تفسير سورة القيامة

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة القيامة من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية وهي أربعون آية ومائة وتسع وتسعون كلمة وستمائة واثنتان وخمسون
حرفا.

سورة القيامة
مكية وهي أربعون آية ومائة وتسع وتسعون كلمة وستمائة واثنان وخمسون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة القيامة (٧٥): الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣)
قوله عز وجل: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ اتفقوا على أن المعنى أقسم، واختلفوا في لفظ لا فقيل إدخال لفظة لا على القسم مستفيض في كلام العرب وأشعارهم، قال امرؤ القيس:
لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
قالوا: وفائدتها تأكيد القسم كقولك لا والله ما ذاك كما تقول تريد والله فيجوز حذفها. لكنه أبلغ في الرّد مع إثباتها، وقيل إنها صلة كقول الله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ وفيه ضعف لأنها لا تزاد إلا في وسط الكلام لا في أوله.
وأجيب عنه بأن القرآن في حكم السّورة الواحدة بعضه متصل ببعض يدل عليه أنه قد يجيء ذكر الشيء في سورة، ويذكر جوابه في سورة أخرى كقوله: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ وجوابه في سورة ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وإذا كان كذلك كان أول هذه السورة جاريا مجرى الوسط وفيه ضعف أيضا لأن القرآن في حكم السّورة الواحدة في عدم التناقض لا أن تقرن سورة بما بعدها فذلك غير جائز، وقيل لا رد لكلام المشركين المنكرين للبعث أي ليس الأمر كما زعموا، ثم ابتدأ فقال أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللّوامة، وقيل الوجه فيه أن يقال إن لا هي للنفي، والمعنى في ذلك كأنه قال لا أقسم بذلك اليوم ولا بتلك النّفس إلا إعظاما لهما فيكون الغرض تعظيم المقسم به وتفخيم شأنه، وقيل معناه لا أقسم بهذه الأشياء على إثبات هذا المطلوب فإنه إثباته أظهر من أن يقسم عليه. وروى البغوي في تفسير القيامة عن المغيرة بن شعبة قال: يقولون القيامة وقيامة أحدهم موته وشهد علقمة جنازة فلما دفنت قال أما هذا فقد قامت قيامته وفيه ضعف لاتفاق المفسرين على أن المراد به القيامة الكبرى لسياق الآيات في ذلك. وقوله وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ قيل هي التي تلوم على الخير والشر ولا تصبر على السراء والضراء، وقيل اللوامة هي التي تندم على ما فات فتقول لو فعلت ولو لم تفعل وقيل ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا تقول هلا ازددت وإن عملت شرا تقول يا ليتني لم أفعل وقال الحسن: هي نفس المؤمن إن المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلي، وإن الكافر يمضي ولا يحاسب نفسه، ولا يعاتبها، وقيل هي النّفس الشّريفة التي تلوم النّفوس العاصية يوم القيامة بسبب ترك التّقوى، وقيل هي النّفس الشريفة التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الطاعة وقيل هي النّفس الشّقية العاصية يوم القيامة بسبب ترك التقوى، وقيل هي النفس الشقية تلوم نفسها
﴿ ولا أقسم بالنفس اللوامة ﴾ قيل هي التي تلوم على الخير والشر ولا تصبر على السراء والضراء، وقيل اللوامة هي التي تندم على ما فات فتقول لو فعلت ولو لم تفعل وقيل ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيراً تقول هلا ازددت وإن عملت شراً تقول يا ليتني لم أفعل وقال الحسن : هي نفس المؤمن إن المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلي، وإن الكافر يمضي ولا يحاسب نفسه، ولا يعاتبها، وقيل هي النّفس الشّريفة التي تلوم النّفوس العاصية يوم القيامة بسبب ترك التّقوى، وقيل هي النّفس الشريفة التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الطاعة وقيل هي النّفس الشّقية العاصية يوم القيامة بسبب ترك التقوى، وقيل هي النفس الشقية تلوم نفسها حين تعاين أهوال يوم القيامة فتقول ﴿ يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ﴾[ الزمر : ٥٦ ] فإن قلت أيّ مناسبة بين يوم القيامة، وبين النّفس اللّوامة حتى جمع بينهما في القسم.
قلت وجه المناسبة أن في يوم القيامة تظهر أحوال النفوس اللّوامة من الشقاوة أو السعادة فلهذا حسن الجمع بينهما في القسم وقيل إنما وقع القسم بالنفس اللوامة على معنى التعظيم لها من حيث إنها أبداً تستحقر فعلها واجتهادها في طاعة الله تعالى ؛ وقيل إنه تعالى أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنّفس اللّوامة فكأنه قال أقسم بيوم القيامة تعظيماً لها ولا أقسم بالنفس اللوامة تحقيراً لها لأن النّفس الكافرة أو الفاجرة لا يقسم بها، فإن قلت المقسم به هو يوم القيامة، والمقسم عليه هو يوم القيامة، فيصير حاصله أنه أقسم بيوم القيامة على وقوع القيامة وفيه إشكال.
قلت إن المحققين قالوا : القسم بهذه الأشياء قسم بربها في الحقيقة، فكأنه قال أقسم برب القيامة، وقيل لله تعالى أن يقسم بما يشاء من خلقه وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن ثم لتحاسبن يدل عليه قوله تعالى :﴿ أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ﴾.
حين تعاين أهوال يوم القيامة فتقول «يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله» فإن قلت أيّ مناسبة بين يوم القيامة، وبين النّفس اللّوامة حتى جمع بينهما في القسم.
قلت وجه المناسبة أن في يوم القيامة تظهر أحوال النفوس اللّوامة من الشقاوة أو السعادة فلهذا حسن الجمع بينهما في القسم وقيل إنما وقع القسم بالنفس اللوامة على معنى التعظيم لها من حيث إنها أبدا تستحقر فعلها واجتهادها في طاعة الله تعالى وقيل إنه تعالى أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنّفس اللّوامة فكأنه قال أقسم بيوم القيامة تعظيما لها ولا أقسم بالنفس اللوامة تحقيرا لها لأن النّفس الكافرة أو الفاجرة لا يقسم بها، فإن قلت المقسم به هو يوم القيامة، والمقسم عليه هو يوم القيامة، فيصير حاصله أنه أقسم بيوم القيامة على وقوع القيامة وفيه إشكال.
قلت إن المحققين قالوا: القسم بهذه الأشياء قسم بربها في الحقيقة، فكأنه قال أقسم برب القيامة، وقيل لله تعالى أن يقسم بما يشاء من خلقه وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن ثم لتحاسبن يدل عليه قوله تعالى:
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ وقيل جواب القسم قوله:
[سورة القيامة (٧٥): الآيات ٤ الى ٥]
بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥)
بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ومعنى أيحسب الإنسان أيظن هذا الكافر أن العظام بعد تفرقها ورجوعها رميما، ورفاتا مختلطة بالتراب وبعد ما نسفتها الريح فطيرتها في أباعد الأرض أن لن نجمع عظامه، أي لا يمكننا جمعها مرة أخرى وكيف خطر بباله هذا الخاطر الفاسد، وما علم أن القادر على الإبداء قادر على الإعادة نزلت هذه الآية في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة وهو ختن الأخنس بن شريق الثقفي وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول اللهم اكفني جاري السوء يعني عديّا والأخنس وذلك أن عديّا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا محمد حدثني متى تكون القيامة وكيف أمرها وحالها فأخبره النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال عدي بن ربيعة لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك، ولم أؤمن بك أو يجمع الله العظام فأنزل الله عز وجل. أيحسب الإنسان يعني هذا الكافر أن لن نجمع عظامه يعني بعد التفرق والبلاء فنحييه ما كان أول مرة، وقيل ذكر العظام وأراد بها نفسه جميعها لأن العظام قالب النّفوس، ولا يستوي الخلق إلا باستوائها، وقيل إنما خرج على وفق قول هذا المنكر، أو يجمع الله العظام بلى قادرين يعني على جمع عظامه، وتأليفها وإعادتها إلى التركيب الأول والحالة، والهيئة الأولى وعلى ما هو أعظم من ذلك، وهو أن نسوي بنانه يعني أنامله فنجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير، أو كحافر الحمار، فلا يقدر أن يرتفق بها بالقبض والبسط والأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة وغيرهما، وقيل معناه أظن الكافر أن لن نقدر على عظامه بلى نقدر على جمع عظامه حتى نعيد السّلاميات على صغرها إلى أماكنها، ونؤلف بينها حتى نسوي البنان فمن يقدر على جمع العظام الصغار، فهو على جمع كبارها أقدر وهذا القول أقرب إلى الصواب، وقيل إنما خص البنان بالذكر لأنه آخر ما يتم به الخلق.
قوله تعالى: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ أي ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان ما عاش لا ينزع عن المعاصي ولا يتوب وقال سعيد بن جبير يقدم الذّنب ويؤخر التوبة، ويقول سوف أتوب سوف أعمل حتى يأتيه الموت وهو على سوء حاله وشر أعماله، وقيل هو طول الأمل يقول أعيش فأصيب من الدّنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت وقال ابن عباس: يكذب بما أمامه من البعث والحساب، وأصل الفجور الميل وسمي الكافر والفاسق فاجرا لميله عن الحق.
قوله تعالى :﴿ بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ﴾ أي ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان ما عاش لا ينزع عن المعاصي ولا يتوب وقال سعيد بن جبير يقدم الذّنب ويؤخر التوبة، ويقول سوف أتوب سوف أعمل حتى يأتيه الموت وهو على سوء حاله وشر أعماله، وقيل هو طول الأمل يقول أعيش فأصيب من الدّنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت وقال ابن عباس : يكذب بما أمامه من البعث والحساب، وأصل الفجور الميل وسمي الكافر والفاسق فاجراً لميله عن الحق.

[سورة القيامة (٧٥): الآيات ٦ الى ١٣]

يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠)
كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ أيّ متى يكون يوم القيامة والمعنى أن الكافر يسأل سؤال متعنت مستبعد لقيام السّاعة قال الله تعالى: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ أي شخص البصر عند الموت فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا، وقيل تبرق أبصار الكفار عند رؤية جهنم، وقيل برق إذا فزع وتحير لما يرى من العجائب، وقيل برق أي شق عينه وفتحها من البريق وهو التلألؤ وَخَسَفَ الْقَمَرُ أي أظلم وذهب ضوءه، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يعني أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران، وقيل يجمع بينهما في ذهاب الضّوء، وقيل يجمعان ثم يقذفان في البحر فهناك نار الله الكبرى يَقُولُ الْإِنْسانُ يعني الكافر المكذب يَوْمَئِذٍ أي القيامة أَيْنَ الْمَفَرُّ أي المهرب وهو موضع الفرار كَلَّا أي لا ملجأ لهم يهربون إليه وهو قوله لا وَزَرَ أي لا حرز ولا ملجأ ولا جبل، وكانوا إذا فزعوا لجئوا إلى الجبل فتحصنوا به، فقيل لهم لا جبل لكم يومئذ تتحصنون به وأصل الوزر الجبل المنيع، وكل ما التجأت إليه وتحصنت به فهو وزر ومنه قول كعب بن مالك.
الناس آلت علينا فيك ليس لنا إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ومعنى الآية أنه لا شيء يعصمهم من أمر الله تعالى لا حصن ولا جبل يوم القيامة يستندون إليه من النار إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
يعني مستقر الخلق وقال عبد الله بن مسعود: إليه المصير والمرجع وهو بمعنى الاستقرار، وقيل إلى ربك مستقرهم أي موضع قرارهم من جنة أو نار، وذلك مفوض إلى مشيئته فمن شاء أدخله الجنة برحمته ومن شاء أدخله النار بعدله يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
قال ابن مسعود وابن عباس: بما قدم قبل موته من عمل صالح أو سيئ وما أخر بعد موته من سنة حسنة، أو سيئة يعمل بها، وعن ابن عباس أيضا بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة، وقيل بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه، وقيل بأول عمله وآخره وهو ما عمله في أول عمره وفي آخره، وقيل بما قدم من ماله لنفسه قبل موته وما أخر من ماله لورثته.
[سورة القيامة (٧٥): الآيات ١٤ الى ٢١]
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١)
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
أي بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه ويشهدون عليه بعمله وهي سمعه وبصره وجوارحه، وإنما دخلت الهاء في البصيرة لأن المراد من الإنسان جوارحه، وقيل معناه بل الإنسان على نفسه عين بصيرة وفي رواية عن ابن عباس بل الإنسان على نفسه شاهد فتكون الهاء للمبالغة كعلامة وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ
يعني ولو اعتذر بكل عذر وجادل عن نفسه، فإنه لا ينفعه لأنه قد شهد عليه شاهد من نفسه، وقيل معناه ولو اعتذر فعليه من نفسه ما يكذب عذره، وقيل إن أهل اليمن يسمون السّتر معذارا وجمعه معاذير، فعلى هذا يكون معناه ولو أرخى السّتور وأغلق الأبواب ليخفي ما يعمل، فإن نفسه شاهدة عليه، وهذا في حق الكافر لأنه ينكر يوم القيامة فتشهد عليه جوارحه بما عمل في الدنيا.
قوله عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
(ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
قال كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التّنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه قال ابن جبير:
قال ابن عباس أنا أحركهما كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحركها فحرك شفتيه فأنزل الله عز وجل لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
قال: جمعه في صدرك ثم تقرأه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. قال فاستمع وأنصت
﴿ فإذا برق البصر ﴾ أي شخص البصر عند الموت فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا، وقيل تبرق أبصار الكفار عند رؤية جهنم، وقيل برق إذا فزع وتحير لما يرى من العجائب، وقيل برق أي شق عينه وفتحها من البريق وهو التلألؤ.
﴿ وخسف القمر ﴾ أي أظلم وذهب ضوءه.
﴿ وجمع الشمس والقمر ﴾ يعني أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران، وقيل يجمع بينهما في ذهاب الضّوء، وقيل يجمعان ثم يقذفان في البحر فهناك نار الله الكبرى.
﴿ يقول الإنسان ﴾ يعني الكافر المكذب ﴿ يومئذ ﴾ أي القيامة ﴿ أين المفرّ ﴾ أي المهرب وهو موضع الفرار.
﴿ كلا ﴾ أي لا ملجأ لهم يهربون إليه وهو قوله ﴿ لا وزر ﴾ أي لا حرز ولا ملجأ ولا جبل، وكانوا إذا فزعوا لجؤوا إلى الجبل فتحصنوا به، فقيل لهم لا جبل لكم يومئذ تتحصنون به وأصل الوزر الجبل المنيع، وكل ما التجأت إليه وتحصنت به فهو وزر ومنه قول كعب بن مالك :
الناس آلت علينا فيك ليس لنا إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ومعنى الآية أنه لا شيء يعصمهم من أمر الله تعالى لا حصن ولا جبل يوم القيامة يستندون إليه من النار.
﴿ إلى ربك يومئذ المستقر ﴾ يعني مستقر الخلق وقال عبد الله بن مسعود : إليه المصير والمرجع وهو بمعنى الاستقرار، وقيل إلى ربك مستقرهم أي موضع قرارهم من جنة أو نار، وذلك مفوض إلى مشيئته فمن شاء أدخله الجنة برحمته ومن شاء أدخله النار بعدله.
﴿ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ﴾ قال ابن مسعود وابن عباس : بما قدم قبل موته من عمل صالح أو سيئ وما أخر بعد موته من سنة حسنة، أو سيئة يعمل بها، وعن ابن عباس أيضاً بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة، وقيل بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه، وقيل بأول عمله وآخره وهو ما عمله في أول عمره وفي آخره، وقيل بما قدم من ماله لنفسه قبل موته وما أخر من ماله لورثته.
﴿ بل الإنسان على نفسه بصيرة ﴾ أي بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه ويشهدون عليه بعمله وهي سمعه وبصره وجوارحه، وإنما دخلت الهاء في البصيرة لأن المراد من الإنسان جوارحه، وقيل معناه بل الإنسان على نفسه عين بصيرة وفي رواية عن ابن عباس بل الإنسان على نفسه شاهد فتكون الهاء للمبالغة كعلامة.
﴿ ولو ألقى معاذيره ﴾ يعني ولو اعتذر بكل عذر وجادل عن نفسه، فإنه لا ينفعه لأنه قد شهد عليه شاهد من نفسه، وقيل معناه ولو اعتذر فعليه من نفسه ما يكذب عذره، وقيل إن أهل اليمن يسمون السّتر معذاراً وجمعه معاذير، فعلى هذا يكون معناه ولو أرخى السّتور وأغلق الأبواب ليخفي ما يعمل، فإن نفسه شاهدة عليه، وهذا في حق الكافر لأنه ينكر يوم القيامة فتشهد عليه جوارحه بما عمل في الدنيا.
قوله عز وجل :﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به ﴾ ( ق ) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل :﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به ﴾ قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التّنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه قال ابن جبير : قال ابن عباس أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركها فحرك شفتيه فأنزل الله عز وجل ﴿ لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ﴾ قال : جمعه في صدرك ثم تقرأه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. قال فاستمع وأنصت ثم إن علينا أن تقرأه، قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل بعد ذلك استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه، وفي رواية كما وعده الله تعالى لفظ الحميدي، ورواه البغوي من طريق البخاري وقال فيه : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي، كان مما يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه فأنزل الله عز وجل الآية، التي في لا أقسم بيوم القيامة لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، قال إن علينا أن نجمعه في صدرك، وتقرأه فإذا قرأناه، فاتبع قرآنه، فإذا أنزلناه فاستمع ثم إن علينا بيانه علينا أن نبينه بلسانك. قال فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى ؛ وفي رواية كان يحرك شفتيه إذا نزل عليه يخشى أن ينفلت منه فقيل له لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، أيّ نجمعه في صدرك وقرآنه أن تقرأه، ومعنى الآية لا تحرك بالقرآن لسانك، وإنما جاز هذه الإضمار وإن لم يجر له ذكر لدّلالة الحال عليه لتجعل به أي بأخذه.
﴿ إن علينا جمعه ﴾ أي جمعه في صدرك وحفظك إياه ﴿ وقرآنه ﴾ أي قراءته علينا والمعنى سنقرئك يا محمد بحيث تصير لا تنساه.
﴿ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ﴾ أي لا تكن قراءتك مقارنة لقراءة جبريل عليك بل اسكت حتى يتم جبريل ما يوحى إليك، فإذا فرغ جبريل من القراءة، فخذ أنت فيها، وجعل قراءة جبريل قراءته لأنه بأمره نزل بالوحي ونظيره. ﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ﴾ [ النساء : ٨٠ ] وقيل معناه اعمل به واتبع حلاله، وحرامه، والقول الأول أولى لأن هذا ليس موضع الأمر باتباع حلاله وحرامه وإنما هو موضع الأمر بالاستماع حتى يفرغ جبريل من قراءته فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا نزل عليه جبريل بالوحي أصغى إليه فإذا فرغ من قراءته وعاه النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه.
﴿ ثم إن علينا بيانه ﴾ أي أن نبينه بلسانك فتقرأه كما أقرأك جبريل وقيل إذا أشكل شيء من معانيه فنحن نبينه لك، وعلينا بيان ما فيه من الأحكام والحلال والحرام، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أشكل عليه شيء سأل جبريل عن معانيه لغاية حرصه على العلم فقيل له نحن نبينه لك.
﴿ كلا ﴾ أي حقاً ﴿ بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ﴾ أي تختارون الدنيا على العقبى وتعملون لها يخاطب كفار مكة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:﴿ كلا ﴾ أي حقاً ﴿ بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ﴾ أي تختارون الدنيا على العقبى وتعملون لها يخاطب كفار مكة.
ثم إن علينا أن تقرأه، قال فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتاه جبريل بعد ذلك استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلّى الله عليه وسلّم كما قرأه، وفي رواية كما وعده الله تعالى لفظ الحميدي، ورواه البغوي من طريق البخاري وقال فيه: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه جبريل بالوحي، كان مما يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه فأنزل الله عز وجل الآية، التي في لا أقسم بيوم القيامة لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، قال إن علينا أن نجمعه في صدرك، وتقرأه فإذا قرأناه، فاتبع قرآنه، فإذا أنزلناه فاستمع ثم إن علينا بيانه علينا أن نبينه بلسانك. قال فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى وفي رواية كان يحرك شفتيه إذا نزل عليه يخشى أن ينفك منه فقيل له لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، أيّ نجمعه في صدرك وقرآنه أن تقرأه، ومعنى الآية لا تحرك بالقرآن لسانك، وإنما جاز هذه الإضمار وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه لتجعل به أي بأخذه إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
أي جمعه في صدرك وحفظك إياه وَقُرْآنَهُ
أي قراءته علينا والمعنى سنقرئك يا محمد بحيث تصير لا تنساه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
أي لا تكن قراءتك مقارنة لقراءة جبريل عليك بل اسكت حتى يتم جبريل ما يوحى إليك، فإذا فرغ جبريل من القراءة، فخذ أنت فيها، وجعل قراءة جبريل قراءته لأنه بأمره نزل بالوحي ونظيره. «من يطع الرسول فقد أطاع الله» وقيل معناه اعمل به واتبع حلاله، وحرامه، والقول الأول أولى لأن هذا ليس موضع الأمر باتباع حلاله وحرامه وإنما هو موضع الأمر بالاستماع حتى يفرغ جبريل من قراءته فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك إذا نزل عليه جبريل بالوحي أصغى إليه فإذا فرغ من قراءته وعاه النبي صلّى الله عليه وسلّم وحفظه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ أي أن نبينه بلسانك فتقرأه كما أقرأك جبريل وقيل إذا أشكل شيء من معانيه فنحن نبينه لك، وعلينا بيان ما فيه من الأحكام والحلال والحرام، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أشكل عليه شيء سأل جبريل عن معانيه لغاية حرصه على العلم فقيل له نحن نبينه لك.
قوله تعالى: كَلَّا أي حقا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ أي تختارون الدنيا على العقبى وتعملون لها يخاطب كفار مكة.
[سورة القيامة (٧٥): الآيات ٢٢ الى ٢٩]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦)
وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة ناضِرَةٌ من النضارة، وهي الحسن قال ابن عباس: حسنة وقيل مسرورة بالنعيم، وقيل ناعمة، وقيل مسفرة مضيئة، وقيل بيض يعلوها نور وبهاء وقيل مشرقة بالنعيم. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ قال ابن عباس وأكثر المفسرين: تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب قال الحسن حق لها أن تنظر وهي تنظر إلى الخالق سبحانه وتعالى، وروي عن مجاهد وأبي صالح أنهما فسرا النّظر في هذه الآية بالانتظار قال مجاهد تنتظر من ربها ما أمر لها به وقال أبو صالح: تنتظر الثّواب من ربها، قال الأزهري: ومن قال إن معنى قوله إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ بمعنى منتظرة فقد أخطأ لأن العرب لا تقول نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته إنما تقول نظرت فلانا أي انتظرته ومنه قول الحطيئة:
وقد نظرتكم أعشاء صادرة للورد طال بها حوزي وتنساسي
فإذا قلت نظرت إليه لم يكن إلا بالعين، وإذا قلت نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكر فيه وتدبر بالقلب، وهذا آخر كلامه ويشهد لصحة هذا أن النظر الوارد في التّنزيل بمعنى الانتظار كثير ولم يوصل في موضع بإلى كقوله انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ وقوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ والوجه إذا وصف بالنظر وعدي بإلى لم يحتمل غير الرؤية، وأما قوله أنظر إلى الله ثم إليك على معنى أتوقع فضل الله ثم
372
فضلك، فيكون النّظر إلى الوجه لم يحتمل نظر القلب إنما يجوز هذا إذا لم يسند إلى الوجه، فإذا أسند النظر إلى الوجه لم يحتمل نظر القلب، ولا الانتظار وإذا بطل المعنيان لم يبق لبقاء الرّؤية كلام وإن شق ذلك عليهم، والأحاديث الصحيحة تعضد قول من فسر النظر في هذه الآية بالرؤية وسنذكرها إن شاء الله تعالى.
(فصل: في إثبات رؤية المؤمنين ربهم سبحانه وتعالى في الآخرة) قال علماء أهل السنة رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله سبحانه، وتعالى دون الكافرين بدليل قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وزعمت طوائف من أهل البدع كالمعتزلة والخوارج، وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلا، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى، وقد رواها نحو من عشرين صحابيا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبتها مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة، وكذلك باقي شبههم وأجوبتها مشهورة مستفاضة في كتب الكلام، وليس هذا موضع ذكرها، ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة، ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك.
وأما الأحاديث الواردة في إثبات الرّؤية فمنها ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه، وأزواجه، ونعيمه وخدمه، وسروره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ أخرجه التّرمذي وقال: هذا حديث غريب، وقال: وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ولم يرفعه (ق) عن جرير بن عبد الله قال «كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشّمس، وقبل الغروب» قوله «لا تضامون» روي بفتح التاء وتشديد الميم وقد تضم التاء مع التّشديد أيضا ومعناه لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا تزدحمون وقت النظر إليه، وروي بتخفيف الميم ومعناه لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض وقوله: «إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون القمر» معناه تشبيه الرّؤية بالرّؤية في الوضوح وزوال الشّك والمشقة لا تشبيه المرئي بالمرئي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «أن أناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل تضارون في القمر ليلة البدر، قالوا: لا يا رسول الله قال: هل تضارون في الشّمس ليس دونها سحاب، قالوا: لا يا رسول الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنكم سترونه كذلك» أخرجه أبو داود وأخرجه التّرمذي. وليس عنده في أوله أن أناسا سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا قوله ليس دونها سحاب. قال الترمذي وقد روي مثل هذا الحديث عن أبي سعيد وهو صحيح، وهذا الحديث طرف من حديث طويل قد أخرجه البخاري ومسلم، ومعنى تضارون وتضامون واحد.
عن أبي رزين العقيلي قال: «قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه مخليا به يوم القيامة؟ قال نعم قلت وما آية ذلك في خلقه؟ قال يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخليا به قلت بلى قال: فالله أعظم إنما هو خلق من خلق الله يعني القمر فالله أجل وأعظم» أخرجه أبو داود (م) عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى» والأحاديث في الباب كثيرة وهذا القدر كاف والله أعلم. قوله عز وجل: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ أي عابسة كالحة
373
﴿ إلى ربها ناظرة ﴾ قال ابن عباس وأكثر المفسرين : تنظر إلى ربها عياناً بلا حجاب قال الحسن حق لها أن تنظر وهي تنظر إلى الخالق سبحانه وتعالى، وروي عن مجاهد وأبي صالح أنهما فسرا النّظر في هذه الآية بالانتظار قال مجاهد تنتظر من ربها ما أمر لها به وقال أبو صالح : تنتظر الثّواب من ربها، قال الأزهري : ومن قال إن معنى قوله ﴿ إلى ربها ناظرة ﴾ بمعنى منتظرة فقد أخطأ لأن العرب لا تقول نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته إنما تقول نظرت فلاناً أي انتظرته ومنه قول الحطيئة :
وقد نظرتكم أعشاء صادرة للورد طال بها حوري وتنساسي
فإذا قلت نظرت إليه لم يكن إلا بالعين، وإذا قلت نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكر فيه وتدبر بالقلب، وهذا آخر كلامه ويشهد لصحة هذا أن النظر الوارد في التّنزيل بمعنى الانتظار كثير ولم يوصل في موضع بإلى كقوله﴿ انظرونا نقتبس من نوركم ﴾ [ الحديد : ١٣ ] وقوله ﴿ هل ينظرون إلا تأويله ﴾ [ الأَعراف : ٥٣ ]﴿ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ﴾[ البقرة : ٢١٠ ] والوجه إذا وصف بالنظر وعدي بإلى لم يحتمل غير الرؤية، وأما قوله أنظر إلى الله ثم إليك على معنى أتوقع فضل الله ثم فضلك، فيكون النّظر إلى الوجه لم يحتمل نظر القلب إنما يجوز هذا إذا لم يسند إلى الوجه، فإذا أسند النظر إلى الوجه لم يحتمل نظر القلب، ولا الانتظار وإذا بطل المعنيان لم يبق لبقاء الرّؤية كلام وإن شق ذلك عليهم، والأحاديث الصحيحة تعضد قول من فسر النظر في هذه الآية بالرؤية وسنذكرها إن شاء الله تعالى.
( فصل : في إثبات رؤية المؤمنين ربهم سبحانه وتعالى في الآخرة )
قال علماء أهل السنة رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً، وأجمعوا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله سبحانه، وتعالى دون الكافرين بدليل قوله تعالى :﴿ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ﴾ [ المطففين : ١٥ ] وزعمت طوائف من أهل البدع كالمعتزلة والخوارج، وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى، وقد رواها نحو من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبتها مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة، وكذلك باقي شبههم وأجوبتها مشهورة مستفاضة في كتب الكلام، وليس هذا موضع ذكرها، ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة، ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك.
وأما الأحاديث الواردة في إثبات الرّؤية فمنها ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه، وأزواجه، ونعيمه وخدمه، وسروره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ﴾ أخرجه التّرمذي وقال : هذا حديث غريب، وقال : وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ولم يرفعه ( ق ) عن جرير بن عبد الله قال " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشّمس، وقبل الغروب " قوله " لا تضامون " روي بفتح التاء وتشديد الميم وقد تضم التاء مع التّشديد أيضاً ومعناه لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا تزدحمون وقت النظر إليه، وروي بتخفيف الميم ومعناه لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض وقوله :" إنكم ترون ربكم عياناً كما ترون القمر " معناه تشبيه الرّؤية بالرّؤية في الوضوح وزوال الشّك والمشقة لا تشبيه المرئي بالمرئي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه " أن أناساً قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تضارون في القمر ليلة البدر، قالوا : لا يا رسول الله قال : هل تضارون في الشّمس ليس دونها سحاب، قالوا : لا يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكم سترونه كذلك " أخرجه أبو داود وأخرجه التّرمذي. وليس عنده في أوله أن أناساً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قوله ليس دونها سحاب. قال الترمذي وقد روي مثل هذا الحديث عن أبي سعيد وهو صحيح، وهذا الحديث طرف من حديث طويل قد أخرجه البخاري ومسلم، ومعنى تضارون وتضامون واحد.
عن أبي رزين العقيلي قال :" قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه مخلياً به يوم القيامة ؟ قال نعم قلت وما آية ذلك في خلقه ؟ قال يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخلياً به قلت بلى قال : فالله أعظم إنما هو خلق من خلق الله يعني القمر فالله أجل وأعظم " أخرجه أبو داود ( م ) عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى " والأحاديث في الباب كثيرة وهذا القدر كاف والله أعلم.
﴿ ووجوه يومئذ باسرة ﴾ أي عابسة كالحة متغيرة مسودة قد أظلمت ألوانها، وعدمت آثار النعمة، والسرور منها لما أدركها من اليأس من رحمة الله تعالى : وذلك حين يميز بين أهل الجنة والنار.
﴿ تظن ﴾ أي تستيقن والظّن هنا بمعنى اليقين ﴿ أن يفعل بها فاقرة ﴾ أن يفعل بهم أمر عظيم من العذاب والفاقرة الدّاهية العظيمة والأمر الشّديد الذي يكسر فقار الظهر ويقصمه وقيل الفاقرة دخول النار، وقيل هي أن تحجب تلك الوجوه عن رؤية الله تعالى.
﴿ كلا ﴾ أي حقاً ﴿ إذا بلغت ﴾ يعني النفس كناية عن غير مذكور ﴿ التراقي ﴾ جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشراف على الموت ومنه قول دريد بن الصمة :
ورب عظيمة دافعت عنها وقد بلغت نفوسهم التراقي
﴿ وقيل ﴾ يعني وقال من حضره ﴿ من راق ﴾ أي هل من طبيب يرقيه ويداويه مما نزل به ويشفيه ويخلصه من ذلك برقيته ودوائه، وقيل لما نزل به من قضاء الله ما نزل التمسوا له الأطباء، فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئاً، وقيل هذا من قول الملائكة الذين يحضرونه عند الموت يقول بعضهم لبعض من يرقى بروحه إذا خرجت فيصعد بها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب.
﴿ وظن ﴾ أي أيقن الذين بلغت روحه التراقي ﴿ أنه الفراق ﴾ يعني الخروج من الدنيا وفراق المال والأهل والولد.
﴿ والتفت ﴾ أي اجتمعت ﴿ الساق بالساق ﴾ أي الشدة بالشدة يعني شدة مفارقة الدنيا مع شدة الموت وكربه، وقيل شدة الموت بشدة الآخرة، وقيل تتابعت عليه الشدائد لا يخرج من كرب إلا جاءه ما هو أشد منه، وقال ابن عباس : أمر الدنيا بأمر الآخرة فكان في آخر يوم من أيام الدّنيا وأول يوم من أيام الآخرة، وقيل الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه، وقيل هما ساقا الميت إذا لفتا في الكفن، وقيل هما ساقاه عند الموت ألا تراه كيف يضرب بإحدى رجليه على الأخرى عند النزع، وقيل إذا مات يبست ساقاه فالتفت إحداهما بالأخرى.
متغيرة مسودة قد أظلمت ألوانها، وعدمت آثار النعمة، والسرور منها لما أدركها من اليأس من رحمة الله تعالى:
وذلك حين يميز بين أهل الجنة والنار تَظُنُّ أي تستيقن والظّن هنا بمعنى اليقين أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ أن يفعل بهم أمر عظيم من العذاب والفاقرة الدّاهية العظيمة والأمر الشّديد الذي يكسر فقار الظهر ويقصمه وقيل الفاقرة دخول النار، وقيل هي أن تحجب تلك الوجوه عن رؤية الله تعالى: كَلَّا أي حقا إِذا بَلَغَتِ يعني النفس كناية عن غير مذكور التَّراقِيَ جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشراف على الموت ومنه قول دريد بن الصمة:
ورب عظيمة دافعت عنها وقد بلغت نفوسهم التراقي
وَقِيلَ
يعني وقال من حضره مَنْ راقٍ
أي هل من طبيب يرقيه ويداويه مما نزل به ويشفيه ويخلصه من ذلك برقيته ودوائه، وقيل لما نزل به من قضاء الله ما نزل التمسوا له الأطباء، فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا، وقيل هذا من قول الملائكة الذين يحضرونه عند الموت يقول بعضهم لبعض من يرقى بروحه إذا خرجت فيصعد بها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، وَظَنَّ أي أيقن الذين بلغت روحه التراقي أَنَّهُ الْفِراقُ يعني الخروج من الدنيا وفراق المال والأهل والولد وَالْتَفَّتِ أي اجتمعت السَّاقُ بِالسَّاقِ أي الشدة بالشدة يعني شدة مفارقة الدنيا مع شدة الموت وكربه، وقيل شدة الموت بشدة الآخرة، وقيل تتابعت عليه الشدائد لا يخرج من كرب إلا جاءه ما هو أشد منه، وقال ابن عباس: أمر الدنيا بأمر الآخرة فكان في آخر يوم من أيام الدّنيا وأول يوم من أيام الآخرة، وقيل الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه، وقيل هما ساقا الميت إذا لفتا في الكفن، وقيل هما ساقاه عند الموت ألا تراه كيف يضرب بإحدى رجليه على الأخرى عند النزع، وقيل إذا مات يبست ساقاه فالتفت إحداهما بالأخرى.
[سورة القيامة (٧٥): الآيات ٣٠ الى ٤٠]
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤)
ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩)
أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ أي مرجع العباد إلى الله تعالى يساقون إليه يوم القيامة ليفصل بينهم.
قوله تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى يعني أبا جهل لم يصدق بالقرآن، ولم يصلّ لله تعالى: وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أي أعرض عن الإيمان والتصديق ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أي يتبختر ويختال في مشيته، وقيل أصله يتمطط أي يتمدد من المط، وقيل من المطا وهو الظهر لأنه يلويه. أَوْلى لَكَ فَأَوْلى هذا وعيد على وعيد من الله تعالى لأبي جهل. وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد ومعناه، ويل لك مرة بعد مرة وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه، وقيل معناه أنك أجدر بهذا العذاب. وأحق وأولى به. يقال ذلك لمن يصيبه مكروه يستوجبه قال قتادة: ذكر لنا «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما نزلت هذه الآية أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى» فقال أبو جهل أتوعدني يا محمد والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا وإني لأعز من مشى بين جبليها فلما كان يوم بدر صرعه وقتله أشد قتلة. وكان نبي الله يقول صلّى الله عليه وسلّم «إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل» أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أي هملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يكلف في الدنيا ولا يحاسب في الآخرة أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً أي ماء قليلا مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى أي يصيب في الرحم، والمعنى كيف يليق بمن خلق من شيء قذر مستقذر أن يتكبر ويتمرد عن الطاعة. ثُمَّ كانَ عَلَقَةً أي صار الإنسان علقة بعد النطفة
374
فَخَلَقَ فَسَوَّى أي فقدر خلقه وسواه وعدله وقيل نفخ فيه الروح وكمل أعضاءه فَجَعَلَ مِنْهُ أي من الإنسان الزَّوْجَيْنِ أي الصنفين ثم فسرهما فقال الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أي خلق من مائة أولادا ذكورا وإناثا أَلَيْسَ ذلِكَ أي الذي فعل وأنشأ الأشياء أول مرة بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى أي بقادر على إعادته بعد الموت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من قرأ منكم وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فانتهى إلى آخرها أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. ومن قرأ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فانتهى إلى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى، فليقل بلى ومن قرأ وَالْمُرْسَلاتِ فبلغ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فليقل آمنا بالله» أخرجه أبو داود وله عن موسى بن أبي عائشة قال «كان رجل يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى قال سبحانك بلى فسألوه عن ذلك فقال سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» والله سبحانه وتعالى أعلم:
375
قوله تعالى :﴿ فلا صدق ولا صلى ﴾ يعني أبا جهل لم يصدق بالقرآن، ولم يصلِّ لله تعالى.
﴿ ولكن كذب وتولى ﴾ أي أعرض عن الإيمان والتصديق.
﴿ ثم ذهب إلى أهله يتمطى ﴾ أي يتبختر ويختال في مشيته، وقيل أصله يتمطط أي يتمدد من المط، وقيل من المطا وهو الظهر لأنه يلويه.
﴿ أولى لك فأولى ﴾ هذا وعيد على وعيد من الله تعالى لأبي جهل. وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد ومعناه، ويل لك مرة بعد مرة وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه، وقيل معناه أنك أجدر بهذا العذاب. وأحق وأولى به. يقال ذلك لمن يصيبه مكروه يستوجبه قال قتادة : ذكر لنا " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى " فقال أبو جهل أتوعدوني يا محمد والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً وإني لأعز من مشى بين جبليها فلما كان يوم بدر صرعه وقتله أشد قتلة. وكان نبي الله يقول صلى الله عليه وسلم " إن لكل أمة فرعوناً وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:﴿ أولى لك فأولى ﴾ هذا وعيد على وعيد من الله تعالى لأبي جهل. وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد ومعناه، ويل لك مرة بعد مرة وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه، وقيل معناه أنك أجدر بهذا العذاب. وأحق وأولى به. يقال ذلك لمن يصيبه مكروه يستوجبه قال قتادة : ذكر لنا " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى " فقال أبو جهل أتوعدوني يا محمد والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً وإني لأعز من مشى بين جبليها فلما كان يوم بدر صرعه وقتله أشد قتلة. وكان نبي الله يقول صلى الله عليه وسلم " إن لكل أمة فرعوناً وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل ".
﴿ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ﴾ أي هملاً لا يؤمر ولا ينهى ولا يكلف في الدنيا ولا يحاسب في الآخرة.
﴿ ألم يك نطفة ﴾ أي ماء قليلاً ﴿ من مني يمنى ﴾ أي يصيب في الرحم، والمعنى كيف يليق بمن خلق من شيء قذر مستقذر أن يتكبر ويتمرد عن الطاعة.
﴿ ثم كان علقة ﴾ أي صار الإنسان علقة بعد النطفة ﴿ فخلق فسوى ﴾ أي فقدر خلقه وسواه وعدله وقيل نفخ فيه الروح وكمل أعضاءه.
﴿ فجعل منه ﴾ أي من الإنسان ﴿ الزوجين ﴾ أي الصنفين ثم فسرهما فقال ﴿ الذكر والأنثى ﴾ أي خلق من مائة أولاداً ذكوراً وإناثاً.
﴿ أليس ذلك ﴾ أي الذي فعل وأنشأ الأشياء أول مرة ﴿ بقادر على أن يحيي الموتى ﴾ أي بقادر على إعادته بعد الموت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ منكم ﴿ والتين والزيتون ﴾، فانتهى إلى آخرها ﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾ فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. ومن قرأ ﴿ لا أقسم بيوم القيامة ﴾ فانتهى إلى ﴿ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ﴾، فليقل بلى ومن قرأ﴿ والمرسلات فبلغ، فبأي حديث بعده يؤمنون ﴾ فليقل آمنا بالله " أخرجه أبو داود وله عن موسى بن أبي عائشة قال " كان رجل يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى قال سبحانك بلى فسألوه عن ذلك فقال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله سبحانه وتعالى أعلم.
Icon