تفسير سورة العاديات

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة العاديات مكية، وآياتها إحدى عشرة، نزلت بعد سورة العصر.
تبدأ هذه السورة بالقسَم بالخيل التي تعدو، ويُسمع صوت أنفاسها، وتقدَح الشرر بحوافرها، والتي تُغير مع الصباح على العدو، وتثير الغبار حتى تتوسط جمع العدو، فتأخذه على غِرة، وتثير في صفوفه الذعر والفزع. وقد جاء هذا القسَم بالخيل وما فيها من فوائد، وما لها من مشاهد محبّبة، يؤكد أن الإنسان شديد الكفران لنعم ربه. وهو لا يستطيع إنكار ذلك. إنه لشديد الحب للمال يجمعه من أي طريق، ثم يحرص عليه كل الحرص. لكنه غافل أشد الغفلة حتى إنه يجهل عاقبة أمره يوم تُبعثر القبور، ويُخرج الناس منها، وينشر كل امرئ ما في صدره من سر وأعمال ؛ لأنهم في ذلك اليوم يكونون عند ربهم الخبير بهم، والذي لا تخفى عليه خافية من أمورهم.

العاديات : الخيل التي تجري، والفعلُ عدا يعدو عَدْواً جرى...
ضَبحا : الضبح صوت أنفاس الخيل.
أقسَم الله تعالى بالخَيْل المسرِعة التي يُسمع لأنفاسها صوتٌ شديد.
فالمورياتِ قَدحا : أورى النارَ أوقَدها، فالموريات هي الخيلُ حين تُسرع فتضرب الحجارةَ بحوافرها فتقدَحُ النارُ منها. وَقدح النارَ من الزند : أخرجها.
والتي توري النارَ من الحجارة بحوافرِها.
المُغيرات : واحدها مغيرة، والفعل أغار على العدو إذا هجم عليه بغتة.
وتُغِيرُ صباحاً على العدوّ لِتَبْغَتَه وتفاجئَه. وهذه عادةٌ معروفة في الغارات.
﴿ فأثرنَ به نقعا ﴾ : فهيّجن الغبارَ، والنقع : الغبار.
وعندما تُغير الخيل مسرعةً تُثير الغبارَ الكثيف حتى لا تكادُ تُرى.
فوسَطْن به جمعا : توسّطت الخيل في جَمع العدو : اخترقْته.
وبعد ذلك تتوسَّط جموعَ الأعداء، فتثيرُ فيهم الفَزَعَ والرعب.
لَكنود : كفور، كَنَدَ النعمةَ كفرها.
لقد أقسم الله تعالى بالخيل التي عدَّد صفاتِها آنفاً، إن الإنسانَ لِنَعَمِ ربِّه لَجَحود.
إنه لَشاهد على جحوده وكُفره للنِعم التي لا تُحصى.
كما أنه شديدُ الحُبّ للمال، حريصٌ على جمعه من أي طريق. وبعد أن عدّد هذه الخصالَ بيّن لذلك الإنسان الغافل عن واقعِه أنه سيترك كل ما جَمَعَه، وسيقفُ يومَ القيامة للحساب، حيث تُبْرَزُ جميعُ حسناته وسيئاته، ولا يستطيع أن يُنكرَ منها شيئا.
﴿ بُعثر ما في القبور ﴾ : فُتحت القبور، وقلبت حتى يخرج من فيها، يقال : بعثرتُ المتاعَ : إذا جعلتُ أسفلَه أعلاه.
أجَهِلَ كلَّ هذا فلا يعلَم إذا نُشر كلُّ من في القبور ؟
وجُمعت أعمالُهم.
بأن الله يعلم ما يُسِرّون وما يُعلنون، لا تخفى عليه منهم خافية ؟ إن المرجعَ إلى الله.. وهو خبيرٌ بالأعمالِ والأسرار.
Icon