تفسير سورة العاديات

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ

﴿ والعاديات ضبحا ﴾ أقسم الله تعالى بخيل الغزاة في سبيل الله تعالى ؛ تنبيها على فضلها وفضل رباطها، ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية، والأجر والغنيمة. ووصفها بثلاث صفات فقال :﴿ والعاديات ضبحا ﴾ أي والخيل التي تبدون في سبيل الله نحو العدو وهي تضبح ؛ وضبحها صوت أنفاسها عند عدوها أو حمحمتها. و " ضبحا " مصدر منصوب بفعله المقدر ؛ أي يضبحن ضبحا.
والجملة حال من " العاديات ".
﴿ فالموريات قدحا ﴾ أي فالخيل التي توري النار من صك حوافرها بالحجارة لشدة العدْو نحو العَدُو ؛ من الإيراء وهو إخراج النار. والقدح : الضرب والصك المعروف لإخراجها. يقال : ورى الزند – من باب وعد – وريا، إذا خرجت ناره. وقدح فأورى : إذا أخرج النار. ومنه القداحة والقداح : للحجر الذي يورى النار. وأصل القدح الاستخراج ؛ ومنه قدحت العين : إذا أخرجت ماءها الفاسد. و " قدحا " منصوب بفعل محذوف تقديره : تقدحن قدحا.
﴿ فالمغيرات صبحا ﴾ أي فالخيل التي تغير على العدو وقت الصباح. وكانوا إذا أرادوا الغارة سروا ليلا في غفلة الناس، وباغثوا العدو صبحا. يقال : أغار على القوم غارة وإغارة، دفع عليهم الخيل. وأغار الفرس إغارة : اشتد عدوه. و " صبحا " منصوب على الظرفية.
﴿ فأثرن به ﴾ أي فهيجن في ذلك الوقت الذي تقع فيه الإغارة﴿ نقعا ﴾ أي غبارا من شدة العدو. والإثارة : التهييح وتحريك الغبار ونحوه.
﴿ فوسطن به ﴾ فتوسطن في ذلك الوقت. ﴿ جمعا ﴾ من جموع الأعداء، ففرقنها وشتتنها. يقال : وسطت القوم أسطهم وسطا – من باب وعد – وسطة، أي صرت وسطهم.
﴿ إن الإنسان لربه لكنود ﴾ جواب القسم. أي إن الإنسان لكفور جحود لنعم ربه عليه : أي إنه مطبوع على ذلك إلا من عصمه الله. يقال : كند النعمة – من باب دخل – جحدها ولم يشكرها. وكند الحبل : قطعه ؛ فكأنه يقطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر. وقيل : المراد بالإنسان الكافر.
﴿ وإنه على ذلك لشهيد ﴾ أي وإن الإنسان على كنوده لشهيد بلسان الحال ؛ لظهور أثره في أعماله.
﴿ وإنه لحب الخير لشديد ﴾ أي وإنه في حب المال وإيثار الدنيا لقوي مطبق، مجد في طلبه، متهالك عليه. وهو في حب عبادة الله وشكر نعمه ضعيف متقاعس. تقول : هو شديد لهذا الأمر وقوي له ؛ أي مطيق له ضابط. واللام في " لحب " بمعنى في.
﴿ أفلا يعلم إذا بعثر.... ﴾ أي أيفعل ما يفعل من القبائح فلا يعلم مآله، إذا أثير وقلب ما في القبور من الموتى فبعثوا للجزاء ؟ يقال : بعثرت المتاع : جعلت أسفله أعلاه. وهو تهديد ووعيد.
﴿ وحصل ما في الصدور ﴾ أي جمع ما في القلوب من خير وشر، مما يظن مضمره أنه سر لا يعلمه أحد، وأظهر مكتوبا في صحائف الأعمال. أو ميز خيره من شره. وأصل التحصيل : إخراج اللب من القشر، ومن لازمه التمييز بينهما.
﴿ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ﴾ أي إن رب المبعوثين لعليم بأحوالهم الظاهرة والباطنة في ذلك اليوم، الذي يبعث فيه من في القبور، ويحصل ما في الصدور ؛ علما موجبا للجزاء ؛ وإلا فعلمه تعالى محيط بما كان وما سيكون في كل وقت وحال.
والله أعلم.
Icon