تفسير سورة الطلاق

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحدادي اليمني .

﴿ ياأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ ؛ الخطابُ للنبيِّ ﷺ والمؤمنون داخِلُون فيهِ ؛ لأن خطابَ الرئيسِ خطابٌ للأَتباعِ، خُصوصاً إذا كانوا مأْمُورين بالاقتداءِ به، والمعنى : يا أيُّها النبيُّ إذا أردتَ أنتَ وأُمَّتُكَ الطلاقَ، فطَلِّقوا النساءَ لعِدَّتِهِنَّ، وهذا كقوله تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ﴾[المائدة : ٦] أي أرَدتُم القيامَ.
والطلاقُ للعدَّةِ هو أن يطلِّقَها في طُهرٍ لم يَمسَّها فيه، لما رُوي " أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الطَّلاَقِ :" طَلِّقْهَا طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أوْ حَامِلاً قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا " ويقالُ في معنى الطَّلاقِ للعدَّة : أن يُفرِّقَ الطلاقَ الثلاثَ على أطْهَار العدَّةِ، فيطلِّقُها في كلِّ طُهرٍ لم يمسَّها فيه تطليقةً.
والطلاق السُّني : أن يُطلِّقَها في طُهرٍ لم يُجامِعها فيه، فقد رُوي :" أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ أنْ يُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، فَإذا أرَادَ أنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ قَبْلَ أنْ يُجَامِعْهَا " فتلكَ العدَّةُ التي أمرَ اللهُ أن تطلَّقَ لها النساءُ.
والطلاقُ البْدِعْيُّ : أن يقعَ في حال الحيضِ، أو في طُهرٍ قد جامَعها فيه، وهو واقعٌ وصاحبهُ آثِمٌ، ورُوي :" أنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذكَرَ عُمَرُ ذلِكَ لِلنِّبيِّ ﷺ فَقَالَ :" مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ " قُلْتُ : وَيَحْتَسِبُ لَهَا ؟ قَالَ :" فَمَهْ ؟ " ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ ﴾ ؛ إنما أمرَ بإحصاءِ العدَّة لتوزيعِ الطَّلاق على الأطهار، والمعنى بذلكَ : أحصُوا عدَّةَ المطلَّقات لِمَا تُريدون من رجعةٍ أو تسريح، فإذا حاضَتِ المعتدَّةُ حيضةً وطَهُرت، فأرادَ الزوجُ أن يطلِّقَها ثانيةً قبلَ أن تحيضَ، فإذا حاضَتْ وطَهُرت طلَّقَها أُخرى إنْ شاءَ، فتَبينُ الثلاثُ وقد بقي من عدَّتِها حيضةٌ.
قَوْلُه تَعَالَى :﴿ وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ ﴾ ؛ أي أتَّقوهُ في النِّساء إذا طلَّقتمُوهن واحدةً أو اثنتينِ أو ثلاثاً، ﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ﴾ ؛ التي طلَّقتُموهن فيها، وهي بيوتُ أزواجِهن، والمعنى : اتَّقوا اللهَ فلا تَعْصُوهُ فيما أمَرَكم به، فلا يجوزُ للزوجِ أن يُخرجَ المطلَّقة المتعدَّة من مَسْكَنِهِ الذي كان يُساكنها فيه قبلَ الطَّلاق.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ ؛ أي ولا يَخرُجْنَ من قِبَلِ أنفُسِهن حتى تنقضي عدَّتُهن، ولهذا لا يباحُ لها السفرُ في العدَّة، ولا يباحُ لها التزوُّج وإنْ أذِنَ لها الزوجُ. وأما المنكُوحة فيجوزُ لها الخروج من المنْزِل بإذنِ الزوج.
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ أي لا يَخرُجن إلاَّ أن يكون خروجُهن معصيةً، وقال الحسنُ :(مَعْنَاهُ : إلاَّ أنْ يَزْنِينَ فَيَظْهَرُ ذلِكَ الزِّنَا عَلَيْهَا بشَهَادَةِ أرْبَعَةٍ مِنَ الشُّهُودِ، فَيَخْرُجْنَ لإقَامَةِ الْحُدُودِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ معناهُ : إذا قَارَبْنَ انقضاءَ عدَّتِهن فراجِعُوهن بحُسْنِ الصُّحبة قبلَ أن يَغتسِلْنَ من الحيضةِ الثالثة، أو يترُكوا معراجعتَهن بإيفاءِ المهرِ ونفقة العدَّة حتى تنقضِي عدَّتُهن، ولا يجوزُ أن يكون المرادُ بهذه الآية حقيقةُ بلوغِ الأجلِ لأنه لا رجعةَ بعد بلُوغِ الأجلِ الذي هو انقضاءُ العدَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ ؛ أي أشهِدُوا على الطَّلقة والرجعةِ ذوَى عدلٍ منكم من المسلمين، وهذا أمرُ استحبابٍ احتياطاً من التجاحُدِ، كي لا يجحدَ الزوجُ الطلاقَ، ولا تجحدُ المرأةُ بعد مُضِيِّ العدَّة الرجعةَ. ثم قال للشُّهود :﴿ وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ ؛ أي ذلك الذي ذُكِرَ لكم من الأمرِ والنهي والطَّلاق والرجعةِ وإقامةِ الشَّهادة، يوعَظُ به مَن كان يؤمنُ باللهِ، ويصدِّقُ بالبعثِ بعدَ الموتِ ؛ لأنَّهم همُ الذين ينتفعون بالوعظِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ ؛ أي ومن يتَّقِ اللهَ بامتثالِ أوامره واجتناب نواهيه يجعَلْ له مَخْرجاً من المعصيةِ إلى الطاعةِ، ويقالُ : من الحرامِ والشُّبهات إلى الحلالِ. وَقِيْلَ : يجعَلْ له مَخرجاً من شُبهات الدنيا ومن غمرات الموت، ومن شدائدِ يوم القيامة، ﴿ وَيَرْزُقْهُ ﴾ ؛ في الآخرةِ من نعيم الجنَّة، ﴿ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ ؛ ويقالُ : يرزقه في الدنيا من حيث لا يأمَلُ، وعن رسولِ اللهِ ﷺ أنه قال :" مَنْ أكْثَرَ مِنَ الاسْتِغْفَار جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ ؛ أي من يُفَوِّضْ أُمورَهُ إلى اللهِ عالِماً واثقاً بحُسنِ تقديرهِ وتدبيره فهو كَافِيه، لا يحتاجُ إلى غيرهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ ؛ أي مُنَفِّذُ أمرهِ ممضي إرادتهِ، لا يُمنَعُ عمَّا يريدُ، ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾ ؛ من أحكامه مِقداراً وأجَلاً معلوماً فلا عذر للعبد في تقصيرٍ يقعُ منه.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ ؛ " وذلك أنَّهُ لَمَّا أنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَالَ : أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ نَاساً يَقُولُونَ : قَدْ بَقِيَ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيْهِ شَيْءٌ ؟ قَالَ :" وَمَنْ هُمْ ؟ " قَالَ : الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَذوَاتُ الْحَمْلِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ " ﴿ وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ ﴾ لكبرهِنَّ ﴿ إِنِ ارْتَبْتُمْ ﴾ أي إن شكَكتُم في عدَّتِهن، ﴿ فَعِدَّتُهُنَّ ﴾ إذا طُلِّقن بعدَ الدُّخول ﴿ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ ﴾.
وقولهُ تعالى :﴿ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ معناهُ : واللاَّتي في حالِ الصِّغَرِ هنَّ بمنْزِلة الكبيرةِ التي قد يَئِست، عدَّتُهن ثلاثةُ أشهر. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ ؛ معناهُ : وذواتُ الأحمالِ عدَّتُهن تنقضِي بوضعِ ما في بُطونِهن من الحملِ، مطلقةً كانت الحاملُ أو مُتَوفَّى عنها زوجُها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ ؛ أي من يَخْشَ اللهَ ويَمتَثِلْ أوامرَهُ ويجتنِبْ نواهيَهُ يُيَسِّرْ عليه أمرَهُ ويُوفِّقه للعبادةِ، ويسهِّلُ عليه أمرَ الدنيا والآخرة. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾ ؛ أي ذلك الحكمُ الذي قد سبقَ حكمُ اللهِ في الطَّلاق والعدَّة والرجعةِ أنزَلَهُ إليكم، ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ ﴾ بطاعتهِ وترك معصيتهِ، ﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾ ؛ أي يَسْتُرْ ذُنوبَهُ عنه ويدفعُ عنه عقابَها ويُعطيه على ذلك ثَواباً حَسناً في الجنَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ ﴾ أي أسكِنُوا المطلَّقات حيث سَكنتُم من البيوتِ التي تَجِدُونَ أن تُسكِنُوهنَّ فيها على قدر سِعَتِكُمْ وطاقتِكُم، فإنْ كان مُوسِراً أوسعَ عليها في المسكنِ والنفقة، وإنْ كان فقيراً فعلى قدر ذلك. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ ﴾ ؛ أي لا تُضَارُّوهُنَّ في المسكنِ ولا في أمرِ النفقة، ﴿ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ ﴾ ؛ يعني أعطوهُنَّ في المسكنِ ما يكفيهِنَّ لجلوسهن وطهارتِهن، ومن النفقةِ ما يكون كَفَافاً لهن بالمعروفِ، وهذا عامٌّ في الْمَبْتُوتَةِ والرجعيَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ ؛ يعني تجبُ نفقة الحاملِ إلى أن تضعَ، سواءٌ طالت مدَّة الحملِ أم قصُرت، لأن عدَّتها تنقضِي بوضعهِ، فلها النفقةُ إلى أن تضعَ حَملها. ولا نفقةَ للمتوفَّى عنها زوجُها لأنَّ قولَهُ تعالى ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ ﴾ وقولَهُ تعالى ﴿ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ ﴾ خطابٌ للأزواجِ وقد زالَ عنهم الخطابُ بالموتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ ؛ يعني بعدَ وضعِ الحملِ إذا أرضعنَ لكم أولادَكم فأعطُوهنَّ أُجرةَ الرَّضاعِ، وهذا دليلٌ بأن الأُمَّ أولى بإرضاعِ الولدِ بأُجرة المثلِ، وأولى بالحضانةِ من كلِّ أحدٍ، وفيه دليلٌ أنَّ الأُجرة لا تُستحَقُّ بالعقدِ، وإنما تستحَقُّ بالفراغِ من العملِ ؛ لأنَّ الله تعالى أوجبَها بعدَ الرضاعِ.
وقولهُ تعالى :﴿ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ﴾ ؛ أمرَ الرجلَ والمرأة أن يأْتَمروا في الولدِ بالمعروفِ، وهو أن يُنفق الرجلُ بنفقةِ الرَّضاع من غيرِ تَقتيرٍ ولا إسرَافٍ، أو تقومَ المرأةُ على ولدها في إرضاعهِ وتتعهَّدهُ من غير تقصيرٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ ؛ معناهُ : وإن تضايَقتم وتَمانعتم فأبَتِ الأُم أنْ تُرضِعَ الولدَ، أو طَلبت على ذلك أكثرَ من أُجرة المثلِ، وأبَى الأبُ أن يعطِيَها ما طَلبت، فَلْيَطْلُب الأبُ للولدِ مرضعةً غير الأُم، إلاَّ أنه يجب أن يكون في بيتِ الأُم لأَنَّ الأُمَّ أحقُّ بإمساكِ الولد.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ﴾ ؛ أي لِيُنفق غَنِيٌّ على نسائهِ وأولادهِ على قدر غناهُ، ﴿ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ اللَّهُ ﴾ ؛ معناهُ : ومن ضُيِّقَ عليه رزقهُ فليُنفِقْ مما أعطاهُ الله من المالِ، ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا ﴾ ؛ من الرِّزقِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾ ؛ فيه تسليةٌ للصحابةِ، فإن أكثرَهم كانوا فُقراء، فوعَدَهم اللهُ اليُسْرَ بعدَ العُسْرِ، ففتحَ اللهُ عليهم بعدَ ذلك وجعلَ يُسراً بعد عُسرٍ. ويستدلُّ من هذه الآيةِ على أنَّ الواصِي يأمرُ المرأةَ أن تَستَدِينَ على زوجِها المعسرِ مقدارَ ما تستحقُّ عليه من النفقةِ، لأن الْمُعسِرَ يُرجَى له اليُسْرُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ﴾ ؛ أي وكم مِن أهلِ بَلدَةٍ عَتَوا من أمرِ ربهم ورُسلهِ ؛ أي جاوَزُوا الحدَّ في المعصيةِ، ﴿ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً ﴾ ؛ فجازَيناهم في الآخرةِ جَزاءً شديداً على كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، ﴿ وَعَذَّبْنَاهَا ﴾ ؛ وعذبنَاهُم في الدنيا، ﴿ عَذَاباً نُّكْراً ﴾ ؛ أي عَذاباً خَارجاً عن العادةِ لم يَعهَدُوا مثلَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا ﴾ ؛ أي فذاقُوا جزاءَ كُفرِهم، ﴿ وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً ﴾ ؛ أي هلاكَ النُّفوس وهي رأسُ أموالهم، ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ ؛ في الآخرةِ، ﴿ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ ؛ يعني الذي نزَلَ بهم في الدُّنيا، ﴿ فَاتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ ؛ أي يا أُولي العقُولِ لا تَسِيرُوا بسَيرِهم فينْزِلُ بكم ما نزلَ بهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً ﴾ ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ نعتُ أُولِي الألباب، وقولهُ تعالى ﴿ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً ﴾ أي أنزلَ إليكم كِتَاباً آتاهُ رسُولاً ليؤدِّيَهُ إليكم. وَقِيْلَ : معناهُ : قد أنزلَ الله إليكم قُرآناً وأرسلَ رَسُولاً، ﴿ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ ﴾ ؛ يعني الرسولَ، ﴿ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ﴾. وقولهُ تعالى :﴿ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً ﴾ يعني الجنَّةَ التي لا ينقطعُ نَعِيمُها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ ؛ أي سبعَ أرضِين أيضاً، وليس في القرآنِ آية تدلُّ على أن الأَرضِين سبعٌ غيرُ هذهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾، أي تنْزِلُ الملائكةُ بالتدبيرِ من اللهِ تعالى، ومن سماءٍ إلى سماءٍ، ومن السَّماء الى الأرضِ بحياةِ بعضٍ وموت بعض، وغِنَى بعضٍِ وفَقْرِ بعضٍ، وسلامةِ هذا وهلاكِ هذا، ﴿ لِّتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ ؛ فلا يخفَى عليه شيءٌ.
Icon