تفسير سورة القيامة

روح البيان
تفسير سورة سورة القيامة من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

الكلام فيهم اولى من نظر الى عموم المعنى لشموله لكل من المكلفين إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ استثناء مفرغ من أعم العلل او من أعم الأحوال اى وما يذكرون لعلة من العلل او فى حال من الأحوال الا بأن يشاء الله او حال ان يشاء الله ذكرهم وهذا تصريح بأن افعال العبد بمشيئة الله لا بارادة نفسه قال فى عين المعاني فمن شاء إلخ تخيير بإعطاء المكنة لتحقيق العبودية وقوله الا ان يشاء الله تخيير بامضاء القدرة لتحقيق الالوهية هُوَ اى الله تعالى أَهْلُ التَّقْوى اى حقيقى بأن يتقى عقابه ويؤمن به ويطاع فالتقوى مصدر من المبنى للمفعول وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ حقيق بأن يغفر لمن آمن به وأطاعه قال بعضهم التقوى هو التبري من كل شىء سوى الله فمن لزه الآداب فى التقوى فهو اهل المغفرة تمت سورة المدثر فى أوائل ذى الحجة من سنة ست عشرة ومائة وألف
تفسير سورة القيامة
تسع وثلاثون او أربعون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ لا صلة لتوكيد القسم وما كان لتوكيد مدخوله لا يدل على النفي وان كان فى الأصل للنفى قال الشاعر
تذكرت ليلى فاعترتنى صبابة وكاد ضمير القلب لا يتقطع
اى يتقطع والمعنى بالفارسية هر آينه سوكند ميخورم بروز رستاخيز أو للنفى لكن لا لنفى نفس الاقسام بل لنفى ما ينبئ هو عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه كأن معنى لا اقسم بكذا لا أعظم باقسامى به حق إعظامه فانه حقيق بأكثر من ذلك واكثر او لنفى كلام معهود قبل القسم ورده كأنهم أنكروا البعث فقيل لا اى ليس الأمر كذلك ثم قيل اقسم بيوم القيامة كقولك لا والله ان البعث حق وأياما كان ففى الاقسام على تحقق البعث بيوم القيامة من الجزالة ما لا مزيد عليه واما ما قيل من ان المعنى نفى الاقسام لوضوح الأمر فبأباه تعيين المقسم به وتفخيم شأن القسم به قال المغيرة بن شعبة رحمه الله يقولون القيامة القيامة وانما قيامة أحدهم موته وشهد علقمة جنازة فلما دفن قال اما هذا فقد قامت قيامته ونظمه بعضهم
خرجت من الدنيا وقامت قيامتى غداة اقل الحاملون جنازتى
وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ قال فى عين المعاني القسم بالشيء تنبيه على تعظيمه او ما فيه من لطف الصنع وعظم النعمة وتكرير ذكر القسم تنبيه على ان كلا من المقسم به مقصود مستقل بالقسم لما ان له نوع فضل يقتضى ذلك واللوم عذل الإنسان بنسبة ما فيه لوم والمراد بالنفس اللوامة هى النفس الواقعة بين الامارة والمطمئنة فلها وجهان. وجه يلى النفس الامارة وهو وجه الإسلام فاذا نظرت الى الامارة بهذا الوجه تلومها على ترك المتابعة والاقدام على المخالفة وتلوم ايضا نفسها على ما فات عنها فى الأيام الماضية من الأعمال والطاعات والمراتعة فى المراتع الحيوانية الظلمانية. ووجه يلى النفس المطمئنة وهو وجه
نظر ثبت المطلوب بالاولوية ولذا خص بالذكر ثم فى العظام اشارة الى كبار اعماله الحسنة والسيئة وفى البنان الى صغار أفعاله الحسنة والسيئة فان الله تعالى يجمع كلا منها ويجازى عليها بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ الفجر شق الشيء شقا واسعا والفجور شق ستر الديانة وقال بعضهم الفجور الميل فالكاذب والمكذب والفاسق فاجر اى مائل عن الحق ومنه قول الاعرابى فى حق عمر رضى الله عنه اغفر له اللهم ان كان فجر اى كذب واللام للتأكيد مثل قوله وانصح لكم فى أنصحكم وان يفجر مفعول يريد وقد يقال مفعوله محذوف يدل عليه قوله ليفجر امامه والتقدير يريد شهواته ومعاصيه وقال سعدى المفتى الظاهر ان يريد هاهنا منزل منزلة اللازم ومصدره مقدر بلام الاستغراق بمعونة المقام يعنى مقام تقبيح حال الإنسان اى يوقع جميع إرادته ليفجر وجعل أبو حيان بل لمجرد الاضراب عن الكلام الاول وهو نجمعها قادرين من غير ابطال المضمون والاخذ فى بيان ما عليه الإنسان من انهما كه فى الفجور من غير عطف وقال غيره عطف على أيحسب اما على انه استفهام مثله اضرب عن التوبيخ بذلك الى التوبيخ بهذا او على انه إيجاب انتقل اليه من الاستفهام وهذا ابلغ واولى والمعنى بل يريد الإنسان ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا يرعوى عنه فالأمام هاهنا مستعار للزمان من المكان وقال الراغب يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها وقيل معناه يذنب ويقول غدا أتوب ثم لا يفعل فيكون ذلك فجورا لبذله عهدا لا يفى به (وقال الكاشفى) بلكه خواهد آدمي آنكه دروغ كويد بآنچهـ او را در پيش است از بعث وحساب. وفيه اشارة الى ان الإنسان المحجوب يريد ليفجر أمامه بحسب الاعتقاد والنية قبل الإتيان بالفعل وذلك بالعزم المؤاخذ به على ما عرف فى محله يَسْئَلُ سؤال استبعاد واستهزاء أَيَّانَ أصله اى آن وهو خبر مقدم لقوله يَوْمُ الْقِيامَةِ اى متى يكون والجملة استئناف تعليلى كأنه قيل ما يفعل حين يريد أن يفجر ويميل عن الحق فقيل يستهزئ ويقول أيان يوم القيامة او حال من الإنسان فى قوله بل يريد الإنسان اى ليس إنكاره للبعث لاشتباه الأمر وعدم قيام الدليل على صحة البعث بل يريد أن يستمر على فجوره فى حال كونه سائلا متى تكون القيامة فدل هذا الإنكار على ان الإنسان يميل بطبعه الى الشهوات والفكرة فى البعث تنغصها عليه فلا جرم ينكره ويابى عن الإقرار به فقوله أيحسب الإنسان إلخ دل على الشبهة والجهل وقوله بل يريد إلخ على الشهوة والتجاهل فالآيتان بحسب الشخصين وفيه اشارة الى ان المحجوب يسأل أيان يوم القيامة لاحتجابه بنفسه الظلمانية لا يشاهد القيامة فى كل ساعة ولحظة بل فى كل لمحة وطرفة لتعاقب التجليين الافنائى والإبقائي كما قال تعالى بل هم فى ليس من خلق جديد فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ اى تحير واضطرب وجال فزعا من اهوال يوم القيامة من برق الرجل إذا نظر الى البرق فدهش ثم استعمل فى كل حيرة وان لم يكن هناك نظر الى البرق وهو واحد بروق السحاب ولمعانه وَخَسَفَ الْقَمَرُ اى ذهب ضوؤه فان خسف يستعمل لازما ومتعديا يقال خسف القمر وخسفه الله او ذهب نفسه من خسف المكان اى ذهب
فى الأرض ولكن هذا المعنى لا يناسب ما بعد الآية قال بعضهم اصل الخسف النقصان ويكون فى الوصف وفى الذات وفيه رد لمن عبد القمر فان القمر لو كان الها كما زعمه؟؟؟ بد لدفع عن نفسه الخسوف ولما ذهب ضوؤه قال فى فتح الرحمن الخسوف والكسوف معناهما واحد وهو ذهاب ضوء أحد النيرين او بعضه وصلاة الكسوف سنة مؤكدة فاذا كسفت الشمس او القمر فزعوا للصلاة وهى لكسوف الشمس ركعتان كهيئة النافلة ويصلى بهم امام الجمعة ويطيل القراءة ولا يجهر ولا يخطب وخسوف القمر ليس له اجتماع ويصلى الناس ان منازلهم ركعتين كسائر النوافل وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فى ذهاب الضوء كما روى عن النبي عليه السلام او جمع بينهما فى الطلوع من المغرب او فى الإلقاء فى النار ليكون حسرة على من يعبدهما وجاز تكرار القمر لانه اخبر عنه بغير الخبر الاول وقال القاشاني فاذا برق البصر اى تحير ودهش شاخصا من فزع الموت وخسف قمر القلب لذهاب نور العقل عنه وجمع شمس الروح وقمر القلب بأن جعلا شيأ واحدا طالعا من مغرب البدن لا يعبر لهما رتبتان كما كان حال الحياة بل اتحدا روحا واحدا انتهى يَقُولُ الْإِنْسانُ المنكر للقيامة وهو عمل فى إذا يَوْمَئِذٍ اى يوم إذ تقع هذه الأمور قول الآيس من حيث انه لا يرى شيأ من علامات ممكنة للفرار كما يقول من أيس من وجدان زيد ان زيد حيث لم يجد علامة أصابته أَيْنَ الْمَفَرُّ اى الفرار وقال سعدى المفتى ولعله لا منع من الإبقاء على حقيقته والقول بصدور هذا الكلام بناء على توهمه لتحيره كَلَّا ردع عن طلب المفر وتمنيه قال سعدى المفتى هذا لا يناسب ان يقوله قول الآيس إذ لا طلب حينئذ ثم قوله كلا من قول الله تعالى وجوز أن يكون من قول الإنسان لنفسه وهو بعيد لا وَزَرَ لا ملجأ يعنى پناه گاه نباشد كافرانرا. مستعار من الجبل فان الوزر محركة الجبل المنيع ثم يقال لكل مالتجأت اليه وتحصنت به وزر تشبيها له به وخبر لا محذوف اى لا ملجأ ثمة او فى الوجود ومن بلاغات الزمخشري اتل على كل من وزر كلالا وزر اى اتل عليه هذه الآية ومعنى وزر الاول بالفارسية كناه كردن. فان الوزر بالكسر الإثم وقال بعضهم
لعمرك ما فى الفتى من وزر من الموت يدركه والكبر
اى لا ملجأ للفار من الموت والكبر إذ كل منهما من الأمر الإلهي والأمر المحكم القضاء المبرم يدرك الإنسان لا محالة إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
اى اليه تعالى وحده استقرار العباد اى لا يتوجهون الا الى حيث أمرهم الله من مقام حسابه او الى حكمه استقرار أمرهم فان الملك يومئذ لله فهو كقوله ان الى ربك الرجعى وان الى ربك المنتهى واليه ترجعون اى الى حيث لا حاكم ولا مالك سواه أو إلى مشيئته موضع قرارهم يدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار فيكون المستقر اسم مكان وهو مرفوع بالابتداء والى ربك خبره ويومئذ معمول الى ربك ولا يجوز أن يكون معمول المستقر لانه ان كان مصدرا بمعنى الاستقرار فلا يتقدم معموله عليه وان كان اسم مكان فلا عمل له البتة وكذا الكلام فى قوله الى ربك يومئذ المساق ونحوه يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ
اى يخبر كل امرئ برا كان او فاجرا عند وزن الأعمال وحال
العرض والمحاسبة والمخبر هو الله او الملك بأمره او كتابه ينشره بِما قَدَّمَ
اى عمل من عمل خيرا كان او شرا فيثاب بالأول ويعاقب بالثاني وَأَخَّرَ
اى لم يعمل خيرا كان او شرا فيعاقب بالأول ويثاب بالثاني او بما قدم من حسنة او سيئة وبما اخر من حسنة او سيئة فعمل بها بعده او بما قدم من مال تصدق به فى حياته وبما اخر فخلفه او وقفه او اوصى به او باول عمله وآخره (شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري قدس سره) فرموده كه كناه از پيش فرستى بجرأت ومال از پس بگذارى بحسرت كناه را بتوبة نيست كن تا نماند ومال را بصدقه پيش فرست تا بماند
گر فرستى ز پيش به باشد كه بحسرت ز پس نكاه كنى
وفى الحديث ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبيته ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى الا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
الإنسان مبتدأ وبصيرة خبره وعلى نفسه متعلق ببصيرة بتقدير على اعمال نفسه والموصوف محذوف اى بل هو حجة بصيرة وبينة واضحة على اعمال نفسه شاهدة جوارحه وأعضاؤه بما صدر عنه من الافعال السيئة كما يعرب عنه كلمة على وما سيأتى من الجملة الحالية ووصفت بالبصارة مجازا فى الاسناد كما وصفت الآيات بالأبصار فى قوله تعالى فلما جاءتهم آياتنا مبصرة او عين بصيرة او ذو بصيرة او التاء للمبالغة كما فى علامة ونسابة ومعنى بل الترقي اى ينبأ الإنسان بأعماله بل هو لا يحتاج الى ان يخبره غيره فانه يومئذ عالم بتفاصيل أحواله شاهد على نفسه لان جورحه تنطق بذلك قال القاشاني بل الإنسان حجة بينة يشهد بعلمه لبقاء هيئة اعماله المكتوبة عليه فى نفسه ورسوخها فى ذاته وصيرورة صفاته صور أعضائه فلا حاجة الى ان ينبأ من خارج
باش تا از صدمه صور سرافيلى شود صورت خوبت نهان وسيرت زشت آشكار
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
حال من المستكن فى بصيرة او من مرفوع ينبأ اى هو بصيرة على نفسه تشهد عليه جوارحه وتقبل شهادتها ولو جاء بكل معذرة يمكن ان يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها بأن يقول مثلا لم افعل او فعلت لاجل كذا أو لم اعمل او وجد مانع او كنت فقيرا ذا عيال او خفت فلانا او طمعت فى عطائه الى غير ذلك من المعاذير الغير النافعة چهـ چندين عذر انگيزى و چندين حيله ها سازى چوميدانى كه ميدانم وميدانم كه ميدانى او ينبأ بأعماله ولو اعتذر بكل عذر فى الذب عنها فان الذب والدفع لا رواج له يومئذ لانه يوم ظهور الحق بحقيقته والمعاذير اسم جمع للمعذرة كالمناكير اسم جمع للمنكر وقيل جمع معذار وهو الستر بلغة اهل اليمن اى ولوارخى ستوره يعنى ان احتجابه واستتاره عن المخلوقات فى حال مباشرة المعصية فى الدنيا لا يغنى عنه شيأ لان عليه من نفسه بصيرة ومن الحفظة شهودا وفى الكشاف لانه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب لا تُحَرِّكْ بِهِ
اى
والوسائط كما هو الظاهر بالنسبة الى أكثرهم فلا يفهمون عن الله الا من تلك الجهة ومنها معرفتك اكتساء تلك المعاني العبارة الكاملة وتستجلى فى مظاهرها من الحروف والكلمات فتجمع بين كمالاته الباطنة والظاهرة فيتجلى بها روحانيتك وجسمانيتك ثم يتعدى الأمر منك الى أمتك فيأخذ كل منهم حصته منه علما وعملا ففى قوله تعالى لا تحرك به لسانك إلخ تعليم وتأديب اما التعليم فما أشير اليه من ان باب جهة الوحدة مسدود على اكثر الناس فلا يفهمون عن الله الى من الجهة المناسبة لحالهم وهى جهة الوسائط والكثرة الامكانية واما التأديب فانه لما كان الآتي بالوحى من الله جبريل فمتى بودر بذكر ما اتى به كان كالتعجيل له واظهار الاستغناء عنه وهذا خلل فى الأدب بلا شك سيما مع المعلم المرشد ومن هذا التقرير عرف ان قوله تعالى لا تحرك به إلخ واقع فى البين بطريق الاستطراد فانه لما كان من شأنه عليه السلام الاستعجال عند نزول كل وحي على ما سبق من الوجه ولم ينه عنه الى ان اوحى اليه هذه السورة من أولها الى قوله ولو ألقى معاذيره وعجل فى ذلك كسائر المرات نهى عنه بقوله لا تحرك إلخ ثم عاد الكلام الى تكملة ما ابتدئ به من خطاب الناس ونظيره ما لو ألقى المدرس على الطالب مسألة وتشاغل الطالب بشئ لا يليق بمجلس الدرس فقال ألق الى بالك وتفهم ما أقول ثم كمل المسألة. يقول الفقير أيده الله القدير لاح لى فى سر المناسبة وجه لطيف ايضا وهو ان الله تعالى بين قبل قوله لا تحرك به إلخ جمع العظام ومتفرقات العناصر التي هى اركان ظاهر الوجود ثم انتقل الى جمع القرآن واجزائه التي هى أساس باطن الوجود فقال بعد قوله أيحسب الإنسان ان لن نجمع عظامه ان علينا جمعه فاجتمع الجمع بالجمع والحمد لله تعالى وقد تحير طائفة من قدماء الروافض خذلهم الله تعالى حيث لم يجدوا المناسبة فزعموا ان هذا القرآن غير وبدل وزيد فيه ونقص وفى التأويلات النجمية اعلم ان كل ما استعد لاطلاق الشيئية عليه فله ملك وملكوت لقوله تعالى بيده ملكوت كل شىء والقرآن اشرف الأشياء وأكملها فله ايضا ملك وملكوت فاما ملكه فهو الاحكام والشرائع الظاهرة التي تتعلق بمصالح الامة من العبادات المالية والبدنية والجنايات والوصايات وأمثالها واما ملكوته فهو الاسرار الالهية والحقائق اللاهوتية التي تتعلق ببواطن خواص الامة وأخص الخواص بل بخلاصة أخص الخواص من المكاشفات والمشاهدات السرية والمعاينات الروحية ولكل واحد من الملك والملكوت مدركات يدرك بها لا غير لان الوجدانيات والذوقيات لا تسعها ألسنة العبارات لانها منقطع الإشارات فقوله لا تحرك إلخ يشير الى عدم تعبيره بلسان الظاهر عن اسرار الباطن والحقائق الآبية عن تصرف العبارات فيها بالتعبير عنها وان مظهره الجامع جامع بين ملك القرآن وملكوته وهو عليه السلام يتبع بظاهره ملكه وبباطنه ملكوته نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من المتبعين للقرءآن فى كل زمان كَلَّا عود الى تكملة ما ابتدئ به الكلام يعنى نه چنانست اى آدميان كه كمان برده آيد در امر عقبى بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ اى الدنيا يعنى دنياى شتاب كننده را وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ
اقرب اليه من حبل الوريد هو الذي منع الخلق عن الإدراك للحق كما ان الهولء لما كان مباشر الحاسة البصر لم يدركه البصر وكذلك الماء إذا غاص الغائص فيه وفتح عينيه يمنعه قربه من حاسة بصره أن يراه والحق اقرب الى الإنسان من نفسه فكان لا يرى لقربه كما انه تعالى لا يرى لبعده وعلو ذاته اين التراب من رب الأرباب ولكن إذا أراد العبد أن يراه تنزل من علوه ورفع عبده الى رؤيته فرآء به ولذلك قال عليه السلام انكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر وهما فى شأنهما متوسطان فى القرب والبعد فغاية القرب حجاب كما ان غاية البعد حجاب والكل يراه فى الدنيا لا يعرف انه هو وفرق بين العارف وغيره ألا ترى انه ذا كان فى قلبك لقاء شخص وأنت لا تعرفه بعينه فلقيك وسلم عليك وأنت لم تعرفه فقد رأيته وما رأيته كالسلطان إذا دار فى بلده متنكرا فانه يراه كثير من الناس ولا يعرفه ثم ان منهم من يقول لم يتيسر لى رؤية السلطان الى الآن وأنا أريد أن انظر اليه مع انه نظر اليه مرارا فهو فى حال بصره أعمى فما أشد حجابه ثم انه لو اتفق له النظر اليه فربما لا يتعمق ففرق بين ناظر وناظر بحسب حدة بصره وضعفه ولذا قالوا انما تفاوتت الافراد فى حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذي لا نقص فيه لانهم انما يشهدون فى حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لتساووا فى الفضيلة وقال بعض العارفين الخلق اقرب جار للحق تعالى وذلك من أعظم البشرى فان للجار حقا مشروعا معروفا يعرفه العلماء بالله فينبغى لكل مسلم أن يحضر هذا الجوار الإلهي عند الموت حين يطلب من الحق ما يستحقه الجار على جاره من حيث ما شرع قال تعالى لنبيه عليه السلام قل رب احكم بالحق اى الحق الذي شرعته لنا تعاملنا به حتى لا ننكر شيأ منه مما يقتضيه الكرم الإلهي فهو دعاء افتقار وخضوع وذل (حكى) ان الحجاج أراد قتل شخص فقال له لى إليك حاجة قال ما هى قال أريد أن امشى معك ثلاث خطوات ففعل الحجاج فقال الشخص حق هذه الصبحة أن تعفو عنى فعفا عنه وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ يتعلق بقوله باسِرَةٌ اى شديدة العبوس مظلمة ليس عليها أثر السرور أصلا وهى وجوه الكفرة والمنافقين وقال الراغب البسر الاستعجال بالشيء قبل أوانه فان قيل فقوله وجوه يومئذ باسرة ليس يفعلون ذلك قبل الموت وقد قلت ان ذلك يقال فيما كان قبل وقته قيل ان ذلك اشارة الى حالهم قبل الانتهاء بهم الى النار فخص لفظ البسر تنبيها على ان ذلك مع ما ينالهم من بعد يجرى مجرى التكلف ومجرى ما يفعل قبل وقته ويدل على ذلك قوله تعالى تَظُنُّ تتوقع أربابها بحسب الأمارات والجملة خبر بعد خبر ورجح ابو حيان والطيبي تفسير الظن بمعنى اليقين ولا ينافيه أن المصدرية كما توهم فانها انما لا تقع بعد فعل التحقق الصرف فاما بعد فعل الظن او ما يؤدى معنى العلم فتجيئ المصدرية والمشددة والمخففة نص عليه الرضى أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ داهية عظيمة تقصم فقار الظهر ومنه سمى الفقير فان الفقر كسر فقار ظهره فجعله فقيرا اى مفقورا وهو كناية عن غاية الشدة وعدم القدرة على التحمل فهى تتوقع ذلك كما تتوقع الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير بناء على ان قضية المقابلة بين الآيتين تقتضى ذلك قال بعضهم أصح آنست كه آن بلا حجابست از رؤيت رب الأرباب (مصراع) كه از
إحداهما بالأخرى او التفت شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الآخرة على ان الساق مثل فى الشدة وجه المجاز ان الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه فقيل للامر الشديد ساق من حيث ان ظهورها لازم لظهور ذلك الأمر وقد سبق فى قوله تعالى يوم يكشف عن ساق وعن سعيد بن مسيب هما ساقاه حين تلفان فى أكفانه إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ اى الى الله والى حكمه يساق الإنسان لا الى غيره اى ساق الى حيث لا حكم هناك الا الله (وقال الكاشفى) بسوى جزاى پروردگار تو آرزو باز كشت باشد همه كس را. فالمساق مصدر ميمى بمعنى السوق بالفارسية راندن. والألف واللام عوض عن المضاف اليه اى سوق الإنسان فَلا صَدَّقَ الإنسان ما يجب تصديقه من الرسول والقرآن الذي نزل عليه اى لم يصدق فلا هاهنا بمعنى لم وانما دخلت على الماضي لقوة التكرار يعنى حسن دخول لا على الماضي تكراره كما تقول لا قام ولا قعد وقلما تقول العرب لا وحدها حتى تتبعها اخرى تقول لا زيد فى الدار ولا عمرو أو فلا صدق ماله بمعنى لازكاة فحينئذ يطلب وجه لترجيح الزكاة على الصلاة مع ان دأب القرآن تقديم الصلاة ولعل وجهه ما كان كفار مكة عليه من منع المساكين وعدم الحض على طعامهم فى وقت الضرورة القوية وايضا فى تأخير ولا صلى مراعاة الفواصل كما لا يخفى وَلا صَلَّى ما فرض عليه وفيه دلالة على ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤاخذة يعنى ان الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة كما يستحقها بترك الايمان وان لم يجب أداؤها عليه فى الدنيا وَلكِنْ كَذَّبَ ما ذكر من الرسول والقرآن والاستدراك لدفع احتمال الشك فان نفى التصديق لا يستلزم اثبات التكذيب لكون الشك بين التصديق والتكذيب فاذا لا تكرار فى الآية وَتَوَلَّى واعرض عن الطاعة لله ولرسوله ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ اهل بيته او الى أصحابه يَتَمَطَّى يتبختر ويختال فى مشيه افتخارا بذلك وبالفارسية پس باز كشت بسوى كسان خود مى خراميد از روى افتخار كه من چنين و چنين كارى كرده ام يعنى تكذيب وتولى. من المط وهو المد فان المتبختر يمد خطاه يعنى ان التمدد فى المشي من لوازم التبختر فجعل كناية عنه فيكون أصله يتمطط بمعنى يتمدد أبدلت الطاء الاخيرة ياء كراهة اجتماع الأمثال كما فى تقضى البازي او من المطا مقصورا وهو الظهر فانه يلويه ويحركه فى تبختره فألفه مبدلة من واو ويتمطى جملة حالية من فاعل ذهب وفى الحديث إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كأن بأسهم بينهم والمطيطاء كحميرآء التبختر ومد اليدين فى المشي والبأص شدة الحرب أَوْلى لَكَ واى بر تو اى انسان مكذب فَأَوْلى پس واى بر تو ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى تكرير للتأكيد فهو مستعمل فى موضع ويل لك مشتق من الولي وهو القرب والمراد دعاء عليه بأن يليه مكروه وأصله أولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما فى ردف لكم نفل الثلاثي الى أفعل فعدى الى مفعولين وفى القاموس أولى لك تهديد ووعيد أي قاربه ما يهلكه او أولى لك الهلاك فيكون اسما بمعنى أحرى اى الهلاك أولى وأحرى لك من كل شىء فيكون خبر مبتدأ محذوف (وقال الكاشفى) اولى لك
سزاوارست ترا مرگى سخت فأولى پس سزاوارست ترا عذاب اليم در قبر ثم أولى لك پس نيك سزاوارست ترا هول قيامت فأولى پس بغايت سزاست ترا خلود در دوزخ.
وروى انه لما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله بمجامع ثوب أبى جهل بالبطحاء وهزه مرة او مرتين ولكزه فى صدره وقال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فقال ابو جهل أتوعدني يا محمد ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيأ وانى لأعز اهل هذا الوادي فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع وقتله أسوأ قتلة اقعصه بنا عفرآء واجهز عليه ابن مسعود رضى الله عنه واقعصه قتله مكانه واجهز على الجريح اثبت قتله وأسرعه وتمم عليه وكان رسول الله عليه السلام يقول ان لكل امة فرعونا وان فرعون هذه الامة أبو جهل أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً اى يحيى حال كونه مهملا فلا يكلف ولا يجزى وقيل ان يترك فى قبره فلا يبعث سدى المهمل يقال أسديت ابلى إسداء اى اهملتها وتقول أسديت حاجتى وسديتها إذا اهملتها ولم تقضها وتكرير الإنكار لحسبانها يتضمن تكرير إنكاره للحشر ويتضمن الاستدلال على صحة البعث ايضا وتقريره ان إعطاء القدرة والآلة والفعل بدون التكليف والأمر بالمحاسن والنهى عن المفاسد يقتضى كونه تعالى راضيا بقبائح الأعمال وذلك لا يليق بحكمته ماذا لا بد من التكليف فى الدنيا والتكليف لا يليق بالكريم الرحيم الا لان يميز الذين آمنوا وعملوا الصالحات من المفسدين فى الأرض ولا يجعل المتقين كالفجار ويجازى كل نفس بما تسعى والمجازاة قد لا تكون فى الدنيا فلا بد من البعث والقيامة وانما لم تكن الدنيا دار المجازاة لضيقها وقد قال بعض الكبار من طلب تعجيل نتائج اعماله وأحواله فى هذه الدار فقد أساء الأدب وعامل الموطن بما لا تقتضيه حقيقته أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى إلخ استئناف وارد لابطال الحسبان المذكور فان مداره لما كان استبعادهم للاعادة استدل على تحققها ببدء الخلق وقال ابن الشيخ هو استدلال على صحة البعث بدليل ثان والاستفهام بمعنى التوبيخ والنطفة بالضم الماء الصافي قل او كثر والمنى ماء الرجل والمرأة اى ما خلق منه حيوان فالحبل لا يكون الا من الماءين ويمنى بالياء صفة منى وبالتاء صفة نطفة بمعنى يصب ويراق فى الرحم ولذا سميت من كالى وهى قرية بمكة لما يمنى فيها من دماء القرابين والمعنى الم يكن الإنسان ماء قليلا كائنا من ماء معروف بخسة القدر واستقذار الطبع ولذا نكرهما يمنى ويصب فى الرحم نبه سبحانه بهذا على خسة قدر الإنسان اولا وكمال قدرته ثانيا حيث صير مثل هذا الشيء الدنى بشرا سويا وقال بعضهم فائدة قوله يمنى للاشارة الى حقارة حاله كأنه قيل انه مخلوق من المنى الذي يجرى على مخرج النجاسة فكيف يليق بمثل هذا ان يتمرد عن طاعة الله فيما امر به ونهى الا انه تعالى عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز كما فى قوله تعالى فى عيسى ومريم عليهما السلام كانا يأكلان الطعام والمراد منه قضاء الحاجة كناية ثُمَّ كانَ عَلَقَةً اى ثم كان المنى بعد أربعين يوما قطعة دم جامد غليظ احمر بقدرة الله تعالى بعد ما كان ماء أبيض كقوله تعالى ثم خلقنا النطفة علقة وهو عطف على قوله ألم يك لان انكار عدم الكون يفيد ثبوت المكون فالتقدير كان الإنسان نطفة ثم كان علقة فَخَلَقَ اى فقدر بأن
Icon