تفسير سورة الفلق

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مدنية، وقيل : مكية، والأول أصح، وهي خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة، وأربعة وسبعون حرفا.
( م ) عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط، ﴿ قل أعوذ برب الفلق ﴾، ﴿ وقل أعوذ برب الناس ﴾ ". فيه بيان عظيم فضل هاتين السورتين، وفيه دليل واضح على كونهما من القرآن، وفيه رد على من نسب إلى ابن مسعود خلاف هذا، وفيه بيان أن لفظة ﴿ قل ﴾ من القرآن أيضا، وأنه من أول السورتين بعد البسملة، وقد اجتمعت الأمة على هذا كله بعد خلاف ذكر فيه.
( خ ) عن زر بن حبيش قال :" سألت أبي بن كعب عن المعوذتين قلت : يا أبا الوليد، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قيل لي فقلت، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وفي رواية مثلها -ولم يذكر ابن مسعود- عن عبد الله بن حبيب قال :" أصابنا طش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فخرج فقال : قلت : ما أقول ؟ قال :﴿ قل هو الله أحد الله الصمد ﴾، والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح، تكفيك كل شيء "، وفي رواية " قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة، فأصبت خلوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدنوت منه، فقال : قل ؟ قلت : ما أقول ؟ قال :﴿ قل أعوذ برب الفلق ﴾، حتى تختمها، ثم ﴿ قل أعوذ برب الناس ﴾، حتى تختمها، ثم قال : ما تعوذ بالناس بأفضل منهما "، أخرجه النسائي عن جابر بمثله، ومعنى الطش الطشيش المطر الضعيف، وهو قول أبي الدرداء.
قوله عز وجل :﴿ قل أعوذ برب الفلق ﴾ قال ابن عباس وعائشة :" كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود، فنزلت السورتان فيه ".
( ق ) عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أن يصنع الشيء ولم يصنعه "، وفي رواية " أنه يخيل إليه فعل الشيء، وما فعله، حتى إذا كان يوم، وهو عندي دعا الله، ودعاه، ثم قال :" أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه " ؟ قلت : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال :" قد جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب. قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال : فيما ذا ؟ قال : في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر. قال : فأين هو ؟ قال : في بئر ذروان ". ومن الرواة من قال : في بئر بني زريق، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال : والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين. قلت : يا رسول الله، فأخرجه. قال :" أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخفت أن أثير على الناس منه شراً ". وفي رواية للبخاري " أنه كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن. قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك ".
عن زيد بن أرقم قال :" سحر رجل من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكى ذلك أياماً، فأتاه جبريل فقال : إن رجلاً من اليهود سحرك، وعقد لك عقداً في بئر كذا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاستخرجها، فجاء بها فحلها، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه قط "، أخرجه النسائي، وروي " أنه كان تحت صخرة في البئر، فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلى الله عليه وسلم وأسنان من مشطه "، وقيل : كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة، وقيل : كان مغروزاً بالإبر، فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية : سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال. وروي " أنه لبث ستة أشهر، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال، فنزلت المعوذتان ".
( م ) عن أبي سعيد الخدري " أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : يا محمد، اشتكيت ؟ قال : نعم. قال : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك. بسم الله أرقيك ".
( فصل وقبل الشروع في التفسير نذكر معنى الحديث، وما قيل فيه، وما قيل في السحر، وما قيل في الرقى ) :
قولها : في الحديث " إن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء، ولم يصنعه ".
قال الإمام المازري : مذهب أهل السّنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثّابتة، خلافاً لمن أنكر ذلك، ونفى حقيقته، وأضاف : ما يقع منه إلا خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء وزوجه، وهذا كله لا يمكن أن يكون مما لا حقيقة له، وهذا الحديث الصحيح مصرح بإثباته، ولا يستنكر في العقل أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوى لا يعرفها إلا الساحر، وأنه لا فاعل إلا الله تعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى على يد من يشاء من عباده.
فإن قلت : المستعاذ منه، هل هو بقضاء الله وقدره فذلك قدح في القدرة ؟
قلت : كل ما وقع في الوجود هو بقضاء الله وقدره، والاستشفاء بالتّعوذ والرّقى من قضاء الله وقدره، يدل على صحة ذلك ما روى التّرمذي عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال :" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال : هي من قدر الله تعالى. " قال التّرمذي : هذا حديث حسن، وعن عمر : نفر من قدر الله إلى قدر الله تعالى.
( فصل ) :
وقد أنكر بعض المبتدعة حديث عائشة المتفق عليه، وزعم أنه يحط منصب النّبوة، ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع.
ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل ؛ لأن الدّلائل القطعية والنقلية قد قامت على صدقه صلى الله عليه وسلم، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل.
وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، وهو ما يعرض للبشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له.
وقد قيل : إنه كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته، وليس واطئ، وهذا مثل ما يتخيله الإنسان في المنام. فلا يبعد أن يتخيله في اليقظة، ولا حقيقة له، وقيل : إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله فتكون اعتقاداته على السّداد. قال القاضي : وقد جاءت في بعض روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه، لا على قلبه وعقله واعتقاده، وليس في ذلك ما يوجب لبساً على الرسالة، ولا طعناً لأهل الزّيغ والضّلالة.
وقوله :" ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب " أي مسحور. قوله :" وجف طلعة ذكر " يروى بالباء، ويروى بالفاء، وهو وعاء طلع النخل. وأما الرّقى والتّعاويذ فقد اتفق الإجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات من القرآن، أو إذا كانت وردت في الحديث، ويدل على صحته الأحاديث الواردة في ذلك : منها حديث أبي سعيد المتقدم أن جبريل رقى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي " أن أسماء بنت عميس قالت : يا رسول الله، إن ولد جعفر تسرع إليهم العين. أفأسترقي لهم. قال : نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين "، أخرجه التّرمذي، وقال : حديث صحيح.
وعن أبي سعيد الخدري " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول :" أعوذ بالله من الجان، وعين الإنسان "، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما " أخرجه التّرمذي، وقال : حديث حسن غريب.
فهذه الأحاديث تدل على جواز الرّقية، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر أو شرك، أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي، لجواز أن يكون فيه كفر، والله أعلم.

سورة الفلق
مدنية وقيل مكية والأول أصح وهي خمس آيات وثلاث وعشرون كلمة وأربعة وسبعون حرفا.
(م) عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ألم تر آيات أنزلت هذه اللّيلة لم ير مثلهن قط، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فيه بيان عظيم فضل هاتين السورتين، وفيه دليل واضح على كونهما من القرآن، وفيه رد على من نسب إلى ابن مسعود خلاف هذا، وفيه بيان أن لفظة قل من القرآن أيضا وأنه من أول السورتين بعد البسملة، وقد اجتمعت الأمة على هذا كله بعد خلاف ذكر فيه (خ) عن زر بن حبيش قال: «سألت أبي بن كعب عن المعوذتين قلت يا أبا الوليد إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: قيل لي فقلت فنحن نقول كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»، وفي رواية مثلها ولم يذكر ابن مسعود عن عبد الله بن حبيب قال «أصابنا طش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي بنا فخرج فقال قلت ما أقول قال قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح تكفيك كل شيء» وفي رواية «قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطريق مكة فأصبت خلوة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدنوت منه فقال قل قلت ما أقول قال قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، حتى تختمها ثم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، حتى تختمها ثم قال: ما تعوذ بالنّاس بأفضل منهما» أخرجه النسائي عن جابر بمثله، ومعنى الطّش الطشيش المطر الضّعيف، وهو قول أبي الدّرداء.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة الفلق (١١٣): الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)
قوله عز وجل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قال ابن عباس وعائشة: «كان غلام من اليهود يخدم النبي صلّى الله عليه وسلّم فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان فيه». (ق) عن عائشة «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سحر حتى كان يخيل إليه أن يصنع الشيء ولم يصنعه» وفي رواية «أنه يخيل إليه فعل الشيء، وما فعله حتى إذا كان يوم، وهو عندي دعا الله، ودعاه ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت:
وما ذاك يا رسول الله قد جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب، قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال: فيما ذا قال في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان، ومن الرواة من قال في بئر بني زريق فذهب النبي صلّى الله عليه وسلّم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله فأخرجه. قال أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخفت أن أثير
499
على الناس منه شرا». وفي رواية للبخاري «أنه كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك» عن زيد بن أرقم قال «سحر رجل من اليهود النبي صلّى الله عليه وسلّم فاشتكى ذلك أياما فأتاه جبريل فقال إن رجلا من اليهود سحرك، وعقد لك عقدا في بئر كذا فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا فاستخرجها، فجاء بها فحلها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه قط» أخرجه النسائي وروي «أنه كان تحت صخرة في البئر فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلّى الله عليه وسلّم وأسنان من مشطه»، وقيل كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة وقيل كان مغروزا بالإبر فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي صلّى الله عليه وسلّم كأنما نشط من عقال وروي «أنه لبث ستة أشهر، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال فنزلت المعوذتان» (م) عن أبي سعيد الخدري «أن جبريل أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك».
(فصل وقبل الشروع في التفسير نذكر معنى الحديث، وما قيل فيه، وما قيل في السحر، وما قيل في الرقى) قولها في الحديث إن النبي صلّى الله عليه وسلّم سحر حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء، ولم يصنعه.
قال الإمام المازري: مذهب أهل السّنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثّابتة خلافا لمن أنكر ذلك، ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء، وزوجه وهذا كله لا يمكن أن يكون مما لا حقيقة له وهذا الحديث الصحيح مصرح بإثباته، ولا يستنكر في العقل أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي لا يعرفها إلا الساحر، وأنه لا فاعل إلا الله تعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى على يد من يشاء من عباده.
فإن قلت المستعاذ منه هل هو بقضاء الله، وقدره فذلك قدح في القدرة.
قلت كل ما وقع في الوجود هو بقضاء الله وقدره، والاستشفاء بالتّعوذ، والرّقى من قضاء الله، وقدره يدل على صحة ذلك. ما روى التّرمذي عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال: «سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا، قال: هي من قدر الله تعالى» قال التّرمذي: هذا حديث حسن وعن عمر نفر من قدر الله إلى قدر الله تعالى.
(فصل) وقد أنكر بعض المبتدعة حديث عائشة المتفق عليه، وزعم أنه يحط منصب النّبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع.
ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل لأن الدّلائل القطعية، والنقلية قد قامت على صدقه صلّى الله عليه وسلّم، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل.
وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، وهو ما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له.
500
وقد قيل إنه كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته، وليس واطئ، وهذا مثل ما يتخيله الإنسان في المنام. فلا يبعد أن يتخيله في اليقظة، ولا حقيقة له، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله فتكون اعتقاداته على السّداد قال القاضي: وقد جاءت في بعض روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه لا على قلبه وعقله واعتقاده وليس في ذلك ما يوجب لبسا على الرسالة ولا طعنا لأهل الزّيغ والضّلالة، وقوله ما وجع الرجل قال مطبوب أي مسحور قوله، وجف طلعة ذكر يروى بالباء ويروى بالفاء، وهو وعاء طلع النخل.
وأما الرّقى والتّعاويذ فقد اتفق الإجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات من القرآن، أو إذ كانت وردت في الحديث، ويدل على صحته الأحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي سعيد المتقدم أن جبريل رقي النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي «أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين. أفأسترقي لهم قال نعم فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» أخرجه التّرمذي وقال: حديث صحيح وعن أبي سعيد الخدري «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتعوذ ويقول أعوذ بالله من الجان، وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما» أخرجه التّرمذي وقال: حديث حسن غريب فهذه الأحاديث تدل على جواز الرّقية، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر أو شرك أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي لجواز أن يكون فيه كفر والله أعلم.
(وأما التفسير) فقوله عز وجل قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، أراد بالفلق الصبح، وهو قول الأكثرين، ورواية عن ابن عباس لأن الليل ينفلق عن الصبح وسبب تخصيصه في التعوذ أن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم قادر على أن يدفع عن المستعيذ ما يخافه، ويخشاه، وقيل إن طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرج، كما أن الإنسان ينتظر طلوع الصّباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح، وقيل إن تخصيص الصبح بالذكر في هذا الموضع لأنه وقت دعاء المضطرين، وإجابة الملهوفين، فكأنه يقول قل أعوذ برب الوقت، الذي يفرج فيه هم المهمومين والمغمومين، وروي عن ابن عباس أن الفلق سجن في جهنم، وقيل هو واد في جهنم إذ فتح استعاذ أهل النار من حره، ووجهه أن المستعيذ قال: أعوذ برب هذا العذاب، القادر عليه من شر عذابه، وغيره وروي عن ابن عباس أيضا أن الفلق الخلق، ووجه هذا التأويل، أن الله تعالى فلق ظلمات بحر العدم بإيجاد الأنوار، وخلق منه الخلق، فكأنه قال قل أعوذ برب جميع الممكنات، ومكون جميع المحدثات مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ قيل يريد به إبليس خاصة لأنه لم يخلق الله خلقا هو شر منه، ولأن السحر لا يتم إلا به وبأعوانه وجنوده، وقيل من شر كل ذي شر، وقيل من شر ما خلق من الجن، والإنس. وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح، فعلى هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف، واسود ومعنى وقب دخل في الخسوف، أو أخذ في الغيبوبة، وقيل سمي به لأنه إذا خسف اسود، وذهب ضوءه وقيل إذا وقب دخل في المحاق، وهو آخر الشهر وفي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض، وهذا مناسب لسبب نزول هذه الآية. وقال ابن عباس: الغاسق الليل إذا وقب أي أقبل بظلمته من المشرق، وقيل سمي الليل غاسقا لأنه أبرد من النهار، والغسق البرد وإنما أمر بالتعوذ من الليل لأن فيه تنشر الآفات، ويقل الغوث وفيه يتم السحر، وقيل الغاسق الثريا إذا سقطت، وغابت، وقيل إن الأسقام تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ يعني السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها،
501
وقيل المراد بالنفاثات بنات لبيد بن الأعصم اللاتي سحرن النبي صلّى الله عليه وسلّم، والنفث النفخ مع ريق قليل، وقيل إنه النفخ فقط.
واختلفوا في جواز النّفث في الرّقى، والتّعاويذ الشّرعية المستحبة فجوزه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ويدل عليه حديث عائشة قالت: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات» الحديث وأنكر جماعة التّفل، والنّفث في الرقى، وأجازوا النّفخ بلا ريق قال عكرمة: لا ينبغي للرّاقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد، وقيل النفث في العقد إنما يكون مذموما إذا كان سحرا مضرا بالأرواح والأبدان، وإذا كان النفث لإصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لا يكون مذموما، ولا مكروها بل هو مندوب إليه. وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ الحاسد هو الذي يتمنى زوال نعمة الغير، وربما يكون مع ذلك سعي، فلذلك أمر الله تعالى بالتعوذ منه، وأراد بالحاسد هنا اليهود، فإنهم كانوا يحسدون النبي صلّى الله عليه وسلّم أو لبيد بن الأعصم وحده والله سبحانه، وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
502
﴿ من شر ما خلق ﴾ قيل : يريد به إبليس خاصة ؛ لأنه لم يخلق الله خلقاً هو شر منه، ولأن السحر لا يتم إلا به وبأعوانه وجنوده، وقيل : من شر كل ذي شر، وقيل : من شر ما خلق من الجن، والإنس.
﴿ ومن شر غاسق إذا وقب ﴾ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال : يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب "، أخرجه التّرمذي وقال : حديث حسن صحيح، فعلى هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف، واسود، ومعنى وقب : دخل في الخسوف، أو أخذ في الغيبوبة. وقيل : سمي به ؛ لأنه إذا خسف اسود، وذهب ضوءه، وقيل : إذا وقب : دخل في المحاق، وهو آخر الشهر، وفي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض، وهذا مناسب لسبب نزول هذه الآية. وقال ابن عباس : الغاسق : الليل إذا وقب، أي أقبل بظلمته من المشرق، وقيل : سمي الليل غاسقاً ؛ لأنه أبرد من النهار، والغسق : البرد، وإنما أمر بالتعوذ من الليل ؛ لأن فيه تنشر الآفات، ويقل الغوث، وفيه يتم السحر. وقيل : الغاسق الثريا إذا سقطت، وغابت، وقيل : إن الأسقام تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها، فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها.
﴿ ومن شر النفاثات في العقد ﴾ يعني السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، وقيل : المراد بالنفاثات بنات لبيد بن الأعصم اللاتي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم، والنفث النفخ مع ريق قليل، وقيل : إنه النفخ فقط.
واختلفوا في جواز النّفث في الرّقى والتّعاويذ الشّرعية المستحبة، فجوزه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ويدل عليه حديث عائشة قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات " الحديث، وأنكر جماعة التّفل والنّفث في الرقى، وأجازوا النّفخ بلا ريق. قال عكرمة : لا ينبغي للرّاقي أن ينفث، ولا يمسح، ولا يعقد، وقيل : النفث في العقد إنما يكون مذموماً إذا كان سحراً مضراً بالأرواح والأبدان، وإذا كان النفث لإصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لا يكون مذموماً، ولا مكروهاً ؛ بل هو مندوب إليه.
﴿ ومن شر حاسد إذا حسد ﴾ الحاسد هو الذي يتمنى زوال نعمة الغير، وربما يكون مع ذلك سعي، فلذلك أمر الله تعالى بالتعوذ منه، وأراد بالحاسد هنا اليهود، فإنهم كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم، أو لبيد بن الأعصم وحده. والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
Icon