تفسير سورة سورة لقمان من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
المعروف بـالمنتخب
.
لمؤلفه
مجموعة من المؤلفين
.
ﰡ
١ - الم: هذه حروف ابتدأ الله بها بعض السور، ليشير بها إلى إعجاز القرآن المؤلف من حروف كالحروف التى يؤلف منها العرب كلامهم، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله، ولينبِّه إلى الاستماع والإنصات، وكان المشركون قد اتفقوا على أن يَلْغوا فيه ولا يسمعوا.
٢ - هذه الآيات العظيمة آيات القرآن المشتمل على الحكمة والصواب.
٣ - هذه الآيات هداية كاملة ورحمة شاملة لمن يحسنون العمل.
٤ - هم الذين يؤدون الصلاة على أكمل وجه، ويعطون الزكاة لمستحقيها، وهم بالحياة الآخرة يؤمنون أقوى الإيمان.
٥ - أولئك المؤمنون المحسنون فى أعمالهم متمكنون من الهدى الذى جاءهم من ربهم، وأولئك هم - دون غيرهم - الفائزون حقاً.
٦ - ومن الناس من يشترى باطل الحديث ويقصُّه على الناس، ليصدَّهم عن الإسلام والقرآن جهلا منه بما عليه من إثم، ويتخذ دين الله ووحيه سخرية. الذين يفعلون ذلك لهم عذاب يهينهم ويذلهم.
٧ - وإذا تتلى على هذا الضال آيات الله البينات أعرض عنها متكبراً، وحاله فى ذلك حال من لم يسمع، كأن فى أذنيه صمما، فأنذره بأن الله أعد له عذاباً شديدا الإيلام.
٨ - إن الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الطيبة الصالحة لهم جنات النعيم.
٩ - يبقون فيها على وجه الخلود: وعدهم الله وعْداً لا يتخلف، والله الغالب على كل شئ. الحكيم فى أقواله وأفعاله.
١٠ - خلق الله السموات من غير عُمُد مرئية لكم، وجعل فى الأرض جبالا ثوابت، لئلا تضطرب بكم، ونشر فيها من كل الحيوانات التى تدب وتتحرك، وأنزلنا من السماء ماء، فأنبتنا به فى الأرض من كل صنف حسن كثير المنافع.
١١ - هذا مخلوق الله أمامكم، فأرونى ماذا خلق الذين تجعلونهم آلهة من دونه حتى يكونوا شركاء له؟ بل الظالمون - بإشراكهم - فى ضلال واضح.
١٢ - ولقد أعطينا لقمان الحكم والعلم والإصابة فى القول، وقلنا له: اشكر الله على ما أعطاك من النعم. ومن يشكر فإنما يبتغى الخير لنفسه، ومن كفر النعم ولم يشكرها فإن الله غير محتاج إلى شكره، وهو مستحق للحمد وإن لم يحمده أحد.
١٣ - واذكر إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بنى، لا تشرك بالله أحداً، إن الشرك بالله لظلم عظيم يسوى بين الله المستحق للعبادة وحده، وبين من لا يستحقونها من الأوثان وغيرها من المبعودات.
١٤ - وأمرنا الإنسان أن يبرّ والديه ويجعل أمه أوفر نصيباً، حملته فيتزايد ضعفها ويعظم شيئاً فشيئاً، وفطامه فى عامين، ووصيناه أن اشكر لله ولوالديك، إليه المرجع للحساب والجزاء.
١٥ - وإِنْ حملك والداك - بجهد - على أن تشرك بالله ما لا تعلم أنه يستحق فلا تطعهما، وصاحبهما فى الدنيا بالبر والصلة والإحسان، واتبع طريق من رجع إلىَّ بالتوحيد والإخلاص، ثم إلىَّ مرجعكم جميعاً، فأخبركم بما كنتم تعملون من خير وشر لأجازيكم عليه.
١٦ - يا بنى: إن الحسنة أو السيئة للإنسان إن تكن - مثلا - فى الصغر كحبة الخردل، فتكن فى أخفى مكان كقلب صخرة أو فى السموات أو فى الأرض يظهرها الله ويحاسب عليها، إن الله لطيف لا تخفى عليه دقائق الأشياء، خبير يعلم حقائق الأشياء كلها.
١٧ - يا بنى: حافظ على الصلاة، وأمر بكل حسن، وانْه عن كل قبيح، واحتمل ما أصابك من الشدائد، إن ما أوصى الله به هو من الأمور التى ينبغى الحرص عليها والتمسك بها.
١٨ - ولا تُمِلْ خدك للناس تكبراً، ولا تمش فى الأرض مُعجباً بنفسك، إن الله لا يحب كل مختال يعدد مناقبه.
١٩ - وتوسط فى مشيك بين السرعة والبطء، واخفض من صوتك، لأن أقبح ما يستنكر من الأصوات هو صوت الحمير، أوله زفير مما يكره، وآخره شهيق مما يستقبح.
٢٠ - قد رأيتم أن الله ذلَّل لكم ما فى السموات من الشمس والقمر والنجوم وغيرها، وما فى الأرض من الأنهار والثمار والدواب، وأتم عليكم نعمه ظاهرة لكم ومستورة عنكم، ومن الناس من يُجادل فى ذات الله وصفاته بلا دليل ولا رشاد مأثور عن نبى ولا وحى يضئ طريق الحق.
٢١ - وإذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل الله من الحق والهدى، قالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم إلى ضلال يدخلهم عذاب السعير؟.
٢٢ - ومن يتجه إلى الله بقلبه ووجهه ويفوض إليه جميع أمره - وهو محسن فى عمله - فقد تعلق بأقوى الأسباب التى توصله إلى رضا الله، وإليه - سبحانه - مصير الأمور كلها.
٢٣ - ومن لم يجعل ذاته ونفسه خالصة لله فلا يحزنك جحوده وإعراضه، إلينا - وحدنا - مرجع هؤلاء يوم القيامة، فنعرض عليهم أعمالهم. لأننا نحيط علماً بدخائل النفوس فكيف بظواهر الأعمال؟.
٢٤ - نمتعهم زمناً قليلا فى دنياهم، ثم نلجئهم إلى عذاب شديد لا يحتمل.
٢٥ - وأقسم لك - أيها النبى - إن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن: هو الله، قل: الحمد لله الذى أوجد من دلائل وحدانيته ما يهدم ما هم عليه من إشراك غيره معه فى العبادة. ولكن أكثرهم لا يعلمون أنهم بإقرارهم هذا قد أقاموا الحُجة على أنفسهم بفساد عقيدتهم.
٢٦ - لله ما فى السموات والأرض خلقاً واقتداراً وتدبيراً، فكيف يتركون عبادته؟ وإن الله - سبحانه - هو الغنى عن خلقه وعن عبادتهم له. المحمود بذاته. الجدير بالثناء عليه من عباده.
٢٧ - ولو تحولت كل أشجار الأرض أقلاماً وصارت مياه البحر الكثيرة مِداداً تكتب به كلمات الله لفنيت الأقلام ونفد المداد قبل أن تنفد كلمات الله. لأن الله عزيز لا يعجزه شئ. حكيم لا يخرج من علمه وحكمته شئ، فلا تنفد كلماته وحكمته.
٢٨ - ما خلقكم ابتداء ولا بعثكم بعد الموت أمام قدرة الله إلا كخلق نفس واحدة أو بعثها. إن الله سميع لقول المشركين: لا بعث. بصير بأعمالهم فيجازيهم عليها.
٢٩ - ألم تنظر - أيها المكلف - نظر اعتبار أن الله ينقص من زمن الليل بقدر ما يزيد من النهار، وينقص من زمن النهار بقدر ما يزيد فى زمن الليل، وذَلَّل الشمس والقمر لمصالحكم، وأخضعهما لنظام بديع، فيجرى كل منهما فى فلك معين لا يحيد عنه، ويستمر كذلك إلى يوم القيامة، وأنه - سبحانه - خبير بكل ما تعملون ومجازيكم عليه.
٣٠ - ذلك المذكور من عجائب صنع الله وقدرته بسبب أن صانعه هو الإله الثابت الألوهية، الجدير - وحده - بالعبادة، وإن الآلهة التى تعبدونها من دونه باطلة الألوهية، وإن الله - وحده - هو العلى الشأن، الكبير السلطان.
٣١ - ألم تنظر - أيها الإنسان - إلى الفلك تجرى فى البحر برحمة الله حاملة على ظهرها ما ينفعكم، ليظهر لكم بذلك بعض عجائب صنعه، ودلائل قدرته. إن فى ذلك لآيات لكل صبَّار على بلائه. شكور لنعمائه.
٣٢ - هؤلاء الجاحدون بالله إذا ركبوا فى السفن واضطرب بهم البحر وارتفعت أمواجه حتى بدت كأنها تظللهم، وظنوا أنهم غارقون - لا محالة - لجأوا إلى الله يدعونه فى إخلاص وخضوع أن ينجيهم، فلما نجَّاهم إلى البر كان منهم قليل تذكَّر عهده، واعتدل فى عمله، ومنهم كثير نسى فضل ربه، وظل على جحوده به، ولا ينكر فضل ربه عليه وإحسانه إليه إلا كل إنسان شديد الغدر، مسرف فى الكفر بربه.
٣٣ - يا أيها الناس: افعلوا ما أمركم ربكم به، واتركوا ما نهاكم عنه، واحذروا عذابه يوم القيامة، يوم لا يغنى والد فيه عن ولده شيئاً، ولا مولود هو مغن عن والده شيئاً، إن هذا اليوم وعد الله به، ووعده حق لا يتخلف، فلا تلهينكم زخارف الدنيا وزينتها عن الاستعداد له، ولا تخْدَعنَّكُم وساوس الشيطان، فتصرفكم عن الله وطاعته.
٣٤ - إن الله يثبت عنده علم الساعة فلا يعلمها أحد سواه، وينزل المطر فى موعده الذى ضربه له، ويعلم ما فى الأرحام، أى يعلم مصير هذا الخارج من الأرحام إلى الدنيا بين الشقاء والسعادة، وبين التوفيق والخذلان، وبين مقدار إقامته فى الدنيا وخروجه منها. وما تعلم نفس بارة أو فاجرة ما تكسبه فى غدها من خير أو شر، وما تعلم نفس ببقعة الأرض التى فيها ينقضى أجلها، لأن الله تام العلم والخبرة لكل شئ، ولا يظهر على غيبه أحداً.