تفسير سورة العاديات

روح البيان
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

تفسير سورة العاديات
مختلف فيها وآيها احدى عشرة بلا خلاف بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعادِياتِ جمع عادية وهى الجارية بسرعة من العدو وهو بالفارسية دويدن. وياؤها مقلوبة عن الواو لكسرة ما قبلها اقسم سبحانه بخيل الغزاة التي تعدو نحو العدو ضَبْحاً مصدر منصوب اما بفعله المحذوف الواقع حالا منها اى تضبح ضبحا على تأويل العاديات بالجماعة وهو صوت أنفاسها عند عدوها يعنى صوتا يسمع من أفواه الفرس وأجوافها إذا عدون وهو صوت غير الصهيل والحمحمة وهى صوت البرذون عند الشعير أو بالعاديات فان العدو مستلزم للضبح كأنه قيل والضابحات ضبحا أو حال على أنه مصدر بمعنى الفاعل اى ضابحات فَالْمُورِياتِ قَدْحاً الإيراء إخراج النار والقدح الضرب فان الخيل يضربن بحوافرهن وسنابكهن الحجارة فيخرجن منها نارا يقال قدح الزند فاورى وقدح فاصلد اى صوت ولم يور فالقدح يتقدم على الإيراء بخلاف الضبح حيث يتأخر ويتسبب عن العدو والمعنى تورى النار من حوافرها إذا سارت فى الأرض ذات الحجارة فالقدح استعارة لضرب الحجارة بحوافرها وانتصاب قدحا كانتصاب ضبحا على الوجوه الثلاثة اى تقدح قدحا او فالقادحات قدحا او قادحات فَالْمُغِيراتِ يقال أغار على القوم غارة وإغارة دفع عليهم الخليل وأغار الفرس اشتد عدوه فى الغارة وغيرها أسند الاغارة التي هى مباغتة العدو للنهب والقتل واسر الى الخليل وهى حال أهلها إيذانا بانها العمدة فى اغارتهم صُبْحاً نصب على الظرفية اى فى وقت الصبح وهو المعتاد فى الغارات يعدون ليلا لئلا يشعر بهم العدو ويهجمون عليهم صباحا على حين غفلة ليروا ما يأتون وما يذرون ومنه قولهم عند خوف الغارة يا صباحاه اى يا قوم احذروا من شر توجه إلينا صباحا فَأَثَرْنَ بِهِ عطف على الفعل الذي دل عليه اسم الفاعل إذا المعنى واللاتي عدون فاورين فاغرن فأثرن به اى فهيجن فى ذلك الوقت وأصله اثورن من الثور وهو الهيجان نقلت حركة الواو الى الثاء قبلها وقبلت الواو الفا فصار اثارن فحذفت الالف لاجتماع الساكنين فبقى اثرن بوزن افلن ويجوز ان يجعل الضمير لفعل الاغارة فالباء للسببية او للملابسة نَقْعاً اى غبارا وبالفارسية پس در ان وقت گرد انگيختند من نقع الصوت إذا ارتفع فالغبار سمى نقعا لارتفاعه او هو من النقع فى الماء فكان صاحب الغبار خاض فيه كما يخوض الرجل فى الماء وتخصيص اثارته بالصبح لأنه لا يثور ولا يظهر ثورانه بالليل وبهذا يظهر أن الإيراء الذي لا يظهر فى النهار واقع فى الليل ولله در شأن التنزيل قال سعدى المفتى واثارة النقع لأنهم يكونون حال الاغارة مختلفين يمينا وشمالا واماما وخلفا بحسب الكر والفر فى المجاولة اثر المدبر الهارب والمصاولة مع المقبل المحارب فيشأ الغبار الكثير فَوَسَطْنَ بِهِ اى توسطن فى ذلك الوقت فوسط بمعنى توسط والباء ظرفية والتوسط در ميان چيزى شدن او توسطن ملتبسات بالنقع فالباء للملابسة جَمْعاً من جموع الأعداء اى دخلن فى وسطهم
وهو مفعول به لوسطن والفاءات للدلالة على ترتب ما بعد كل منها على ما قبلها فان توسط الجمع مترتب على الاثارة المترتبة على الاغارة المترتبة على الإيراء المترتب على العدو إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ جواب القسم يقال كند النعمة كنودا كفر بها فالكنود بالضم كفران النعمة وبالفتح الكفور ومنه سمى كندة بالكسر وهو لقب ثور بن عفير ابى حى من اليمن لأنه كند أبوه النعمة ففارقه ولحق بأخواله وقال الكلبي الكنود بلسان كندة العاصي وبلسان بنى مالك البخيل وبلسان مضر وربيعة الكفور والمراد بالإنسان بعض افراده اى انه لنعمة ربه خصوصا لكفور اى شديد الكفران فقوله لربه متعلق بكنود قدم عليه لافادة التخصيص ومراعاة الفواصل روى أن رسول الله ﷺ بعث الى ناس من بنى كنانة سرية واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري رضى الله عنه وكان أحد النقباء فابطأ عليه ﷺ خبرها شهرا فقال المنافقون انهم قتلوا فنزلت السورة اخبارا للنبى عليه السلام بسلامتها وإشارة له باغارتها على القوم ونعيا على المرجفين فى حقهم ما هم فيه من الكنود فاللام فى العاديات ان كانت للعهد كان المقسم به خيل تلك السرية وان كانت للجنس كان ذلك قسما بكل خيل عدت فى سبيل الله واتصفت بالصفات المذكورة وعلى التقديرين فهى مستحقة لأن يقسم بها لاتصافها بتلك الصفات الشريفة وفى تخصيص خيل الغزاة بالاقسام بها من البراعة ما لا مزيد عليه كأنه قيل وخيل الغزاة التي فعلت كيت وكيت وقد أرجف هؤلاء فى حق أربابها ما ارجفوا انهم مبالغون فى الكفران وإذا كان شرف خيل الغزاة بهذه المرتبة حتى اقسم الله بها فماطنك بشرف الغزاة وفضلهم عند الله تعالى وعنه عليه السلام الكنود هو الذي يضرب عبده ويأكل وحده ويمنع رفده اى عطاه فيكون بخيلا يقال كان ثلاثة نفر من العرب فى عصر واحد أحدهم آية فى السخاء وهو خاتم الطائي والثاني آية فى البخل وهو ابو حباحب وبخله انه كان لا يوقد النار للخبز الا إذا نام الناس فاذا انتبهوا اطفأ ناره لئلا ينتفع بها أحد والثالث آية فى الطمع وهو اشعب بن جبير مولى مصعب بن الزبير بن العوام قرأ صبى فى المكتب وعنده اشعب جالس ان ابى يدعوك فقام وليس نعليه فقال الصبى انا اقرأ حزبى وكان إذا رأى إنسانا يحك عنقه يظن أنه ينتزع قميصه ليدفعه اليه وكان إذا رأى دخانا ارتفع من دار ظن أن أهلها تأتى بطعام وكان إذا رأى عروسا تزف الى موضع جعل يكنس باب داره لكى تدخل داره قال ما رأيت أطمع منى الا كلبا تبعني على مضغ العلك فرسخا وقال الحسن لكنود اى لوام لربه يذكر المصيبات وينسى النعم وقال ابو عبيدة قليل الخير من الأرض الكنود التي لا تنبت شيأ كأنه مقلوب النكد وقال القاشاني لكفور لربه باحتجابه بنعمه عنه ووقوفه معها وعدم استعماله لها فيما ينبغى ليتوصل بها اليه وفى التأويلات النجمية لكنود بنعمة الوجود والصفات والأسماء لادعائها لنفسه بالاستقلال والاستبداد او لعاص باستعمالها فى غير محالها او لبخيل لاختصاصها لنفسه وعدم ايثارها على الخلق بطريق الإرشاد وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ اى الإنسان على كنوده لَشَهِيدٌ اى يشهد على نفسه بالكنود لظهور اثره عليه فالشهادة بلسان الحال لا بلسان
Icon