في نور المقياس:
أَنْقَضَ ظَهْرَكَ
(٣) أي خففنا عنك أعباء النبوة التي تثقل ظهرك من القيام بأمرها والمحافظة على حقوقها بأن يسرها الله عليه صلّى الله عليه وسلّم حتى تيسرت له، وقيل عصمناك عن الوزر الذي يثقل ظهرك، وقيل: لئن كان نزول السورة بعد موت أبي طالب وخديجة فلقد كان فراقهما عليه صلّى الله عليه وسلّم وزرا عظيما، فوضع عنه الوزر برفعه إلى السماء حتى لقيه كل ملك وحياه فارتفع له الذكر فلذلك قال تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) أي رفع ذكره حيث قرن اسمه باسم الله تعالى في
643
كلمة الشهادة والأذان والإقامة، وجعل طاعته من طاعته تعالى وصلى عليه هو وملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه وسمي رسول الله، ونبي الله ولو أن رجلا عبد الله تعالى وصدق بالجنة والنار وكل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم ينتفع بشيء وكان كافرا، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) ف «أل» في «العسر» الأول للعهد الحضوري وفي الثاني للعهد الذكري فالعسر واحد وهو العسر الذي كانوا فيه، فهو هو وتنكير «يسرا» للتفخيم كأنه قيل: إن مع العسر يسرا عظيما ويسرا كاملا فتناول يسر الدارين ولذلك
قال صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يخرجه لن يغلب عسر يسرين»
فقوله تعالى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً تكرير للتأكيد أو عدة مستأنفة بأن العسر مشفوع بيسر آخر، وفي مصحف ابن مسعود جملة واحدة مرة واحدة قال الرازي: والمراد من اليسرين
في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يغلب عسر يسرين»
يسر الدنيا ويسر الآخرة وهما استفتاح البلاد، وثواب الجنة وهذه الآية تثبيت لما قبلها، ووعد كريم بتيسير كل عسير له صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين كأنه قيل خولناك ما خولناك من جلائل النعم فكن على ثقة بفضل الله تعالى ولطفه فإن مع العسر يسرا كثيرا، فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) أي فإذا فرغت من عبادة فأتبعها بعبادة أخرى بأن تواصل بين بعض العبادات وبعض وأن لا تخلي وقتا من أوقاتك منها. قال قتادة والضحاك ومقاتل: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فاتعب في الدعاء وارغب إلى ربك في المسألة يعطك، وقال الشعبي: إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك، وقال مجاهد: إذا فرغت من أمر دنياك فاتعب وصل، وقال عبد الله بن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فاتعب في قيام الليل، وقال ابن حبان عن الكلبي: إذا فرغت من تبليغ الرسالة فاتعب واستغفر لذنبك وللمؤمنين، وقال علي بن أبي طلحة: إذا كنت صحيحا فاجعل فراغك تعبا في العبادة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني أكره أن أرى أحدكم فارغا لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨) أي إلى ربك فارفع حوائجك واجعل رغبتك إليه خصوصا ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه، وقرئ «فرغب» أي رغب الناس إلى طلب ما عنده تعالى.
644
Icon