تفسير سورة الشرح

التفسير المنير
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب التفسير المنير .
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ

وقد اشتملت على أمور أربعة:
١- تعداد نعم ثلاث أنعم اللَّه بها على نبيه المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي شرح صدره بالحكمة والإيمان، وتطهيره من الذنوب والأوزار، ورفع منزلته ومقامه وقدره في الدنيا والآخرة: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [١- ٤] وذلك بقصد تسلية الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وإيناسه عما يلقاه من أذى قومه الشديد في مكة والطائف وغيرهما.
٢- وعد اللَّه له بتيسير المعسر، وتفريج الكرب عليه، وإزالة المحن والشدائد، وتبشيره بقرب النصر على الأعداء: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [٥- ٦].
٣- أمره بمواظبة العبادة والتفرغ لها بعد القيام بتبليغ الرسالة شكرا للَّه على ما أنعم عليه: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [٧].
٤- أمره بعد كل شيء بالتوكل على اللَّه وحده، والرغبة فيما عنده: وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ [٨].
نعم اللَّه على نبيه وما أمره به
[سورة الشرح (٩٤) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)
البلاغة:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ استفهام تقريري للتذكير بنعم اللَّه، أي قد شرحنا لك صدرك.
292
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ استعارة تمثيلية، شبه الذنوب بحمل ثقيل يرهق كاهل حامله بطريق التمثيل.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً تنكير اليسر للتعظيم والتفخيم، كأنه قال: يسرا عظيما.
الْعُسْرِ و «اليسر» بينهما جناس ناقص.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إطناب بتكرير الجملة، لتثبيت معناها في النفوس، وبما أن العسر معروف فهو مفرد، واليسر منكر فهو متعدد، أي مع كل عسر يسران، فالعسر الأول عين الثاني، واليسر تعدد.
فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ سجع مرصع مراعاة لرؤوس الآيات. وكذا في قوله: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وهو من المحسنات البديعية.
المفردات اللغوية:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ألم نفسح ونبسط ونوسع لك يا محمد صدرك، حتى وسع مناجاة الحق، ودعوة الخلق، بما أودعنا فيه من الحكمة والإيمان والنبوة، وأزلنا عنه ضيق الجهل. والعرب تطلق سعة الصدر وعظمه على الحلم والقوة، فهو كناية عن السرور وانبساط النفس وراحة البال وسعة الأفق. وهو استفهام تقرير، أي قد شرحنا وأفسحنا.
وَضَعْنا حططنا وأزلنا وخففنا عنك. وِزْرَكَ حملك الثقيل. أَنْقَضَ أثقل، حتى سمع له نقيض أي صوت. وهذا كقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح ٤٨/ ٢]. وليس المراد بالذنوب المعاصي والآثام، فإن الرسل معصومون من ارتكاب الذنوب، وإنما المراد ما فعله اجتهادا مما هو خلاف الأولى، كإذنه للمنافقين بالتخلف عن غزوة تبوك، وأخذ الفداء من أسرى بدر، وعبوسه في وجه الأعمى ونحو ذلك. وقيل: المراد من قوله: وِزْرَكَ تخفيف أعباء النبوة والرسالة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها، وأداء واجباتها وحفظ حقوقها، فسهل اللَّه تعالى ذلك عليه، وحط عنه ثقلها، بأن صارت يسيرة له.
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ بالنبوة وغيرها، كأن جعلتك تذكر مع ذكري في الأذان والإقامة والتشهد والخطبة وغيرها. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ الشدة والضعف والفقر ونحوها من المضايقات يُسْراً سهولة وتوفيقا للاهتداء والطاعة، وقد قاسى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كثير من الكفار، وعانى منهم الشدائد، ثم حصل له اليسر، بنصره عليهم.
فَإِذا فَرَغْتَ من أداء الرسالة وتبليغ الناس بها. فَانْصَبْ أتعب في الدعاء والعبادة. فَارْغَبْ تضرع وتوكل، واجعل رغبتك باللَّه في جميع شؤونك.
293
سبب النزول: نزول الآية (٦) :
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً: نزلت لما عيّر المشركون المسلمين بالفقر.
وأخرج ابن جرير عن الحسن البصري قال: لما نزلت هذه الآية: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أبشروا أتاكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين».
التفسير والبيان:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ أي قد شرحنا لك صدرك لقبول النبوة، وتحمل أعبائها، وحفظ الوحي. قال الرازي: وقد استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه، فكأنه قيل: شرحنا لك صدرك. والأولى أن يقال كما بينا: الاستفهام تقريري، يراد به إثبات الشرح.
والمراد بشرح الصدر تنويره وجعله فسيحا وسيعا رحيبا، كقوله تعالى:
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام ٦/ ١٢٥] «١». وقال أبو حيان: شرح الصدر: تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه، وهو قول الجمهور، والأولى العموم لهذا ولغيره من مقاساة الدعاء إلى اللَّه تعالى وحده، واحتمال المكاره من إذاية الكفار «٢». والأكثرون على أن الشرح أمر معنوي.
وقيل: المراد بذلك شرح صدره ليلة الإسراء، كما رواه الترمذي عن مالك بن صعصعة. قال ابن كثير: ولكن لا منافاة، فإن من جملة شرح صدره:
الذي فعل بصدره ليلة الإسراء، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا «٣».
(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ٥٢٤
(٢) البحر المحيط: ٨/ ٤٨٧
(٣) تفسير ابن كثير: المرجع السابق. [.....]
294
وروى أيضا حديث شرح الصدر عبد اللَّه ابن الإمام أحمد عن أبي بن كعب: أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أشياء، لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول اللَّه، ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟
فاستوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا، وقال: «لقد سألت يا أبا هريرة، إني في الصحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذ بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلي يمشيان، حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي، لا أجد لأحدهما مسّا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري، ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئا كهيئة العلقة، ثم نبذها، فطرحها، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة، ثم هزّ إبهام رجلي اليمنى، فقال: أعد وأسلم، فرجعت بها أعدو رقّة على الصغير، ورحمة على الكبير».
وفي الصحيح عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة- رجل من قومه:
أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، فأتيت بطست من ذهب، فيها ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا» - قال قتادة: قلت: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني- قال: فاستخرج قلبي، فغسل قلبي بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيمانا وحكمة».
والخلاصة من حديث شق الصدر: أن جبريل عليه السلام أتى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم في صغره، وشق صدره، وأخرج قلبه وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علما وإيمانا، ووضعه في صدره.
295
وقد طعن بعضهم في هذه الرواية لأن هذه الواقعة حدثت في حال الصغر، وذلك من المعجزات، فلا يجوز أن تتقدم نبوته، ولأن تأثير الغسل في إزالة أوساخ الأجسام، والمعاصي ليست بأجسام، فلا يكون للغسل فيها أثر، ولأنه لا يصح أن يملأ القلب علما، بل اللَّه تعالى يخلق فيه العلوم.
وأجاب الإمام فخر الدين الرازي عن ذلك بأن هذا يسمى الإرهاص، وهو مقدمات النبوة وبشائرها، ومثله في حق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم كثير، ولا يبعد أن يكون غسل الدم الأسود من قلب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم علامة للقلب الذي يميل إلى المعاصي، ويحجم عن الطاعات، فإذا أزالوه كان ذلك كالعلامة على كون صاحبه معصوما، مواظبا على الطاعات، محترزا عن السيئات، وأيضا فلأن اللَّه تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد «١».
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أي حططنا عنك ما كنت تتصور من وجود ذنوب ومعاص أثقلت كاهلك، وأتعبت نفسك، سواء قبل النبوة أم بعدها مما تفعله خلاف الأولى، وهو لا يتفق مع سمو قدرك، ورفعة منزلتك، وعلو شأنك، كالإذن لبعض المنافقين بالتخلف عن الجهاد في موقعة تبوك، وقبول الفداء من أسرى بدر، والعبوس في وجه الأعمى.
وقيل: المراد حططنا عنك حمل أعباء النبوة والرسالة، فسهلناها عليك، حتى تيسرت لك.
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ أي جعلنا ذكرك مرفوعا عاليا في الدنيا والآخرة، بالنبوة وختم الرسالات بك، وإنزال القرآن العظيم عليك، وتكليف المؤمنين بالقول بعد «أشهد أن لا إله إلا اللَّه» :«أشهد أن محمدا رسول اللَّه» سواء في
(١) تفسير الرازي: ٣٢/ ٢
296
الأذان أم في التشهد أم في الخطبة وغيرها، وأمرهم بالصلاة والسلام عليه، وأمر اللَّه بطاعته، وجعل طاعته طاعة للَّه تعالى.
قال قتادة: رفع اللَّه ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة، إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه.
وروى ابن جرير عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «أتاني جبريل، فقال: إن ربي وربك يقول: كيف رفعت ذكرك؟ قال: اللَّه أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي».
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «سألت ربي مسألة، وددت أني لم أسأله، قلت: قد كان قبلي أنبياء، منهم من سخّرت له الريح، ومنهم من يحيي الموتى، قال: يا محمد، ألم أجدك يتيما فآويتك؟
قلت: بلى يا ربّ، قال: ألم أجدك ضالّا فهديتك؟ قلت: بلى يا ربّ، قال:
ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت: بلى يا رب، قال: ألم أشرح لك صدرك، ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى يا رب»
.
وبعد التذكير بهذه النعم، ذكر اللَّه تعالى أن ذلك جار على وفق سنته، من إيراد اليسر بعد العسر، فقال ردّا على المشركين الذين كانوا يعيرون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالفقر:
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أي إن مع ذلك العسر المذكور سابقا يسرا، وإن مع الضيق فرجا، وقد أكّد تعالى ذلك في الجملة الثانية. وفي هذا بشارة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتسلية له أنه سيبدل حاله من فقر إلى غنى، ومن ضعف إلى عزة وقوة، ومن عداوة قومه إلى محبتهم. والأظهر أن المراد باليسرين: الجنس، ليكون وعدا عاما لجميع المكلفين في كل عصر، ويشمل يسر الدنيا ويسر الآخرة، ويسر العاجل والآجل.
297
قال الفراء والزجاج: العسر مذكور بالألف واللام، وليس هناك معهود سابق، فينصرف إلى الحقيقة، فيكون المراد بالعسر في اللفظين شيئا واحدا. وأما اليسر فإنه مذكور على سبيل التنكير، فكان أحدهما غير الآخر.
يؤيد ذلك
ما رواه الحاكم عن ابن مسعود مرفوعا: «لو كان العسر في حجر، لتبعه اليسر حتى يدخل فيه، فيخرجه، ولن يغلب عسر يسرين، إن اللَّه يقول: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».
ثم أمره ربه بمهام تتناسب مع مقامه ومع شكر هذه النعم السابقة واللاحقة من اليسر والظفر، فقال:
فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ أي إذا فرغت من تبليغ الدعوة، أو من الجهاد، أو مشاغل الدنيا وعلاقاتها، فأتعب نفسك في العبادة، واجتهد في الدعاء، واطلب من اللَّه حاجتك، وأخلص لربّك النيّة والرغبة. وهذا دليل على طلب الاستمرار في العمل الصالح والخير والمثابرة على الطاعة لأن استغلال الوقت مطلوب شرعا، وإن اللَّه يكره العبد البطال.
وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ أي أقبل على اللَّه، واجعل رغبتك إلى اللَّه وحده، وتضرع إليه راهبا من النار، راغبا في الجنة، ولا تطلب ثواب عملك إلا من اللَّه، فإنه الجدير بالتوجه والتضرع إليه، وبالتوكل عليه.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- هذه باقة أخرى من نعم اللَّه على نبيه المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، بالإضافة لما ذكر في سورة الضحى السابقة، وهي:
298
أولا- شرح الصدر، أي جعله فسيحا رحيبا، قويا عظيما لتحمل أعباء النبوة والرسالة.
وثانيا- حطّ الذنوب والمعاصي التي تعد ثقيلة وكبيرة بالنسبة لقدره ومنزلته، وإلا فهي ليست ذنوبا على الحقيقة لأن الأنبياء معصومون منها، ولم يسجد لصنم أو وثن قط، ولم يصدر عنه كفر أصلا قبل النبوة. وهذا يستدعي كمال عقله وروحه، وتبرئته من الوزر الذي ينشأ عن النفس والهوى، وهو معصوم منهما.
وثالثا- رفع ذكره وإعلاء شأنه ومقامه في الدنيا والآخرة وتنزيه مقامه عن كل وصم، قال ابن عباس: يقول له: لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان، والإقامة، والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة، وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطب النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها.
ولو أن رجلا عبد اللَّه جلّ ثناؤه، وصدّق بالجنة والنار وكل شيء، ولم يشهد أن محمدا رسول اللَّه، لم ينتفع بشيء، وكان كافرا «١».
٢- جعل اللَّه تيسيرا ورحمة على العباد يسرين مع كل عسر، قال قوم: إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرّفا، ثم كرروه، فهو هو، وإذا نكّروه فهو غيره، وهما اثنان، ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر.
٣- الحثّ على المواظبة على العمل الصالح واستدامته، وعلى عمل الخير والإقبال على فعله، فعلى العاقل ألا يضيع أوقاته في الكسل والدعة، ويحرص بكل قواه على تحصيل ما ينفعه في الدارين.
(١) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٠٦- ١٠٧
299
٤- التوكل على اللَّه وحده، والرغبة إليه والتضرع لوجهه الكريم، فإنه أهل التوجه والضراعة، ولا يطلب ثواب العمل الصالح إلا منه سبحانه.
قال ابن العربي: روي عن شريح أنه مرّ بقوم يلعبون يوم عيد، فقال:
ما بهذا أمر الشارع. وفيه نظر فإن الحبش كانوا يلعبون بالدّرق والحراب في المسجد يوم العيد، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر. ودخل أبو بكر بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عائشة وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنّيان، فقال أبو بكر: أمزمارة الشيطان في بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد.
وليس يلزم الدّؤوب على العمل، بل هو مكروه للخلق «١».
(١) أحكام القرآن: ٤/ ١٩٣٨
300

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التين
مكيّة، وهي ثماني آيات.
تسميتها:
سميت سورة التين لأن اللَّه تعالى أقسم في مطلعها بالتين والزيتون، لما فيهما من خيرات وبركات، ومنافع: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ...
مناسبتها لما قبلها:
ذكر اللَّه تعالى في السورة المتقدمة حال أكمل الناس خلقا وخلقا، وأنه أفضل العالم، ثم ذكر في هذه السورة حال النوع الإنساني وما ينتهي إليه أمره من التدني ودخول جهنم إن عادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو دخول الجنة إن آمن به وعمل صالحا.
ما اشتملت عليه السورة:
تضمنت هذه السورة المكية بيان أمور ثلاثة متعلقة بالإنسان وعقيدته:
١- تكريم النوع الإنساني، حيث خلق اللَّه الإنسان في أحسن صورة وشكل، منتصب القامة، سويّ الأعضاء، حسن التركيب: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.. [١- ٤].
٢- بيان انحدار مستوى الإنسان وزجّ نفسه في نيران جهنم بسبب كفره باللَّه تعالى ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإنكاره البعث والنشور، بالرغم من توافر الأدلة القاطعة
301
Icon