تفسير سورة التكوير

التفسير القيم
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب التفسير القيم من كلام ابن القيم المعروف بـالتفسير القيم .
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

سورة التكوير

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣)
وقرأ قارئ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وفي الحاضرين أبو الوفا ابن عقيل. فقال له قائل: يا سيدي، هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب، فلم هدم الأبنية وسيّر الجبال، ودكّ الأرض، وفطّر السماء، ونثر النجوم، وكوّرت الشمس؟
فقال: إنما بني لهم الدار للسكنى والتمتع، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه: لحسن التأمل والتذكر. فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خرّبها، لانتقال الساكن منها. فأراد أن يعلمهم بأن الكون كان معموا بهم. وفي إحالة الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، وبيان المقدرة بعد بيان العزة، وتكذيب لأهل الإلحاد، وزنادقة المنجمين،
561
وعبّاد الكواكب والشمس والقمر والأوثان، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين. فإذا رأوا آلهتهم قد انهدمت، وأن معبوداتهم قد انتثرت وانفطرت، ومحالّها قد تشققت ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم، وظهر أن العالم مربوب محدث، مدبّر، له رب يصرفه كيف يشاء، تكذيبا لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم.
فكم لله من حكمة في هدم هذه الدار، ودلالة على عظيم عزته وقدرته، وسلطانه، وانفراده بالربوبية، وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره، وإذعانها لمشيئته. فتبارك الله رب العالمين.
562
Icon