بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الجن١مكية٢
٢ - بالإجماع، وانظر: المحرر١٦/١٣٠، وزاد المسير ٨/٣٧٦، وتفسير القرطبي ١٩/١ والبحر ٨/٣٤٤..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الجنمكية
- قوله: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع﴾، إلى قوله: ﴿شَطَطاً﴾.
أي: قل يا محمد (لأمتك) أوحى الله إليّ أنه استمع نفر من الجن القرآن ومضوا إلى قومهم.
- ﴿فقالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يهدي إِلَى الرشد﴾.
أي: إلي ما فيه الرشد لمن قبله ﴿فَآمَنَّا بِهِ..﴾ أي: فصدقنا به.
﴿وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً﴾.
أي: ولا نجعل لربنا شريكاً في عبادتنا إياه بل نعبده وحده.
قال ابن عباس: كَانَ النبيّ ﷺ بِحَرَاء يتلو القُرآن فَمَرّ بِهِ نَفَرٌ منَ الجِنِّ فاستمعوا إلى قِراءَته وآمَنوا بِهِ وَمَضوا إلى قومِهم مُنذرين، فَقَالوا ما حَكى الله عنهم.
ومن فتح " أن " في ﴿وَأَنَّهُ﴾ وما بعدها عَطَفَه على الهاء في " به " فصدقنا به وصدقنا أنه تعالى وكذلك ما بعده.
وما لم يحسن فيه " صدقنا " " وآمنا " اضْمر له فعل يليق بالمعنى نحو قوله:
ومما يدل على قراءة الفتح دخول " أنّ " في قوله ﴿وَأَلَّوِ استقاموا﴾، لأن " أنّ " لا [تدخل] مع " لو " في الحكاية فلما دخلت أن مع " لو " عُلِم أن ما قبلها وما بعدها لم يجعل على الحكاية أيضاً، وإذا لم يحمل على الحكاية لم يجب فيه الكسر، وإذا لم يُكسر وجب فتحه.
فأما علة (من) فتح " أن " في قوله ﴿وَأَلَّوِ استقاموا﴾ وأجماعهم على ذلك فلأنها بعد يمين مقدرة فانقطعت عن النسق، والتقدير: والله أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً.
وكان سبب استماع الجن للقرآن (ما) قال ابن عباس، قال: " اِنْطَلَقَ
قال زِرُّ ": قدم رهط [زوبعة] وأصحابه إلى مكة على النبي ﷺ فسمعوا قراءته ثم انصرفوا فهو قوله: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ [القرآن﴾. قال]: وكانوا تسعةً، مِنْهُمْ [زوبعةُ].
قال الضحاك: قوله ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن﴾ (هو قوله:
والنَّفَرُ في اللغة ثلاثة فأكثر.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا (مَا اتخذ)...﴾.
أي: (وآمنا أنه تعالى، على قراءة من فتح.
وعلى قراءة من كسر، فتقديره: وقالوا إنه ﴿تعالى جَدُّ رَبِّنَا﴾: أي) أَمْرُ ربنا وسلطانُه وقدرتُه.
قال ابن عباس: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾: " فعله وأمره وقدرته ". وهو قول قتادة والسدي وابن زيد. وقال عكرمة ومجاهد: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ جلاله وعظمته. وقال الحسن ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ " غنى ربنا ".
وعن مجاهد أيضاً ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ " ذكره ". وعنه وعن عكرمة وقتادة: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ عظمته.
والجد في اللغة على وجوه، منها: الجَدّ أبو الأب وأبو الأم والجَدّ: الحظّ، وهو [البَخْتُ] بالفارسية والجَدّ: العَظَمَةُ. (والجَدّ مصدر [جَدَدْتُ] الشيء جَدّا، ولا يليق بهذا الموضع من كتاب الله من هذه الوجوه إلا العظمة.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شَطَطاً﴾.
أي: وشهدنا أنه (كان على قراءة من فتح " أن "، ومن كسر كان تقديره:
والمعنى أن الله أخبرنا عن [قول] النَّفَرِ واعترافهم الخطأ الذي كانوا عليه.
من قبول قول إبليس اللعين فالمعنى: وإن إبليس كان يقول على الله شططاً والشطط: الغلو في الكذب.
قال قتادة ومجاهد وابن جريج: السفيه هنا إبليس ورواه أبو بُرْدَة عن
قال سفيان: سمعت أن الرجل إذا سجد جلس (إبليس) يبكي يا ويله، أمرت بالسجود فعصيت [فلي] النار وأمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة.
والسفه [رقة] الحلم.
قال ابن زيد: ﴿شَطَطاً﴾ ظلماً كبيراً.
وقيل: الشطط: البعد [ومنه]: شط المِزار أي: بعد.
- قوله: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِباً﴾ إلى قوله: ﴿لِبَداً﴾.
[ثم قال]: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن فَزَادُوهُمْ رَهَقاً﴾.
هذا أيضاً من قول النفر من الجن.
ذكروا أن رجالاً من الإنس [كانوا] [يستجيرون] برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا، فزاد الجنّ باستجارتهم (لهم) جرأة عليهم وأزداد الإنس إِثْماً.
قال ابن عباس: " فزادهم] إثماً وهو قول قتادة. فازداد الإنس بفعلهم ذلك إثماً، وازداد الجن على الإنس جرأة.
وقال الربيع ابن أنس: فازداد الإنس لذلك فَرقاً من الجن.
وهو قول ابن زيد.
وقال أبو عبيدة: رهقاً: سفهاً وظلماً.
والرهق في كلام العرب: الإثم والعيب وإتيان المحارم. ومنه: فلان يرهق بكذا، أي: يعاب به. فيكون التقدير: فزاد الجنّ الإنس إِثماً لمّا [استعاذوا] بهم. وكان ذلك من فعل المشركين. قال ابن عباس وغيره: كان رجال من الإنس يَبِيتُ أحدهم في الوادي في الجاهلية، فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي فزادهم ذلك إثماً.
وقال الحسن: كان الرجل إذا نزل في الوادي يقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي من
وقال النخعي: كان الرجل إذا نزل [الوادي] يقول: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر (ما) فيه، فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضراً ولا نفعاً.
وقال مجاهد: كانوا يقولون إذا هبطوا وادياً: نعوذ بعظماء هذا الوادي وهو قول قتادة وغيره.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً﴾.
أي: وإن الرجال من الجن ظنوا كما ظن الرجال من الإنس أن الله لا يبعث أحداً، أي: رسولاً إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده. قاله الكلبي.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً/﴾.
[وقال النفر من الجن إنا طلبنا خبر السماء فوجدناها قد ملئت حفظاً مانعاً] [وشبهاً] نُرْجَم بها إذا أردنا الاستماع. والشُّهب: النُّجُوم.
وقال ابن جبير: كانت الجن [تستمع]، فلما رُجموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء إنما هو لشيء حدث في الأرض. قال: فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبي ﷺ خارجاً من سوق عُكَاظٍ يصلي بأصحابه صلاة الفجر، إلى أصحابهم منذرين.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ.... ﴾
- ﴿فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾.
أي: من أتي يستمع الساعة يرمي بشهاب يرمد به إذا دنا فَيُرمى به، قال قتادة: لما بعث الله نبيه مُنِعُوا الاستماع [فَتَفَقَّدَتِ] الجن ذلك من أنفسها، قال: وذُكشرَ لنا أن أشراف الجن كانوا [بنصيبين] (فطلبوا ذلك] وضربوا إليه حتى سقطوا على نبي الله وهو يصلي بأصحابه عامداً إلى عكاظ.
قال ابن زيد: قالوا كنا نستمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً، فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس، فقالوا مُنِع (منَّا) السمع. فقال: إن السماء لم تحرس إلا على [أمرين]: إما العذاب] يريد الله تعالى أن ينزله بغتة على أهل
(أي) قال إبليس لا ندري أعذاب ينزل على من في الأرض بغتة، فمُنِعْتُم من أجله الاستماع؟ أم نبي أرسله الله ليرشد من في الأرض إلى الطريق المستقيم؟ هذا معنى قول ابن زيد.
وقال الكلبي: معناه: أنهم قالوا: لا ندري أهذا المنع الذي منعنا، أراد بهم ربهم أن يطيعوا الرسول فَيَرْشُدُوا أم يعصوه فيهلكهم وهذا كله من علامات نبوة محمد ﷺ.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصالحون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ...﴾.
أي: قال النفر: وإنا منا المسلمون العاملون بطاعة الله، ومنا من هو دون ذلك في الصلاح والعمل.
أي: كنا أهواء مختلفة وفرقاً شتى، الصّالِح والذي هُوَ دُونَه، والكافِرِ.
قال ابن عباس: ﴿كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً﴾ (أي) أهواء شتى مِنّا المُسلم ومن المُشرك.
وقال عكرمة: " أهواء مختلفة ".
وقال قتادة: " أهواء شتى ".
وقال مجاهد: " مسلمين وكافرين " وهو قول سفيان.
والقِدَد جمع قدة، وهي الضُّروبُ والأَجناس المختلفة. والطرائق جمع طريقة الرجل أي مذهبه.
- ثم قال ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض...﴾.
أي: وإنّا علمنا وأَيْقَنّا أن لن نفوت الله بالهروب في الأرض ولا بغيره، وَصَفوهُ - جل ذِكره - بالقدرة عليهم.
أي: لما سمعنا القرآن [يؤدي] من آمن به إلى الهدى صدقنا به.
- ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً﴾.
[أي: ومن يصدق بربه فلا خاف بخساً) أي: أن ينقص من حسناته وثوابه].
- ﴿وَلاَ رَهَقاً﴾.
(أي): لا يُحمل من سيئات غيره عليه.
قال ابن عباس: ﴿بَخْساً وَلاَ رَهَقاً﴾، أي: " لا يخاف نقصاً من حسناته، ولا زيادة في سيئاته ".
قال قتادة: ﴿بَخْساً﴾: ظلما، ﴿وَلاَ رَهَقاً﴾: أن يعمل عليه ذنب غيره.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّا مِنَّا المسلمون وَمِنَّا القاسطون...﴾.
أي: الجائرون عن الهدى.
أي: [تعمدوا الرشد] وأصابوه.
- ثم قال: ﴿وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾.
أي: وأما العادلون الجائرون عن الهدى فكانوا حطباً يوم القيامة لجهنم.
- ثم قال: ﴿وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ...﴾.
كل ما تقدم من إخبار الله هو من قول الجن إلا هذا، فإنه من قول الله، أي: لو استقام القاسطون [على] طريقة الحق [أي]: طريقة الإسلام وهي [الطاعمة] لله، لَوَسّعْنا عليهم في الرزق لنختبرهم فيه فننظر عملهم وشكرهم. قاله ابن جبير وقتادة ومجاهد [قاله مجاهد: الطريقة: الإسلام، والماء: المال، والغدق: الكثير].
والغَدَق: الماء الظاهر، والرَّغَد: الكَثِير، والماء يُراد به العيش والرزق.
(و) القول الأول أصح كما قال: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرىءَامَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بركات...﴾ [الأعراف: ٩٦] الآية.
- ثم قال: ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ...﴾.
أي: عن القرآن [وقبوله].
﴿يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً﴾.
وقرأ مسلم بن جندب: نُسلِكه، جعله رباعياً. يقال: سَلَكه وأَسلَكه. ويقال: سَلَكَ، وهو وَسَلَكْتُهُ مثل رَجَعَ ورَجَعْتُهُ.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً﴾.
أي: وأوحي إلى أن المساجد لله ﴿فَلاَ تَدْعُواْ﴾ أيها الناس ﴿مَعَ الله أَحَداً﴾ أي: لا
وقال الفراء (يقال) ﴿[وَ] أَنَّ المساجد لِلَّهِ﴾، يراد به مساجد الرجل، ما يسجد عليه من جبهته ويديه وركبتيه وصدور قدميه.
وقوله: ﴿فَلاَ تَدْعُواْ﴾ خطاب للجماعة والنون حذفت للنهي.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾.
أي: لما قام (محمد يدعو الله) يقول: لا إله إلا الله، كاد الجن يكونون على محمد لبداً، أي جماعات بعضها فوق بعض.
وواحد لِبَد: لِبْدة. ويقال: لُبد - بضم اللام - واحدها لُبْدة.
فمن كسر [﴿وَأَنَّهُ﴾] جعله من قول الجن إخباراً من الله لنا عن قولهم ذلك، ويكون المعنى على ما قال ابن جبير أن الجن رأوا النبي ﷺ يصلي وأصحابه يصلون بصلاته فعجبوا من طوعهم له فقالوا لقومهم: وإنه لما قام عبد الله يدعو الله كاد أصحابه يكونون عليه لِبَداً.
فأما من فتح فهو من كلام الله أيضاً على هذا المعنى، أي: كاد الجن [يركبون محمد من الحرص] لما سمعوه يتلو القرآن فدنوا منه حتى كادوا يركبونه، هذا معنى قول ابن عباس والضحاك، فيكون الضميران في (كادوا يكونون) للجن.
وعن ابن عباس أيضاً أن معناه (أن) الجن قالوا لقومهم، إن محمد لمّا قام يدعو الله كاد أصحابه يركبونه لتقربهم منه وطوعهم له، فيكون الضّميرانِ لأصحابِ النبي ﷺ وهو قول ابن جبير.
[وعن ابن عباس ﴿لِبَداً﴾: أعواناً].
وقال قتادة: معناه أن الله أعلم نبيه أن الجن والإنس يتظاهرون عليه ليبطلوا ما جاءهم (به) لمّا دَعا إلى الله، والله ناصِرُه عليهم.
- قوله: ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي...﴾ إلى آخر السورة.
أي: " قال محمد ﷺ، لما تظاهرت على إنكار ما جاء به العرب، إنما أدعو ربي وأوحده ولا أشرك به " وهذا يدل على أن معنى ﴿كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾ أنه لما قام محمد ﷺ يدعو إلى الله تراكبت العرب (عليه).
وتظافرت ليردوا قوله ويُطفئو النور الذي جاء فقال لهم: ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً﴾. من قرأ (قل) جعله على الأمر من الله لنبيه، أي: قل: لهؤلاء الذين تظاهروا عليك لما دعوتهم إلى التوحيد: إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا.
أي: قل يا محمد لمشركي العرب الذين ردوا عليك أني لا أملك [لكم] ضراً في دينكم ولا دنياكم، ولا أملك لكم رشدكم، إنما ذلك إلى الله).
- ثم قال: ﴿قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ...﴾.
أي: لن يمنعني من الله أحد إن أرادني بأمر.
وروي أن بعض الجن قال: أنا أجيره، فنزلت هذه الآية ونزلت ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾ أي: لا ملجأ ولا ناصراً ألجأ إليه.
- ثم قال: ﴿إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله وَرِسَالاَتِهِ/...﴾.
أي: لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ﴿إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله وَرِسَالاَتِهِ﴾ أي: أملك إلا أن أبلغكم عن الله رسالاته التي أرسلني بها إليكم فأما الرشد والخذلا ن فبيد الله.
وقيل [إلا] بمعنى " لم " و " إن " منفصلة، والتقدير: قل إني لن يجيرني من الله
- ثم قال: ﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾.
أي: من يعصهما فيما أمَرا به فإن له نار جهنم في الآخرة ماكثين فيها أبداً لا يخرجون ولا يموتون.
- ثم قال: ﴿حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ...﴾.
أي: إذا عاينوا ما يعدهم ربهم من العذاب ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ هنالك ﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً﴾.
- ثم قال: ﴿قُلْ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ...﴾.
أي: قل للمشركين يا محمد -: ما أدري أقريب قيام الساعة التي وعدكم [الله] بالجزاء فيها على أعمالكم.
﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَداً﴾.
- ثم قال: ﴿عالم الغيب...﴾.
أي: ما غاب عن العيون والأسماع.
﴿فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً﴾.
أي: يعلم غيب كل شيء ولا يعلم غيبه أحد.
- ﴿إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ...﴾.
أي: فإنه يطلعه من غيبه على ما شاء وقيل: الغيب الذي يطلع الرسل عليه كتبه التي أنزلها عليهم.
وقال الضحاك: كان ﷺ، إذا بعث إليه الملك بُعِث ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه لئلا يشتبه عليه الشيطان في صورة الملك فهو معنى قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾، وقاله النخعي. وقال ابن عباس: هي
- ثم قال: ﴿لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ...﴾.
أي: ليعلم أهل الشرك أن الرسل بلغوا إليهم رسالة ربهم.
وقيل: المعنى: ليعلم [الرسول] وهو محمد أن الرسل قبله قد بلغوا رسالات ربهم لقومهم ولم يكن للشيطان إليهم سبيل، وهو قول قتادة، وقال مجاهد: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغ الرسل رسالة ربهم.
وقال: معمر: معناه: ليعلم محمد أن الرسل قد أبلغت عن الله وأن الله حَفِظها ودفع عنها. وهو مثل قول قتادة. وقال ابن جبير: معناه: ليعلم محمد أن الملائكة قد أبلغوا رسالات ربهم. قال: وما نزل جبريل بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة
وقيل معنى الآية: ليعلم الله ذلك علماً مشاهداً تجب عليه المُجازاة فأما الغيب فقد علمه، كقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الله الذين آمَنُواْ﴾ [آل عمران: ١٤٠].
- وقوله: ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ...﴾.
أي: وعلم كل ما عندهم يعني الرسل قبل محمد، قال ابن جبير معناه ليعلم الرسل أن ربهم قد أحاط بهم فيبلغوا رسالات ربهم.
- ثم قال: ﴿وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾.
أي: وعلم عدد كل شيء، [و ﴿عَدَداً﴾] منصوب على التمييز.