تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب روح المعاني
المعروف بـتفسير الألوسي
.
لمؤلفه
الألوسي
.
المتوفي سنة 1342 هـ
سورة الفاتحة
اختلف فيها، فالأكثرون على أنها مكية، بل من أوائل ما نزل ﴿ الحمد لله ﴾ من القرآن على قول( ١ ) وهو المروي عن علي وابن عباس وقتادة وأكثر الصحابة، وعن مجاهد أنها مدنية( ٢ )، وقد تفرد بذلك حتى عد هفوة منه، وقيل نزلت بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة لما حولت القبلة ليعلم أنها في الصلاة كما كانت، وقيل بعضها مكي وبعضها مدني ولا يخفى ضعفه، وقد لهج الناس بالاستدلال على مكيتها بآية الحجر ﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ﴾ وهي مكية لنص العلماء والرواية عن ابن عباس ولها حكم مرفوع لا لأن ما قبلها وما بعدها في حق أهل مكة كما قيل ؛ لأنه مبني على أن المكي ما كان في حق أهل مكة والمشهور خلافه، والأقوى الاستدلال بالنقل عن الصحابة الذين شاهدوا الوحي التنزيل ؛ لأن ذلك موقوف أولا على تفسير السبع المثاني بالفاتحة، وهو وإن كان صحيحا ثابتا في الأحاديث( ٣ ) إلا أنه قد صح أيضا عن ابن عباس وغيره تفسيرها بالسبع الطوال، وثانيا على امتناع الامتنان بالشيء قبل إيتائه مع أن الله تعالى قد أمتن عليه صلى الله تعالى عليه وسلم بأمور قبل إيتائه إياها كقوله تعالى ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ فهو قبل الفتح بسنين والتعبير بالماضي تحقيق للوقوع، وهذا وإن كان خلاف الظاهر لاسيما مع إيراد اللام وكلمة ﴿ قد ﴾ ووروده في معرض المنة والغالب فيها سبق الوقوع وعطف ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ﴾ الآية إلا أنه قد خدش الدليل، لا يقال إن هذا وذلك لا يدلان إلا على أنها نزلت بمكة. وأما على نفي نزولها بالمدينة أيضا فلا لأنا نقول : النفي هو الأصل وعلى مدعي الإثبات الاثبات وأنى به، وما قالوا في الجواب عن الاعتراض بأن النزول ظهور من عالم الغيب إلى الشهادة والظهور بها لا يقبل التكرر، فإن ظهور الظاهر ظاهر البطلان كتحصيل الحاصل من دعوى أنه كان في كل لفائدة، أو أنه على حرف مرة وآخر أخرى لورود مالك وملك، أو ببسملة تارة وتارة بدونها، وبه تجمع المذاهب والروايات مصحح للوقوع لا موجب له كما لا يخفى.
والسورة مهموزة وغير مهموزة بإبدال إن كانت من السور، وهو البقية ؛ لأن بقية كل شيء بعضه وبدونه إن كانت من سور البناء وهي المنزلة، أو سور المدينة لإحاطتها( ٤ ) بآياتها أو من التسور وهو العلو والارتفاع لارتفاعها بكونها كلام الله تعالى، وتطلق على المنزلة الرفيعة كما في قول النابغة :
وحدها : قرآن يشتمل على ذي فاتحة وخاتمة. وقيل : طائفة مستقلة ؛ لتخرج آية الكرسي مترجمة توقيفا، وقد ثبتت أسماء الجميع بالأحاديث والآثار، فمن قال بكراهة أن يقال سورة كذا بل سورة يذكر فيها كذا بناء على ما روي عن أنس وابن عمر من النهي عن ذلك لا يعتد به ؛ إذ حديث أنس ضعيف أو موضوع، وحديث ابن عمر موقوف عليه، وإن روى عنه بسند صحيح.
﴿ والفاتحة ﴾ في الأصل صفة جعلت إما لأول الشيء لكونه واسطة في فتح الكل والتاء للنقل أو المبالغة، ولا اختصاص لها بزنة علامة أو مصدر أطلقت على الأول( ٥ ) تسمية للمفعول بالمصدر إشعارا بإصالته كأنه نفس الفتح إذ تعلقه به أولا، ثم بواسطته يتعلق بالمجموع ؛ لكونه جزءا منه، وكذا يقال في الخاتمة، فإن بلوغ الآخر يعرض الآخر أولا والكل بواسطته، وليس هذا كالأول لقلة فاعلة في المصادر إلا أنه أولى من كونه للآلة أو باعثا لأن هذه ملتبسة بالفعل ومقارنة له والغالب أن لا تتصف الآلة ولا يقارن الباعث، على أن الآلة هنا غير مناسبة لإيهام أن يكون البعض غير مقصود وجوزوا أن يكون للنسبة، أي ذات فتح مع وجود أخر مرجوحة.
﴿ والكتاب ﴾ هو المجموع الشخصي وفتح الفاتحة بالقياس إليه لا إلى القدر المشترك بينه وبين أجزائه، وهو متحقق في العلم أو اللوح أو بيت العزة، فلا ضير في اشتهار السورة بهذا الاسم في الأوائل والإضافة الأولى من إضافة الاسم إلى المسمى، وهي مشهورة والثانية بمعنى اللام كما في جزء الشيء لا بمعنى من كما في : خاتم فضة ؛ لأن المضاف جزئي، قاله شيخ الإسلام( ٦ ). وهو مذهب بعض في كل. وقال ابن كيسان والسيرافي وجمع : إضافة الجزء على معنى ﴿ من ﴾ التبعيضية، بل في اللمع وشرحه : إن من المقدرة في الإضافة مطلقا كذلك من غير فرق بين الجزء والجزئي، وبعضهم جعل الإضافة في الجزئي بيانية مطلقا وبعضهم خصها بالعموم والخصوص الوجهي كما في المثال، وجعلها في المطلق كمدينة بغداد لامية والشهرة لا تساعده.
ولهذه السورة الكريمة أسماء أوصلها البعض إلى نيف وعشرين ﴿ أحدها ﴾ فاتحة الكتاب ؛ لأنها مبدؤه على الترتيب المعهود لا لأنها يفتتح بها في التعليم وفي القراءة في الصلاة كما زعمه الإمام السيوطي، ولا لأنها أول سورة نزلت كما قيل، أما الأول والثالث فلأن المبدئية من حيث التعليم أو النزول تستدعي مراعاة الترتيب في بقية أجزاء الكتاب من تينك الحيثيتين، ولا ريب في أن الترتيب التعليمي والنزولي ليسا كالترتيب المعهود، وأما الثاني فلما عرفت أن ليس المراد بالكتاب القدر المشترك الصادق على ما يقرأ في الصلاة حتى يعتبر في التسمية مبدئيتها له وحكى المرسي : أنها سميت بذلك لأنها أول سورة كتبت في اللوح( ٧ ) ويحتاج إلى نقل وإن صححنا أن ترتيب القرآن الذي في مصاحفنا كما في اللوح، فلربما كتب التالي ثم كتب المتلو وغلبة الظن أمر آخر.
وثانيهما : فاتحة القرآن لما قدمنا حذو القذة بالقذة.
وثالثها ورابعها : أم الكتاب وأم القرآن، وحديث( ٨ ) لا يقولن أحدكم أم الكتاب وليقل فاتحة الكتاب لا أصل له بل قد ثبت في الصحاح( ٩ ) تسميتها به كما لا يخفى على المتتبع، وسميت بذلك لأن الابتداء كتابة أو تلاوة أو نزولا على قول أو صلاة بها وما بعدها تال لها، فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها، ويقال أيضا للراية أم لتقدمها وإتباع الجيش لها، ومنه أم القرى أو لاشتمالها كما قال العلامة على مقاصد المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعيد، أما الثناء فظاهر وأما التعبد فإما من الحمد لله لأنه للتعليم فيقدر أمر يفيده والأمر الإيجابي يلزمه النهي عن الضد في الجملة، ولا نرى( ١٠ ) فيه بأسا، أو من اهدنا الصراط المستقيم، إن أريد به ملة الإسلام، أو من تقدير : قولوا بسم الله ومن تأخير متعلقه، وإما من إياك نعبد فإنه إخبار عن تخصيصه بالعبادة وهي التحقق بالعبودية بارتسام ما أمر السيد أو نهى، فيدل في الجملة على أنهم متعبدون، ولا يرد على المعتزلة عدم سبق أمر ونهي أصلا ويجاب عندنا بعد تسليم العدم للأولية بأن رأس العبادة التوحيد وفي الصدر ما يرشد إليه( ١١ ) لاسيما وقد سبق تكليفه صلى الله تعالى عليه وسلم بالتوحيد وتبليغ السورة وذلك يكفي، وأما الوعد والوعيد فمن قوله تعالى ﴿ أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ﴾أو من يوم الدين أي الجزاء والمجزي، أما ما يسر أو ما يضر وهما الثواب والعقاب، وإنما كانت المقاصد هذه ؛ لأن بعثة الرسل وإنزال الكتب رحمة للعباد وإرشادا إلى ما يصلحهم معاشا ومعادا، وذلك بمعرفة من يقدر على إيصال النعم إيجادا وإمدادا ثم التوصل إليه بما يربط العتيد ويجلب المزيد عملا و اعتقادا والتنصل عما يفضي به إلى رجع المحصل ومنع المستحصل قلوبا وأجسادا، والثناء فرع معرفة المثنى عليه مع الاستحقاق وتدخل المعرفة بصفات الجلال والجمال، ومنها ما منه( ١٢ ) الإرسال والإنزال والتفاوت بين المطيع والمذنب فدخل الإيمان بالله تعالى وصفاته والنبوات والمعاد على الإجمال، والتعبد يتمكن به من التوصل والتنصل ويدخل فيه من وجه الإيمان بالنبوات وما يتعلق بها من الكتاب والملائكة إذ الأمر والنهي فرع ثبوت ذلك في الجملة والوعد والوعيد يتضمنان الإيمان بالمعاد ويبعثان على التعبد والناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة، والأكثرون بعثتهم الرغبة والرهبة، وأوسطهم الرجاء والخوف، والخواص --وقليل ما هم- الأنس والهيبة، فبالثلاثة تم الإرشاد إلى مصالح المعاش والمعاد، ولا أحصر لك وجه الحصر بهذا فلمسلك الذهن اتساع، ولك أن ترد الثلاثة إلى اثنين فتدرج الثناء في التعبد ؛ إذ لا حكم للعقل ولعله إنما جعله قسيما له تلميحا إلى أن شكر المنعم واجب عقلا مراعاة لمذهب الاعتزال، ولم يبال البيضاوي بذلك فعبر بما عبر به من المقال، أو لاشتمالها على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم والإطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء والأول مستفاد من أول السورة إلى قوله ﴿ يوم الدين ﴾ والثاني من قوله ﴿ إياك ﴾ نعبد وما بعده سلوك الصراط المستقيم من قوله ﴿ اهدنا ﴾ الآية والإطلاع من قوله ﴿ أنعمت عليهم ﴾ إلخ وفيه وعد ووعيد فدخلا فيه والأمثال والقصص المقصود بها الاتعاظ وكذا الدعاء والثناء، وهذه جملة المعاني القرآنية إجمالا مطابقة والتزاما وأبسط من هذا أن يقال : إنها مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين ﴿ الأول ﴾ علم الأصول ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاته، وإليها الإشارة بقوله ﴿ رب العالمين الرحمن الرحيم ﴾ ومعرفة النبوات، وهي المرادة بقوله تعالى ﴿ أنعمت عليهم ﴾ والمعاد المومى إليه بقوله تعالى ﴿ مالك يوم الدين ﴾.
﴿ الثاني ﴾ علم الفروع وأسه العبادات وهو المراد بقوله ﴿ إياك نعبد ﴾ وهي بدنية ومالية وهما مفتقران إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات ولا بد لها من الحكومات فتمهدت الفروع على الأصول ﴿ الثالث ﴾ علم ما به يحصل الكمال، وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والسلوك لطريقة الاستقامة في منازل هاتيك الرتب العلية وإليه الإشارة بقوله ﴿ إياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم ﴾ ﴿ الرابع ﴾ علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة السعداء والأشقياء وما يتصل بها من الوعد والوعيد وهو المراد بقوله تعالى ﴿ أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾، وإذا انبسط ذهنك أتيت بأبسط من ذلك، وهذان الوجهان يستدعيان حمل الكتاب على المعاني أو تقديرها في التركيب الإضافي، والوجه الأول لا يقتضيه ومن هذا رجحه البعض وإن كان أدق وأحلى لا لأنه يشكل عليهما ما ورد من أن الفاتحة تعدل ثلثي القرآن ؛ إذ يزيله إذا ثبت أن الإجمال لا يساوي التفصيل، فزيادة مبانيه منزلة منزلة ثلث آخر من الثواب قاله الشهاب. ثم قال : ومن العجب ما قيل هنا من أن ذلك لاشتمالها على دلالة التضمن و الالتزام، وهما ثلثا الدلالات انتهى.
وأنا أقول : الأعجب من هذا توجيهه رحمه الله مع ما رواه الديلمي في الفردوس عن أبي الدرداء، فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن، ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات، فإنه لا يتبادر منه إلا الفضل في الثواب فيعارض ظاهره ذلك الخبر على توجيهه وعلى توجيه صاحب القيل لا تعارض. نعم إنه بعيد، ويمكن التوفيق بين الخبرين وبه يزول الإشكال بأن الأول كان أولا، وتضاعف الثواب ثانيا، ولا حجر على الرحمة الواسعة، أو بأن اختلاف المقال لاختلاف الحال، أو بأن م
اختلف فيها، فالأكثرون على أنها مكية، بل من أوائل ما نزل ﴿ الحمد لله ﴾ من القرآن على قول( ١ ) وهو المروي عن علي وابن عباس وقتادة وأكثر الصحابة، وعن مجاهد أنها مدنية( ٢ )، وقد تفرد بذلك حتى عد هفوة منه، وقيل نزلت بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة لما حولت القبلة ليعلم أنها في الصلاة كما كانت، وقيل بعضها مكي وبعضها مدني ولا يخفى ضعفه، وقد لهج الناس بالاستدلال على مكيتها بآية الحجر ﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ﴾ وهي مكية لنص العلماء والرواية عن ابن عباس ولها حكم مرفوع لا لأن ما قبلها وما بعدها في حق أهل مكة كما قيل ؛ لأنه مبني على أن المكي ما كان في حق أهل مكة والمشهور خلافه، والأقوى الاستدلال بالنقل عن الصحابة الذين شاهدوا الوحي التنزيل ؛ لأن ذلك موقوف أولا على تفسير السبع المثاني بالفاتحة، وهو وإن كان صحيحا ثابتا في الأحاديث( ٣ ) إلا أنه قد صح أيضا عن ابن عباس وغيره تفسيرها بالسبع الطوال، وثانيا على امتناع الامتنان بالشيء قبل إيتائه مع أن الله تعالى قد أمتن عليه صلى الله تعالى عليه وسلم بأمور قبل إيتائه إياها كقوله تعالى ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ فهو قبل الفتح بسنين والتعبير بالماضي تحقيق للوقوع، وهذا وإن كان خلاف الظاهر لاسيما مع إيراد اللام وكلمة ﴿ قد ﴾ ووروده في معرض المنة والغالب فيها سبق الوقوع وعطف ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ﴾ الآية إلا أنه قد خدش الدليل، لا يقال إن هذا وذلك لا يدلان إلا على أنها نزلت بمكة. وأما على نفي نزولها بالمدينة أيضا فلا لأنا نقول : النفي هو الأصل وعلى مدعي الإثبات الاثبات وأنى به، وما قالوا في الجواب عن الاعتراض بأن النزول ظهور من عالم الغيب إلى الشهادة والظهور بها لا يقبل التكرر، فإن ظهور الظاهر ظاهر البطلان كتحصيل الحاصل من دعوى أنه كان في كل لفائدة، أو أنه على حرف مرة وآخر أخرى لورود مالك وملك، أو ببسملة تارة وتارة بدونها، وبه تجمع المذاهب والروايات مصحح للوقوع لا موجب له كما لا يخفى.
والسورة مهموزة وغير مهموزة بإبدال إن كانت من السور، وهو البقية ؛ لأن بقية كل شيء بعضه وبدونه إن كانت من سور البناء وهي المنزلة، أو سور المدينة لإحاطتها( ٤ ) بآياتها أو من التسور وهو العلو والارتفاع لارتفاعها بكونها كلام الله تعالى، وتطلق على المنزلة الرفيعة كما في قول النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سورة | ترى كل ملك حولها يتذبذب |
﴿ والفاتحة ﴾ في الأصل صفة جعلت إما لأول الشيء لكونه واسطة في فتح الكل والتاء للنقل أو المبالغة، ولا اختصاص لها بزنة علامة أو مصدر أطلقت على الأول( ٥ ) تسمية للمفعول بالمصدر إشعارا بإصالته كأنه نفس الفتح إذ تعلقه به أولا، ثم بواسطته يتعلق بالمجموع ؛ لكونه جزءا منه، وكذا يقال في الخاتمة، فإن بلوغ الآخر يعرض الآخر أولا والكل بواسطته، وليس هذا كالأول لقلة فاعلة في المصادر إلا أنه أولى من كونه للآلة أو باعثا لأن هذه ملتبسة بالفعل ومقارنة له والغالب أن لا تتصف الآلة ولا يقارن الباعث، على أن الآلة هنا غير مناسبة لإيهام أن يكون البعض غير مقصود وجوزوا أن يكون للنسبة، أي ذات فتح مع وجود أخر مرجوحة.
﴿ والكتاب ﴾ هو المجموع الشخصي وفتح الفاتحة بالقياس إليه لا إلى القدر المشترك بينه وبين أجزائه، وهو متحقق في العلم أو اللوح أو بيت العزة، فلا ضير في اشتهار السورة بهذا الاسم في الأوائل والإضافة الأولى من إضافة الاسم إلى المسمى، وهي مشهورة والثانية بمعنى اللام كما في جزء الشيء لا بمعنى من كما في : خاتم فضة ؛ لأن المضاف جزئي، قاله شيخ الإسلام( ٦ ). وهو مذهب بعض في كل. وقال ابن كيسان والسيرافي وجمع : إضافة الجزء على معنى ﴿ من ﴾ التبعيضية، بل في اللمع وشرحه : إن من المقدرة في الإضافة مطلقا كذلك من غير فرق بين الجزء والجزئي، وبعضهم جعل الإضافة في الجزئي بيانية مطلقا وبعضهم خصها بالعموم والخصوص الوجهي كما في المثال، وجعلها في المطلق كمدينة بغداد لامية والشهرة لا تساعده.
ولهذه السورة الكريمة أسماء أوصلها البعض إلى نيف وعشرين ﴿ أحدها ﴾ فاتحة الكتاب ؛ لأنها مبدؤه على الترتيب المعهود لا لأنها يفتتح بها في التعليم وفي القراءة في الصلاة كما زعمه الإمام السيوطي، ولا لأنها أول سورة نزلت كما قيل، أما الأول والثالث فلأن المبدئية من حيث التعليم أو النزول تستدعي مراعاة الترتيب في بقية أجزاء الكتاب من تينك الحيثيتين، ولا ريب في أن الترتيب التعليمي والنزولي ليسا كالترتيب المعهود، وأما الثاني فلما عرفت أن ليس المراد بالكتاب القدر المشترك الصادق على ما يقرأ في الصلاة حتى يعتبر في التسمية مبدئيتها له وحكى المرسي : أنها سميت بذلك لأنها أول سورة كتبت في اللوح( ٧ ) ويحتاج إلى نقل وإن صححنا أن ترتيب القرآن الذي في مصاحفنا كما في اللوح، فلربما كتب التالي ثم كتب المتلو وغلبة الظن أمر آخر.
وثانيهما : فاتحة القرآن لما قدمنا حذو القذة بالقذة.
وثالثها ورابعها : أم الكتاب وأم القرآن، وحديث( ٨ ) لا يقولن أحدكم أم الكتاب وليقل فاتحة الكتاب لا أصل له بل قد ثبت في الصحاح( ٩ ) تسميتها به كما لا يخفى على المتتبع، وسميت بذلك لأن الابتداء كتابة أو تلاوة أو نزولا على قول أو صلاة بها وما بعدها تال لها، فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها، ويقال أيضا للراية أم لتقدمها وإتباع الجيش لها، ومنه أم القرى أو لاشتمالها كما قال العلامة على مقاصد المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعيد، أما الثناء فظاهر وأما التعبد فإما من الحمد لله لأنه للتعليم فيقدر أمر يفيده والأمر الإيجابي يلزمه النهي عن الضد في الجملة، ولا نرى( ١٠ ) فيه بأسا، أو من اهدنا الصراط المستقيم، إن أريد به ملة الإسلام، أو من تقدير : قولوا بسم الله ومن تأخير متعلقه، وإما من إياك نعبد فإنه إخبار عن تخصيصه بالعبادة وهي التحقق بالعبودية بارتسام ما أمر السيد أو نهى، فيدل في الجملة على أنهم متعبدون، ولا يرد على المعتزلة عدم سبق أمر ونهي أصلا ويجاب عندنا بعد تسليم العدم للأولية بأن رأس العبادة التوحيد وفي الصدر ما يرشد إليه( ١١ ) لاسيما وقد سبق تكليفه صلى الله تعالى عليه وسلم بالتوحيد وتبليغ السورة وذلك يكفي، وأما الوعد والوعيد فمن قوله تعالى ﴿ أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ﴾أو من يوم الدين أي الجزاء والمجزي، أما ما يسر أو ما يضر وهما الثواب والعقاب، وإنما كانت المقاصد هذه ؛ لأن بعثة الرسل وإنزال الكتب رحمة للعباد وإرشادا إلى ما يصلحهم معاشا ومعادا، وذلك بمعرفة من يقدر على إيصال النعم إيجادا وإمدادا ثم التوصل إليه بما يربط العتيد ويجلب المزيد عملا و اعتقادا والتنصل عما يفضي به إلى رجع المحصل ومنع المستحصل قلوبا وأجسادا، والثناء فرع معرفة المثنى عليه مع الاستحقاق وتدخل المعرفة بصفات الجلال والجمال، ومنها ما منه( ١٢ ) الإرسال والإنزال والتفاوت بين المطيع والمذنب فدخل الإيمان بالله تعالى وصفاته والنبوات والمعاد على الإجمال، والتعبد يتمكن به من التوصل والتنصل ويدخل فيه من وجه الإيمان بالنبوات وما يتعلق بها من الكتاب والملائكة إذ الأمر والنهي فرع ثبوت ذلك في الجملة والوعد والوعيد يتضمنان الإيمان بالمعاد ويبعثان على التعبد والناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة، والأكثرون بعثتهم الرغبة والرهبة، وأوسطهم الرجاء والخوف، والخواص --وقليل ما هم- الأنس والهيبة، فبالثلاثة تم الإرشاد إلى مصالح المعاش والمعاد، ولا أحصر لك وجه الحصر بهذا فلمسلك الذهن اتساع، ولك أن ترد الثلاثة إلى اثنين فتدرج الثناء في التعبد ؛ إذ لا حكم للعقل ولعله إنما جعله قسيما له تلميحا إلى أن شكر المنعم واجب عقلا مراعاة لمذهب الاعتزال، ولم يبال البيضاوي بذلك فعبر بما عبر به من المقال، أو لاشتمالها على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم والإطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء والأول مستفاد من أول السورة إلى قوله ﴿ يوم الدين ﴾ والثاني من قوله ﴿ إياك ﴾ نعبد وما بعده سلوك الصراط المستقيم من قوله ﴿ اهدنا ﴾ الآية والإطلاع من قوله ﴿ أنعمت عليهم ﴾ إلخ وفيه وعد ووعيد فدخلا فيه والأمثال والقصص المقصود بها الاتعاظ وكذا الدعاء والثناء، وهذه جملة المعاني القرآنية إجمالا مطابقة والتزاما وأبسط من هذا أن يقال : إنها مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين ﴿ الأول ﴾ علم الأصول ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاته، وإليها الإشارة بقوله ﴿ رب العالمين الرحمن الرحيم ﴾ ومعرفة النبوات، وهي المرادة بقوله تعالى ﴿ أنعمت عليهم ﴾ والمعاد المومى إليه بقوله تعالى ﴿ مالك يوم الدين ﴾.
﴿ الثاني ﴾ علم الفروع وأسه العبادات وهو المراد بقوله ﴿ إياك نعبد ﴾ وهي بدنية ومالية وهما مفتقران إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات ولا بد لها من الحكومات فتمهدت الفروع على الأصول ﴿ الثالث ﴾ علم ما به يحصل الكمال، وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والسلوك لطريقة الاستقامة في منازل هاتيك الرتب العلية وإليه الإشارة بقوله ﴿ إياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم ﴾ ﴿ الرابع ﴾ علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة السعداء والأشقياء وما يتصل بها من الوعد والوعيد وهو المراد بقوله تعالى ﴿ أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾، وإذا انبسط ذهنك أتيت بأبسط من ذلك، وهذان الوجهان يستدعيان حمل الكتاب على المعاني أو تقديرها في التركيب الإضافي، والوجه الأول لا يقتضيه ومن هذا رجحه البعض وإن كان أدق وأحلى لا لأنه يشكل عليهما ما ورد من أن الفاتحة تعدل ثلثي القرآن ؛ إذ يزيله إذا ثبت أن الإجمال لا يساوي التفصيل، فزيادة مبانيه منزلة منزلة ثلث آخر من الثواب قاله الشهاب. ثم قال : ومن العجب ما قيل هنا من أن ذلك لاشتمالها على دلالة التضمن و الالتزام، وهما ثلثا الدلالات انتهى.
وأنا أقول : الأعجب من هذا توجيهه رحمه الله مع ما رواه الديلمي في الفردوس عن أبي الدرداء، فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن، ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات، فإنه لا يتبادر منه إلا الفضل في الثواب فيعارض ظاهره ذلك الخبر على توجيهه وعلى توجيه صاحب القيل لا تعارض. نعم إنه بعيد، ويمكن التوفيق بين الخبرين وبه يزول الإشكال بأن الأول كان أولا، وتضاعف الثواب ثانيا، ولا حجر على الرحمة الواسعة، أو بأن اختلاف المقال لاختلاف الحال، أو بأن م
١ فقد روينا عن أبي ميسرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع مناديا يناديه يا محمد فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، قال: فلما برز سمع النداء يا محمد، قال: لبيك قال قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) حتى فرغ من فاتحة القرآن، ولولا صحة الأخبار على غير هذا النحو كان هذا الخبر أقوى دليل على مكيتها فافهم اهـ..
٢ ويلزم منه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بضع عشرة سنة بلا فاتحة وهي خاتمة في البعد اهـ منه..
٣ فقد روينا عن أبي هريرة قال "إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن فقال والذي نفسي بيده ما أنزل الله التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها إنها لهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته اهـ منه..
٤ ومنه السوار لإحاطته بالساعد اهـ منه..
٥ المراد بالأول ما يعم الإضافي فلا حاجة إلى الاعتذار بأن إطلاق الفاتحة على السورة باعتبار جزئها الأول اهـ منه..
٦ هو أبو السعود صاحب التفسير اهـ منه..
٧ وقيل في التعليل لأنها فاتحة كل كتاب، ورد بأن ذلك الحمد لا الكل وبأن الظاهر أن المراد بالكتاب القرآن لا جنسه اهـ منه..
٨ وبه أخذ الحسن البصري اهـ منه..
٩ أخرج الدار قطني وصححه من حديث أبي هريرة مرفوعا "إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني" اهـ منه..
١٠ أي معاشر أهل السنة أما المعتزلة فليس الأمر بالشيء نهيا عن ضده عندهم فحينئذ لا يتأتى ذلك اهـ منه..
١١ وهو أجراء الأوصاف وقد يوجد منه التعبد ابتداء اهـ منه..
١٢ كالقدرة والرحمة والحكمة اهـ..
٢ ويلزم منه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بضع عشرة سنة بلا فاتحة وهي خاتمة في البعد اهـ منه..
٣ فقد روينا عن أبي هريرة قال "إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن فقال والذي نفسي بيده ما أنزل الله التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها إنها لهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته اهـ منه..
٤ ومنه السوار لإحاطته بالساعد اهـ منه..
٥ المراد بالأول ما يعم الإضافي فلا حاجة إلى الاعتذار بأن إطلاق الفاتحة على السورة باعتبار جزئها الأول اهـ منه..
٦ هو أبو السعود صاحب التفسير اهـ منه..
٧ وقيل في التعليل لأنها فاتحة كل كتاب، ورد بأن ذلك الحمد لا الكل وبأن الظاهر أن المراد بالكتاب القرآن لا جنسه اهـ منه..
٨ وبه أخذ الحسن البصري اهـ منه..
٩ أخرج الدار قطني وصححه من حديث أبي هريرة مرفوعا "إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني" اهـ منه..
١٠ أي معاشر أهل السنة أما المعتزلة فليس الأمر بالشيء نهيا عن ضده عندهم فحينئذ لا يتأتى ذلك اهـ منه..
١١ وهو أجراء الأوصاف وقد يوجد منه التعبد ابتداء اهـ منه..
١٢ كالقدرة والرحمة والحكمة اهـ..
سور البناء وهي المنزلة أو سور المدينة لإحاطتها (١) بآياتها، أو من التسور وهو العلو والارتفاع لارتفاعها بكونها كلام الله تعالى وتطلق على المنزلة الرفيعة كما في قول النابغة:
وحدها قرآن يشتمل على ذي فاتحة وخاتمة. وقيل طائفة أي قطعة مستقلة لتخرج آية الكرسي مترجمة توقيفا وقد ثبتت أسماء الجميع بالأحاديث والآثار فمن قال بكراهة أن يقال سورة كذا بل سورة يذكر فيها كذا بناء على ما روي عن أنس وابن عمر من النهي عن ذلك لا يعتد به إذ حديث أنس ضعيف أو موضوع وحديث ابن عمر موقوف عليه وإن روي عنه بسند صحيح «والفاتحة» في الأصل صفة جعلت اسما لأول الشيء لكونه واسطة في فتح الكل والتاء للنقل أو المبالغة ولا اختصاص لها بزنة علامة أو مصدر أطلقت على الأول (٢) تسمية للمفعول بالمصدر إشعارا بأصالته كأنه نفس الفتح إذ تعلقه به أولا ثم بواسطته يتعلق بالمجموع لكونه جزءا منه، وكذا يقال في الخاتمة فإن بلوغ الآخر يعرض الآخر أولا والكل بواسطته وليس هذا كالأول لقلة فاعلة في المصادر إلا أنه أولى من كونه للآلة أو باعثا لأن هذه ملتبسة بالفعل ومقارنة له، والغالب أن لا تتصف الآلة ولا يقارن الباعث على أن الآلة هنا غير مناسبة لإيهام أن يكون البعض غير مقصود وجوزوا أن يكون للنسبة أي ذات فتح مع وجوه أخر مرجوحة «والكتاب» هو المجموع الشخصي وفتح الفاتحة بالقياس إليه لا إلى القدر المشترك بينه وبين أجزائه وهو متحقق في العلم أو اللوح أو بيت العزة فلا ضير في اشتهار السورة بهذا الاسم في الأوائل، والإضافة الأولى من إضافة الاسم إلى المسمى وهي مشهورة، والثانية بمعنى اللام كما في جزء الشيء لا بمعنى من كما في خاتم فضة لأن المضاف جزء لا جزئي قاله شيخ الإسلام (٣) وهو مذهب بعض في كل، وقال ابن كيسان والسيرافي وجمع إضافة الجزء على معنى «من» التبعيضية بل في اللمع وشرحه إن من المقدرة في الإضافة مطلقا كذلك من غير فرق بين الجزء والجزئي، وبعضهم جعل الإضافة في الجزئي بيانية مطلقا وبعضهم خصها بالعموم والخصوص الوجهي كما في المثال وجعلها في المطلق كمدينة بغداد لامية والشهرة لا تساعده.
ولهذه السورة الكريمة أسماء أوصلها البعض إلى نيف وعشرين «أحدها» فاتحة الكتاب لأنها مبدؤه على الترتيب المعهود لا لأنها يفتتح بها في التعليم وفي القراءة في الصلاة كما زعمه الإمام السيوطي ولا لأنها أول سورة نزلت كما قيل. أما الأول والثالث فلأن المبدئية من حيث التعليم أو النزول تستدعي مراعاة الترتيب في بقية أجزاء الكتاب من
ألم تر أن الله أعطاك سورة | ترى كل ملك حولها يتذبذب |
ولهذه السورة الكريمة أسماء أوصلها البعض إلى نيف وعشرين «أحدها» فاتحة الكتاب لأنها مبدؤه على الترتيب المعهود لا لأنها يفتتح بها في التعليم وفي القراءة في الصلاة كما زعمه الإمام السيوطي ولا لأنها أول سورة نزلت كما قيل. أما الأول والثالث فلأن المبدئية من حيث التعليم أو النزول تستدعي مراعاة الترتيب في بقية أجزاء الكتاب من
(١) ومنه السوار لإحاطته بالساعد اهـ منه. [.....]
(٢) المراد بالأول ما يعم الاضافي فلا حاجة إلى الاعتذار بأن اطلاق الفاتحة على السورة باعتبار جزئها الأول اهـ منه.
(٣) هو ابو السعود صاحب التفسير اهـ منه.
(٢) المراد بالأول ما يعم الاضافي فلا حاجة إلى الاعتذار بأن اطلاق الفاتحة على السورة باعتبار جزئها الأول اهـ منه.
(٣) هو ابو السعود صاحب التفسير اهـ منه.
36
تينك الحيثيتين ولا ريب في أن الترتيب التعليمي والنزولي ليسا كالترتيب المعهود، وأما الثاني فلما عرفت أن ليس المراد بالكتاب القدر المشترك الصادق على ما يقرأ في الصلاة حتى يعتبر في التسمية مبدئيتها له. وحكى المرسي أنها سميت بذلك لأنها أول سورة كتبت في اللوح (١) ويحتاج إلى نقل وإن صححنا أن ترتيب القرآن الذي في مصاحفنا كما في اللوح فلربما كتب التالي ثم كتب المتلو وغلبة الظن أمر آخر «وثانيها» فاتحة القرآن لما قدمنا حذو القذة بالقذة «وثالثها ورابعها» أم الكتاب وأم القرآن
وحديث (٢)
«لا يقولن أحد كم أم الكتاب وليقل فاتحة الكتاب»
لا أصل له بل قد ثبت في الصحاح (٣) تسميتها به كما لا يخفى على المتتبع، وسميت بذلك لأن الابتداء كتابة أو تلاوة أو نزولا على قول أو صلاة بها وما بعدها تال لها فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها، ويقال أيضا للراية أم لتقدمها واتباع الجيش لها ومنه أم القرى أو لاشتمالها- كما قال العلامة- على مقاصد المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعد والوعيد، أما الثناء فظاهر، وأما التعبد فأما من الحمد لله لأنه للتعليم فيقدر أمر يفيده والأمر الإيجابي يلزمه النهي عن الضد في الجملة ولا نرى (٤) فيه بأسا أو من اهدنا الصراط المستقيم إن أريد به ملة الإسلام أو من تقدير قولوا بسم الله ومن تأخير متعلقه، وإما من إياك نعبد فإنه إخبار عن تخصيصه بالعبادة وهي التحقق بالعبودية بارتسام ما أمر السيد أو نهى فيدل في الجملة على أنهم متعبدون، ولا يرد على المعتزلة عدم سبق أمر ونهي أصلا، ويجاب عندنا بعد تسليم العدم للأولية بأن رأس العبادة التوحيد وفي الصدر ما يرشد إليه (٥) لا سيما وقد سبق تكليفه صلّى الله تعالى عليه وسلم بالتوحيد وتبليغ السورة وذلك يكفي، وأما الوعد والوعيد فمن قوله تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ أو من يوم الدين أي الجزاء، والمجزي أما ما يسر أو ما يضر وهما الثواب والعقاب وإنما كانت المقاصد هذه لأن بعثة الرسل وإنزال الكتب رحمة للعباد وإرشادا إلى ما يصلحهم معاشا ومعادا وذلك بمعرفة من يقدر على إيصال النعم إيجادا وإمدادا، ثم التوصل إليه بما يربط العتيد، ويجلب المزيد عملا واعتقادا والتنصل عما يفضي به إلى رجع المحصل ومنع المستحصل قلوبا وأجسادا والثناء فرع معرفة المثني عليه مع الاستحقاق وتدخل المعرفة بصفات الجلال والجمال، ومنها ما منه (٦) الإرسال والإنزال والتفاوت بين المطيع والمذنب فدخل الإيمان بالله تعالى وصفاته والنبوات والمعاد على الإجمال، والتعبد يتمكن به من التوصل والتنصل ويدخل فيه من وجه الإيمان بالنبوات وما يتعلق بها من الكتاب والملائكة إذ الأمر والنهي فرع ثبوت ذلك في الجملة، والوعد والوعيد يتضمنان الإيمان بالمعاد، ويبعثان على التعبد، والناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة والأكثرون بعثتهم الرغبة والرهبة، وأوسطهم الرجاء والخوف. والخواص- وقليل ما هم- الأنس والهيبة فبالثلاثة تم الإرشاد إلى مصالح المعاش والمعاد ولا أحصر لك وجه الحصر بهذا فلمسلك الذهن اتساع ولك أن ترد الثلاثة إلى اثنين فتدرج الثناء في التعبد إذ لا حكم للعقل ولعله إنما جعله قسيما له تلميحا إلى أن شكر المنعم واجب عقلا مراعاة لمذهب الاعتزال ولم يبال البيضاوي
وحديث (٢)
«لا يقولن أحد كم أم الكتاب وليقل فاتحة الكتاب»
لا أصل له بل قد ثبت في الصحاح (٣) تسميتها به كما لا يخفى على المتتبع، وسميت بذلك لأن الابتداء كتابة أو تلاوة أو نزولا على قول أو صلاة بها وما بعدها تال لها فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها، ويقال أيضا للراية أم لتقدمها واتباع الجيش لها ومنه أم القرى أو لاشتمالها- كما قال العلامة- على مقاصد المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعد والوعيد، أما الثناء فظاهر، وأما التعبد فأما من الحمد لله لأنه للتعليم فيقدر أمر يفيده والأمر الإيجابي يلزمه النهي عن الضد في الجملة ولا نرى (٤) فيه بأسا أو من اهدنا الصراط المستقيم إن أريد به ملة الإسلام أو من تقدير قولوا بسم الله ومن تأخير متعلقه، وإما من إياك نعبد فإنه إخبار عن تخصيصه بالعبادة وهي التحقق بالعبودية بارتسام ما أمر السيد أو نهى فيدل في الجملة على أنهم متعبدون، ولا يرد على المعتزلة عدم سبق أمر ونهي أصلا، ويجاب عندنا بعد تسليم العدم للأولية بأن رأس العبادة التوحيد وفي الصدر ما يرشد إليه (٥) لا سيما وقد سبق تكليفه صلّى الله تعالى عليه وسلم بالتوحيد وتبليغ السورة وذلك يكفي، وأما الوعد والوعيد فمن قوله تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ أو من يوم الدين أي الجزاء، والمجزي أما ما يسر أو ما يضر وهما الثواب والعقاب وإنما كانت المقاصد هذه لأن بعثة الرسل وإنزال الكتب رحمة للعباد وإرشادا إلى ما يصلحهم معاشا ومعادا وذلك بمعرفة من يقدر على إيصال النعم إيجادا وإمدادا، ثم التوصل إليه بما يربط العتيد، ويجلب المزيد عملا واعتقادا والتنصل عما يفضي به إلى رجع المحصل ومنع المستحصل قلوبا وأجسادا والثناء فرع معرفة المثني عليه مع الاستحقاق وتدخل المعرفة بصفات الجلال والجمال، ومنها ما منه (٦) الإرسال والإنزال والتفاوت بين المطيع والمذنب فدخل الإيمان بالله تعالى وصفاته والنبوات والمعاد على الإجمال، والتعبد يتمكن به من التوصل والتنصل ويدخل فيه من وجه الإيمان بالنبوات وما يتعلق بها من الكتاب والملائكة إذ الأمر والنهي فرع ثبوت ذلك في الجملة، والوعد والوعيد يتضمنان الإيمان بالمعاد، ويبعثان على التعبد، والناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة والأكثرون بعثتهم الرغبة والرهبة، وأوسطهم الرجاء والخوف. والخواص- وقليل ما هم- الأنس والهيبة فبالثلاثة تم الإرشاد إلى مصالح المعاش والمعاد ولا أحصر لك وجه الحصر بهذا فلمسلك الذهن اتساع ولك أن ترد الثلاثة إلى اثنين فتدرج الثناء في التعبد إذ لا حكم للعقل ولعله إنما جعله قسيما له تلميحا إلى أن شكر المنعم واجب عقلا مراعاة لمذهب الاعتزال ولم يبال البيضاوي
(١) وقيل في التعليل لأنها فاتحة كل كتاب ورد بأن ذلك الحمد لا الكل وبأن الظاهر أن المراد بالكتاب القرآن لا جنسه اهـ منه.
(٢) وبه أخذ الحسن البصري اهـ منه.
(٣) أخرج الدارقطني وصححه من
حديث أبي هريرة مرفوعا «إذ قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني»
اهـ منه.
(٤) أي معاشر أهل السنة أما المعتزلة فليس الأمر بالشيء نهيا عن ضده عندهم فحينئذ لا يتأتى ذلك اهـ منه.
(٥) وهو إجراء الأوصاف وقد يوجد منه التعبد ابتداء اهـ منه.
(٦) كالقدرة والرحمة والحكمة اهـ.
(٢) وبه أخذ الحسن البصري اهـ منه.
(٣) أخرج الدارقطني وصححه من
حديث أبي هريرة مرفوعا «إذ قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني»
اهـ منه.
(٤) أي معاشر أهل السنة أما المعتزلة فليس الأمر بالشيء نهيا عن ضده عندهم فحينئذ لا يتأتى ذلك اهـ منه.
(٥) وهو إجراء الأوصاف وقد يوجد منه التعبد ابتداء اهـ منه.
(٦) كالقدرة والرحمة والحكمة اهـ.
37
بذلك فعبر بما عبر به من المقال. أو لاشتمالها على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء، والأول مستفاد من أول السورة إلى قوله يَوْمِ الدِّينِ والثاني من قوله إِيَّاكَ نعبد وما بعده وسلوك الصراط المستقيم من قوله اهْدِنَا الآية والاطلاع من قوله أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ إلخ وفيه وعد ووعيد فدخلا فيه والأمثال والقصص المقصود بها الاتعاظ وكذا الدعاء والثناء، وهذه جملة المعاني القرآنية إجمالا مطابقة والتزاما وأبسط من هذا أن يقال: إنها مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين «الأول» علم الأصول ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاته وإليها الإشارة بقوله رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ومعرفة النبوات وهي المرادة بقوله تعالى أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ والمعاد المؤمى إليه بقوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «الثاني» علم الفروع وأسه العبادات وهو المراد بقوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وهي بدنية ومالية وهما مفتقران إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات ولا بد لها من الحكومات فتمهدت الفروع على الأصول.
«الثالث» علم ما به يحصل الكمال وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والسلوك لطريقة الاستقامة في منازل هاتيك الرتب العلية وإليه الإشارة بقوله إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «الرابع» علم القصص والإخبار عن الأمم السالفة السعداء والأشقياء وما يتصل بها من الوعد والوعيد وهو المراد بقوله تعالى أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ وإذا انبسط ذهنك أتيت بأبسط من ذلك، وهذان الوجهان يستدعيان حمل الكتاب على المعاني أو تقديرها في التركيب الإضافي، والوجه الأول لا يقتضيه ومن هذا رجحه البعض وإن كان أدق وأحلى لا لأنه يشكل عليهما ما
ورد من أن الفاتحة تعدل ثلثي القرآن
إذ يزيله إذا ثبت أن الإجمال لا يساوي التفصيل فزيادة مبانيه منزلة منزلة ثلث آخر من الثواب قاله الشهاب ثم قال: ومن العجب ما قيل هنا من أن ذلك لاشتمالها على دلالة التضمن والالتزام وهما ثلثا الدلالات انتهى. وأنا أقول الأعجب من هذا توجيهه رحمه الله مع ما رواه الديلمي في الفردوس عن أبي الدرداء فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزىء شيء من القرآن ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات فإنه لا يتبادر منه إلا الفضل في الثواب فيعارض ظاهره ذلك الخبر على توجيهه وعلى توجيه صاحب القيل لا تعارض. نعم إنه بعيد ويمكن التوفيق بين الخبرين وبه يزول الإشكال بأن الأول كان أولا وتضاعف الثواب ثانيا ولا حجر على الرحمة الواسعة أو بأن اختلاف المقال لاختلاف الحال أو بأن ما يعدل الشيء كله يعدل ثلثيه أو بأن القرآن في أحد الخبرين أو فيهما بمعنى الصلاة مثله في قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء: ٧٨] وذلك يختلف باختلاف مراتب الناس في قراءتهم وصلواتهم فليتدبر، وعلى العلات لا يقاسان بما قيل في وجه التسمية بذلك لأنها أفضل السور أو لأن حرمتها كحرمة القرآن كله أو لأن مفزع أهل الإيمان إليها أو لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب ولا أعترض على البعض بعدم الاطراد لأن وجه التسمية لا يجب اطراده ولكني أفوض الأمر إليك وسلام الله تعالى عليك «لا يقال» إذا كانت الفاتحة جامعة لمعاني الكتاب فلم سقط منها سبعة أحرف الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء؟
لأنا نقول لعل ذلك للإشارة إلى أن الكمال المعنوي لا يلزمه الكمال الصوري ولا ينقصه نقصانه إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وكانت سبعة موافقة لعدد الآي المشتمل على الكثير من الأسرار وكانت من الحروف الظلمانية التي لم توجد في المتشابه من أوائل السور ويجمعها بعد إسقاط المكرر- صراط على حق نمسكه- وهي النورانية المشتملة عليها بأسرها الفاتحة للإشارة إلى غلبة الجمال على الجلال المشعر بها تكرر ما يدل على الرحمة في الفاتحة وإنما لم يسقط السبعة الباقية من هذا النوع فتخلص النورانية ليعلم أن الأمر مشوب فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ
«الثالث» علم ما به يحصل الكمال وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والسلوك لطريقة الاستقامة في منازل هاتيك الرتب العلية وإليه الإشارة بقوله إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «الرابع» علم القصص والإخبار عن الأمم السالفة السعداء والأشقياء وما يتصل بها من الوعد والوعيد وهو المراد بقوله تعالى أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ وإذا انبسط ذهنك أتيت بأبسط من ذلك، وهذان الوجهان يستدعيان حمل الكتاب على المعاني أو تقديرها في التركيب الإضافي، والوجه الأول لا يقتضيه ومن هذا رجحه البعض وإن كان أدق وأحلى لا لأنه يشكل عليهما ما
ورد من أن الفاتحة تعدل ثلثي القرآن
إذ يزيله إذا ثبت أن الإجمال لا يساوي التفصيل فزيادة مبانيه منزلة منزلة ثلث آخر من الثواب قاله الشهاب ثم قال: ومن العجب ما قيل هنا من أن ذلك لاشتمالها على دلالة التضمن والالتزام وهما ثلثا الدلالات انتهى. وأنا أقول الأعجب من هذا توجيهه رحمه الله مع ما رواه الديلمي في الفردوس عن أبي الدرداء فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزىء شيء من القرآن ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات فإنه لا يتبادر منه إلا الفضل في الثواب فيعارض ظاهره ذلك الخبر على توجيهه وعلى توجيه صاحب القيل لا تعارض. نعم إنه بعيد ويمكن التوفيق بين الخبرين وبه يزول الإشكال بأن الأول كان أولا وتضاعف الثواب ثانيا ولا حجر على الرحمة الواسعة أو بأن اختلاف المقال لاختلاف الحال أو بأن ما يعدل الشيء كله يعدل ثلثيه أو بأن القرآن في أحد الخبرين أو فيهما بمعنى الصلاة مثله في قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء: ٧٨] وذلك يختلف باختلاف مراتب الناس في قراءتهم وصلواتهم فليتدبر، وعلى العلات لا يقاسان بما قيل في وجه التسمية بذلك لأنها أفضل السور أو لأن حرمتها كحرمة القرآن كله أو لأن مفزع أهل الإيمان إليها أو لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب ولا أعترض على البعض بعدم الاطراد لأن وجه التسمية لا يجب اطراده ولكني أفوض الأمر إليك وسلام الله تعالى عليك «لا يقال» إذا كانت الفاتحة جامعة لمعاني الكتاب فلم سقط منها سبعة أحرف الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء؟
لأنا نقول لعل ذلك للإشارة إلى أن الكمال المعنوي لا يلزمه الكمال الصوري ولا ينقصه نقصانه إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وكانت سبعة موافقة لعدد الآي المشتمل على الكثير من الأسرار وكانت من الحروف الظلمانية التي لم توجد في المتشابه من أوائل السور ويجمعها بعد إسقاط المكرر- صراط على حق نمسكه- وهي النورانية المشتملة عليها بأسرها الفاتحة للإشارة إلى غلبة الجمال على الجلال المشعر بها تكرر ما يدل على الرحمة في الفاتحة وإنما لم يسقط السبعة الباقية من هذا النوع فتخلص النورانية ليعلم أن الأمر مشوب فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ
38
[الأعراف: ٩٩] وفي قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [الحجر: ٤٩] إشارة وأي إشارة إلى ذلك لمن تأمل حال الجملتين على أن في كون النورانية- وهي أربعة عشر حرفا- مذكورة بتمامها والظلمانية مذكورة منها سبعة وإذا طوبقت الآحاد بالآحاد يحصل نوراني معه ظلماني ونوراني خالص إشارة إلى قسمي المؤمنين فمؤمن لم تشب نور إيمانه ظلمة معاصيه ومؤمن قد شابه ذلك، وفيه رمز إلى أنه لا منافاة بين الإيمان والمعصية فلا تطفئ ظلمتها نوره
«ولا يزني الزاني وهو مؤمن»
محمول على الكمال وليس البحث لهذا وإذا لوحظ الساقط وهو الظلماني المحض المشير إلى الظالم المحض الساقط عن درجة الاعتبار والمذكور وهو النوراني المحض المشير إلى المؤمن المحض والنوراني المشوب المشير إلى المؤمن المشوب يظهر سر التثليث في فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: ٣٢] وإنما كان الساقط هذه السبعة بخصوصها من تلك الأربعة عشر ولم يعكس فيسقط المثبت ويثبت الساقط أو يسقط سبعة تؤخذ من هذا وهذا لسر علمه من علمه وجهله من جهله، نعم في كون الساقط معجما فقط إشارة إلى أن الغين في العين، والرين في البين، فلهذا وقع الحجاب، وحصل الارتياب، وهذا ما يلوح لأمثالنا من أسرار كتاب الله تعالى وأين هو مما يظهر للعارفين الغارفين من بحاره، المتضلعين من ماء زمزم أسراره (١).
ولمولانا العلامة فخر الدين الرازي في هذا المقام كلام ليس له في التحقيق أدنى إلمام حيث جعل سبب إسقاط هذه الحروف أنها مشعرة بالعذاب فالثاء تدل على الثبور والجيم أول حرف من جهنم والخاء يشعر بالخزي والزاي والشين من الزفير والشهيق، وأيضا الزاي تدل على الزقوم والشين تدل على الشقاء والظاء أول الظل في قوله تعالى: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات: ٣٠]، وأيضا تدل على لظى والفاء على الفراق، ثم قال فإن قالوا: لا حرف من الحروف إلا وهو مذكور في اسم شيء يوجب نوعا من العذاب فلا يبقى لما ذكرتم فائدة فتقول الفائدة فيه أنه قال في صفة جهنم لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر: ٤٤] ثم إنه تعالى أسقط سبعة من الحروف من هذه السورة وهي أوائل ألفاظ دالة على العذاب تنبيها على أن من قرأ هذه السورة وآمن بها وعرف حقائقها صار آمنا من الدركات السبع في جهنم انتهى، ولا يخفى ما فيه وجوابه لا ينفعه ولا يغنيه إذ لقائل أن يقول فلتسقط الذال والواو، والنون والحاء والعين والميم والغين إذ الواو من الويل والذال من الذلة والنون من النار والحاء من الحميم والعين من العذاب والميم من المهاد والغين من الغواشي والآيات ظاهرة والكل في أهل النار وتكون الفائدة في إسقاطها كالفائدة في إسقاط تلك من غير فرق أصلا على أن في كلامه رحمه الله تعالى غير ذلك بل ومع تسليم
«ولا يزني الزاني وهو مؤمن»
محمول على الكمال وليس البحث لهذا وإذا لوحظ الساقط وهو الظلماني المحض المشير إلى الظالم المحض الساقط عن درجة الاعتبار والمذكور وهو النوراني المحض المشير إلى المؤمن المحض والنوراني المشوب المشير إلى المؤمن المشوب يظهر سر التثليث في فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: ٣٢] وإنما كان الساقط هذه السبعة بخصوصها من تلك الأربعة عشر ولم يعكس فيسقط المثبت ويثبت الساقط أو يسقط سبعة تؤخذ من هذا وهذا لسر علمه من علمه وجهله من جهله، نعم في كون الساقط معجما فقط إشارة إلى أن الغين في العين، والرين في البين، فلهذا وقع الحجاب، وحصل الارتياب، وهذا ما يلوح لأمثالنا من أسرار كتاب الله تعالى وأين هو مما يظهر للعارفين الغارفين من بحاره، المتضلعين من ماء زمزم أسراره (١).
ولمولانا العلامة فخر الدين الرازي في هذا المقام كلام ليس له في التحقيق أدنى إلمام حيث جعل سبب إسقاط هذه الحروف أنها مشعرة بالعذاب فالثاء تدل على الثبور والجيم أول حرف من جهنم والخاء يشعر بالخزي والزاي والشين من الزفير والشهيق، وأيضا الزاي تدل على الزقوم والشين تدل على الشقاء والظاء أول الظل في قوله تعالى: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات: ٣٠]، وأيضا تدل على لظى والفاء على الفراق، ثم قال فإن قالوا: لا حرف من الحروف إلا وهو مذكور في اسم شيء يوجب نوعا من العذاب فلا يبقى لما ذكرتم فائدة فتقول الفائدة فيه أنه قال في صفة جهنم لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر: ٤٤] ثم إنه تعالى أسقط سبعة من الحروف من هذه السورة وهي أوائل ألفاظ دالة على العذاب تنبيها على أن من قرأ هذه السورة وآمن بها وعرف حقائقها صار آمنا من الدركات السبع في جهنم انتهى، ولا يخفى ما فيه وجوابه لا ينفعه ولا يغنيه إذ لقائل أن يقول فلتسقط الذال والواو، والنون والحاء والعين والميم والغين إذ الواو من الويل والذال من الذلة والنون من النار والحاء من الحميم والعين من العذاب والميم من المهاد والغين من الغواشي والآيات ظاهرة والكل في أهل النار وتكون الفائدة في إسقاطها كالفائدة في إسقاط تلك من غير فرق أصلا على أن في كلامه رحمه الله تعالى غير ذلك بل ومع تسليم
(١) اعلم أن ما ذكره المفسر رحمه الله تعالى ونقله عن بعض مفسري الصوفية في المعاني التي تستنبط من الحروف بطريق الرمز والإشارة لا يدل عليه كتاب ولا سنة صحيحة وليست هذه المعاني من مدلولات الكلمات لغة ولا سياقا ولا يخفى على أهل العلم بالشريعة الاسلامية والسنة النبوية ان مدلولات الكلمات القرآنية، والألفاظ المصطفوية هو ما دل عليه اللفظ لغة منطوقا أو مفهوما أو سياقا حقيقة أو مجازا بحسب القرائن وباعتبار النزول وسببه وما ورد فيه عن الصحابة الأخيار والتابعين الأبرار ونصون كلام صاحب الشريعة عن تأويل أو تصحيف أو تحريف ولو كان قائل ذلك أيّا كان من العلماء ونضرب على يد من يتجرأ على مثل ذلك بسوط من حديد وعلى لسانه بمقارض من نار فإن القرآن أنزل لهداية الأمة وبيان طريق سعادتها دنيا وأخرى والعمل بما دل عليه لفظه المنزل به وقد أخبر الله تعالى أنه أنزل بلسان عربي مبين فلا تغتر بما سطره المفسر هنا أو ما سيأتي من الإشارات إلى مدلولات ما جاء بها اثر عن النبي صلّى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة الذين هم هداة الامة من بعده صلّى الله عليه وسلم وليسعنا ما وسعهم من العلم النافع والعمل المثمر ونسأل الله توفيق الأمة للعمل بما جاء به كتابنا المعصوم وسنة نبينا التي ليلها كنهارها سواء اهـ مصححه منير.
39
سلامته مما قيل أو يقال لا أرتضيه للفخر وهو السيد الذي غدا سعد الملة وحجة الإسلام وناصرا أهله، وأما نسبته لأمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه حين سأل قيصر الروم معاوية عن ذلك فلم يجب فسأل عليا فأجاب فلا أصل له وعلى تقدير التسليم فما مرام الأمير بالاكتفاء على هذا المقدار إلا التنبيه للسائل والمسئول على ما لا يخفى عليك من الأسرار فافهم ذاك والله تعالى يتولى هداك «وخامسها وسادسها وسابعها» الكنز والوافية والكافية لما مر من اشتمالها على الجواهر المكنوزة فتفي وتكفي أو لأنها لا تنصف في الصلاة ولا يكفي فيها غيرها «وثامنها الأساس» لأنها أصل القرآن وأول سورة فيه «وتاسعها وعاشرها والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر» سورة الحمد وسورة الشكر وسورة الدعاء وسورة تعليم المسألة وسورة السؤال لاشتمالها على ذلك، أما اشتمالها على الحمد فظاهر وكذا على الشكر لدى من أنعم الله تعالى عليه بالفهم ويمكن أن يكون الاسمان كأم القرآن وأم الكتاب.
وأما الاشتمال على الثالث فكالاشتمال على الأول بل أظهر، وأما تعليم المسألة فلأنها بدئت بالثناء قبله والخامس كالثالث وهما كذينك الثالث والرابع كما لا يخفى «والرابع عشر والخامس عشر» سورة المناجاة وسورة التفويض لأن العبد يناجي ربه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين» وبالثاني يحصل التفويض «والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر» الرقية والشفاء والشافية والأحاديث الصحيحة مشعرة بذلك «والتاسع عشر» سورة الصلاة لأنها واجبة أو فريضة فيها والاستحباب مذهب بعض المجتهدين ورواية عن البعض في النفل، قيل ومن أسمائها الصلاة
لحديث «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين»
وأراد السورة والمجاز اللغوي لعلاقة الكلية والجزئية أو اللزوم حقيقة أو حكما كالمجاز في الحذف محتمل «والعشرون» النور لظهورها بكثرة استعمالها أو لتنويرها القلوب لجلالة قدرها أو لأنها لما اشتملت عليه من المعاني عبارة عن النور بمعنى القرآن «والحادي والعشرون» القرآن العظيم وهو ظاهر مما قدمناه «والثاني والعشرون» السبع المثاني لأنها سبع آيات (١) باتفاق وما رأينا مشاركا لها سوى أَرَأَيْتَ [الماعون:
١] والقول بأنها ثمان كالقول بأنها تسع شاذ لا يعبأ به أو وهم من الراوي إلا أن منهم من عد التسمية آية دون أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ومنهم من عكس والمدار الرواية فلا يوهن الثاني أن وزان الآية لا يناسب وزان فواصل السور على أن في سورة النصر ما هو من هذا الباب، وتثني وتكرر في كل ركعة وصلاة ذات ركوع أو المراد المتعارف الأغلب من الصلاة فلا ترد الركعة الواحدة ولا صلاة الجنازة على أن في البتيراء اختلافا وصلاة الجنازة دعاء لا صلاة حقيقة وقيل وصفت بذلك لأنها تثنى بسورة أخرى أو لأنها نزلت مرتين أو لأنها على قسمين دعاء وثناء أو لأنها كلما قرأ العبد منها آية ثناه الله تعالى بالأخبار عن فعله كما في الحديث المشهور. وقيل غير ذلك، وهذه الأقوال مبنية على أن تكون المثاني من التثنية ويحتمل أن تكون من الثناء لما فيها من الثناء على الله تعالى أو لما ورد من الثناء على من يتلوها وأن تكون من الثنيا لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة، والحمد لله على هذه النعمة، ثم الحكمة في تسوير القرآن سورا كالكتب خلافا للزركشي أن يكون أنشط للقارىء وأبعث على التحصيل كالمسافر إذا قطع ميلا أو فرسخا نفس ذلك منه ونشط للمسير وإذا أخذ الحافظ السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله تعالى طائفة مستقلة فيعظم عنده ما حفظ، وأيضا الجنس إذا انطوى تحته أنواع وأصناف كان أحسن من أن يكون تحته باب واحد مع أن في ذلك تحقيق كون السورة بمجردها معجزة وآية من آيات الله تعالى والحكمة في كونها طوالا وقصارا أظهر من أن تخفى.
وأما الاشتمال على الثالث فكالاشتمال على الأول بل أظهر، وأما تعليم المسألة فلأنها بدئت بالثناء قبله والخامس كالثالث وهما كذينك الثالث والرابع كما لا يخفى «والرابع عشر والخامس عشر» سورة المناجاة وسورة التفويض لأن العبد يناجي ربه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين» وبالثاني يحصل التفويض «والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر» الرقية والشفاء والشافية والأحاديث الصحيحة مشعرة بذلك «والتاسع عشر» سورة الصلاة لأنها واجبة أو فريضة فيها والاستحباب مذهب بعض المجتهدين ورواية عن البعض في النفل، قيل ومن أسمائها الصلاة
لحديث «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين»
وأراد السورة والمجاز اللغوي لعلاقة الكلية والجزئية أو اللزوم حقيقة أو حكما كالمجاز في الحذف محتمل «والعشرون» النور لظهورها بكثرة استعمالها أو لتنويرها القلوب لجلالة قدرها أو لأنها لما اشتملت عليه من المعاني عبارة عن النور بمعنى القرآن «والحادي والعشرون» القرآن العظيم وهو ظاهر مما قدمناه «والثاني والعشرون» السبع المثاني لأنها سبع آيات (١) باتفاق وما رأينا مشاركا لها سوى أَرَأَيْتَ [الماعون:
١] والقول بأنها ثمان كالقول بأنها تسع شاذ لا يعبأ به أو وهم من الراوي إلا أن منهم من عد التسمية آية دون أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ومنهم من عكس والمدار الرواية فلا يوهن الثاني أن وزان الآية لا يناسب وزان فواصل السور على أن في سورة النصر ما هو من هذا الباب، وتثني وتكرر في كل ركعة وصلاة ذات ركوع أو المراد المتعارف الأغلب من الصلاة فلا ترد الركعة الواحدة ولا صلاة الجنازة على أن في البتيراء اختلافا وصلاة الجنازة دعاء لا صلاة حقيقة وقيل وصفت بذلك لأنها تثنى بسورة أخرى أو لأنها نزلت مرتين أو لأنها على قسمين دعاء وثناء أو لأنها كلما قرأ العبد منها آية ثناه الله تعالى بالأخبار عن فعله كما في الحديث المشهور. وقيل غير ذلك، وهذه الأقوال مبنية على أن تكون المثاني من التثنية ويحتمل أن تكون من الثناء لما فيها من الثناء على الله تعالى أو لما ورد من الثناء على من يتلوها وأن تكون من الثنيا لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة، والحمد لله على هذه النعمة، ثم الحكمة في تسوير القرآن سورا كالكتب خلافا للزركشي أن يكون أنشط للقارىء وأبعث على التحصيل كالمسافر إذا قطع ميلا أو فرسخا نفس ذلك منه ونشط للمسير وإذا أخذ الحافظ السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله تعالى طائفة مستقلة فيعظم عنده ما حفظ، وأيضا الجنس إذا انطوى تحته أنواع وأصناف كان أحسن من أن يكون تحته باب واحد مع أن في ذلك تحقيق كون السورة بمجردها معجزة وآية من آيات الله تعالى والحكمة في كونها طوالا وقصارا أظهر من أن تخفى.
(١) والقول بأنها سبع لأن فيها آداب في كل آية أدب بعيد وأبعد منه أنها سميت السبع لأنها خلت عن سبعة أحرف التاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والهاء والفاء وذلك لأن الشيء على المشهور يسمى بما وجد فيه لا بما فقد منه اهـ.
40
بسم الله الرحمن الرحيم فيها أبحاث «البحث الأول» اختلف العلماء فيها هل هي من خواص هذه الأمة أم لا؟ فنقل العلامة أبو بكر التونسي إجماع علماء كل ملة على أن الله تعالى افتتح كل كتاب بها وروى السيوطي فيما نقله عنه السرميني والعهدة عليه بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة كل كتاب، وذهب هذا الراوي إلى أن البسملة من الخصوصيات لما
روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يكتب (١) باسمك اللهم إلى أن نزل بسم الله مجراها فأمر بكتابة بسم الله حتى نزل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١٠] فأمر بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم إلى أن نزلت آية النمل فأمر بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم،
ولما اشتهر أن معاني الكتب في القرآن ومعانيه في الفاتحة ومعانيها في البسملة ومعاني البسملة في الباء فلو كانت في الكتب القديمة لأمر من أول الأمر بكتابتها ولكانت معاني القرآن في كل كتاب واللازم منتف فكذا الملزوم، وفيه أن الأمر بذلك التفصيل لا يستلزم النفي لاحتمال نفي العلم إذ ذاك ولا ضير وأن المختص بالقرآن اللفظ العربي بهذا الترتيب والكتب السماوية بأسرها خلافا للغيطي غير عربية وما في القرآن منها مترجم فلربما لهذه الألفاظ مدخل في الاشتمال على جميع المعاني فلا تكون في غير القرآن كما توهمه السرميني وإن كان هناك بسملة على أن في أول الدليلين بظاهره دليلا على عدم الخصوصية «البحث الثاني» وهو من أمهات المسائل حتى أفرده جمع (٢) بالتصنيف اختلف الناس في البسملة في غير النمل إذ هي فيها بعض آية بالاتفاق على عشرة أقوال «الأول» أنها ليست آية من السور أصلا «الثاني» أنها آية من جميعها غير براءة «الثالث» أنها آية من الفاتحة دون غيرها «الرابع» أنها بعض آية منها فقط «الخامس» أنها آية فذة أنزلت لبيان رؤوس السور تيمنا للفصل بينها «السادس» أنه يجوز جعلها آية منها وغير آية لتكرر نزولها بالوصفين «السابع» أنها بعض آية من جميع السور «الثامن» أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور «التاسع» عكسه «العاشر» أنها آيات فذة وإن أنزلت مرارا (٣) فابن عباس وابن المبارك وأهل مكة كابن كثير وأهل الكوفة كعاصم والكسائي وغيرهما سوى حمزة (٤) وغالب أصحاب الشافعي والإمامية على الثاني، وقال بعض الشافعية وحمزة ونسب للإمام أحمد بالثالث وأهل المدينة ومنهم مالك، والشام ومنهم الأوزاعي والبصرة ومنهم أبو عمرو ويعقوب على الخامس وهو المشهور من مذهبنا وعلى المرء نصرة مذهبه والذب عنه وذلك بإقامة الحجج
روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يكتب (١) باسمك اللهم إلى أن نزل بسم الله مجراها فأمر بكتابة بسم الله حتى نزل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١٠] فأمر بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم إلى أن نزلت آية النمل فأمر بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم،
ولما اشتهر أن معاني الكتب في القرآن ومعانيه في الفاتحة ومعانيها في البسملة ومعاني البسملة في الباء فلو كانت في الكتب القديمة لأمر من أول الأمر بكتابتها ولكانت معاني القرآن في كل كتاب واللازم منتف فكذا الملزوم، وفيه أن الأمر بذلك التفصيل لا يستلزم النفي لاحتمال نفي العلم إذ ذاك ولا ضير وأن المختص بالقرآن اللفظ العربي بهذا الترتيب والكتب السماوية بأسرها خلافا للغيطي غير عربية وما في القرآن منها مترجم فلربما لهذه الألفاظ مدخل في الاشتمال على جميع المعاني فلا تكون في غير القرآن كما توهمه السرميني وإن كان هناك بسملة على أن في أول الدليلين بظاهره دليلا على عدم الخصوصية «البحث الثاني» وهو من أمهات المسائل حتى أفرده جمع (٢) بالتصنيف اختلف الناس في البسملة في غير النمل إذ هي فيها بعض آية بالاتفاق على عشرة أقوال «الأول» أنها ليست آية من السور أصلا «الثاني» أنها آية من جميعها غير براءة «الثالث» أنها آية من الفاتحة دون غيرها «الرابع» أنها بعض آية منها فقط «الخامس» أنها آية فذة أنزلت لبيان رؤوس السور تيمنا للفصل بينها «السادس» أنه يجوز جعلها آية منها وغير آية لتكرر نزولها بالوصفين «السابع» أنها بعض آية من جميع السور «الثامن» أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور «التاسع» عكسه «العاشر» أنها آيات فذة وإن أنزلت مرارا (٣) فابن عباس وابن المبارك وأهل مكة كابن كثير وأهل الكوفة كعاصم والكسائي وغيرهما سوى حمزة (٤) وغالب أصحاب الشافعي والإمامية على الثاني، وقال بعض الشافعية وحمزة ونسب للإمام أحمد بالثالث وأهل المدينة ومنهم مالك، والشام ومنهم الأوزاعي والبصرة ومنهم أبو عمرو ويعقوب على الخامس وهو المشهور من مذهبنا وعلى المرء نصرة مذهبه والذب عنه وذلك بإقامة الحجج
(١) أي يأمر اهـ منه.
(٢) كالإمام أبي بكر بن خزيمة صاحب الصحيح والحافظ أبي بكر الخطيب وابن عبد الله وغيرهم اهـ منه (وانظر كتاب التوحيد له).
(٣) عبارة الشهاب (العاشر) آية فذة إلخ فليتأمل.
(٤) فيه رد على البيضاوي اهـ. [.....]
(٢) كالإمام أبي بكر بن خزيمة صاحب الصحيح والحافظ أبي بكر الخطيب وابن عبد الله وغيرهم اهـ منه (وانظر كتاب التوحيد له).
(٣) عبارة الشهاب (العاشر) آية فذة إلخ فليتأمل.
(٤) فيه رد على البيضاوي اهـ. [.....]
41
على إثباته وتوهين أدلة نفاته وكنت من قبل أعد السادة الشافعية لي غزية ولا أعد نفسي إلا منها، وقد ملكت فؤادي غرة أقوالهم كما ملكت فؤاد قيس ليلى العامرية فحيث لاحت لا متقدم ولا متأخر لي عنها.
إلى أن كان ما كان فصرت مشغولا بأقوال السادة الحنفية، وأقمت منها برياض شقائق النعمان واستولى عليّ من حبها ما جعلني أترنم بقول القائل:
وقد أطال الفخر في هذا المقام المقال وأورد ست عشرة حجة لإثبات أنها آية من الفاتحة كما هو نص كلامه ولا عبرة بالترجمة فها أنا بتوفيق الله تعالى راده ولا فخر وناصر مذهبي بتأييد الله تعالى ومنه التأييد والنصر (١) فأقول قال «الحجة الأولى»
روى الشافعي عن ابن جريج عن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت: «قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاتحة الكتاب فعد بسم الله الرحمن الرحيم آية الحمد لله رب العالمين آية الرحمن الرحيم آية مالك يوم الدين آية إياك نعبد وإياك نستعين آية اهدنا الصراط المستقيم آية صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية»
وهذا نص صريح «الحجة الثانية»
روى سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن بسم الله الرحمن الرحيم».
«الحجة الثالثة»
روى الثعلبي بإسناده عن أبي بردة عن أبيه قال «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري؟ فقلت بلى قال: بأي شيء تستفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ فقلت بسم الله الرحمن الرحيم قال هي هي»
«الحجة الرابعة»
روى الثعلبي بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال له كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة؟ قال أقول الحمد لله رب العالمين قال قل بسم الله الرحمن الرحيم»
وروى أيضا بإسناده عن أم سلمة «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين»
وروى أيضا بإسناده عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وكان يقول من ترك قراءتها فقد نقص».
وروى أيضا بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: ٨٧] قال فاتحة الكتاب فقيل لابن عباس فأين السابعة فقال بسم الله الرحمن الرحيم
وبإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال «إذا قرأتم أم القرآن فلا تدعوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها إحدى آياتها»
وبإسناده أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم «قال يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى عليّ عبدي فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى فوض إليّ عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
وبإسناده أيضا عن أبي هريرة قال «كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المسجد والنبي يحدث أصحابه إذ دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ ثم قال الحمد لله رب العالمين فسمع النبي صلى الله تعالى عليه
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى | فصادف قلبا خاليا فتمكنا |
محا حبها حب الأولى كنّ قبلها | وحلت مكانا لم يكن حلّ من قبل |
روى الشافعي عن ابن جريج عن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت: «قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاتحة الكتاب فعد بسم الله الرحمن الرحيم آية الحمد لله رب العالمين آية الرحمن الرحيم آية مالك يوم الدين آية إياك نعبد وإياك نستعين آية اهدنا الصراط المستقيم آية صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية»
وهذا نص صريح «الحجة الثانية»
روى سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن بسم الله الرحمن الرحيم».
«الحجة الثالثة»
روى الثعلبي بإسناده عن أبي بردة عن أبيه قال «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري؟ فقلت بلى قال: بأي شيء تستفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ فقلت بسم الله الرحمن الرحيم قال هي هي»
«الحجة الرابعة»
روى الثعلبي بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال له كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة؟ قال أقول الحمد لله رب العالمين قال قل بسم الله الرحمن الرحيم»
وروى أيضا بإسناده عن أم سلمة «أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين»
وروى أيضا بإسناده عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وكان يقول من ترك قراءتها فقد نقص».
وروى أيضا بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: ٨٧] قال فاتحة الكتاب فقيل لابن عباس فأين السابعة فقال بسم الله الرحمن الرحيم
وبإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال «إذا قرأتم أم القرآن فلا تدعوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها إحدى آياتها»
وبإسناده أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم «قال يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى عليّ عبدي فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى فوض إليّ عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
وبإسناده أيضا عن أبي هريرة قال «كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المسجد والنبي يحدث أصحابه إذ دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ ثم قال الحمد لله رب العالمين فسمع النبي صلى الله تعالى عليه
(١) سامح الله المصنف على هذه المقالة التي أضرت بالمسلمين وجعلتهم أحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، ولا يخفى على العاقل فسادها وبطلانها.
42
وسلم ذلك فقال له يا رجل قطعت على نفسك الصلاة أما علمت أن بسم الله الرحمن الرحيم من الحمد فمن تركها فقد ترك آية منها ومن ترك آية منها فقد قطع عليه صلاته فإنه لا صلاة إلا بها فمن ترك آية منها فقد بطلت صلاته»
وبإسناده عن طلحة بن عبيد الله قال «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله».
«الحجة الخامسة» قراءة بسم الله الرحمن الرحيم واجبة في أول الفاتحة وإذا كان كذلك وجب أن تكون آية منها بيان الأول اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] ولا يجوز أن يقال الباء صلة لأن الأصل أن تكون لكل حرف من كلام الله تعالى فائدة وإذا كان الحرف مفيدا كان التقدير اقرأ مفتتحا باسم ربك وظاهر الأمر الوجوب ولم يثبت في غير القراءة للصلاة فوجب إثباته في القراءة فيها صونا للنص عن التعطيل.
«الحجة السادسة» التسمية مكتوبة بخط القرآن وكل ما ليس من القرآن فإنه غير مكتوب بخط القرآن ألا ترى أنهم منعوا كتابة أسامي السور في المصحف ومنعوا من العلامات على الأعشار والأخماس، والغرض من ذلك كله أن يمنعوا أن يختلط بالقرآن ما ليس بقرآن فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كتبوها بخط القرآن.
«الحجة السابعة» أجمع المسلمون على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى والبسملة موجودة بينهما فوجب جعلها منه «الحجة الثامنة» أطبق الأكثرون على أن الفاتحة سبع آيات إلا أن الشافعي قال بسم الله الرحمن الرحيم آية وأبو حنيفة قال: إنها ليست آية لكن صراط الذين أنعمت عليهم آية، وسنبين أن قوله مرجوح ضعيف فحينئذ يبقى أن الآيات لا تكون سبعا إلا بجعل البسملة آية تامة منها «الحجة التاسعة» أن نقول قراءة التسمية قبل الفاتحة واجبة فوجب كونها آية منها، بيان الأول أن أبا حنيفة يسلم أن قراءتها أفضل وإذا كان كذلك فالظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قرأها فوجب أن يجب علينا قراءتها لقوله تعالى: وَاتَّبِعُوهُ [الأعراف: ١٥٨] وإذا ثبت الوجوب ثبت أنها من السورة لأنه لا قائل بالفرق
وقوله عليه الصلاة والسلام: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر»
وأعظم الأعمال بعد الإيمان الصلاة فقراءة الفاتحة بدون قراءتها توجب كون الصلاة عملا أبتر ولفظه يدل على غاية النقصان والخلل بدليل أنه ذكر ذما للكافر الشانئ فوجب أن يقال للصلاة الخالية عنها في غاية النقصان والخلل وكل من أقر بذلك قال بالفساد وهو يدل على أنها من الفاتحة «الحجة العاشرة» ما
روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لأبيّ بن كعب ما أعظم آية في القرآن؟ قال بسم الله الرحمن الرحيم فصدقه النبي في قوله.
وجه الاستدلال أن هذا يدل على أن هذا المقدار آية تامة ومعلوم أنها ليست بتامة في النمل فلا بد أن تكون في غيرها وليس إلا الفاتحة «الحجة الحادية عشرة» عن أنس أن معاوية قدم المدينة فصلى بالناس صلاة جهرية فقرأ أم القرآن ولم يقرأ البسملة فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية أنسيت أين بسم الله الرحمن الرحيم حين استفتحت القرآن؟! فأعاد معاوية الصلاة وجهر بها.
«الحجة الثانية عشرة» أن سائر الأنبياء كانوا عند الشروع في أعمال الخير يبتدئون باسم الله فقد قال نوح: بسم الله مجراها وسليمان بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي فوجب أن يجب على رسولنا ذلك لقوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠] وإذا ثبت ذلك في حقه صلّى الله عليه وسلم ثبت أيضا في حقنا لقوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: ١٥٣، ١٥٥] وإذا ثبت في حقنا ثبت أنها آية من سورة الفاتحة.
«الحجة الثالثة عشرة» أنه تعالى قديم والغير محدث فوجب بحكم المناسبة العقلية أن يكون ذكره سابقا على ذكر غيره والسبق في الذكر لا يحصل إلا إذا كانت قراءة البسملة سابقة وإذا ثبت أن القول بوجوب هذا التقديم فما رآه
وبإسناده عن طلحة بن عبيد الله قال «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله».
«الحجة الخامسة» قراءة بسم الله الرحمن الرحيم واجبة في أول الفاتحة وإذا كان كذلك وجب أن تكون آية منها بيان الأول اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] ولا يجوز أن يقال الباء صلة لأن الأصل أن تكون لكل حرف من كلام الله تعالى فائدة وإذا كان الحرف مفيدا كان التقدير اقرأ مفتتحا باسم ربك وظاهر الأمر الوجوب ولم يثبت في غير القراءة للصلاة فوجب إثباته في القراءة فيها صونا للنص عن التعطيل.
«الحجة السادسة» التسمية مكتوبة بخط القرآن وكل ما ليس من القرآن فإنه غير مكتوب بخط القرآن ألا ترى أنهم منعوا كتابة أسامي السور في المصحف ومنعوا من العلامات على الأعشار والأخماس، والغرض من ذلك كله أن يمنعوا أن يختلط بالقرآن ما ليس بقرآن فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كتبوها بخط القرآن.
«الحجة السابعة» أجمع المسلمون على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى والبسملة موجودة بينهما فوجب جعلها منه «الحجة الثامنة» أطبق الأكثرون على أن الفاتحة سبع آيات إلا أن الشافعي قال بسم الله الرحمن الرحيم آية وأبو حنيفة قال: إنها ليست آية لكن صراط الذين أنعمت عليهم آية، وسنبين أن قوله مرجوح ضعيف فحينئذ يبقى أن الآيات لا تكون سبعا إلا بجعل البسملة آية تامة منها «الحجة التاسعة» أن نقول قراءة التسمية قبل الفاتحة واجبة فوجب كونها آية منها، بيان الأول أن أبا حنيفة يسلم أن قراءتها أفضل وإذا كان كذلك فالظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قرأها فوجب أن يجب علينا قراءتها لقوله تعالى: وَاتَّبِعُوهُ [الأعراف: ١٥٨] وإذا ثبت الوجوب ثبت أنها من السورة لأنه لا قائل بالفرق
وقوله عليه الصلاة والسلام: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر»
وأعظم الأعمال بعد الإيمان الصلاة فقراءة الفاتحة بدون قراءتها توجب كون الصلاة عملا أبتر ولفظه يدل على غاية النقصان والخلل بدليل أنه ذكر ذما للكافر الشانئ فوجب أن يقال للصلاة الخالية عنها في غاية النقصان والخلل وكل من أقر بذلك قال بالفساد وهو يدل على أنها من الفاتحة «الحجة العاشرة» ما
روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لأبيّ بن كعب ما أعظم آية في القرآن؟ قال بسم الله الرحمن الرحيم فصدقه النبي في قوله.
وجه الاستدلال أن هذا يدل على أن هذا المقدار آية تامة ومعلوم أنها ليست بتامة في النمل فلا بد أن تكون في غيرها وليس إلا الفاتحة «الحجة الحادية عشرة» عن أنس أن معاوية قدم المدينة فصلى بالناس صلاة جهرية فقرأ أم القرآن ولم يقرأ البسملة فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية أنسيت أين بسم الله الرحمن الرحيم حين استفتحت القرآن؟! فأعاد معاوية الصلاة وجهر بها.
«الحجة الثانية عشرة» أن سائر الأنبياء كانوا عند الشروع في أعمال الخير يبتدئون باسم الله فقد قال نوح: بسم الله مجراها وسليمان بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي فوجب أن يجب على رسولنا ذلك لقوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠] وإذا ثبت ذلك في حقه صلّى الله عليه وسلم ثبت أيضا في حقنا لقوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: ١٥٣، ١٥٥] وإذا ثبت في حقنا ثبت أنها آية من سورة الفاتحة.
«الحجة الثالثة عشرة» أنه تعالى قديم والغير محدث فوجب بحكم المناسبة العقلية أن يكون ذكره سابقا على ذكر غيره والسبق في الذكر لا يحصل إلا إذا كانت قراءة البسملة سابقة وإذا ثبت أن القول بوجوب هذا التقديم فما رآه
43
المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وإذا ثبت وجوب القراءة ثبت أنها آية من الفاتحة لأنه لا قائل بالفرق «الحجة الرابعة عشرة» أنه لا شك أنها من القرآن في سورة النمل ثم إنا نراه مكررا بخط القرآن فوجب أن يكون من القرآن كما أنا لما رأينا قوله تعالى: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [من سورة المرسلات] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [من سورة الرحمن] مكررا كذلك قلنا إن الكل منه «الحجة الخامسة عشرة»
روي أنه عليه السلام كان يكتب باسمك اللهم الحديث
وهو يدل على أن أجزاء هذه الكلمة كلها من القرآن مجموعها منه وهو مثبت فيه فوجب الجزم بأنه من القرآن إذ لو جاز إخراجه مع هذه الموجبات والشهرة لكان جواز إخراج سائر الآيات أولى وذلك يوجب الطعن في القرآن العظيم «الحجة السادسة عشرة» قد بينا أنه ثبت بالتواتر أن الله تعالى كان ينزل هذه الكلمة على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وكان عليه السلام يأمر بكتابتها بخط المصحف فيه وبينا أن حاصل الخلاف في أنه هل تجب قراءته وهل يجوز للمحدث مسه؟ فنقول ثبوت هذه الأحكام أحوط فوجب المصير إليه
لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم «دع ما يرييك إلى ما لا يرييك»
انتهى كلامه وليس بشيء لأن البعض منه مجاب عنه والبعض لا يقوم حجة علينا لأن الصحيح من مذهبنا أن بسم الله الرحمن الرحيم آية مستقلة وهي من القرآن وإن لم تكن من الفاتحة نفسها وقد أوجب الكثير منا قراءتها في الصلاة وذكر الزيلعي في شرح الكنز أن الأصح أنها واجبة، وذكر الزاهدي عن المجتبى أن الصحيح أنها واجبة في كل ركعة تجب فيها القراءة وهي الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وقال ابن وهبان في منظومته:
وفي غنية المتملي وهو الأحوط وبه أقول خلافا لقاضيخان وصاحب الخلاصة وغيرهم والحق أحق بالاتباع (١) والقول عن بعض هذا أنه من طغيان القلم غاية الطغيان ونهاية في التعصب من غير إتقان ولنتكلم على ما ذكره هذا العلامة على التفصيل «فنقول» أما ما ذكره في الحجة الأولى من حديث أم سلمة بالوجه الذي رواه مخالف لما في البيضاوي المخالف (٢) لما في الكتب الحديثية فيجاب عنه بأن أبا مليكة لم يثبت سماعه عن أم سلمة وبتقديره للمعاصرة يقال: إن هذا اللفظ لم يوجد في المشهور ولعله نقل بالمعنى لبعض الروايات الآتية على حسب ما يلوح له
فقد أخرج أبو عبيد وأحمد وأبو داود بلفظ «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقطع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين»
وابن الأنباري والبيهقي «كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول مالك يوم الدين»
وابن خزيمة والحاكم بلفظ «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية الحمد لله رب العالمين اثنين الرحمن الرحيم ثلاث آيات مالك يوم الدين أربع آيات وقال هكذا إياك نعبد وإياك نستعين وجمع خمس أصابعه»
والدارقطني بلفظ «كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين إلى آخرها قطعها آية آية وعدها عد الاعراب وعد بسم الله الرحمن الرحيم ولم يعد عَلَيْهِمْ
والرواية الأولى والثانية يمكن أن يقال عنت بهما بيان كيفية قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لسائر القرآن وذكرت بعضا منه على سبيل التمثيل ولم تستوعب وليس فيهما سوى إثبات أنها آية وهو مسلم لكن من القرآن وأما أنها من الفاتحة فلا، وكذا
روي أنه عليه السلام كان يكتب باسمك اللهم الحديث
وهو يدل على أن أجزاء هذه الكلمة كلها من القرآن مجموعها منه وهو مثبت فيه فوجب الجزم بأنه من القرآن إذ لو جاز إخراجه مع هذه الموجبات والشهرة لكان جواز إخراج سائر الآيات أولى وذلك يوجب الطعن في القرآن العظيم «الحجة السادسة عشرة» قد بينا أنه ثبت بالتواتر أن الله تعالى كان ينزل هذه الكلمة على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وكان عليه السلام يأمر بكتابتها بخط المصحف فيه وبينا أن حاصل الخلاف في أنه هل تجب قراءته وهل يجوز للمحدث مسه؟ فنقول ثبوت هذه الأحكام أحوط فوجب المصير إليه
لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم «دع ما يرييك إلى ما لا يرييك»
انتهى كلامه وليس بشيء لأن البعض منه مجاب عنه والبعض لا يقوم حجة علينا لأن الصحيح من مذهبنا أن بسم الله الرحمن الرحيم آية مستقلة وهي من القرآن وإن لم تكن من الفاتحة نفسها وقد أوجب الكثير منا قراءتها في الصلاة وذكر الزيلعي في شرح الكنز أن الأصح أنها واجبة، وذكر الزاهدي عن المجتبى أن الصحيح أنها واجبة في كل ركعة تجب فيها القراءة وهي الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وقال ابن وهبان في منظومته:
ولو لم يبسمل ساهيا كل ركعة | فيسجد إذ إيجابها قال الأكثر |
فقد أخرج أبو عبيد وأحمد وأبو داود بلفظ «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقطع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين»
وابن الأنباري والبيهقي «كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول مالك يوم الدين»
وابن خزيمة والحاكم بلفظ «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية الحمد لله رب العالمين اثنين الرحمن الرحيم ثلاث آيات مالك يوم الدين أربع آيات وقال هكذا إياك نعبد وإياك نستعين وجمع خمس أصابعه»
والدارقطني بلفظ «كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين إلى آخرها قطعها آية آية وعدها عد الاعراب وعد بسم الله الرحمن الرحيم ولم يعد عَلَيْهِمْ
والرواية الأولى والثانية يمكن أن يقال عنت بهما بيان كيفية قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لسائر القرآن وذكرت بعضا منه على سبيل التمثيل ولم تستوعب وليس فيهما سوى إثبات أنها آية وهو مسلم لكن من القرآن وأما أنها من الفاتحة فلا، وكذا
(١) هذا اعتراض على الشهاب اهـ منه.
(٢) اعتراض على البيضاوي اهـ منه.
(٢) اعتراض على البيضاوي اهـ منه.
44
في الرواية الثالثة إثبات أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرؤها في الصلاة ويعدها آية لوقوفه عليها وهو مسلمنا أيضا وهي الآية الأولى من القرآن والآية الثانية منه الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وهكذا إلى الخامسة وجمعت الأصابع وانقطع الكلام وأما الرواية الرابعة فليست نصا أيضا في أن البسملة آية من الفاتحة إذ يحتمل أن يكون المعنى كان صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في بعض الأوقات في الصلاة أو غيرها ولا دوام لا وضعا ولا استعمالا من كتاب الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إلى آخرها أي الآيات قطعها آية آية ولم يوصل بعضها ببعض وعدها عد الاعراب واحدة واحدة وعد بسم الله الرحمن الرحيم ولم يسقطها لوجوبها في الصلاة وللاعتناء بها في غيرها لما فيها من عظائم الأسرار ودقائق الأفكار، ومن هذا أوجب الكثير من علمائنا سجود السهو على من تركها وقد أزال صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك ظن أنها ليست من القرآن لاستعمالها في أوائل الرسائل ومبادئ الشؤون ولم يعد صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ولم يقف عليها بل وصل صلى الله تعالى عليه وسلم تلك المرة لبيان الجواز وعدم تخيل شيء ينافي كونها آية بل هناك ما يشعر به فإن تقارب الآي في الطول والقصر كتقارب الفقرات شيء مرغوب فيه وعدم التشابه في المقاطع لا يضر فأين أفواجا من الفتح (١) فلزوم الرعاية غير لازم وكون الموصوف في آية والصفة في آية أخرى مسبوق بالمثل وسابق على الأمثال ومن أنعم الله تعالى عليه وعرف الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وجده تاما وعد توقفه على الشرط المفهوم من غَيْرِ الْمَغْضُوبِ كلاما ناقصا وعلى هذا لم يثبت في هذه الرواية سوى أن البسملة آية من القرآن وهو مسلم عند الطرفين وأما إنها من الفاتحة فدونه خرط القتاد.
«وأما» ما ذكره في الحجة الثانية من حديث أبي هريرة فقد أخرجه الطبراني وابن مردويه والبيهقي بلفظ «الحمد لله رب العالمين سبع آيات بسم الله الرحمن الرحيم» إحداهن وفي السبع المثاني والقرآن العظيم وهي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب» وأخرجه الدارقطني بلفظ «إذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» ومعنى الرواية الأولى الحمد لله رب العالمين إلى آخر الآيات سبع آيات، وبه قال الحنفيون، ولما لاحظ صلى الله تعالى عليه وسلم توهم السامعين من عدم التعرض للبسملة مع تلك الشبهة السالفة كونها ليست بآية من القرآن أزال هذا التوهم بوجه بليغ فقال بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن أي مثل إحداهن في كونها آية من القرآن ومعنى الثانية إذا أردتم قراءة الحمد إلى آخر ما يليه فاقرؤوا قبله بسم الله الرحمن الرحيم إنها- أي الحمد- إلى الآخر أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني. وهذا كالتعليل أو الترغيب بقراءة الحمد لله رب العالمين إلى آخرها وقوله وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها على حد ما ذكر في معنى الرواية الأولى وهو كالتعليل أو الترغيب أيضا في قراءة البسملة وما ذكرناه وإن كان فيه ارتكاب مجاز لكن دعانا إليه إجراء صدر الكلام على حقيقته وإن أجري هذا على ظاهره فلابد من ارتكاب المجاز في الصدر كما لا يخفى وهو ارتكاب خلاف الأصل قبل الحاجة إليه «وأما» ما ذكره في الحجة الثالثة فليس سوى إثبات أن التسمية من القرآن كما أقرّ هو به ولسنا ممن نخالفه فيه «وأما» ما ذكره في الرابعة فالحديث الأول والثاني والثالث والسادس مع ضعفه والثامن لا تدل على المقصود ونحن نقول بما تدل عليه، والرابع موقوف على ابن عباس ولا نسلم أن حكمه الرفع لجواز الاجتهاد وإن قلنا إن الصحيح أن الآية إنما تعلم بتوقيف من الشارع كمعرفة السورة مثلا ولذلك عدوا «الم» آية حيث وقعت ولم يعدوا «المر» لأنا لم نقل إنها جزء آية واجتهد فجعلها آية بل قلنا إنها آية مستقلة من القرآن واجتهد وجعلها آية من الفاتحة أو
«وأما» ما ذكره في الحجة الثانية من حديث أبي هريرة فقد أخرجه الطبراني وابن مردويه والبيهقي بلفظ «الحمد لله رب العالمين سبع آيات بسم الله الرحمن الرحيم» إحداهن وفي السبع المثاني والقرآن العظيم وهي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب» وأخرجه الدارقطني بلفظ «إذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» ومعنى الرواية الأولى الحمد لله رب العالمين إلى آخر الآيات سبع آيات، وبه قال الحنفيون، ولما لاحظ صلى الله تعالى عليه وسلم توهم السامعين من عدم التعرض للبسملة مع تلك الشبهة السالفة كونها ليست بآية من القرآن أزال هذا التوهم بوجه بليغ فقال بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن أي مثل إحداهن في كونها آية من القرآن ومعنى الثانية إذا أردتم قراءة الحمد إلى آخر ما يليه فاقرؤوا قبله بسم الله الرحمن الرحيم إنها- أي الحمد- إلى الآخر أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني. وهذا كالتعليل أو الترغيب بقراءة الحمد لله رب العالمين إلى آخرها وقوله وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها على حد ما ذكر في معنى الرواية الأولى وهو كالتعليل أو الترغيب أيضا في قراءة البسملة وما ذكرناه وإن كان فيه ارتكاب مجاز لكن دعانا إليه إجراء صدر الكلام على حقيقته وإن أجري هذا على ظاهره فلابد من ارتكاب المجاز في الصدر كما لا يخفى وهو ارتكاب خلاف الأصل قبل الحاجة إليه «وأما» ما ذكره في الحجة الثالثة فليس سوى إثبات أن التسمية من القرآن كما أقرّ هو به ولسنا ممن نخالفه فيه «وأما» ما ذكره في الرابعة فالحديث الأول والثاني والثالث والسادس مع ضعفه والثامن لا تدل على المقصود ونحن نقول بما تدل عليه، والرابع موقوف على ابن عباس ولا نسلم أن حكمه الرفع لجواز الاجتهاد وإن قلنا إن الصحيح أن الآية إنما تعلم بتوقيف من الشارع كمعرفة السورة مثلا ولذلك عدوا «الم» آية حيث وقعت ولم يعدوا «المر» لأنا لم نقل إنها جزء آية واجتهد فجعلها آية بل قلنا إنها آية مستقلة من القرآن واجتهد وجعلها آية من الفاتحة أو
(١) رد على الرازي في ثلاثة مواضع اهـ منه.
45
نقول إنه قال ذلك أيضا عن توقيف لكن على ظنه واجتهاده أنه توقيف، والخامس لي شك في صحته بهذا اللفظ ولعله باللفظ الذي خرجه به الدارقطني وقد سلف بتقريره وليس لي اعتماد على الفخر في الأحاديث وليس من حفاظها وأراه إذا نقل بالمعنى غير وليس عندي تفسير الثعلبي لأراه فإن النقل منه، والسابع لا تلوح عليه طلاوة كلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا فصاحته وهو أفصح من نطق بالضاد بل من مارس الأحاديث جزم بوضع هذا ولعمري لو كان صحيحا لاكتفى به الشافعية أو لقدموه على سائر أدلتهم ويا ليته ذكر إسناده لنراه «وأما» الحجة الخامسة ففيها أنا لا نسلم أن وجوبها في أول الفاتحة مستلزم لكونها آية منها واستدلاله في هذا المقام بقوله «اقرأ باسم ربك» واه جدا من وجوه أظهر من الشمس فلا نتعب البنان ببيانها «وأما» الحجة السادسة فهو أقوى ما يستدل به على كون البسملة من القرآن وأما على أنها من الفاتحة فلا، وتعرض نفاة كونها قرآنا للتكلم في هذا الدليل مما لا يرضاه الطبع السليم، والذهن المستقيم، والإنصاف نصف الدين، والانقياد للحق من أخلاق المؤمنين «وأما» الحجة السابعة فلنا لا علينا كما لا يخفى «وأما» الحجة الثامنة فدون إثبات مدارها- وهو توهين كلام مولانا أبي حنيفة رحمه الله تعالى- جبال راسيات. «وأما» الحجة التاسعة فهي كالحجة الخامسة حذو القذة بالقذة واستدلاله
بقوله صلّى الله عليه وسلم «كل أمر ذي بال» إلخ
ليس بشيء لأن الفاتحة جزء من الصلاة المفتتحة بالتكبير المقارن للنية الذي هو ركن منها فحيث لم تفتتح بالبسملة عدت بتراء فبطلت وكذا الركوع والسجود الذي أقرب ما يكون العبد فيه إلى ربه كل منهما أمر ذو بال فإذا لم يفتتح بالبسملة كان أبتر باطلا فحسن الظن بديانة العلامة وعلمه أنه كان يبسمل أول صلاته وعند ركوعه وسجوده وسائر انتقالاته رحمة الله تعالى عليه «وأما» الحجة العاشرة فلا تقوم علينا لأنا أعلمناك بمذهبنا «وأما» الحجة الحادية عشرة فقصارى ما تدل عليه ظاهرا بعد تسليمها أن معاوية لما لم يقرأ البسملة وترك الواجب ولم يسجد للسهو أعاد الصلاة لتقع سليمة من الخلل ولهذا أمهلوه إلى أن فرغ ليروا أيجبر الخلل بسجود السهو أم لا واعتراضهم عليه بترك واجب يجبر بالسجود ليس أغرب من اعتراضهم عليه في تلك الصلاة أيضا بترك هيئة حيث روى الشافعي نفسه كما نقله الفخر نفسه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود فلما سلم ناداه المهاجرون والأنصار يا معاوية سرقت من الصلاة أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير عند الرجوع والسجود ثم إنه أعاد الصلاة مع التسمية والتكبير وهذا لا يضرنا، نعم يبقى الجهر والبحث عنه مخفي الآن «وأما» الحجة الثانية عشرة ففيها كما تقدم أن الوجوب لا يستلزم الجزئية على أن قوله أن سائر الأنبياء يبتدئون عند الشروع بأعمال الخير بذكر الله فوجب أن يجب على رسولنا ذلك إلخ واستدل على الوجوب عليه إذ وجب عليهم عليهم السلام بقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ لا أدري ما أقول فيه سوى أنه جهل بالتفسير وعدم اطلاع على أخبار البشير النذير «وأما» الحجة الثالثة عشرة فلا تجديه نفعا في مقابلتنا أيضا وفيها ما في أخواتها «وأما» الحجج الباقية فككثير من الماضية لا تنفع في البحث معنا إلا بتسويد القرطاس وتضييع نفائس الأنفاس على أن بعض ما ذكره معارض بما
أخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال: العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى عليّ عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل»
وهذا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة وأنها سبع بدونها حيث جعل الوسطى إياك نعبد وإياك نستعين والثلاث قبلها لله تعالى والثلاث بعدها للعبد وليس فيه نفي أنها من القرآن، ولا شك أن هذه الرواية
بقوله صلّى الله عليه وسلم «كل أمر ذي بال» إلخ
ليس بشيء لأن الفاتحة جزء من الصلاة المفتتحة بالتكبير المقارن للنية الذي هو ركن منها فحيث لم تفتتح بالبسملة عدت بتراء فبطلت وكذا الركوع والسجود الذي أقرب ما يكون العبد فيه إلى ربه كل منهما أمر ذو بال فإذا لم يفتتح بالبسملة كان أبتر باطلا فحسن الظن بديانة العلامة وعلمه أنه كان يبسمل أول صلاته وعند ركوعه وسجوده وسائر انتقالاته رحمة الله تعالى عليه «وأما» الحجة العاشرة فلا تقوم علينا لأنا أعلمناك بمذهبنا «وأما» الحجة الحادية عشرة فقصارى ما تدل عليه ظاهرا بعد تسليمها أن معاوية لما لم يقرأ البسملة وترك الواجب ولم يسجد للسهو أعاد الصلاة لتقع سليمة من الخلل ولهذا أمهلوه إلى أن فرغ ليروا أيجبر الخلل بسجود السهو أم لا واعتراضهم عليه بترك واجب يجبر بالسجود ليس أغرب من اعتراضهم عليه في تلك الصلاة أيضا بترك هيئة حيث روى الشافعي نفسه كما نقله الفخر نفسه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود فلما سلم ناداه المهاجرون والأنصار يا معاوية سرقت من الصلاة أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير عند الرجوع والسجود ثم إنه أعاد الصلاة مع التسمية والتكبير وهذا لا يضرنا، نعم يبقى الجهر والبحث عنه مخفي الآن «وأما» الحجة الثانية عشرة ففيها كما تقدم أن الوجوب لا يستلزم الجزئية على أن قوله أن سائر الأنبياء يبتدئون عند الشروع بأعمال الخير بذكر الله فوجب أن يجب على رسولنا ذلك إلخ واستدل على الوجوب عليه إذ وجب عليهم عليهم السلام بقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ لا أدري ما أقول فيه سوى أنه جهل بالتفسير وعدم اطلاع على أخبار البشير النذير «وأما» الحجة الثالثة عشرة فلا تجديه نفعا في مقابلتنا أيضا وفيها ما في أخواتها «وأما» الحجج الباقية فككثير من الماضية لا تنفع في البحث معنا إلا بتسويد القرطاس وتضييع نفائس الأنفاس على أن بعض ما ذكره معارض بما
أخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال: العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى عليّ عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل»
وهذا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة وأنها سبع بدونها حيث جعل الوسطى إياك نعبد وإياك نستعين والثلاث قبلها لله تعالى والثلاث بعدها للعبد وليس فيه نفي أنها من القرآن، ولا شك أن هذه الرواية
46
أصح من رواية الثعلبي ولا أقدم ثعلبيا على مسلم، وكذا من رواية السجستاني ومتى خالف الراوي الثقة من هو أوثق منه بزيادة أو نقص فحديثه شاذ وليس هذا من باب النفي والإثبات (١) كما ظنه من ليس له في هذا الفن رسوخ ولا ثبات (٢) وحمل النصف فيه على النصف في المعنى أو الصنف من عدم الإنصاف إذ ذاك مجاز ولا حاجة إليه ولا قرينة عليه وجعله حقيقة لكن باعتبار الدعاء والثناء يكذبه العد والقول بأن مدار الرواية العلاء وقد ضعفه ابن معين فهو على جلالة الرجل (٣) لا يسمن ولا يغني من جوع لأن الموثق كثير وتقديم الجرح على التعديل ليس بالمطلق (٤) بل إن لم يكثر المعدلون جدا وقد كثروا هنا (٥) وكون التقسيم لما يخص الفاتحة والبسملة مشتركة مع كونه خلاف الظاهر لا تقتضيه الحكمة إذ هي عند الخصم أشرف الأجزاء (٦) وكون المراد بعض قراءة الصلاة إذ الظاهر لا يمكن أن يراد لوجود الأعمال وضم السورة ويتحقق البعض بهذا البعض ليس بشيء إذ اللائق أن يكون البعض مستقلا بمبدأ ومقطع والثاني موجود والأول على قولنا وأيضا الفاتحة سورة كالكوثر والملك وقد نص صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة عنه بأن الأولى ثلاث آيات والثانية ثلاثون ووقفهم عليها ولم يعد البسملة ولو عدها مستقلة لزاد العدد أو جزءا لو رد، وعلى المثبت البيان وأنى هو، على أنه يرد على الثاني استلزامه للتحكم بدعوى الاستقلال في الفاتحة والبعضية في غيرها (٧) وقول الرازي هذا غير بعيد فالحمد لله رب العالمين آية تارة وجزء آية أخرى كما في وَآخِرُ دَعْواهُمْ [يونس: ١٠] الآية بعيد بل قياس باطل لوجود المقتضي للجزئية هناك وانتفائه هنا وأيضا نزل الكثير من السور بلا بسملة ثم ضمت بعد، وحديث الصحيح في بدء الوحي يبدي صحة ما قلنا وهذا يبعد كونها آية من السورة أو جزء آية وكونها لم تنزل بعد يبعد الثاني إن لم يبعد الأول وحديث أنها أول ما نزلت ليس بالقوي بل الثابت ويشكل عليه ما
روي أنه صلّى الله عليه وسلم كان يكتب باسمك اللهم إلخ
على أن الأولية إن سلمت وسلمت لا تضرنا، وبالجملة يكاد أن يكون اعتقاد عدم كون البسملة جزءا من سورة من الفطريات كما لا يخفى على من سلم له وجدانه فهي آية من القرآن مستقلة (٨) ولا ينبغي لمن وقف على الأحاديث أن يتوقف في قرآنيتها أو ينكر وجوب قراءتها ويقول بسنيتها فو الله لو ملئت لي الأرض ذهبا لا أذهب إلى هذا القول وإن أمكنني- والفضل لله تعالى- توجيهه كيف وكتب الأحاديث ملأى
روي أنه صلّى الله عليه وسلم كان يكتب باسمك اللهم إلخ
على أن الأولية إن سلمت وسلمت لا تضرنا، وبالجملة يكاد أن يكون اعتقاد عدم كون البسملة جزءا من سورة من الفطريات كما لا يخفى على من سلم له وجدانه فهي آية من القرآن مستقلة (٨) ولا ينبغي لمن وقف على الأحاديث أن يتوقف في قرآنيتها أو ينكر وجوب قراءتها ويقول بسنيتها فو الله لو ملئت لي الأرض ذهبا لا أذهب إلى هذا القول وإن أمكنني- والفضل لله تعالى- توجيهه كيف وكتب الأحاديث ملأى
(١) اعتراض على الرازي اهـ منه.
(٢) اعتراض على الرازي أيضا اهـ منه.
(٣) رد على ما في الشهاب اهـ منه.
(٤) قاله السبكي وغيره اهـ منه.
(٥) رد على ما في الشهاب أيضا اهـ منه.
(٦) رد على العز بن عبد السلام اهـ منه.
(٧) رد على الرازي اهـ منه.
(٨) استشكل بعضهم الإثبات والنفي فإن القرآن لا يثبت بالظن وينفى به وهو إشكال كالجبل العظيم، وأجيب عنه أن حكم البسملة في ذلك حكم الحروف المختلف فيها بين القراء السبعة فتكون قطعية الإثبات والنفي معا ولهذا قرأ بعض السبعة بإثباتها وبعضهم بإسقاطها وإن اجتمعت المصاحف على الإثبات فإن من القراءات ما جاء على خلاف خطها كالصراط ومصيطر فإنهما قرئا بالسين ولم يكتبا إلا بالصاد وما هو على الغيب بضنين تقرأ بالظاء ولم تكتب إلا بالضاد ففي البسملة التخيير وتتحتم قراءتها في الفاتحة عند الشافعي احتياطا وخروجا عن عهدة الصلاة الواجبة بيقين لتوقف صحتها على ما سماه الشرع فاتحة الكتاب فافهم والله تعالى أعلم بالصواب اهـ منه.
(٢) اعتراض على الرازي أيضا اهـ منه.
(٣) رد على ما في الشهاب اهـ منه.
(٤) قاله السبكي وغيره اهـ منه.
(٥) رد على ما في الشهاب أيضا اهـ منه.
(٦) رد على العز بن عبد السلام اهـ منه.
(٧) رد على الرازي اهـ منه.
(٨) استشكل بعضهم الإثبات والنفي فإن القرآن لا يثبت بالظن وينفى به وهو إشكال كالجبل العظيم، وأجيب عنه أن حكم البسملة في ذلك حكم الحروف المختلف فيها بين القراء السبعة فتكون قطعية الإثبات والنفي معا ولهذا قرأ بعض السبعة بإثباتها وبعضهم بإسقاطها وإن اجتمعت المصاحف على الإثبات فإن من القراءات ما جاء على خلاف خطها كالصراط ومصيطر فإنهما قرئا بالسين ولم يكتبا إلا بالصاد وما هو على الغيب بضنين تقرأ بالظاء ولم تكتب إلا بالضاد ففي البسملة التخيير وتتحتم قراءتها في الفاتحة عند الشافعي احتياطا وخروجا عن عهدة الصلاة الواجبة بيقين لتوقف صحتها على ما سماه الشرع فاتحة الكتاب فافهم والله تعالى أعلم بالصواب اهـ منه.
47
بما يدل على خلافه وهو الذي صح عندي عن الإمام (١) والقول بأنه لم ينص بشيء ليس بشيء وكيف لا ينص إلى آخر عمره في مثل هذا الأمر الخطير الدائر عليه أمر الصلاة من صحتها أو استكمالها ويمكن أن يناط به بعض الأحكام الشرعية وأمور الديانات كالطلاق والحلف والتعليق وهو الإمام الأعظم والمجتهد الأقدم رضي الله تعالى عنه والإخفاء بها في الجهرية لا يدل على السنية فإن القول بوجوبها لا ينافي إخفاءها اتباعا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
فعن ابن عباس لم يجهر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالبسملة حتى مات،
وروى مسلم عن أنس «صليت خلف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع منهم أحدا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يرد نفي القراءات بل سماعها للإخفاء بدليل ما صرح به عنه فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» رواه أحمد والنسائي بإسناد على شرط الشيخين،
وروى الطبراني بإسناد عنه «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله تعالى عنهم»
وروي عن عبد الله بن المغفل ولا نسلم ضعفه أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال: أي بني إياك والحدث في الإسلام فقد صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فابتدؤوا القراءة بالحمد لله رب العالمين فإذا صليت فقل الحمد لله رب العالمين
اي اجهر بها وأخف البسملة وهو مذهب الثوري وابن المبارك وابن مسعود وابن الزبير وعمار بن ياسر والحسن بن أبي الحسين والشعبي والنخعي وقتادة وعمر بن عبد العزيز والأعمش والزهري ومجاهد وأحمد وغيرهم خلق كثير وأحاديث الجهر لم يصح منها سوى
حديث ابن عباس الذي أخرجه الشافعي عنه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
وهو معارض بما تقدم عنه أو محمول على أنه كان يجهر بها أحيانا لبيان أنه تقرأ فيها كل جهر عمر رضي الله تعالى عنه بالثناء للتعليم وكما شرع الجهر بالتكبير للإعلام وحتى مات هناك قيد للمنفي لا للنفي فلا يتنافيان على أنه روي عن بعض الحفاظ ليس حديث صريح في الجهر إلا وفي إسناده مقال. وعن الدارقطني أنه صنف كتابا في الجهر فأقسم عليه بعض المالكية ليعرفه الصحيح فقال: لم يصح في الجهر حديث والقول (٢) بأن الرواية عن أنس ست متعارضة فتارة يروى عنه الجهر وأخرى الإخفاء للخوف من بني أمية المخالفين لعلي كرم الله تعالى وجهه إذ مذهبه الجهر لا يضرنا إذ يقدم عند التعارض الأقوى إسنادا وهو هنا ما يوافقنا إذ هو على شرط الشيخين، وتهمة الراوي المخالف بالكذب على أنس أهون عندي من تهمة أنس صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومقدمي أصحابه.
«ومن عجائب الرازي» كيف يبدي احتمال التهمة ويروي اعتراض أهل المدينة على سيد ملوك بني أمية بذلك اللفظ الشنيع والمحل الرفيع فهلا خافوا وسكتوا وصافوا، والأعجب من هذا أنه ذكر ست حجج لإثبات الجهر هي أخفى من العدم «الأولى» أن البسملة من السورة فحكمها حكمها سرا وجهرا وكون البعض سريا والبعض جهريا مفقود ويرده ما علمته في الردود وبفرض تسليم أنها من السورة أي مانع من إسرار البعض والجهر بالبعض وقد فعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: ١٥٣، ١٥٥] ولعل السر فيه كالسر في الجهر والإخفاء في ركعات صلاة واحدة، أو يقال: إن حال المنزل عليه القرآن كان خلوة أولا وجلوة ثانيا فناسب حاله حاله بل إذا تأملت قوله
فعن ابن عباس لم يجهر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالبسملة حتى مات،
وروى مسلم عن أنس «صليت خلف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع منهم أحدا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يرد نفي القراءات بل سماعها للإخفاء بدليل ما صرح به عنه فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» رواه أحمد والنسائي بإسناد على شرط الشيخين،
وروى الطبراني بإسناد عنه «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله تعالى عنهم»
وروي عن عبد الله بن المغفل ولا نسلم ضعفه أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال: أي بني إياك والحدث في الإسلام فقد صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فابتدؤوا القراءة بالحمد لله رب العالمين فإذا صليت فقل الحمد لله رب العالمين
اي اجهر بها وأخف البسملة وهو مذهب الثوري وابن المبارك وابن مسعود وابن الزبير وعمار بن ياسر والحسن بن أبي الحسين والشعبي والنخعي وقتادة وعمر بن عبد العزيز والأعمش والزهري ومجاهد وأحمد وغيرهم خلق كثير وأحاديث الجهر لم يصح منها سوى
حديث ابن عباس الذي أخرجه الشافعي عنه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
وهو معارض بما تقدم عنه أو محمول على أنه كان يجهر بها أحيانا لبيان أنه تقرأ فيها كل جهر عمر رضي الله تعالى عنه بالثناء للتعليم وكما شرع الجهر بالتكبير للإعلام وحتى مات هناك قيد للمنفي لا للنفي فلا يتنافيان على أنه روي عن بعض الحفاظ ليس حديث صريح في الجهر إلا وفي إسناده مقال. وعن الدارقطني أنه صنف كتابا في الجهر فأقسم عليه بعض المالكية ليعرفه الصحيح فقال: لم يصح في الجهر حديث والقول (٢) بأن الرواية عن أنس ست متعارضة فتارة يروى عنه الجهر وأخرى الإخفاء للخوف من بني أمية المخالفين لعلي كرم الله تعالى وجهه إذ مذهبه الجهر لا يضرنا إذ يقدم عند التعارض الأقوى إسنادا وهو هنا ما يوافقنا إذ هو على شرط الشيخين، وتهمة الراوي المخالف بالكذب على أنس أهون عندي من تهمة أنس صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومقدمي أصحابه.
«ومن عجائب الرازي» كيف يبدي احتمال التهمة ويروي اعتراض أهل المدينة على سيد ملوك بني أمية بذلك اللفظ الشنيع والمحل الرفيع فهلا خافوا وسكتوا وصافوا، والأعجب من هذا أنه ذكر ست حجج لإثبات الجهر هي أخفى من العدم «الأولى» أن البسملة من السورة فحكمها حكمها سرا وجهرا وكون البعض سريا والبعض جهريا مفقود ويرده ما علمته في الردود وبفرض تسليم أنها من السورة أي مانع من إسرار البعض والجهر بالبعض وقد فعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: ١٥٣، ١٥٥] ولعل السر فيه كالسر في الجهر والإخفاء في ركعات صلاة واحدة، أو يقال: إن حال المنزل عليه القرآن كان خلوة أولا وجلوة ثانيا فناسب حاله حاله بل إذا تأملت قوله
(١) رد على البيضاوي اهـ منه.
(٢) رد للرازي اهـ منه. [.....]
(٢) رد للرازي اهـ منه. [.....]
48
تعالى في الحديث القدسي الثابت عند أهل الله
«كنت كنزا مخفيا» إلخ
ظهر لك سر أعظم (١) فرضي الله تعالى عن المجتهد الأقدم «الثانية» أنها ثناء وتعظيم فوجب الإعلان بها لقوله تعالى فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: ٢٠٠] ويرده أن غالب مشتملات الصلاة كذلك أفيجهر بها.
«الثالثة» أن الجهر بذكر الله يدل على الافتخار به وعدم المبالاة بمنكره وهو مستحسن عقلا فيكون كذلك شرعا ولا يخفى إلا ما فيه عيب ثم قال وهذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين ويرده ما رد سابقه وقد يخفى الشريف.
ليس الخمول بعار... على امرئ ذي جلال
فليلة القدر تخفى... وتلك خير الليالي
ويا ليت شعري أكان تسبيحه الله تعالى في ركوعه وسجوده معيبا فيخفيه أو جيدا فيجهر به ويبديه ولا أظن بالرجل إلا خيرا فإن الحجة قوية في نفسه راسخة في عقله «الرابعة» ما أخرجه الشافعي عن أنس «أن معاوية صلى بأهل المدينة ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فاعترض عليه المهاجرون والأنصار فأعاد الحديث بمعناه ويرده معارضوه أو يقال لم يقرأ على ظاهره وعلموا ذلك ببعض القرائن وما راء كمن سمعا «الخامسة» ما
روى البيهقي عن أبي هريرة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وهو المروي عن عمر وابنه وابن عباس وابن الزبير،
وأما علي
فقد تواتر عنه ومن اقتدى في دينه بعلي فقد اهتدى
ويرده المعارض وبتقدير نفيه يقال: إن الجهر كان أحيانا لغرض وفي الأخبار التي ذكرناها ما يعارض أيضا نسبته إلى عمر وعلي وابن عباس وما زعم من تواتر نسبته إلى علي ممنوع عند أهل السنة، نعم ادعته الشيعة فذهبوا إلى الجهر في السرية والجهرية ولو عمل أحد بجميع ما يزعمون تواتره عن الأمير كفر فليس إلا الإيمان ببعض والكفر ببعض وما ذكره من أن
من اقتدى في دينه بعلي فقد اهتدى
مسلم لكن إن سلم لنا خبر ما كان عليه عليّ رضي الله تعالى عنه ودونه مهامه فيح على أن الشائع عند أهل السنة تقديم ما عليه الشيخان وإذا اختلفا فما عليه الصديق حيث إن النبي صلّى الله عليه وسلم ترقى في التخصيص إليه فقال أولا
«أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»
وثانيا
«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي»
وثالثا
«اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»
ورابعا
«إن لم تجديني فأتي أبا بكر
«السادسة» أنها متعلقة بفعل مضمر نحو بإعانة بسم الله اشرعوا ولا شك أن استماع هذه الكلمة ينبه العقل على أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله وينبهه على أنه لا يتم شيء من الخيرات إلا إذا وقع الابتداء فيه بذكر الله تعالى وبإظهارها أمر بمعروف ويرده مع ركاكة هذا التقدير وعدم قائل به أن انفهام الأمر بالمعروف من هذه الجملة يحتاج إلى فكر لو صرف عشر معشاره في قوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لحصل ضعف أضعافه من دون غائلة كثيرة فيغني عنه ثم إنه رحمه الله تعالى ذكر كلاما لا ينفع إلا في تكثير السواد وإرهاب ضعفاء الطلبة بجيوش المداد.
«البحث الثالث في معناها» فالباء إما للاستعانة أو المصاحبة أو الإلصاق أو الاستعلاء أو زائدة أو قسمية والأربعة الأخيرة ليست بشيء وإن استؤنس لبعض ببعض الآيات واختلف في الأرجح من الأولين فالذي يشعر به كلام البيضاوي أرجحية الأول وأيد بأن جعله للاستعانة يشعر بأن له زيادة مدخل في الفعل حتى كأنه لا يتأتى ولا يوجد
«كنت كنزا مخفيا» إلخ
ظهر لك سر أعظم (١) فرضي الله تعالى عن المجتهد الأقدم «الثانية» أنها ثناء وتعظيم فوجب الإعلان بها لقوله تعالى فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: ٢٠٠] ويرده أن غالب مشتملات الصلاة كذلك أفيجهر بها.
«الثالثة» أن الجهر بذكر الله يدل على الافتخار به وعدم المبالاة بمنكره وهو مستحسن عقلا فيكون كذلك شرعا ولا يخفى إلا ما فيه عيب ثم قال وهذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين ويرده ما رد سابقه وقد يخفى الشريف.
ليس الخمول بعار... على امرئ ذي جلال
فليلة القدر تخفى... وتلك خير الليالي
ويا ليت شعري أكان تسبيحه الله تعالى في ركوعه وسجوده معيبا فيخفيه أو جيدا فيجهر به ويبديه ولا أظن بالرجل إلا خيرا فإن الحجة قوية في نفسه راسخة في عقله «الرابعة» ما أخرجه الشافعي عن أنس «أن معاوية صلى بأهل المدينة ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فاعترض عليه المهاجرون والأنصار فأعاد الحديث بمعناه ويرده معارضوه أو يقال لم يقرأ على ظاهره وعلموا ذلك ببعض القرائن وما راء كمن سمعا «الخامسة» ما
روى البيهقي عن أبي هريرة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وهو المروي عن عمر وابنه وابن عباس وابن الزبير،
وأما علي
فقد تواتر عنه ومن اقتدى في دينه بعلي فقد اهتدى
ويرده المعارض وبتقدير نفيه يقال: إن الجهر كان أحيانا لغرض وفي الأخبار التي ذكرناها ما يعارض أيضا نسبته إلى عمر وعلي وابن عباس وما زعم من تواتر نسبته إلى علي ممنوع عند أهل السنة، نعم ادعته الشيعة فذهبوا إلى الجهر في السرية والجهرية ولو عمل أحد بجميع ما يزعمون تواتره عن الأمير كفر فليس إلا الإيمان ببعض والكفر ببعض وما ذكره من أن
من اقتدى في دينه بعلي فقد اهتدى
مسلم لكن إن سلم لنا خبر ما كان عليه عليّ رضي الله تعالى عنه ودونه مهامه فيح على أن الشائع عند أهل السنة تقديم ما عليه الشيخان وإذا اختلفا فما عليه الصديق حيث إن النبي صلّى الله عليه وسلم ترقى في التخصيص إليه فقال أولا
«أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»
وثانيا
«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي»
وثالثا
«اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»
ورابعا
«إن لم تجديني فأتي أبا بكر
«السادسة» أنها متعلقة بفعل مضمر نحو بإعانة بسم الله اشرعوا ولا شك أن استماع هذه الكلمة ينبه العقل على أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله وينبهه على أنه لا يتم شيء من الخيرات إلا إذا وقع الابتداء فيه بذكر الله تعالى وبإظهارها أمر بمعروف ويرده مع ركاكة هذا التقدير وعدم قائل به أن انفهام الأمر بالمعروف من هذه الجملة يحتاج إلى فكر لو صرف عشر معشاره في قوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لحصل ضعف أضعافه من دون غائلة كثيرة فيغني عنه ثم إنه رحمه الله تعالى ذكر كلاما لا ينفع إلا في تكثير السواد وإرهاب ضعفاء الطلبة بجيوش المداد.
«البحث الثالث في معناها» فالباء إما للاستعانة أو المصاحبة أو الإلصاق أو الاستعلاء أو زائدة أو قسمية والأربعة الأخيرة ليست بشيء وإن استؤنس لبعض ببعض الآيات واختلف في الأرجح من الأولين فالذي يشعر به كلام البيضاوي أرجحية الأول وأيد بأن جعله للاستعانة يشعر بأن له زيادة مدخل في الفعل حتى كأنه لا يتأتى ولا يوجد
(١) ففي المنزل جل شأنه وخلوة وجلوة وفي المنزل عليه كذلك فروعي ذلك في المنزل أيضا ليظهر التناسب بينه وبين الطرفين وخلوة كل وجلوته بمعنى يليق به والله تعالى الموفق اهـ منه.
49
بدون اسم الله تعالى ولا يخلو عن لطف وما يدل عليه كلام الزمخشري أرجحية الثاني وأيد بأن باء المصاحبة أكثر في الاستعمال من باء الاستعانة لا سيما في المعاني وما يجري مجراها من الأفعال وبأن التبرك باسم الله تعالى تأدب معه وتعظيم له بخلاف جعله للآلة فإنها مبتذلة غير مقصودة بذاتها وأن ابتداء المشركين بأسماء آلهتهم كان على وجه التبرك فينبغي أن يرد عليهم في ذلك، وأن الباء إذا حملت على المصاحبة كانت أدل على ملابسة جميع أجزاء الفعل لاسم الله تعالى منها إذا جعلت داخلة على الآلة ويناسبه ما
روي في الحديث تسمية الله تعالى في قلب كل مسلم يسمي أو لم يسم
وأن التبرك باسم الله تعالى معنى ظاهر يفهمه كل أحد ممن يبتدىء به والتأويل المذكور في كونه آلة لا يهتدي إليه إلا بنظر دقيق وأن كون اسم الله تعالى آلة للفعل ليس إلا باعتبار أنه يوصل إليه ببركته فقد رجع بالآخرة إلى معنى التبرك فلنقل به أولا وأن جعل اسمه تعالى آلة لقراءة الفاتحة لا يتأتى على مذهب من يقول إن البسملة من السورة وأن
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم بسم الله الذي
لا يضر مع اسمه شيء مما يستأنس به له وأن في الأول جعل الموجود حسا كالمعدوم وأن بسم الله موجود في القراءة فإذا جعلت الباء للاستعانة كان سبيله سبيل القلم فلا يكون مقروءا وهو مقروء وأن فيه الإيجاز والتوصل بتقليل اللفظ إلى تكثير المعنى لتقدير متبركا وهو لكونه حالا فيه بيان هيئة الفاعل وقد ثبت أن لا بد لكل فعل متقرب به إلى الله تعالى من إعانته جل شأنه فدل الحال على زائد «وعندي» أن الاستعانة أولى بل يكاد أن تكون متعينة إذ فيها من الأدب والاستكانة وإظهار العبودية ما ليس في دعوى المصاحبة ولأن فيها تلميحا من أول وهلة إلى إسقاط الحول والقوة ونفي استقلال قدر العباد وتأثيرها وهو استفتاح لباب الرحمة وظفر بكنز لا حول ولا قوة إلا بالله ولأن هذا المعنى أمس بقوله تعالى وإياك نستعين ولأنه كالمتعين في قوله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] ليكون جوابا
لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لست بقارئ
على أتم وجه وأكمله وما ذكروه في تأييد المصاحبة كله مردود «أما الأول» فلأن دون إثبات الأكثرية خرط القتاد «وأما الثاني» فلأنه توهم نشأ من تمثيلهم في الآلة بالمحسوسات وليست كل استعانة بآلة ممتهنة ولا شك في صحة استعنت بالله وقد ورد في الشرع قال تعالى:
اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا [الأعراف: ١٢٨] فهو إذن على أن جهة الابتذال مما لا تمر ببال والقلب قد أحاط بجهاته جهة أخرى وأيضا في تخصيص الاستعانة بالآلة نظر لأنها قد تكون بها والقدرة ولو سلم فأي مانع من الإشارة بها هنا إلى أنه كما هو المقصود بالذات فهو المقصود بالعرض إذ لا حول ولا قوة إلا به.
«وأما الثالث» فلأن المشركين إلى الاستعانة بآلهتهم أقرب إذ هم وسائطهم في التقرب إليه تعالى وهي أشبه بالآلة.
«وأما الرابع» فلأن الآلة لا بد من وجودها في كل جزء إلى آخر الفعل وإلا لم يتم ولا نسلم اللزوم بين مصاحبة شيء لشيء وملابسته لجميع أجزائه وما ذكره من الحديث فهو بالاستعانة أنسب لأنها مشعرة بتبري العبد من حوله وقوته وإثبات الحول والقوة لله تعالى وهذا من باب العقائد التي عقد عليها قلب كل مسلم يسمي أو لم يسم.
«وأما الخامس» فلأنه إن أراد أن معنى المصاحبة التبرك فظاهر البطلان وقد رجع بخفي حنين وإن أراد أنه يفهم منها بالقرينة فندعيه نحن بها إذا قصد الآلية لتوقف الاعتداد الشرعي عليها وأما كون التبرك معنى ظاهرا لكل أحد فلا نسلم أنه من خصوص المصاحبة «وأما السادس» فلأن الانحصار فيه ممنوع «وأما السابع» فلأن ما يفتتح به الشيء لا مانع من كونه جزءا فالفاتحة مفتتح القرآن وجزؤه ولو سلم فجعلها مفتتحا بالنسبة إلى ما عداها قاله الشهاب ولا يضر الحنفي ما فيه.
«وأما الثامن» فلأن معنى الحديث أفعل كذا مستعينا باسم الله الذي لا يضرني مع ذكر اسمه مستعينا به شيء إذ
روي في الحديث تسمية الله تعالى في قلب كل مسلم يسمي أو لم يسم
وأن التبرك باسم الله تعالى معنى ظاهر يفهمه كل أحد ممن يبتدىء به والتأويل المذكور في كونه آلة لا يهتدي إليه إلا بنظر دقيق وأن كون اسم الله تعالى آلة للفعل ليس إلا باعتبار أنه يوصل إليه ببركته فقد رجع بالآخرة إلى معنى التبرك فلنقل به أولا وأن جعل اسمه تعالى آلة لقراءة الفاتحة لا يتأتى على مذهب من يقول إن البسملة من السورة وأن
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم بسم الله الذي
لا يضر مع اسمه شيء مما يستأنس به له وأن في الأول جعل الموجود حسا كالمعدوم وأن بسم الله موجود في القراءة فإذا جعلت الباء للاستعانة كان سبيله سبيل القلم فلا يكون مقروءا وهو مقروء وأن فيه الإيجاز والتوصل بتقليل اللفظ إلى تكثير المعنى لتقدير متبركا وهو لكونه حالا فيه بيان هيئة الفاعل وقد ثبت أن لا بد لكل فعل متقرب به إلى الله تعالى من إعانته جل شأنه فدل الحال على زائد «وعندي» أن الاستعانة أولى بل يكاد أن تكون متعينة إذ فيها من الأدب والاستكانة وإظهار العبودية ما ليس في دعوى المصاحبة ولأن فيها تلميحا من أول وهلة إلى إسقاط الحول والقوة ونفي استقلال قدر العباد وتأثيرها وهو استفتاح لباب الرحمة وظفر بكنز لا حول ولا قوة إلا بالله ولأن هذا المعنى أمس بقوله تعالى وإياك نستعين ولأنه كالمتعين في قوله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] ليكون جوابا
لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لست بقارئ
على أتم وجه وأكمله وما ذكروه في تأييد المصاحبة كله مردود «أما الأول» فلأن دون إثبات الأكثرية خرط القتاد «وأما الثاني» فلأنه توهم نشأ من تمثيلهم في الآلة بالمحسوسات وليست كل استعانة بآلة ممتهنة ولا شك في صحة استعنت بالله وقد ورد في الشرع قال تعالى:
اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا [الأعراف: ١٢٨] فهو إذن على أن جهة الابتذال مما لا تمر ببال والقلب قد أحاط بجهاته جهة أخرى وأيضا في تخصيص الاستعانة بالآلة نظر لأنها قد تكون بها والقدرة ولو سلم فأي مانع من الإشارة بها هنا إلى أنه كما هو المقصود بالذات فهو المقصود بالعرض إذ لا حول ولا قوة إلا به.
«وأما الثالث» فلأن المشركين إلى الاستعانة بآلهتهم أقرب إذ هم وسائطهم في التقرب إليه تعالى وهي أشبه بالآلة.
«وأما الرابع» فلأن الآلة لا بد من وجودها في كل جزء إلى آخر الفعل وإلا لم يتم ولا نسلم اللزوم بين مصاحبة شيء لشيء وملابسته لجميع أجزائه وما ذكره من الحديث فهو بالاستعانة أنسب لأنها مشعرة بتبري العبد من حوله وقوته وإثبات الحول والقوة لله تعالى وهذا من باب العقائد التي عقد عليها قلب كل مسلم يسمي أو لم يسم.
«وأما الخامس» فلأنه إن أراد أن معنى المصاحبة التبرك فظاهر البطلان وقد رجع بخفي حنين وإن أراد أنه يفهم منها بالقرينة فندعيه نحن بها إذا قصد الآلية لتوقف الاعتداد الشرعي عليها وأما كون التبرك معنى ظاهرا لكل أحد فلا نسلم أنه من خصوص المصاحبة «وأما السادس» فلأن الانحصار فيه ممنوع «وأما السابع» فلأن ما يفتتح به الشيء لا مانع من كونه جزءا فالفاتحة مفتتح القرآن وجزؤه ولو سلم فجعلها مفتتحا بالنسبة إلى ما عداها قاله الشهاب ولا يضر الحنفي ما فيه.
«وأما الثامن» فلأن معنى الحديث أفعل كذا مستعينا باسم الله الذي لا يضرني مع ذكر اسمه مستعينا به شيء إذ
50
من استعان بجنابه أعانه ومن لاذ ببابه حفظه وصانه، وإن استبعدت هذا ورددت ما قيل في الرد من أن المراد بالحديث الإخبار بأنه لا يضر مع ذكر اسمه شيء من مخلوق والمصاحبة تستدعي أمرا حاصلا عندها نحو جاءكم الرسول بالحق والقراءة لم تحصل بعد فتعذرت حقيقة المصاحبة بأن المصاحبة هنا ليست محسوسة وكونها إخبارا بنفي صحبة الضرر يفهم منه صحبة النفع والبركة وهي دفع الوسوسة عن القارئ مع جزيل الثواب فلا ضير أيضا لأنه مجرد استئناس ولا يوحشنا إذ ما نستأنس به كثير «وأما التاسع» فلأن جعل الموجود كالمعدوم للجري لا على المقتضي من المحسنات والنكتة هاهنا أن شبه اسم الله بناء على يقين المؤمن بما ورد من السنة والقطع بمقتضاها بالأمر المحسوس وهو حصول الكتب بالقلم وعدم حصوله بعدمه ثم أخرج مخرج الاستعارة التبعية (١) لوقوعها في الحرف.
«وأما العاشر» فلأنه لا يخفى حال التشبيه بالقلم «وأما الحادي عشر» فلأنه لا نسلم أن التبرك معنى المصاحبة أو لازم معناه بل هو معلوم من أمر خارج هو أن مصاحبة اسمه سبحانه يوجد معها ذلك وهو جار في الاستعانة باسمه عز شأنه على أن في الاستعانة من اللطف ما لا يخفى ويمكن على بعد أن يكون عدم اختيار الزمخشري لها لنزغات الشيطان الاعتزالية من استقلال العبد بفعله فقد ذهب إليه هو وأصحابه وسيأتي إن شاء الله تعالى رده، وقد اختلف في متعلق الجار فذهب الإمام ابن جرير إلى تقديره أتلو لأن تاليه متلو وهكذا يضمر الخاص الفعلي كل فاعل فعلا يجعل التسمية مبدأ له وهو من المعاني القرآنية كنظائر للزومها في متعارف اللسان وبه يندفع كلام الصادقي (٢) وليس المقصود هنا متكلما مخصوصا فهو على حد ولو ترى فينوي كل بالضمير نفسه فلا يضر تقدمها على قراءة هذا القارئ بل على وجوده ويتأتى القول بجزئيتها من الكل أو الجزء بلا خفاء ولما خفي ذلك على البعض جعل المقدم فعل أمر متوجه إلى العباد ليتحد قائل الملفوظ والمقدر واختاره الفراء عن اختيار. وروي عن ابن عباس لأنه تعالى قدم التسمية حثا للعباد على فعل ذلك وهو المناسب للتعليم وذهب النحويون إلى تقديره عاما نحو أبتدىء وأيد بوجوه.
«منها» أن فعل الابتداء يصح تقديره في كل تسمية دون فعل القراءة وتقدير العام أولى ألا تراهم يقدرون متعلق الجار الواقع خبرا أو صفة أو حالا أو صلة بالكون والاستقرار حيثما وقع ويؤثرونه لعموم صحة تقديره.
«ومنها» أنه مستقل بالغرض من التسمية وهو وقوعها مبتدأ فتقديره أوقع بالمحل. وأنت إذا قدرت اقرأ قدرت ابتدئ بالقراءة لأن الواقع في أثنائها قراءة أيضا والبسملة غير مشروعة فيها «ومنها» ظهور فعل الابتداء في
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع»،
وأما ظهور القراءة في قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] فلأن الأهم ثم هو القراءة غير منظور فيه إلى ابتدائها ولذا قدم الفعل ولا كذلك في التسمية. وما ذهب إليه الإمام أمس وأخص بالمقصود وأتم شمولا فإنه يقتضي أن القراءة واقعة بكمالها مقرونة بالتسمية مستعانا باسم الله تعالى عليها كلها بخلاف تقدير أبتدىء إذ لا تعرض له لذلك، وما ذكر أولا من الاستشهاد بتقدير النحاة الكون والاستقرار فليس بجيد لأنهم فعلوه تمثيلا حيث لا يقصدون عاملا بعينه بل يريدون الكلام على العامل من حيث هو فهو كتمثيلهم بزيد وعمرو لا لخصوصيتهما بل ليقع الكلام على مثال فيكون أقرب إلى الفهم ولا يقال إذا أبهم الفاعل
«وأما العاشر» فلأنه لا يخفى حال التشبيه بالقلم «وأما الحادي عشر» فلأنه لا نسلم أن التبرك معنى المصاحبة أو لازم معناه بل هو معلوم من أمر خارج هو أن مصاحبة اسمه سبحانه يوجد معها ذلك وهو جار في الاستعانة باسمه عز شأنه على أن في الاستعانة من اللطف ما لا يخفى ويمكن على بعد أن يكون عدم اختيار الزمخشري لها لنزغات الشيطان الاعتزالية من استقلال العبد بفعله فقد ذهب إليه هو وأصحابه وسيأتي إن شاء الله تعالى رده، وقد اختلف في متعلق الجار فذهب الإمام ابن جرير إلى تقديره أتلو لأن تاليه متلو وهكذا يضمر الخاص الفعلي كل فاعل فعلا يجعل التسمية مبدأ له وهو من المعاني القرآنية كنظائر للزومها في متعارف اللسان وبه يندفع كلام الصادقي (٢) وليس المقصود هنا متكلما مخصوصا فهو على حد ولو ترى فينوي كل بالضمير نفسه فلا يضر تقدمها على قراءة هذا القارئ بل على وجوده ويتأتى القول بجزئيتها من الكل أو الجزء بلا خفاء ولما خفي ذلك على البعض جعل المقدم فعل أمر متوجه إلى العباد ليتحد قائل الملفوظ والمقدر واختاره الفراء عن اختيار. وروي عن ابن عباس لأنه تعالى قدم التسمية حثا للعباد على فعل ذلك وهو المناسب للتعليم وذهب النحويون إلى تقديره عاما نحو أبتدىء وأيد بوجوه.
«منها» أن فعل الابتداء يصح تقديره في كل تسمية دون فعل القراءة وتقدير العام أولى ألا تراهم يقدرون متعلق الجار الواقع خبرا أو صفة أو حالا أو صلة بالكون والاستقرار حيثما وقع ويؤثرونه لعموم صحة تقديره.
«ومنها» أنه مستقل بالغرض من التسمية وهو وقوعها مبتدأ فتقديره أوقع بالمحل. وأنت إذا قدرت اقرأ قدرت ابتدئ بالقراءة لأن الواقع في أثنائها قراءة أيضا والبسملة غير مشروعة فيها «ومنها» ظهور فعل الابتداء في
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع»،
وأما ظهور القراءة في قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] فلأن الأهم ثم هو القراءة غير منظور فيه إلى ابتدائها ولذا قدم الفعل ولا كذلك في التسمية. وما ذهب إليه الإمام أمس وأخص بالمقصود وأتم شمولا فإنه يقتضي أن القراءة واقعة بكمالها مقرونة بالتسمية مستعانا باسم الله تعالى عليها كلها بخلاف تقدير أبتدىء إذ لا تعرض له لذلك، وما ذكر أولا من الاستشهاد بتقدير النحاة الكون والاستقرار فليس بجيد لأنهم فعلوه تمثيلا حيث لا يقصدون عاملا بعينه بل يريدون الكلام على العامل من حيث هو فهو كتمثيلهم بزيد وعمرو لا لخصوصيتهما بل ليقع الكلام على مثال فيكون أقرب إلى الفهم ولا يقال إذا أبهم الفاعل
(١) ولذا صرح بالمؤمن وضم إليه الاعتقاد والسنة اهـ منه.
(٢) حيث قال هو من كلام البشر والقرآن قديم معجز فيلزم أن يكون المعجز محتاجا لتقدير هذا المحذوف الغير المعجز الحادث وهذا الاحتياج نقص والمركب من المعجز وغير المعجز غير معجز ومن القديم والحادث حادث فيا علماء الإسلام أرشدوني اهـ على أن ما يرد على هذا الكلام أكثر من ألفاظه فتأمل اهـ منه.
(٢) حيث قال هو من كلام البشر والقرآن قديم معجز فيلزم أن يكون المعجز محتاجا لتقدير هذا المحذوف الغير المعجز الحادث وهذا الاحتياج نقص والمركب من المعجز وغير المعجز غير معجز ومن القديم والحادث حادث فيا علماء الإسلام أرشدوني اهـ على أن ما يرد على هذا الكلام أكثر من ألفاظه فتأمل اهـ منه.
51
يقدر بهما على أن الابتداء هنا ليس أعم من القراءة لأن المراد به ابتداء القراءة وهو أخص من القراءة لصدقها على قراءة الأول والوسط والآخر، واختصاص ابتداء القراءة بالأول فليس هذا هو الكون والاستقرار الذي قدرهما النحاة فيما تقدم، ودعوى عموم أبتدىء باعتبار أنه منزل منزلة اللازم لكنه يعلم بقرينة المقام أن المبتدأ به هو القراءة وباعتبار أصل العامل في الجميع لا يخفي فسادها فإنه إذا دل المقام على إرادته فما معنى تنزيله منزلة اللازم حينئذ وكونه باعتبار اللفظ والأصل لا يدفع السؤال في الحال فافهم «وأما ما ذكر ثانيا» من أن فعل البداءة مستقل بالغرض فغير مسلم وقد قدمنا أن القراءة أمس وأشمل والوقوع في الابتداء بالبداية فعلا لا بإضمار الابتداء فمتى ابتدأ بالبسملة حصل له المقصود غير مفتقر إلى شيء كمن صلى فبدأ بتكبيرة الإحرام لا يحتاج في كونه بادئا إلى الإضمار لكنه مفتقر إلى بركتها وشمولها لجميع ما فعله، ومن هذا يظهر ما في باقي الكلام من الوهن «وأما ما ذكر ثالثا» ففيه أن كون التسمية مبتدأ بها حاصل بالفعل لا بإضمار الفعل ولم يرد الحديث بأن كل أمر ذي بال لم يقل أو لم يضمر فيه أبدأ ببسم الله فهو كذا على أن المحافظة على موافقة لفظ الحديث إنما يليق أن يجعل نكتة في كلام المصنفين ومن ينخرط في سلكهم لا في كلام الله جل شأنه كما لا يخفى على من له طبع سليم، وأيضا البحث إنما هو في ترجيح تقدير الفعل العام كأبدأ أو أشرع وما شاكلهما لا في ترجيح خصوص اقرأ أعني فعلا مصدره القراءة على خصوص أبدأ أعني فعلا مصدره البداءة ففيما ذكر خروج عن قانون الأدب وموضع النزاع.
وذهب البعض إلى تقدير ابتدائي مثلا وفيه زيادة إضمار لوجوب إضمار الخبر حينئذ فيكون المضمر ثلاث كلمات ودلالة الاسمية على الثبوت معارضة بدلالة المضارع على الاستمرار التجددي المناسب للمقام إلا أنه تبقى المخالفة بين جملتي البسملة والحمد ولعل الأمر فيه سهل وجعل الشيخ الأكبر قدس سره هذا الجار خبر مبتدأ مضمر هو ابتداء العالم وظهوره لأن سبب وجوده الأسماء الإلهية وهي المسلطة عليه كجعله متعلقا بما بعده إذ لا يحمد الله تعالى إلا بأسمائه من باب الإشارة فلا ينظر فيه إلى الظاهر ولا يتقيد بالقواعد ولا أرى الاعتراض عليه من الإنصاف، وقد ذهب الكثير إلى أن تقدير المتعلق هنا مؤخرا أحرى لأن اسم الله تعالى مقدم على الفعل ذاتا فليقدم على الفعل ذكرا، وفيه إشارة إلى البرهان اللمي وهو أشرف من البرهان الإنيّ، ولذا قال بعض العارفين ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وتحنيك طفل الذهن بحلاوة هذا الاسم يعين على فطامه عن رضع ضرع السوي بدون وضع مرارة الحدوث، على أن بركة التبرك طافحة بالأهمية وإن قلنا بأن في التقديم قطع عرق الشركة ردا على من يدعيها ناسب مقام الرسالة وظهر سر تقديم الفعل في أول آية نزلت إذ المقام إذ ذاك مقام نبوة ولا رد ولا تبليغ فيها ولكل مقام مقال والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وقد اعتركت الأفهام هنا في توجيه القصر لظنه من ذكر الاختصاص حتى ادعاه بعضهم بأنواعه الثلاثة وأفرد البعض البعض، فمقتصر على قصر الإفراد، وقائل به وبالقلب، وفي القلب من كل شيء وعندي هنا يقدر مقدما، وبه قال الأكثرون وإن تقديره مؤخرا مؤخر عن ساحة التحقيق لأنه إما أن يقدر بعد الباء أو بعد اسم أو بعد اسم الله، أو بعد البعد، أما تقديره بعد الباء فلا يقوله من عرف الباء. وأما بعد الاسم فلاستلزامه الفصل ولو تعقلا حيث أوجبوا الحذف هنا بين المتضايفين وأما بعد اسم الله فلاستلزامه الفصل كذلك بين الصفة والموصوف وأما بين الصفتين فيتسع الخرق، وأما بعد التمام فيظهر نقص دقيق لأن في الجملة تعليق الحكم بما يشعر بالعلية فكان الرحمن الرحيم علة للقراءة المقيدة باسم الله فإذا تأخر العامل المقيد المعلول وتقدمت علته أشعر بالانحصار ولا يظهر وجهه، وإذا قدرنا العامل مقدما كما هو الأصل أمنا من المحذور ويحصل اختصاص أيضا إذ كأنه قيل مثلا اقرأ مستعينا أو متبركا بسم الله الرحمن الرحيم لأنه الرحمن الرحيم، وانتفاء العلة يستلزم انتفاء المعلول في المقام الخطابي إذا لم تظهر علة
وذهب البعض إلى تقدير ابتدائي مثلا وفيه زيادة إضمار لوجوب إضمار الخبر حينئذ فيكون المضمر ثلاث كلمات ودلالة الاسمية على الثبوت معارضة بدلالة المضارع على الاستمرار التجددي المناسب للمقام إلا أنه تبقى المخالفة بين جملتي البسملة والحمد ولعل الأمر فيه سهل وجعل الشيخ الأكبر قدس سره هذا الجار خبر مبتدأ مضمر هو ابتداء العالم وظهوره لأن سبب وجوده الأسماء الإلهية وهي المسلطة عليه كجعله متعلقا بما بعده إذ لا يحمد الله تعالى إلا بأسمائه من باب الإشارة فلا ينظر فيه إلى الظاهر ولا يتقيد بالقواعد ولا أرى الاعتراض عليه من الإنصاف، وقد ذهب الكثير إلى أن تقدير المتعلق هنا مؤخرا أحرى لأن اسم الله تعالى مقدم على الفعل ذاتا فليقدم على الفعل ذكرا، وفيه إشارة إلى البرهان اللمي وهو أشرف من البرهان الإنيّ، ولذا قال بعض العارفين ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وتحنيك طفل الذهن بحلاوة هذا الاسم يعين على فطامه عن رضع ضرع السوي بدون وضع مرارة الحدوث، على أن بركة التبرك طافحة بالأهمية وإن قلنا بأن في التقديم قطع عرق الشركة ردا على من يدعيها ناسب مقام الرسالة وظهر سر تقديم الفعل في أول آية نزلت إذ المقام إذ ذاك مقام نبوة ولا رد ولا تبليغ فيها ولكل مقام مقال والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وقد اعتركت الأفهام هنا في توجيه القصر لظنه من ذكر الاختصاص حتى ادعاه بعضهم بأنواعه الثلاثة وأفرد البعض البعض، فمقتصر على قصر الإفراد، وقائل به وبالقلب، وفي القلب من كل شيء وعندي هنا يقدر مقدما، وبه قال الأكثرون وإن تقديره مؤخرا مؤخر عن ساحة التحقيق لأنه إما أن يقدر بعد الباء أو بعد اسم أو بعد اسم الله، أو بعد البعد، أما تقديره بعد الباء فلا يقوله من عرف الباء. وأما بعد الاسم فلاستلزامه الفصل ولو تعقلا حيث أوجبوا الحذف هنا بين المتضايفين وأما بعد اسم الله فلاستلزامه الفصل كذلك بين الصفة والموصوف وأما بين الصفتين فيتسع الخرق، وأما بعد التمام فيظهر نقص دقيق لأن في الجملة تعليق الحكم بما يشعر بالعلية فكان الرحمن الرحيم علة للقراءة المقيدة باسم الله فإذا تأخر العامل المقيد المعلول وتقدمت علته أشعر بالانحصار ولا يظهر وجهه، وإذا قدرنا العامل مقدما كما هو الأصل أمنا من المحذور ويحصل اختصاص أيضا إذ كأنه قيل مثلا اقرأ مستعينا أو متبركا بسم الله الرحمن الرحيم لأنه الرحمن الرحيم، وانتفاء العلة يستلزم انتفاء المعلول في المقام الخطابي إذا لم تظهر علة
52
أخرى فيفيد الاختصاص لا سيما عند القائل بمفهوم الصفة فيشعر بأن من لم يتصف بذلك خارج عن الدائرة والاقتصار هنا ليس كالاقتصار هناك والتخلص بتقدير التركيب مستعينا باسم الله لأنه الرحمن الرحيم اقرأ فيه ما لا يخفى على الطبع السليم، وفي تقديم الحادث تعقلا وحذفه ذكرا وعدم وجود شيء في الظاهر مستقلا سوى الاسم القديم رمز خفي إلى تقديم الأعيان الثابتة في العلم وإن لم يكن على وجود الله تعالى إذ له جل شأنه التقدم المطلق وعدم ظهور شيء سواه وكل شيء هالك إلا وجهه، وللإشارة إلى أنه لا ضرر في ذلك ارتكب، والتبرك كالوجوب يقتضي التقدم بالذكر مكسورا لا مضموما وها هو كما ترى ومن الأكابر من قال ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله تعالى فيه ولا حلول وقد عد أكمل من الأول والمراتب أربع وتحنيك الرحمة يغني عن كل در ويفطم طفل الذهن عن ثدي جواري الفكر وكأن من قدر العامل مؤخرا رأى بسم الله مجراها، وباسمك ربي وضعت جنبي وأمثالهما فجرى مجراها والفرق ظاهر للناظر وهذا من نسائم الأسحار فتيقظ له ونم عن غيره.
والظرف مستقر عند بعض ولغو عند آخرين وقد اختلف في تفسيرهما، فقيل اللغو ما يكون عامله مذكورا، والمستقر ما يكون عامله محذوفا مطلقا وقيل المستقر ما يكون عامله عاما (١) كالحصول والاستقرار وهو مقدر واللغو بخلافه، وقيل اللغو ما يكون عامله خارجا عن الظرف غير مفهوم منه سواء ذكر أو لا، والمستقر ما فهم منه معنى عامله المقدر الذي هو من الأفعال العامة وكل ذلك اصطلاح وحيث لا مشاحة فيه اختار الأول فيكون الظرف هنا مستقرا كيفما قدر العامل، وإنما كسرت الباء وحق الحروف المفردة أن تفتح لأنها مبنية والأصل في البناء لثقله وكونه مقابلا للإعراب الوجودي السكون لخفته وكونه عدميا إلا أنها من حيث كونها كلمات برأسها مظنة للابتدار وهو بالساكن متعذر أو متعسر كان حقها الفتح إذ هو أخو السكون في الخفة المطلوبة في كثير الدور على الألسنة لامتيازها من بين الحروف بلزوم الحرفية والجر وكل منهما يناسب الكسر، أما الحرفية فلأنها تقتضي عدم الحركة والكسر لقلته إذ لا يوجد في الفعل ولا في غير المنصرف ولا في الحروف إلا نادرا يناسب العدم. وأما الجر فلموافقة حركة الباء أثرها ولا نقض بواو العطف اللازمة للحرفية ولا بكاف التشبيه اللازمة للجر لأن المجموع سبب الامتياز ولم يوجد في كل لكن يبقى النقض واو القسم وتائه ويجاب بأن عملها بالنيابة عن الباء التي هي الأصل في حروفه فكأن الجر ليس أثرا لهما وهذه علل نحوية مستخرجة بعد الوقوع لإبداء مناسبة فلا تتحمل مناقشة لضعفها كما قيل:
عهد الذي أهوى وميثاقه... أضعف من حجة نحوي
فلا نسهر جفن الفكر فيما لها وعليها، وقال بعضهم من باب الإشارة: كسرت الباء في البسملة تعليما للتوصل إلى الله تعالى والتعلق بأسمائه بكسر الجناب والخضوع وذل العبودية فلا يتوصل إلى نوع من أنواع المعرفة إلا بنوع من أنواع الذل والكسر كما أشار إلى ذلك سيدي عمر بن الفارض قدس الله سره الفائض بقوله:
ولو كنت لي من نقطة الباء خفضة... رفعت إلى ما لم تنله بحيله
بحيث ترى أن لا ترى ما عددته... وأن الذي أعددته غير عده
فإن الخفض يقابل الرفع فمن خفضه النظر إلى ذل العبودية، رفعه القدر إلى مشاهدة عز الربوبية، ولا ينال هذا الرفع بحيلة بل هو بمحض الموهبة الإلهية الجليلة، ومن تنزل ليرتفع فتنزله معلول، وسعيه غير مقبول انتهى.
والظرف مستقر عند بعض ولغو عند آخرين وقد اختلف في تفسيرهما، فقيل اللغو ما يكون عامله مذكورا، والمستقر ما يكون عامله محذوفا مطلقا وقيل المستقر ما يكون عامله عاما (١) كالحصول والاستقرار وهو مقدر واللغو بخلافه، وقيل اللغو ما يكون عامله خارجا عن الظرف غير مفهوم منه سواء ذكر أو لا، والمستقر ما فهم منه معنى عامله المقدر الذي هو من الأفعال العامة وكل ذلك اصطلاح وحيث لا مشاحة فيه اختار الأول فيكون الظرف هنا مستقرا كيفما قدر العامل، وإنما كسرت الباء وحق الحروف المفردة أن تفتح لأنها مبنية والأصل في البناء لثقله وكونه مقابلا للإعراب الوجودي السكون لخفته وكونه عدميا إلا أنها من حيث كونها كلمات برأسها مظنة للابتدار وهو بالساكن متعذر أو متعسر كان حقها الفتح إذ هو أخو السكون في الخفة المطلوبة في كثير الدور على الألسنة لامتيازها من بين الحروف بلزوم الحرفية والجر وكل منهما يناسب الكسر، أما الحرفية فلأنها تقتضي عدم الحركة والكسر لقلته إذ لا يوجد في الفعل ولا في غير المنصرف ولا في الحروف إلا نادرا يناسب العدم. وأما الجر فلموافقة حركة الباء أثرها ولا نقض بواو العطف اللازمة للحرفية ولا بكاف التشبيه اللازمة للجر لأن المجموع سبب الامتياز ولم يوجد في كل لكن يبقى النقض واو القسم وتائه ويجاب بأن عملها بالنيابة عن الباء التي هي الأصل في حروفه فكأن الجر ليس أثرا لهما وهذه علل نحوية مستخرجة بعد الوقوع لإبداء مناسبة فلا تتحمل مناقشة لضعفها كما قيل:
عهد الذي أهوى وميثاقه... أضعف من حجة نحوي
فلا نسهر جفن الفكر فيما لها وعليها، وقال بعضهم من باب الإشارة: كسرت الباء في البسملة تعليما للتوصل إلى الله تعالى والتعلق بأسمائه بكسر الجناب والخضوع وذل العبودية فلا يتوصل إلى نوع من أنواع المعرفة إلا بنوع من أنواع الذل والكسر كما أشار إلى ذلك سيدي عمر بن الفارض قدس الله سره الفائض بقوله:
ولو كنت لي من نقطة الباء خفضة... رفعت إلى ما لم تنله بحيله
بحيث ترى أن لا ترى ما عددته... وأن الذي أعددته غير عده
فإن الخفض يقابل الرفع فمن خفضه النظر إلى ذل العبودية، رفعه القدر إلى مشاهدة عز الربوبية، ولا ينال هذا الرفع بحيلة بل هو بمحض الموهبة الإلهية الجليلة، ومن تنزل ليرتفع فتنزله معلول، وسعيه غير مقبول انتهى.
(١) ويسمى مستقرا التقدير معنى الاستقرار اهـ منه.
53
وهو أمر مخصوص بباء البسملة لا يمكن أن يجري في باء الجر مطلقا كما لا يخفى، وعندي في سر ذلك أن الباء هي المرتبة الثانية بالنسبة إلى الألف البسيطة المجردة المتقدمة على سائر المراتب فهي إشارة إلى الوجود الحق، والباء إما إشارة إلى صفاته التي أظهرتها نقطة الكون ولذلك لما قيل للعارف الشبلي أنت الشبلي؟ فقال أنا النقطة تحت الباء، وقال سيدي الشيخ الأكبر قدس سره:
والصفات إما جمالية أو جلالية، وللأولى السبق كما يشير اليه حديث
«سبقت رحمتي غضبي»
وباء الجر إشارة إليها لأنها الواسطة في الإضافة والإفاضة فناسبها الكسر وخفض الجناح ليتم الأمر ويظهر السر، وفي الابتداء بها هنا تعجيل للبشارة ورمز إلى أن المدار هو الرحمة كما
قال صلّى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدكم الجنة عمله قيل حتى أنت يا رسول الله قال حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته»
وقد تدرج سبحانه وتعالى بإظهارها فرمز بالباء وأشار بالله وصرح أتم تصريح بالرحمن الرحيم، وإما إشارة إلى الحقيقة المحمدية والتعين الأول المشار إليه
بقوله صلّى الله عليه وسلم «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر»
وبواسطته حصلت الإفاضة كما يشير إليه
لولاك ما خلقت الأفلاك
ولكون الغالب عليه عليه الصلاة والسلام صفة الرحمة لا سيما على مؤمني الأمة كما يشير إليه قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء:
١٠٧] وقوله تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١٢٨] ناسب ظهور الكسر فيما يشير إلى مرتبته وفي الابتداء به هنا رمز إلى صفة من أنزل عليه الكتاب والداعي إلى الله. وفي ذلك مع بيان صفة المدعو اليه بأنه الرحمن الرحيم تشويق تام وترغيب عظيم وقد تدرج أيضا جل شأنه في وصفه صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك في القرآن إلى أن قال سبحانه وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤] واكتفى بالرمز هاهنا لعدم ظهور الآثار بعد وأول الغيث قطر ثم ينهمل، وما من سورة إلا افتتحها الرب بالرمز إلى حاله صلى الله تعالى عليه وسلم تعظيما له وبشارة لمن ألقى السمع وهو شهيد ولما كان الجلال في سورة براءة ظاهرا ترك الإشارة بالبسملة وأتى بباء مفتوحة لتغير الحال وإرخاء الستر على عرائس الجمال ولم يترك سبحانه وتعالى الرمز بالكلية إلى الحقيقة المحمدية ولا يسعنا الإفصاح بأكثر من هذا في هذا الباب خوفا من قال أرباب الحجاب وخلفه سر جليل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل، والاسم عند البصريين من الأسماء العشرة التي بنيت أوائلها على السكون وهي ابن وابنة وابنم واسم واست واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وأيمن الله وايم الله منه وإلا فأحد عشر إن اعتد بابنم فإذا نطقوا بها (١) زادوا همزة لبشاعة الابتداء بالساكن غير المدات عندهم وفيها يمتنع والأمر ذوقي (٢) وهو مما حذف عجزه كيد وما عدا الثلاثة الأخيرة (٣) مما تقدم.
وأصله سمو حذفت الواو تخفيفا لكثرة الاستعمال ولتعاقب الحركات وسكن السين وحرك الميم واجتلبت ألف
الباء للعارف الشبلي معتبر | وفي نقيطتها للقلب مدكر |
سر العبودية العلياء مازجها | لذاك ناب مناب الحق فاعتبروا |
أليس يحذف من بسم حقيقته | لأنه بدل منه فذا وزر |
«سبقت رحمتي غضبي»
وباء الجر إشارة إليها لأنها الواسطة في الإضافة والإفاضة فناسبها الكسر وخفض الجناح ليتم الأمر ويظهر السر، وفي الابتداء بها هنا تعجيل للبشارة ورمز إلى أن المدار هو الرحمة كما
قال صلّى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدكم الجنة عمله قيل حتى أنت يا رسول الله قال حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته»
وقد تدرج سبحانه وتعالى بإظهارها فرمز بالباء وأشار بالله وصرح أتم تصريح بالرحمن الرحيم، وإما إشارة إلى الحقيقة المحمدية والتعين الأول المشار إليه
بقوله صلّى الله عليه وسلم «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر»
وبواسطته حصلت الإفاضة كما يشير إليه
لولاك ما خلقت الأفلاك
ولكون الغالب عليه عليه الصلاة والسلام صفة الرحمة لا سيما على مؤمني الأمة كما يشير إليه قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء:
١٠٧] وقوله تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١٢٨] ناسب ظهور الكسر فيما يشير إلى مرتبته وفي الابتداء به هنا رمز إلى صفة من أنزل عليه الكتاب والداعي إلى الله. وفي ذلك مع بيان صفة المدعو اليه بأنه الرحمن الرحيم تشويق تام وترغيب عظيم وقد تدرج أيضا جل شأنه في وصفه صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك في القرآن إلى أن قال سبحانه وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤] واكتفى بالرمز هاهنا لعدم ظهور الآثار بعد وأول الغيث قطر ثم ينهمل، وما من سورة إلا افتتحها الرب بالرمز إلى حاله صلى الله تعالى عليه وسلم تعظيما له وبشارة لمن ألقى السمع وهو شهيد ولما كان الجلال في سورة براءة ظاهرا ترك الإشارة بالبسملة وأتى بباء مفتوحة لتغير الحال وإرخاء الستر على عرائس الجمال ولم يترك سبحانه وتعالى الرمز بالكلية إلى الحقيقة المحمدية ولا يسعنا الإفصاح بأكثر من هذا في هذا الباب خوفا من قال أرباب الحجاب وخلفه سر جليل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل، والاسم عند البصريين من الأسماء العشرة التي بنيت أوائلها على السكون وهي ابن وابنة وابنم واسم واست واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وأيمن الله وايم الله منه وإلا فأحد عشر إن اعتد بابنم فإذا نطقوا بها (١) زادوا همزة لبشاعة الابتداء بالساكن غير المدات عندهم وفيها يمتنع والأمر ذوقي (٢) وهو مما حذف عجزه كيد وما عدا الثلاثة الأخيرة (٣) مما تقدم.
وأصله سمو حذفت الواو تخفيفا لكثرة الاستعمال ولتعاقب الحركات وسكن السين وحرك الميم واجتلبت ألف
(١) إلا أن ذلك فيها لذاتها لا لسكونها اهـ منه.
(٢) وقد استدل على الجواز بأنه لولا ذلك لتوقف التلفظ بالحرف المبتدأ به على التلفظ بالحركة فيدور لأن الحركة موقوفة على الحرف في التلفظ توقف العارض على المعروض ويجاب بأن امتناع الابتداء بالساكن يستلزم امتناع انفكاك الحركة عن الحرف المبتدأ به لا توقفه عليها إذ يجوز أن تكون الحركة تابعة له غير منفكة عنه اهـ منه.
(٣) فبين ما حذف عجزه وما بني أوله على السكون عموم من وجه اهـ. منه
(٢) وقد استدل على الجواز بأنه لولا ذلك لتوقف التلفظ بالحرف المبتدأ به على التلفظ بالحركة فيدور لأن الحركة موقوفة على الحرف في التلفظ توقف العارض على المعروض ويجاب بأن امتناع الابتداء بالساكن يستلزم امتناع انفكاك الحركة عن الحرف المبتدأ به لا توقفه عليها إذ يجوز أن تكون الحركة تابعة له غير منفكة عنه اهـ منه.
(٣) فبين ما حذف عجزه وما بني أوله على السكون عموم من وجه اهـ. منه
54
الوصل فوزنه أفع وتصريفه إلى أسماء (١) وسمى وسميت دون أوسام ووسيم ووسمت يشهد له والجرح بالقلب لا يقبل، واشتقاقه من السمو كالعلو لأنه لدلالته على مسماه يعليه من حضيض الخفاء إلى ذروة الظهور والجلاء.
وقال الكوفيون هو من السمة لأنه علامة على مسماه وأصله وسم فحذفت الواو وعوضت عنها همزة الوصل وكفى الله المؤمنين القتال، فوزنه أعل ويرد عليهم أن الهمزة لم تعهد داخلة على ما حذف صدره وزيادة الاعلال أقيس من عدم النظير وأيضا كونها عوضا يقتضي كونها مقصودة لذاتها ووصلا كونها مقصودة تبعا والعوض كجزء أصل دون الوصل فما هو إلا جمع بين الضب والنون فلذا قيل لا حذف ولا تعويض وإنما قلبت الواو همزة كإعاء وإشاح ثم كثر استعماله فجعلت همزته همزة وصل وقد تقطع للضرورة ورجح الأول لهاتيك الشهادة وفيه لغات أوصلها البعض إلى ثماني عشرة ونظمها فقال:
هذا وقد طال التشاجر في أن الاسم هل هو عين المسمى أو غيره؟ فالأشاعرة على الأول والمعتزلة على الثاني وقد تحير نحارير الفضلاء في تحرير محل البحث على وجه يكون حريا بهذا التشاجر حتى قال مولانا الفخر في التفسير الكبير: إن هذا البحث يجري مجرى العبث وذكر وجها (٢) ادعى لطفه ودقته (٣) وقد كفانا الشهاب مؤنة رده (٤) وقد أراد السيد النحرير في شرح المواقف فلم يتم له، وللسهيلي في ذلك كلام ادعى أنه الحق وصنف في رده ابن السيد رسالة مستقلة وادعى الشهاب أنه إلى الآن لم يتحرر وأنه لم ير مع سعة اطلاعه في هذه المسألة ما فيه ثلج الصدور ولا شفاء الغليل ولم يأت رحمه الله تعالى في حواشيه على البيضاوي من قبل نفسه بشيء يزيح الإشكال ويريح البال وها أنا من فضل الله تعالى ذاكر شيئا إذا قبل فهو غاية ما أتمناه وقد يوجد في الاسقاط ما لا يوجد في الأسفاط وإن رد فقد رد قبلي كلام ألوف كل منهم فرد يقابل بصفوف.
«فأقول» الاسم يطلق على نفس الذات والحقيقة والوجود والعين وهي عندهم أسماء مترادفة كما نقله الإمام أبو بكر بن فورك في كتابه الكبير في الأسماء والصفات والأستاذ أبو القاسم السهيلي في شرح الإرشاد وهما ممن يعض عليه بالنواجذ، ومنه قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الأعلى: ١] إذ التسبيح في المعروف إنما يتوجه إلى الذات الأقدس وحمله على تنزيه اللفظ كحمله على المجاز والكناية مما لا يليق إذ بعد الثبوت لا يحتاج إليه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ويؤيده قوله تعالى: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها [يوسف: ٤٠] حيث أطلق الأسماء وأراد الذوات لأن الكفار إنما عبدوا حقيقة ذوات الأصنام دون ألفاظها وإن استقام على بعد، وقال سيبويه وهو
وقال الكوفيون هو من السمة لأنه علامة على مسماه وأصله وسم فحذفت الواو وعوضت عنها همزة الوصل وكفى الله المؤمنين القتال، فوزنه أعل ويرد عليهم أن الهمزة لم تعهد داخلة على ما حذف صدره وزيادة الاعلال أقيس من عدم النظير وأيضا كونها عوضا يقتضي كونها مقصودة لذاتها ووصلا كونها مقصودة تبعا والعوض كجزء أصل دون الوصل فما هو إلا جمع بين الضب والنون فلذا قيل لا حذف ولا تعويض وإنما قلبت الواو همزة كإعاء وإشاح ثم كثر استعماله فجعلت همزته همزة وصل وقد تقطع للضرورة ورجح الأول لهاتيك الشهادة وفيه لغات أوصلها البعض إلى ثماني عشرة ونظمها فقال:
للاسم عشر لغات مع ثمانية | بنقل جدي شيخ الناس أكملها |
سم سمات سما واسم وزد سمة | كذا سماء بتثليث لأولها |
وابن اللبون إذا ما لز في قرن | لم يستطع صولة البزل القناعيس |
(١) وأصل اسماء اسما وقلبت الواو همزة لوقوعها رابعة بعد ألف، وأصل سمى سميو اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت، وأصل سميت سموت قلبت الواو لوقوعها رابعة ولم ينضم ما قبلها ياء اهـ منه.
(٢) هو أن لفظ الاسم اسم لكل لفظ دال على معنى في نفسه غير مقترن بزمان ولفظ الاسم كذلك فيكون اسما لنفسه وعين مسماه وفيه أنه إنما يصح لو كان النزاع في لفظ (اس م) ولا يصح محلا للخلاف حتى ينكره المعتزلة وأيضا لفظ كلمة وموضوع كذلك قاله الشهاب فافهم ولا تغفل اهـ منه.
(٣) وفي كلام البيضاوي إيماء إليه لمن أنصف اهـ منه.
(٤) رد على البيضاوي وغيره اهـ منه.
(٢) هو أن لفظ الاسم اسم لكل لفظ دال على معنى في نفسه غير مقترن بزمان ولفظ الاسم كذلك فيكون اسما لنفسه وعين مسماه وفيه أنه إنما يصح لو كان النزاع في لفظ (اس م) ولا يصح محلا للخلاف حتى ينكره المعتزلة وأيضا لفظ كلمة وموضوع كذلك قاله الشهاب فافهم ولا تغفل اهـ منه.
(٣) وفي كلام البيضاوي إيماء إليه لمن أنصف اهـ منه.
(٤) رد على البيضاوي وغيره اهـ منه.
55
إمام الصناعة وشيخ الجماعة: والفعل أمثلة أحداث من لفظ أحدث الأسماء ومن العلوم أن الألفاظ لا احداث لها فليس المراد إلا الذوات وهو بهذا المعنى عين المسمى ولا ينافيه أخذ الاسم من السمو لأن سمو المعلوم في الحقيقة إنما هو بوجوده إن كان موجودا حيث ارتفع عن نقص العدم وبمعقوليته عن الالتباس بمعلوم آخر إن لم يكن ولو كنا نرى الموجودات كلها ونعلم المعلومات بأسرها لم نحتج إلى مسمياتها لكن لما صحت غيبتها عنا لمانع في أبصارنا وبصائرنا احتجنا إلى ما يدلنا عليها في التخاطب والإخبار عنها فمن الله تعالى بهذه الأوضاع لطفا بنا وحكمة من حكيم عليم فلما سمت المعلومات بمعقوليتها عن الالتباس وبوجود ما كان موجودا منها عن العدم قيل لها أسماء، ولما دلت الألفاظ عليها قيل لها ذلك أيضا تسمية للشيء باسم ما هو دليل عليه ويطلق الاسم أيضا على الدال وهو قسمان، قديم وهو ما سمى الله تعالى به نفسه في كلامه القديم والقول فيه كالقول في كلامه الذي هو صفة له من أنه لا عين ولا غير، وحادث وهو ما سمى به تعالى شأنه في غير ذلك وهو غير، فالمعتزلة لا يثبتون إلا القسم الثاني من هذا الإطلاق لعدم ثبوت الأول عندهم ولنفيهم الكلام القديم، وأهل السنة لما رأوا أن نزاعهم لهم في القسم الأول من الإطلاق الثاني يعود إلى النزاع في منشئه تركوه واكتفوا بالنزاع في المنشأ عنه حتى برهنوا فيه على مدعاهم ونوروا بالبينات القطعية دعواهم وقد تقدم ذلك لك في المقدمات ونازعوهم في الإطلاق الأول وأثبتوه بظواهر الآيات ونقل الثقات وقالوا ضد قولهم إن الاسم عين المسمى فكأنه ترقي صورد من نفي الغيرية وإثبات لا ولا إلى القول بالعينية التي أنكروها ولعدم فهم المراد من ذلك اعترض بأنه لو كان الاسم هو المسمى لتكثر المسمى عند تكثر الأسماء وأيضا الأسماء تتبدل والمسمى لا يتبدل والاسم يطرأ بعد وجود المسمى والشيء لا يتقدم على نفسه ولا يتأخر فليس هو هو والكل غير وارد إلا على تقدير القول بالعينية بناء على القسم الثاني من الإطلاق الثاني وليس فليس، فاتضح من هذا أن قول المعتزلة بالغيرية ناشىء عن ضلالة في الاعتقاد وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزمر: ٢٣] والاسم في البسملة عند بعض بالمعنى الأول لأن الاستعانة بالألفاظ مجردها مما لا معنى لها وليس من التسعة والتسعين ما لفظه اسم فلا يحسن إلا أن يراد به الذات وأمر الإضافة هين وفيه أنه فرق بين الاستعانة المتعدية بنفسها والاستعانة المعتدية بالباء المتعلقة بغير ذوي العلم نحو استعينوا بالصبر والصلاة وقال غير واحد سلمنا أن الاستعانة لا تكون إلا بالذات إلا أن التبرك لا يكون بها وقد قالوا به ولهذا أو للفرق بين اليمين والتيمن أو لئلا يختص التبرك باسم دون اسم أو ليكون أشد وفاقا لحديث الابتداء على ما قيل قال بسم الله ولم يقل بالله ولم تكتب همزة الوصل مع أن الأصل في كل كلمة أن ترسم باعتبار ما يتلفظ بها في الوقف وفي الابتداء بل حذفت تبعا لحذفها في التلفظ للكثرة (١) وقيل لأنها دخلت للابتداء بالسين الساكنة فلما نابت الباء عنها سقطت في الخط بخلاف اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] إذ الباء لا تنوب منا بها فيه إذ يمكن حذفها مع بقاء المعنى فيقال- اقرأ اسم ربك- وظاهره أن الذي منع من الإسقاط في الآية إمكان حذف الباء فقط وهو مخالف لما ذكره الدماميني من أنه لا بد للحذف من أمرين عدم ذكر المتعلق وإضافة لفظ اسم للجلالة وكلاهما منتف في الآية وهل يشترط تمام البسملة فيه؟ فيه تردد وظاهر كلام التسهيل اشتراطه. وقيل لا حذف فيه والباء داخلة على سم أحد اللغات السابقة ثم سكنت السين هربا من توالي كسرتين أو انتقاله من كسرة لضمة وهو مع غرابته بعيد، وعندي أن هذا رسم عثماني وهو مما لا يكاد يعرف السر فيه أرباب الرسوم والكثير من عللهم غير مطردة وبذلك اعتذر البعض (٢) عن عدم حذف ألف الله مع كثرة استعماله واستغنى به عن الجواب بشدة الامتزاج وبأنها عوض وبأنه يلزم
(١) وقيل قابله الخليل اهـ منه.
(٢) البعض هو الشهاب اهـ منه.
(٢) البعض هو الشهاب اهـ منه.
56
الإجحاف لو حذفت أو الالتباس بقولنا لله مجرورا فالرأي إبداء سر ذوقي لذلك وقد حرره الشيخ الأكبر قدس سره في الفتوحات بما لا مزيد عليه (١) ولست ممن يفهمه والقريب من الفهم أن الهمزة إنما حذفت في الخط ليكون اتصال السين بالباء المشير إلى ما تقدم أتم وتلقي الفيض أقوى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء: ٨٠] وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: ٤٥] وفيه إشارة من أول الأمر إلى عموم الرحمة وشمول البعثة لأن السين لما كان ساكنا وتوصل إلى النطق به بالألف أشبه حال المعدوم الذي ظهر بالله وحيث كان ذلك عاما إذ ما من معدوم يطلب الظهور إلا يكون ظهوره بالله سبحانه وتعالى أعطى ذلك الحكم لما قام مقامه واتصل اتصاله وأدى في اللفظ مؤداه فإن كان عبارة عن صفات الجمال ظهر عموم الرحمة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:
١٥٦] وإن كان عبارة عن الحقيقة المحمدية ظهر شمول البعثة لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: ١] بل والرحمة أيضا وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] وتناسبت أجزاء البسملة إشارة وعبارة وإنما طولت الباء للإشارة إلى أن الظهور تام أو إلى أنها وإن انخفضت لكنها إذا اتصلت هذا الاتصال ارتفعت واستعلت، وفيه رمز إلى أن من تواضع لله رفعه الله وأنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي. وقال الرسميون طولت لتدل على الألف المحذوفة ولتكون عوضا عنها وليكون افتتاح كتاب الله تعالى بحرف مفخم ولذا
قال صلّى الله عليه وسلم لمعاوية فيما روي «ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تعور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك»
ولعل منه أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لكاتبه طول الباء وأظهر السينات ودور الميم، ولبعضهم (٢) في التعليل ما ادعي أنه ليس من عمل الأفهام بل مبذولات الإلهام وهو في التحقيق من مبتذلات الأوهام وليس له في التحقيق أدنى إلمام على أن في تعليلهم السابق خفاء بالنظر إلى مشربهم أيضا فافهم ذلك كله «والله» أصله الاعلالي إله كما في الصحاح أو الإله كما في الكشاف- ولكل وجهة- فحذفت الهمزة اعتباطا (٣) على الأظهر وعوض عنها الألف واللام (٤) ولذلك قيل: يا الله (٥) بالقطع في الأكثر لتمحض الحرف للعوضية فيه احترازا عن اجتماع أداتي تعريف وأما في غيره فيجري الحرف على أصله، وذكر الرضي أن القطع لاجتماع شيئين لزوم الهمزة الكلمة إلا نادرا كما في لاهه الكبار وكونها بدل همزة إله، وقال السعد: قد يقال فيه: إنه نوى الوقف على حرف النداء (٦) تفخيما للاسم الشريف واختلفوا في الفرق بين الإله والله فقال السيد السند: هما علم لذاته إلا أنه قبل الحذف قد يطلق على غيره تعالى وبعده لا يطلق على غيره سبحانه أصلا، وقال العلامة السعد: إن الإله اسم لمفهوم كلي هو المعبود بحق والله علم لذاته تعالى، وقال الرضي: هما قبل الإدغام وبعده مختصان بذاته تعالى لا يطلقان على غيره أصلا إلا أنه قبل الإدغام من
١٥٦] وإن كان عبارة عن الحقيقة المحمدية ظهر شمول البعثة لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: ١] بل والرحمة أيضا وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] وتناسبت أجزاء البسملة إشارة وعبارة وإنما طولت الباء للإشارة إلى أن الظهور تام أو إلى أنها وإن انخفضت لكنها إذا اتصلت هذا الاتصال ارتفعت واستعلت، وفيه رمز إلى أن من تواضع لله رفعه الله وأنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي. وقال الرسميون طولت لتدل على الألف المحذوفة ولتكون عوضا عنها وليكون افتتاح كتاب الله تعالى بحرف مفخم ولذا
قال صلّى الله عليه وسلم لمعاوية فيما روي «ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تعور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك»
ولعل منه أخذ عمر بن عبد العزيز قوله لكاتبه طول الباء وأظهر السينات ودور الميم، ولبعضهم (٢) في التعليل ما ادعي أنه ليس من عمل الأفهام بل مبذولات الإلهام وهو في التحقيق من مبتذلات الأوهام وليس له في التحقيق أدنى إلمام على أن في تعليلهم السابق خفاء بالنظر إلى مشربهم أيضا فافهم ذلك كله «والله» أصله الاعلالي إله كما في الصحاح أو الإله كما في الكشاف- ولكل وجهة- فحذفت الهمزة اعتباطا (٣) على الأظهر وعوض عنها الألف واللام (٤) ولذلك قيل: يا الله (٥) بالقطع في الأكثر لتمحض الحرف للعوضية فيه احترازا عن اجتماع أداتي تعريف وأما في غيره فيجري الحرف على أصله، وذكر الرضي أن القطع لاجتماع شيئين لزوم الهمزة الكلمة إلا نادرا كما في لاهه الكبار وكونها بدل همزة إله، وقال السعد: قد يقال فيه: إنه نوى الوقف على حرف النداء (٦) تفخيما للاسم الشريف واختلفوا في الفرق بين الإله والله فقال السيد السند: هما علم لذاته إلا أنه قبل الحذف قد يطلق على غيره تعالى وبعده لا يطلق على غيره سبحانه أصلا، وقال العلامة السعد: إن الإله اسم لمفهوم كلي هو المعبود بحق والله علم لذاته تعالى، وقال الرضي: هما قبل الإدغام وبعده مختصان بذاته تعالى لا يطلقان على غيره أصلا إلا أنه قبل الإدغام من
(١) فالرأي اعتراض على علماء الرسوم على العموم اهـ منه. [.....]
(٢) قال وإنما عوض ليكون الباء بمنزلة ألف اسم الله فيكون الابتداء ببسم الله ابتداء باسم الله فاعرفه فإنه إلخ وفيه أنه بما به يقتضي تخصيص الامتثال بالابتداء الخطي فقط وغير ذلك فافهمه اهـ منه.
(٣) ومقابله أنها حذفت بعد نقل حركتها إلى ما قبلها وحذفها لالتقاء الساكنين هي واللام قبلها ولزوم الحذف والتعويض وعدم منع الإدغام بل وجوبه مع أن المحذوف لعلة كالموجود من الأمور الشاذة التي اختص بها هذا الاسم الأعظم فافهم اهـ منه.
(٤) فلا يجتمعان إلا نادرا كما في الرضي كقوله «معاذ إله أن تكون كظبية اهـ منه.
(٥) وكون القطع في النداء أكثريا نص عليه الرضي اهـ منه.
(٦) ونقل عن سيبويه وقيل في توجيهه إن المعظم الجليل المقدم بعد ندائه باسمه من سوء الأدب فلذا جعل النداء كالمنقطع عما بعده والاسم الكريم كأنه غير منادى وفرق بين النداء بالعلم المجرد والنداء بالوصف المادح فلا يرد يا رحمن الدنيا والآخرة فتدبر اهـ منه.
(٢) قال وإنما عوض ليكون الباء بمنزلة ألف اسم الله فيكون الابتداء ببسم الله ابتداء باسم الله فاعرفه فإنه إلخ وفيه أنه بما به يقتضي تخصيص الامتثال بالابتداء الخطي فقط وغير ذلك فافهمه اهـ منه.
(٣) ومقابله أنها حذفت بعد نقل حركتها إلى ما قبلها وحذفها لالتقاء الساكنين هي واللام قبلها ولزوم الحذف والتعويض وعدم منع الإدغام بل وجوبه مع أن المحذوف لعلة كالموجود من الأمور الشاذة التي اختص بها هذا الاسم الأعظم فافهم اهـ منه.
(٤) فلا يجتمعان إلا نادرا كما في الرضي كقوله «معاذ إله أن تكون كظبية اهـ منه.
(٥) وكون القطع في النداء أكثريا نص عليه الرضي اهـ منه.
(٦) ونقل عن سيبويه وقيل في توجيهه إن المعظم الجليل المقدم بعد ندائه باسمه من سوء الأدب فلذا جعل النداء كالمنقطع عما بعده والاسم الكريم كأنه غير منادى وفرق بين النداء بالعلم المجرد والنداء بالوصف المادح فلا يرد يا رحمن الدنيا والآخرة فتدبر اهـ منه.
57
الأعلام الغالبة وبعده من الأعلام الخاصة، وادعى ابن مالك أن الله من الأعلام التي قارن وضعها أل وليس أصله الإله ثم قال ولو لم يرد على من قال ذلك إلا أنه ادعى ما لا دليل عليه لكان ذلك كافيا لأن الله والإله مختلفان لفظا ومعنى، أما لفظا فلأن أحدهما معتل العين، والثاني مهموز الفاء صحيح العين واللام فهما من مادتين، فردهما إلى أصل واحد تحكم من سوء التصريف «وأما معنى» فلأن الله خاص به تعالى جاهلية وإسلاما والإله ليس كذلك لأنه اسم لكل معبود ومن قال أصله الإله لا يخلو حاله من أمرين لأنه إما أن يقول: إن الهمزة حذفت ابتداء ثم أدغمت اللام أو يقول: إنها نقلت حركتها إلى اللام قبلها وحذفت على القياس وهو باطل، أما الأول فلأنه ادعى حذف الفاء بلا سبب ولا مشابهة ذي سبب من ثلاثي فلا يقاس بيد لأن الآخر وكذا ما يتصل به محل التغيير ولا بعدة مصدر يعد لحمله على الفعل فحذف للتشاكل ولا برقة بمعنى ورق لشبهه بعدة وزنا وإعلالا ولولا أنه بمعناه لتعين إلحاقه بالثنائي المحذوف اللام كلثة، وأما ناس وأناس فمن نوس وأنس على أن الحمل عليه على تقدير تسليم الأخذ زيادة في الشذوذ وكثرة مخالفة الأصل بلا سبب يلجىء لذلك «وأما الثاني» فلأنه يستلزم مخالفة الأصل من وجوه، أحدها نقل حركة بين كلمتين على سبيل اللزوم، ولا نظير له، والثاني نقل حركة همزة إلى مثل ما بعدها وهو يوجب اجتماع مثلين متحركين وهو أثقل من تحقيق الهمزة بعد ساكن، الثالث من مخالفة الأصل تسكين المنقول إليه الحركة فيوجب كونه عملا كلا عمل وهو بمنزلة من نقل في بئس ولا يخفى ما فيه من القبح مع كونه في كلمة فما هو في كلمتين أمكن في الاستقباح وأحق بالإطراح، الرابع إدغام المنقول إليه فيما بعد الهمزة وهو بمعزل عن القياس لأن الهمزة المنقولة الحركة في تقدير الثبوت فإدغام ما قبلها فيما بعدها كإدغام أحد المنفصلين، وقد اعتبر أبو عمرو في الإدغام الكبير الفصل بواجب الحذف نحو يَبْتَغِ غَيْرَ [آل عمران: ٨٥] فلم يدغم فاعتبار غير واجب الحذف أولى ومن زعم أن أصله إله يقول: إن الألف واللام عوض من الهمزة ولو كان كذلك لم يحذفا في لاه أبوك أي لله أبوك إذ لا يحذف عوض ومعوض في حالة واحدة وقالوا لهى أبوك أيضا فحذفوا لام الجر والألف واللام وقدموا الهاء وسكنوها فصارت الألف ياء وعلم بذلك أن الألف كانت منقلبة لتحركها وانفتاح ما قبلها فلما وليت ساكنا عادت إلى أصلها وفتحتها فتحة بناء، وسبب البناء تضمن معنى التعريف عند أبي علي (١) ومعنى حرف التعجب إذ لم يقع في غيره وإن لم يوضع له حرف عندي وهو مع بنائه في موضع جر باللام المحذوفة واللام ومجرورها في موضع رفع خبر أبوك اهـ ملخصا، قال ناظر الجيش: إنه لا مزيد عليه في الحسن، وأنا أقول لا بأس به لولا قوله: إن الإله اسم لكل معبود فقد بالغ البلقيني في رده وادعى أنه لا يقع إلا على المعبود بالحق جل شأنه ومن أطلقه على غيره حكم الله تعالى بكفره وأرسل الرسل لدعائه وكان نظير إطلاق النصارى الله على عيسى على أن فيه ما يمكن الجواب عنه كما لا يخفى واشتقاقه من أله كعبد إلاهة كعبادة وألوهة كعبودة وألوهية كعبودية فإله صفة مشبهة بمعنى مألوه ككتاب بمعنى مكتوب وكونه مصدرا كما ذهب إليه المرزوقي وصاحب المدارك خلاف المشهور أو من أله كفرح إذا تحير لتحير العقول في كنه ذاته وصفاته وفيه أن الأصل في الاشتقاق أن يكون لمعنى قائم بالمشتق والحيرة قائمة بالخلق لا بالحق أو من ألهت إلى فلان إذا سكنت إليه أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: ٢٨] أو من له إذا فزع والله مفزوع إليه وهو يجير ولا يجار عليه أو من أله الفصيل إذا ولع بأمه والعباد مولعون بالتضرع إليه في الشدائد، وقيل هو من وله الواوي بمعنى تحير أيضا وأصله ولاه فقلبت الواو همزة لاستثقال الكسرة عليها فهو كإعاء وإشاح في وعاء ووشاح ويرده الجمع على آلهة دون أولهة وقلب الواو ألفا إذا
(١) وأورد عليه أن الألف واللام في الله زائدة في التسمية مستغنى عن معناها بالعلمية وإذا حذفت لم يبق لها معنى يتضمن فلذا عدل عنه لكن قد يجاب بأن القول بزيادتها ليس متعينا عند أبي علي: وتمام الكلام في التسهيل وبعضه في الشهاب اهـ منه.
58
لم تتحرك مخالف للقياس وتوهم أصالة الهمزة لعدم ولاه خلاف الظاهر ولعلك لا تعبأ بذلك هنا فالشأن عجيب، وزعم بعضهم أن أصله لاه مصدر لاه يليه (١) أو لاه يلوه ليها ولاها إذا ارتفع واحتجب وهو المحتجب بسرادقات الجلال والمرتفع عن إدراك الخيال وقد قرىء شاذا «وهو الذي في السماء لاه» وقول ميمون بن قيس الأعشى:
كحلفه من أبي رباح... يشهدها لاهه الكبار
ووجه قطع الهمزة في حال النداء حينئذ بعض ما تقدم من الوجوه، وقيل أصله الكناية لأنها للغائب وهو سبحانه الغائب عن أن تدركه الأبصار أو تحيط به الأفكار، وأيضا الهاء يخرج مع الأنفاس فهو المذكور وإن لم تشعر الحواس ومتى انقطع خروجه انقطعت الحياة وحل بالحي الممات فيه وباسمه قوام الأرواح والأبدان واستقامة كل متنفس من الحيوان فزيد عليها لام الملك ثم مدّ بها الصوت تعظيما ثم ألزم اللام واستأنس لهذا إن الاسم الكريم إذا حذفت منه الهمزة بقي لله وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الفتح: ٤، ٧] وإذا تركت اللام بقي على صورة له لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [النساء: ١٧١، طه: ٦، الحج: ٦٤، الشورى: ٤] وإن تركت اللام الباقية بقي الهاء المضمومة من هو لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة: ١٦٣ وغيرها] والواو زائدة بدليل سقوطها في هما وهم فالأصل هو إذ لا يبقى سواه وأنت إذا أمعنت النظر يظهر لك مناسبات أخر ولهذا مال كثير من الصوفية إلى هذا القول وهو إلى المشرب قريب، وزعم البلخي أنه ليس بعربي بل هو عبراني (٢) أو سرياني معرب لاها ومعناه ذو القدرة ولا دليل عليه فلا يصار إليه واستعمال اليهود والنصارى لا يقوم دليلا إذ احتمال توافق اللغات قائم مع أن قولهم تأله وأله يأباه على أن التصرف فيه كما قيل بحذف المدة وإدخال أل عليه وجعله بهذه الصفة دليل على أنه لم يكن علما في غير العربية إذ اشترطوا في منع الصرف للعجمة كون الأعجمي علما في اللغة الأعجمية والتصرف مضعف لها، فهذا الزعم ساقط عن درجة الاعتبار لا يساعده عقل ولا نقل والذي عليه أكابر المعتبرين كالشافعي ومحمد بن الحسن والأشعري (٣) وغالب أصحابه والخطابي وإمام الحرمين والغزالي والفخر الرازي وأكثر الأصوليين والفقهاء، ونقل عن اختيار الخليل وسيبويه والمازني وابن كيسان أنه عربي وعلم من أصله لذاته تعالى المخصوصة أما أنه عربي فلا يكاد يحتاج إلى برهان وأما أنه علم كذلك فقد استدل عليه بوجوه. الأول أنه يوصف ولا يوصف به وقراءة صراط العزيز الحميد الله بالجر محمولة على البيان وتجويز الزمخشري في سورة «فاطر» كون الاسم الكريم صفة اسم الإشارة من باب قياس العلم على الجوامد في وقوعها صفة لاسم الإشارة على خلاف القياس إذ المنظور فيها رفع الإبهام فقط وقد تفرد به، «الثاني» أنه لا بد له من اسم يجري عليه صفاته فإن كل شيء تتوجه إليه الأذهان ويحتاج إلى التعبير عنه قد وضع له اسم توقيفي أو اصطلاحي فكيف يهمل خالق الأشياء ومبدعها ولم يوضع له اسم يجري عليه ما يعزى إليه ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه وكونه اسم جنس معرف مما لا يليق لأنه غير خاص وضعا وكونه علما منقولا من الوصفية يستدعي أن لا يكون في الأصل ما تجري عليه الصفات وهو كما ترى «الثالث» أنه لو كان وصفا لم تكن الكلمة توحيدا مثل لا إله
كحلفه من أبي رباح... يشهدها لاهه الكبار
ووجه قطع الهمزة في حال النداء حينئذ بعض ما تقدم من الوجوه، وقيل أصله الكناية لأنها للغائب وهو سبحانه الغائب عن أن تدركه الأبصار أو تحيط به الأفكار، وأيضا الهاء يخرج مع الأنفاس فهو المذكور وإن لم تشعر الحواس ومتى انقطع خروجه انقطعت الحياة وحل بالحي الممات فيه وباسمه قوام الأرواح والأبدان واستقامة كل متنفس من الحيوان فزيد عليها لام الملك ثم مدّ بها الصوت تعظيما ثم ألزم اللام واستأنس لهذا إن الاسم الكريم إذا حذفت منه الهمزة بقي لله وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الفتح: ٤، ٧] وإذا تركت اللام بقي على صورة له لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [النساء: ١٧١، طه: ٦، الحج: ٦٤، الشورى: ٤] وإن تركت اللام الباقية بقي الهاء المضمومة من هو لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة: ١٦٣ وغيرها] والواو زائدة بدليل سقوطها في هما وهم فالأصل هو إذ لا يبقى سواه وأنت إذا أمعنت النظر يظهر لك مناسبات أخر ولهذا مال كثير من الصوفية إلى هذا القول وهو إلى المشرب قريب، وزعم البلخي أنه ليس بعربي بل هو عبراني (٢) أو سرياني معرب لاها ومعناه ذو القدرة ولا دليل عليه فلا يصار إليه واستعمال اليهود والنصارى لا يقوم دليلا إذ احتمال توافق اللغات قائم مع أن قولهم تأله وأله يأباه على أن التصرف فيه كما قيل بحذف المدة وإدخال أل عليه وجعله بهذه الصفة دليل على أنه لم يكن علما في غير العربية إذ اشترطوا في منع الصرف للعجمة كون الأعجمي علما في اللغة الأعجمية والتصرف مضعف لها، فهذا الزعم ساقط عن درجة الاعتبار لا يساعده عقل ولا نقل والذي عليه أكابر المعتبرين كالشافعي ومحمد بن الحسن والأشعري (٣) وغالب أصحابه والخطابي وإمام الحرمين والغزالي والفخر الرازي وأكثر الأصوليين والفقهاء، ونقل عن اختيار الخليل وسيبويه والمازني وابن كيسان أنه عربي وعلم من أصله لذاته تعالى المخصوصة أما أنه عربي فلا يكاد يحتاج إلى برهان وأما أنه علم كذلك فقد استدل عليه بوجوه. الأول أنه يوصف ولا يوصف به وقراءة صراط العزيز الحميد الله بالجر محمولة على البيان وتجويز الزمخشري في سورة «فاطر» كون الاسم الكريم صفة اسم الإشارة من باب قياس العلم على الجوامد في وقوعها صفة لاسم الإشارة على خلاف القياس إذ المنظور فيها رفع الإبهام فقط وقد تفرد به، «الثاني» أنه لا بد له من اسم يجري عليه صفاته فإن كل شيء تتوجه إليه الأذهان ويحتاج إلى التعبير عنه قد وضع له اسم توقيفي أو اصطلاحي فكيف يهمل خالق الأشياء ومبدعها ولم يوضع له اسم يجري عليه ما يعزى إليه ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه وكونه اسم جنس معرف مما لا يليق لأنه غير خاص وضعا وكونه علما منقولا من الوصفية يستدعي أن لا يكون في الأصل ما تجري عليه الصفات وهو كما ترى «الثالث» أنه لو كان وصفا لم تكن الكلمة توحيدا مثل لا إله
(١) وهذا القول ينسب إلى سيبويه لكن القول بأن لاه مصدر لم ينسب إليه لكن ذكره بعض الثقات فافهم اهـ منه.
(٢) العبراني لغة بني إسرائيل والسرياني لغة آدم قال ابن حبيب: كان اللسان الذي نزل به آدم من الجنة عربيا ثم حرف وصار سريانيا وهو منسوب إلى أرض سريانة جزيرة كان بها نوح عليه السلام وقومه قبل الغرق وهو يشاكل العربي إلا أنه محرف وكان لسان جميع من في الأرض إلا رجلا واحدا يقال له حر فلسانه عربي كذا قاله ابن الأنباري وهم يلحقون ألفا في أواخر الكلم يقولون لاها رحمانا كما في الفارسية فليحفظ اهـ منه.
(٣) وحكى ابن جماعة أن الأشعري رئي في المنام فقيل له ما فعل الله تعالى بك؟ قال غفر لي قيل بماذا قال بقولي بعلمية الله اهـ منه.
(٢) العبراني لغة بني إسرائيل والسرياني لغة آدم قال ابن حبيب: كان اللسان الذي نزل به آدم من الجنة عربيا ثم حرف وصار سريانيا وهو منسوب إلى أرض سريانة جزيرة كان بها نوح عليه السلام وقومه قبل الغرق وهو يشاكل العربي إلا أنه محرف وكان لسان جميع من في الأرض إلا رجلا واحدا يقال له حر فلسانه عربي كذا قاله ابن الأنباري وهم يلحقون ألفا في أواخر الكلم يقولون لاها رحمانا كما في الفارسية فليحفظ اهـ منه.
(٣) وحكى ابن جماعة أن الأشعري رئي في المنام فقيل له ما فعل الله تعالى بك؟ قال غفر لي قيل بماذا قال بقولي بعلمية الله اهـ منه.
59
إلا الرحمن إذ لا منع من الشركة وكذا لو كان اسم جنس والإجماع منعقد على إفادتها له دون الثاني والسر أنه لو كان صفة كان مدلوله المعنى لا الذات المعينة فلا يمنع من الشركة وإن اختص استعمالا بذاته تعالى بخلاف ما إذا كان علما فإن مدلوله حينئذ الذات المعينة وإن تعقل بوجه كلي إذ كليته لا تستلزم كلية المعلوم وقد اعترفوا بعموم الوضع وخصوص الموضوع له وقد انحل بهذا عصام قربة من قال: إنه لو كفى في التوحيد الاختصاص في الواقع فلا إله إلا الرحمن أيضا توحيد وإن لم يكف واقتضى ما يعين بحيث لا تجوز فيه الشركة لم يكن لا إله إلا الله كذلك إذ لا تحضر ذاته تعالى لنا على وجه التشخص (١) ولا حاجة إلى ما ذكره من الجواب أخطأ فيه أم أصاب ولا يرد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] معارضا فإنه لو دل على التوحيد لم يكن للوصف فائدة لما سيأتي إن شاء الله تعالى من تفسيره لعدم قبول التعدد بوجه وهو ليس من لوازم العلمية ولا يغير هذه الوجوه المفسرة ما قيل إنها لا تستلزم المدعى إذ الاختلاف إنما وقع بعد تسليم الاختصاص في كونه صفة فيكون كالرحمن أو اسما فيكون علما، وهذا القدر يكفي بعد ذلك في المقصود كما لا يخفى على من لم يركب مطية الجحود، والإمام البيضاوي مع أن له اليد البيضاء في التحقيق لم يتبلج له صبح هذا القول وهو لا يحتاج إلى النظر الدقيق فاختار أنه وصف في أصله لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره وصار له كالعلم مثل الثريا والصعق أجرى مجراه في إجراء الوصف عليه وامتناع الوصف به وعدم تطرق احتمال الشركة إليه لأن ذاته من حيث هو بلا اعتبار أمر آخر حقيقي أو غيره غير معقول للبشر فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ ولأنه لو دلّ على مجرد ذاته المخصوص لما أفاد ظاهر قوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ معنى صحيحا ولأن معنى الاشتقاق كون أحد اللفظين مشاركا للآخر في المعنى والتركيب وهو حاصل بينه وبين الأصول المذكورة هذا كلامه، وقد أبطل فيه الأدلة الثلاث وحيث لم يلزم من إبطال الدليل إبطال المدلول أبطله بوجهين ونظم في سلكهما ثالثا يدل على الوصفية وفيه أن الوجه الأول قد اعترضه هو نفسه حيث قال في تعليقاته وفيه نظر إذ يكفي في وضع العلم تعقله بوجه يمتاز به عن غيره من غير أن يعتبر ما به الامتياز في المسمى فيمكن وضع العلم لمجرد الذات المعقولة في ضمن بعض الصفات وقد تقرر في الكلام أنه يمكن أن يخلق الله تعالى العلم بكنه ذاته في البشر ولأنه إنما يتمشى إذا لم يكن الواضع هو الله تعالى والتحقيق أن تصوير الموضوع له بوجه ما كاف في وضع العلم وكذا في فهم السامع عند استعماله انتهى، والمرء مؤاخذ بإقراره وهذا اكتفاء بأقل اللازم وإلا فالمحققون قد أبطلوا هذا الدليل بما لا مزيد عليه، وأما الثاني ففيه إن لم نقل إن الآية من المتشابه أن العلم قد يلاحظ معه معنى به يصلح لتعلق الطرف كقولك أنت عندي حاتم وقوله:
فليلاحظ هنا المعبود بالحق لاشتهاره سبحانه بذلك في ضمن هذا الاسم المقدس على أنه يحتمل التعلق بيعلم في قوله تعالى: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ [الأنعام: ٣] الآية والجملة خبر ثان أو هي الخبر ولفظ الله بدل والظاهر أن قوله ظاهر لهذا.
«وأما الثالث» ففيه أن المنكر لاشتقاقه لا يسلم التوافق في المعنى على أنه لا يستلزم الوصفية (٢) أيضا وكون
أسد عليّ وفي الحروب نعامة | فتخاء تنفر من صفير الصافر |
«وأما الثالث» ففيه أن المنكر لاشتقاقه لا يسلم التوافق في المعنى على أنه لا يستلزم الوصفية (٢) أيضا وكون
(١) وقيل إحضاره تعالى على الوجه المذكور تكليف بما لا يطاق فالمطلوب إنما هو إحضاره على وجه كلي منحصر في فرد وعدم حصول التوحيد بالرحمن لإطلاقه مضافا على غيره كرحمن اليمامة فتدبر اهـ منه.
(٢) ككتاب وإمام اهـ منه.
(٢) ككتاب وإمام اهـ منه.
60
المدعى ظني (١) فيكفي فيه الحدس من مثل ذلك لا يجدي نفعا إذ لنا أن نقول مثله والمنشأ أتم والظن أقوى والوجوه التي ذكرت في الابطال ترهقها ذلة لأنها كلها متوجهة تلقاء الغلبة وهي وإن لم تكن تحقيقية ضعيفة بل تقديرية قوية لكنها على كل حال دون العلمية الأصلية قوة وشرفا فالعدول عن الأشرف في هذا الاسم الأقدس مما لا أسوغ الإقدام عليه ودون إثبات الداعي نفي الرقاد وخرط القتاد. وقد رأيت بعض ذلك فالذي أرتضيه لا عن تقليد أن هذا الاسم الأعظم موضوع للذات الجامعة لسائر الصفات وإلى ذلك يشير كلام ساداتنا النقشبندية بلغنا الله تعالى ببركاتهم كل أمنية في الوقوف القلبي وهو أن يلاحظ الذاكر في قلبه كلما كرر ذكر هذا الاسم الأقدس ذاتا بلا مثل، وحققه الشيخ الأكبر قدس سره في مواضع عديدة من كتبه هذا، وتفخيم اللام من هذا الاسم الكريم إذا انفتح ما قبله أو انضم طريقه معروفة عند القراء وقيل مطلقا، وحذف ألفه لغة حكاها ابن الصلاح، وفي التيسير إنها لغة ثابتة في الوقف دون الوصل والأفصح الإثبات حتى قال بعضهم إن الحذف لحن تفسد به الصلاة ولا ينعقد به صريح اليمين ولا يرتكب إلا في الضرورة كقوله:
وقد أطال الشيخ قدس سره الكلام في الفتوحات عن أسرار حروفه وأتى بالعجب العجاب، وفي ظهور الألف تارة وخفائها أخرى وسكون اللام أولا وتحركها ثانيا والختم باطنا بما به البدء ظاهرا واشتمال الكلمة على متحرك وساكن وصالح لأن يظهر بأحد الأمرين إشارات لا تخفى على العارفين فارجع إلى كتبهم فهم أعرف بالله تعالى منا، وسبحان من احتجب بنور العظمة حتى تحيرت الأفهام في اللفظ الدال عليه إذ انعكست له من تلك الأنوار أشعة بهرت أعين المستبصرين فلم يستطيعوا أن يمعنوا النظر فيه وإليه والقصور في القابل لا في الفاعل:
والرحمن الرحيم المشهور أنهما صفتان مشبهتان بنيتا لإفادة المبالغة وأنهما من رحم مكسور العين نقل إلى رحم مضمومها بعد جعله لازما وهذا مطرد في باب المدح والذم وأن الرحمة في اللغة رقة القلب ولكونها من الكيفيات التابعة للمزاج المستحيل عليه سبحانه تؤخذ باعتبار غايتها إما على طريقة المجاز المرسل بذكر لفظ السبب وإرادة المسبب وإما على طريقة التمثيل بأن شبه حاله تعالى بالقياس إلى المرحومين في إيصال الخير إليهم بحال الملك إذا رق لهم فأصابهم بمعروفه وإنعامه فاستعمل الكلام الموضوع للهيئة الثانية في الأولى من غير أن يتمحل في شيء من مفرداته وإما على طريقة الاستعارة المصرحة بأن يشبه الإحسان على ما اختاره القاضي أبو بكر أو وإرادته على ما اختاره الأشعري بالرحمة بجامع ترتب الانتفاع على كل ويستعار له الرحمة ويشتق منها الرحمن الرحيم على حد- الحال ناطقة بكذا- وإما على طريقة الاستعارة المكنية التخييلية بأن يشبه معنى الضمير فيهما العائد إليه تعالى بملك رق قلبه على رعيته تشبيها مضمرا في النفس ويحذف المشبه به ويثبت له شيء من لوازمه وهو الرحمة، وقيل الرحمة في ذلك حقيقة شرعية وأن الرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى فتؤخذ تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية فعلى الأول قيل: يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وعلى الثاني قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا لأن النعم الأخروية كلها جسام وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة وأنه إنما قدم
ألا لا بارك الله في سهيل | إذا ما بارك الله في الرجال |
توهمت قدما أن ليلى تبرقعت | وأن حجابا دونها يمنع اللثما |
فلاحت فلا والله ما ثم حاجب | سوى أن طرفي كان عن حسنها أعمى |
(١) كذا بخطه اهـ مصحح الأصل.
61
الرحمن والقياس يقتضي الترقي لتقدم رحمة الدنيا ولأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره، وقول بني حنيفة (١) في مسيلمة رحمن اليمامة وقول شاعرهم فيه:
غلو في الكفر (٢) أو التقديم لأن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها فيكون كالتتمة (٣) والرديف له أو للمحافظة على رؤوس الآي هذا وجميعه لا يخلو عن مقال ولا يسلم من رشق نبال أما أولا فلأن الصفة المشبهة لا تبنى إلا من لازم ولذا قال في التسهيل: إن ربا وملكا ورحمانا ليست منها لتعدي أفعالها ولم يقل أحد بنقل ما تعدى منها لفعل المضموم العين والمسطور في المتون المعول عليها أن فعل المفتوح والمكسور إذا قصد به التعجب يحول إلى فعل المضموم كقضو الرجل بمعنى ما أقضاه وحينئذ فيه اختلاف هل يعطى حكم نعم أو فعل التعجب كما فصلوه ثمة وإلحاقهم له بنعم كالصريح في عدم تصرفه وأنه لا يؤخذ منه صفة أصلا وكون رفيع الدرجات بمعنى رفيع درجاته لا رافع الدرجات لا يجدي نفعا وإنما فسروره بما ذكر لأن المراد درجات عزه وجبروته ليناسب المراد من قوله ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [غافر: ١٥] وهي بسطة ملكه وسعة ملكوته وتلك الدرجات ليست مرفوعة بفعل. ونقل ذلك عن الزمخشري في الفائق بعد تسليم أنه مذكور (٤) فيه معارض بما صرح به هو في غيره كالمفصل على أن قولهم رحمن الدنيا ورحيم الآخرة بالإضافة إلى المفعول كما نص (٥) عليه دون الفاعل يقتضي عدم اللزوم وأنهما ليسا بصفة مشبهة فالأصح أنهما من أبنية المبالغة الملحقة باسم الفاعل وأخذا من فعل متعد وذلك في الرحيم ظاهر وقد نص عليه سيبويه في قولهم رحيم فلانا وكذا الزجاج والصيغة تساعده وللاشتباه في الرحمن وعدم ذكر النحاة له في أبنية المبالغة قال الأعلم وابن مالك: إنه علم في الأصل لا صفة ولا علم بالغلبة التقديرية التي ادعاها الجل من العلماء، وأما ثانيا فلأن نقل فعل المكسور إلى فعل المضموم لا يتوقف على جعله لازما (٦) أولا لأنه بمجرد النقل يصير كذلك وتحصيل المناسبة بين المنقول والمنقول إليه باللزوم لعدم الاكتفاء فيها بمطلق الفعلية مما لا يخفى ما فيه. وأما ثالثا فلأن كون الرحمة في اللغة رقة القلب إنما هو فينا وهذا لا يستلزم ارتكاب التجوز عند إثباتها لله تعالى لأنها حينئذ صفة لائقة بكمال ذاته كسائر صفاته ومعاذ الله تعالى أن تقاس بصفات المخلوقين وأين التراب من رب الأرباب. ولو أوجب كون الرحمة فينا رقة القلب ارتكاب المجاز في الرحمة الثابتة له تعالى لاستحالة اتصافه بما نتصف به فليوجب كون الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر ما نعلمه منها فينا ارتكاب المجاز أيضا فيها إذا أثبتت لله تعالى وما سمعنا أحدا قال بذلك وما ندري ما الفرق بين هذه وتلك وكلها بمعانيها القائمة فينا يستحيل وصف الله تعالى بها فإما أن يقال بارتكاب المجاز فيها كلها إذا نسبت إليه
سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا | وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا |
(١) لا يخفى على المتأمل أنه لا حاجة إلى الاعتذار لأن معنى لا يوصف به غيره لا يصح وصف غيره به تعالى كما يدل عليه التعليل بعدم تحقق معناه في غيره ومعلوم أن عدم الصدق في نفس الأمر لا يستلزم عدم الإطلاق فافهم اهـ منه.
(٢) إذ سموا المخلوق باسم الخالق كما سموا الحجارة آلهة اهـ منه. [.....]
(٣) أي لا من باب الترقي والتتميم تقييد الكلام بتابع يفيد مبالغة نحو (ويطعمون الطعام على حبه) اهـ منه.
(٤) قال الشهاب راجعته فلم أجد فيه اهـ منه.
(٥) الناص الشهاب اهـ منه.
(٦) ومن يدعي اللزوم يقول إنه على التوسع كما بينه النحاة في باب الظروف وقاله الشهاب أيضا اهـ منه.
(٢) إذ سموا المخلوق باسم الخالق كما سموا الحجارة آلهة اهـ منه. [.....]
(٣) أي لا من باب الترقي والتتميم تقييد الكلام بتابع يفيد مبالغة نحو (ويطعمون الطعام على حبه) اهـ منه.
(٤) قال الشهاب راجعته فلم أجد فيه اهـ منه.
(٥) الناص الشهاب اهـ منه.
(٦) ومن يدعي اللزوم يقول إنه على التوسع كما بينه النحاة في باب الظروف وقاله الشهاب أيضا اهـ منه.
62
عز شأنه أو بتركه كذلك وإثباتها له حقيقة بالمعنى اللائق بشأنه تعالى شأنه. والجهل بحقيقة تلك الحقيقة كالجهل بحقيقة ذاته مما لا يعود منه نقص إليه سبحانه بل ذلك من عزة كماله وكمال عزته والعجز عن درك الإدراك إدراك فالقول بالمجاز في بعض والحقيقة في آخر لا أراه في الحقيقة إلا تحكما بحتا بل قد نطق الإمام السكوني في كتابه التمييز لما للزمخشري من الاعتزال في تفسير كتاب الله العزيز بأن جعل الرحمة مجازا نزغة اعتزالية قد حفظ الله تعالى منها سلف المسلمين وأئمة الدين فإنهم أقروا ما ورد على ما ورد وأثبتوا لله تعالى ما أثبته له نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم من غير تصرف فيه بكناية أو مجاز وقالوا لسنا أغير على الله من رسوله لكنهم نزهوا مولاهم عن مشابهة المحدثات. ثم فوضوا اليه سبحانه تعيين ما أراده هو أو نبيه من الصفات المتشابهات.
والأشعري إمام أهل السنة ذهب في النهاية إلى ما ذهبوا إليه. وعول في الإبانة على ما عولوا عليه فقد قال في أول كتاب الإبانة الذي هو آخر مصنفاته: أما بعد فإن كثيرا من الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى التقليد لرؤسائهم ومن مضى من أسلافهم فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا ولا أوضح به برهانا. ولا نقلوه عن رسول رب العالمين صلى الله تعالى عليه وسلم ولا عن السلف المتقدمين وساق الكلام إلى أن قال: فإن قال لنا قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون. وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون. ولمن خالف قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله تعالى به الحق عند ظهور الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين. وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير معظم مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين ثم سرد الكلام في بيان عقيدته مصرحا بإجراء ما ورد من الصفات على حالها بلا كيف غير متعرض لتأويل ولا ملتفت إلى قال وقيل: فما نقل عنه من تأويل صفة الرحمة إما غير ثابت أو مرجوع عنه والأعمال بالخواتيم (١). وكذا يقال في حق غيره من القائلين به من أهل السنة على أنه إذا سلم الرأس كفى ومن ادعى ورود ذلك عن سلف المسلمين فليأت ببرهان مبين فما كل من قال يسمع ولا كل من ترأس يتبع.
والعجب من علماء أعلام، ومحققين فخام كيف غفلوا عما قلناه، وناموا عما حققناه ولا أظنك في مرية منه وإن قل ناقلوه وكثر منكروه «وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله» وأما رابعا فلأن إجراء الاستعارة التمثيلية هنا مع أنه تكلف لا سيما على مذهب السيد السند قدس سره فيه ظاهرا نوع من سوء الأدب إذ لا يقال إن لله تعالى هيئة شبيهة بهيئة الملك ولم يرد إطلاق الحال عليه سبحانه وتعالى فهل هذا إلا تصرف في حق الله تعالى بما لم يأذن به الله، ومثل هذا أيضا مكنى في المكنية وبلاغة القرآن غنية عن تكلف مثل ذلك وأما خامسا فلأن وجه تشبيه الإحسان في احتمال الاستعارة المصرحة بالرحمة التي هي رقة القلب غير صريح لأنه لا ينتفع بها نفسها وإنما الانتفاع بآثارها وكم من رق قلبه على شخص حتى أرق له لم ينفعه بشيء ولا أعانه بحي ولا لي.
والأشعري إمام أهل السنة ذهب في النهاية إلى ما ذهبوا إليه. وعول في الإبانة على ما عولوا عليه فقد قال في أول كتاب الإبانة الذي هو آخر مصنفاته: أما بعد فإن كثيرا من الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى التقليد لرؤسائهم ومن مضى من أسلافهم فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا ولا أوضح به برهانا. ولا نقلوه عن رسول رب العالمين صلى الله تعالى عليه وسلم ولا عن السلف المتقدمين وساق الكلام إلى أن قال: فإن قال لنا قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون. وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون. ولمن خالف قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله تعالى به الحق عند ظهور الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين. وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير معظم مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين ثم سرد الكلام في بيان عقيدته مصرحا بإجراء ما ورد من الصفات على حالها بلا كيف غير متعرض لتأويل ولا ملتفت إلى قال وقيل: فما نقل عنه من تأويل صفة الرحمة إما غير ثابت أو مرجوع عنه والأعمال بالخواتيم (١). وكذا يقال في حق غيره من القائلين به من أهل السنة على أنه إذا سلم الرأس كفى ومن ادعى ورود ذلك عن سلف المسلمين فليأت ببرهان مبين فما كل من قال يسمع ولا كل من ترأس يتبع.
أما الخيام فإنها كخيامهم | وأرى نساء الحي غير نسائهم |
أهمّ بأمر الحزم لا أستطيعه | وقد حيل بين العير والنزوان |
(١) وهذا مذهب السلف الصالح وعليه عمل ابن تيمية وتلميذه ابن قيم واضرابهما انظر كتاب الإبانة فإننا طبعناه والحمد لله اهـ منير.
63
ولا كذلك الانتفاع بالإحسان وأما الإرادة فهي إن قلنا بصحة إرادتها هنا لا تصح في وجه المجاز المرسل بالنظر إليه تعالى بل إنك إذا تأملت وأنصفت وجدت الرحمة إن تسببت الإحسان أو إرادته فإنما تسببه إذا كانت هي وهو صفتين لنا ومجرد السببية والمسببية في هذه الحالة لا يوجب كون الرحمة المنسوبة إليه عز شأنه مجازا مرسلا عن أحد الأمرين وبفرض وجود الرحمة بذلك المعنى فيه تعالى كيفما كان الفرض لا نجزم بالسببية والمسببية أيضا وقياس الغائب على الشاهد مما لا ينبغي والفرق مثل الصبح ظاهر والذهن مقيد عن دعوى الإطلاق لما لا يخفى عليك فتأمل في هذا المقام فقد غفل عنه أقوام بعد أقوام، وأما سادسا فلأن كون الرحمن أبلغ من الرحيم غير مسلم وإن قال الراغب إن فعيلا لمن كثر منه الفعل وفعلان لمن كثر منه وتكرر حتى قيل الرحيم أبلغ لتأخره، وقول ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل غضب وقيل هما سواء لظاهر الحديث الذي
أخرجه الحاكم في المستدرك مرفوعا «رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما»
وإليه ذهب الجويني وقرره بأن فعلان لمن تكرر منه الفعل وكثر وفعيل لمن ثبت منه الفعل ودام وفرق بعضهم بينهما بأن الرحمن دال على الصفة القائمة به تعالى والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف والثاني للصفة فالأول دال على أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته وإذا أردت فهم ذلك فتأمل قوله تعالى وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: ٤٣] إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١١٧] ولم يجىء قط رحمن فإنه يستشعر منه أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ورحيم هو الراحم برحمته وما ذكر من قولهم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى قاعدة أغلبية أسسها ابن جني فلعلها لا تثبت مع بسم الله الرحمن الرحيم وقد نقضت بحذر فإنه أبلغ من حاذر مع زيادة حروفه، فإن أجيب بأنها أكثرية فيأمر حبا بالوفاق وإن أجيب بأن ما ذكر لا ينافي أن يقع في البناء إلا نقص زيادة معنى بسبب آخر كالإلحاق بالأمور الجبلية مثل شره ونهم فجاز أن حاذرا أبلغ من حذر لدلالته على زيادة الحذر وإن لم يدل على ثبوته ولزومه فهو على ما فيه لا يصفو على كدر لأنهم صرحوا بأنه قد كثر استعمال فعيل في الغرائز كشريف وكريم وفعلان في غيرها كغضبان وسكران فيقتضي أنه أبلغ ولو من وجه أولا فسواء وإن أجيب بأن القاعدة فيما إذا كان اللفظان المتلاقيان في الاشتقاق متحدي النوع في المعنى كغرث وغرثان وصد وصديان ورحيم ورحمن لا كحذر وحاذر للاختلاف فإن أحدهما اسم فاعل والآخر صفة مشبهة فيقال قد صرح ابن الحاجب بأنه من أبنية المبالغة المعدودة من اسم الفاعل فهما متحدان نوعا أيضا فيحصل الانتقاض البتة ثم إنهم استشكلوا الأبلغية بأن أصل المبالغة مما لا يمكن هنا لأنها عبارة عن أن تثبت للشيء أكثر مما له وذلك فيما يقبل الزيادة والنقص، وصفاته تعالى منزهة عن ذلك لاستلزامه التغير المستلزم للحدوث، وأجيب بأن المراد الأكثرية في التعلقات والمتعلقات لا في الصفة نفسها وهذا إذا كانت صفة ذات وإن كانت صفة فعل فلا إشكال على ما ذهب إليه الأشاعرة من القول بحدوثها، وأما على ما ذهب إليه ساداتنا الماتريدية القائلون بقدوم صفة التكوين فيجاب بما أجيب به عن الأول.
وأما سابعا فلأن قولهم فعلى الأول قيل يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن إن أرادوا به أن أبلغية الرحمن هاهنا باعتبار كثرة أفراد الرحمة في الدنيا لوجودها في المؤمن والكافر فلا يستقيم عليه، ورحيم الآخرة إذ النعم الأخروية غير متناهية وإن خصت المؤمن، وإن أرادوا أنها باعتبار كثرة أفراد المرحومين فلا يخفى أن كثرة أفرادهم إنما تؤثر في الأبلغية باعتبار اقتضائها كثرة أفراد الرحمة في الدنيا أيضا ومعلوم أن أفراد الرحمة في الآخرة أكثر منها بكثير بل لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي أصلا فهذا الوجه مخدوش على الحالين على أن في اختصاص رحمة الآخرة بالمؤمنين مقالا إذ
قد ورد في الصحيح شفاعته صلى الله تعالى عليه وسلم لعامة
أخرجه الحاكم في المستدرك مرفوعا «رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما»
وإليه ذهب الجويني وقرره بأن فعلان لمن تكرر منه الفعل وكثر وفعيل لمن ثبت منه الفعل ودام وفرق بعضهم بينهما بأن الرحمن دال على الصفة القائمة به تعالى والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف والثاني للصفة فالأول دال على أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته وإذا أردت فهم ذلك فتأمل قوله تعالى وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب: ٤٣] إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١١٧] ولم يجىء قط رحمن فإنه يستشعر منه أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ورحيم هو الراحم برحمته وما ذكر من قولهم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى قاعدة أغلبية أسسها ابن جني فلعلها لا تثبت مع بسم الله الرحمن الرحيم وقد نقضت بحذر فإنه أبلغ من حاذر مع زيادة حروفه، فإن أجيب بأنها أكثرية فيأمر حبا بالوفاق وإن أجيب بأن ما ذكر لا ينافي أن يقع في البناء إلا نقص زيادة معنى بسبب آخر كالإلحاق بالأمور الجبلية مثل شره ونهم فجاز أن حاذرا أبلغ من حذر لدلالته على زيادة الحذر وإن لم يدل على ثبوته ولزومه فهو على ما فيه لا يصفو على كدر لأنهم صرحوا بأنه قد كثر استعمال فعيل في الغرائز كشريف وكريم وفعلان في غيرها كغضبان وسكران فيقتضي أنه أبلغ ولو من وجه أولا فسواء وإن أجيب بأن القاعدة فيما إذا كان اللفظان المتلاقيان في الاشتقاق متحدي النوع في المعنى كغرث وغرثان وصد وصديان ورحيم ورحمن لا كحذر وحاذر للاختلاف فإن أحدهما اسم فاعل والآخر صفة مشبهة فيقال قد صرح ابن الحاجب بأنه من أبنية المبالغة المعدودة من اسم الفاعل فهما متحدان نوعا أيضا فيحصل الانتقاض البتة ثم إنهم استشكلوا الأبلغية بأن أصل المبالغة مما لا يمكن هنا لأنها عبارة عن أن تثبت للشيء أكثر مما له وذلك فيما يقبل الزيادة والنقص، وصفاته تعالى منزهة عن ذلك لاستلزامه التغير المستلزم للحدوث، وأجيب بأن المراد الأكثرية في التعلقات والمتعلقات لا في الصفة نفسها وهذا إذا كانت صفة ذات وإن كانت صفة فعل فلا إشكال على ما ذهب إليه الأشاعرة من القول بحدوثها، وأما على ما ذهب إليه ساداتنا الماتريدية القائلون بقدوم صفة التكوين فيجاب بما أجيب به عن الأول.
وأما سابعا فلأن قولهم فعلى الأول قيل يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن إن أرادوا به أن أبلغية الرحمن هاهنا باعتبار كثرة أفراد الرحمة في الدنيا لوجودها في المؤمن والكافر فلا يستقيم عليه، ورحيم الآخرة إذ النعم الأخروية غير متناهية وإن خصت المؤمن، وإن أرادوا أنها باعتبار كثرة أفراد المرحومين فلا يخفى أن كثرة أفرادهم إنما تؤثر في الأبلغية باعتبار اقتضائها كثرة أفراد الرحمة في الدنيا أيضا ومعلوم أن أفراد الرحمة في الآخرة أكثر منها بكثير بل لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي أصلا فهذا الوجه مخدوش على الحالين على أن في اختصاص رحمة الآخرة بالمؤمنين مقالا إذ
قد ورد في الصحيح شفاعته صلى الله تعالى عليه وسلم لعامة
64
الناس من هول الموقف
عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: ٧٩]
وروي تخفيف العذاب عن بعض الأشقياء في الآخرة
وكون الكفار في الأول تبعا غير مقصودين كيف وهم بعد الموقف يلاقون ما هو أشد منه فليس ذلك رحمة في حقهم والتخفيف في الثاني على تقدير تحققه نزول من مرتبة من مراتب الغضب إلى مرتبة دونها فليس رحمة من كل الوجوه ليس بشيء أما أولا فلأن القصد تبعا وأصالة لا مدخل له وحبذا الولد من أين جاء، وأما ثانيا فلأن ملاقاتهم بعد لما هو أشد فلا يكون ذلك رحمة في حقهم يستدعي أن لا رحمة من الله تعالى لكافر في الدنيا كما قد قيل به لقوله تعالى وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [آل عمران: ١٧٨] وقوله تعالى: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها [التوبة: ٥٥] فيبطل حينئذ دعوى شمول الرحمة المؤمن والكافر في الدنيا إذ لا فرق بين ما يكون للكافر في الدنيا مما يتراءى أنه رحمة وما يكون له في الآخرة فوراء كل عذاب شديد، وأما ثالثا فلأن كون التخفيف ليس برحمة من كل الوجوه لا يضر وكل أهل النار يتمنى التخفيف وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ [غافر: ٤٩] وحنانيك بعض الشر أهون من بعض، وأما ثامنا فلأن قولهم وعلى الثاني قيل يا رحمن الدنيا والآخرة إلخ فيه بعض شيء وهو أنه يصح أن يكون بالاعتبار الأول لأن نعم الدنيا والآخرة تزيد على نعم الآخرة نعم يجاب عنه بأنه يلزم حينئذ أن يكون ذكر رحيم الدنيا لغوا ولا يلزم ذلك على اعتبار الكيفية إذ المراد يا موليا لجسام النعم في الدارين ولما دونها في الدنيا. وأيضا مقصود القائل التوسل بكلا الاسمين المشتقين من الرحمة في مقام طلبها مشيرا إلى عموم الأول وخصوص الثاني ويحصل في ضمنه الاهتمام برحمته الدنيوية الواصلة إليه الباعثة لمزيد شكره إلا أنه يرد عليه كسابقه أن الأثر لا يعرف والمعروف المرفوع
«رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما»
وكفاية كونه من كلام السلف ليس بشيء كما لا يخفى، وأما تاسعا فلأن السؤال عن تقديم الرحمن معترض بمقبول ومردود، وذكر ابن هشام (١) أنه غير متجه لأن هذا خارج عن كلام العرب إذ لم يستعمل صفة ولا مجردا من أل فهو بدل لا نعت والرحيم نعت له لا نعت لاسم الله سبحانه إذ لا يتقدم البدل على النعت ومما يوضح لك أن الرحمن غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع نحو الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: ١] قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١٠] وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [الفرقان: ٦٠] وقال ابن خروف هو صفة غالبة ولم يقع تابعا إلا لله تعالى في البسملة والحمدلة ولذا حكم عليه بغلبة الاسمية وقل استعماله منكرا ومضافا فوجب كونه بدلا لا صفة لكون لفظة الله أعرف المعارف، وقال غير واحد: إنهما ذكرا لإفادة الشمول والعموم كما تقول الكبير والصغير يعرفه ولو عكست صح وكان المعنى بحاله ومثله لا يلزم فيه الترتيب كما فصل في المثل السائر. وللعلماء في هذا الترتيب كلام كثير وادعى العلامة المدقق في الكشف أن التحقيق يقتضي أن يرد النظم على هذا الوجه ولا يجوز غيره لأن الله اسم للذات الإلهية باعتبار أن الكل منه وإليه وجودا ورتبة وماهية والرحمن اسم له باعتبار إفاضة الرحمة العامة أعني الوجود على الممكنات والرحيم اسم له باعتبار تخصيص كل ممكن بحصة من الرحمة وهي الوجود الخاص وما يتبعه من وجود كمالاته فلو لم يورد كذلك لم يكن على النهج الواقع المحقق ذوقا وشهودا عقلا ووجودا، وأيضا لما كان المقصود تعليم وجه التيمن بأسمائه الحسنى وتقديمها عند كل ملم كان المناسب أن يبدأ من الأعلى فالأعلى إرشادا لمن يقتصر على واحد أن يقتصر على الأولى فالأولى وتقريرا في ذهن السامع لوجه التنزل أولا فأولا انتهى، ويؤيد
عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: ٧٩]
وروي تخفيف العذاب عن بعض الأشقياء في الآخرة
وكون الكفار في الأول تبعا غير مقصودين كيف وهم بعد الموقف يلاقون ما هو أشد منه فليس ذلك رحمة في حقهم والتخفيف في الثاني على تقدير تحققه نزول من مرتبة من مراتب الغضب إلى مرتبة دونها فليس رحمة من كل الوجوه ليس بشيء أما أولا فلأن القصد تبعا وأصالة لا مدخل له وحبذا الولد من أين جاء، وأما ثانيا فلأن ملاقاتهم بعد لما هو أشد فلا يكون ذلك رحمة في حقهم يستدعي أن لا رحمة من الله تعالى لكافر في الدنيا كما قد قيل به لقوله تعالى وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [آل عمران: ١٧٨] وقوله تعالى: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها [التوبة: ٥٥] فيبطل حينئذ دعوى شمول الرحمة المؤمن والكافر في الدنيا إذ لا فرق بين ما يكون للكافر في الدنيا مما يتراءى أنه رحمة وما يكون له في الآخرة فوراء كل عذاب شديد، وأما ثالثا فلأن كون التخفيف ليس برحمة من كل الوجوه لا يضر وكل أهل النار يتمنى التخفيف وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ [غافر: ٤٩] وحنانيك بعض الشر أهون من بعض، وأما ثامنا فلأن قولهم وعلى الثاني قيل يا رحمن الدنيا والآخرة إلخ فيه بعض شيء وهو أنه يصح أن يكون بالاعتبار الأول لأن نعم الدنيا والآخرة تزيد على نعم الآخرة نعم يجاب عنه بأنه يلزم حينئذ أن يكون ذكر رحيم الدنيا لغوا ولا يلزم ذلك على اعتبار الكيفية إذ المراد يا موليا لجسام النعم في الدارين ولما دونها في الدنيا. وأيضا مقصود القائل التوسل بكلا الاسمين المشتقين من الرحمة في مقام طلبها مشيرا إلى عموم الأول وخصوص الثاني ويحصل في ضمنه الاهتمام برحمته الدنيوية الواصلة إليه الباعثة لمزيد شكره إلا أنه يرد عليه كسابقه أن الأثر لا يعرف والمعروف المرفوع
«رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما»
وكفاية كونه من كلام السلف ليس بشيء كما لا يخفى، وأما تاسعا فلأن السؤال عن تقديم الرحمن معترض بمقبول ومردود، وذكر ابن هشام (١) أنه غير متجه لأن هذا خارج عن كلام العرب إذ لم يستعمل صفة ولا مجردا من أل فهو بدل لا نعت والرحيم نعت له لا نعت لاسم الله سبحانه إذ لا يتقدم البدل على النعت ومما يوضح لك أن الرحمن غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع نحو الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: ١] قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١٠] وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [الفرقان: ٦٠] وقال ابن خروف هو صفة غالبة ولم يقع تابعا إلا لله تعالى في البسملة والحمدلة ولذا حكم عليه بغلبة الاسمية وقل استعماله منكرا ومضافا فوجب كونه بدلا لا صفة لكون لفظة الله أعرف المعارف، وقال غير واحد: إنهما ذكرا لإفادة الشمول والعموم كما تقول الكبير والصغير يعرفه ولو عكست صح وكان المعنى بحاله ومثله لا يلزم فيه الترتيب كما فصل في المثل السائر. وللعلماء في هذا الترتيب كلام كثير وادعى العلامة المدقق في الكشف أن التحقيق يقتضي أن يرد النظم على هذا الوجه ولا يجوز غيره لأن الله اسم للذات الإلهية باعتبار أن الكل منه وإليه وجودا ورتبة وماهية والرحمن اسم له باعتبار إفاضة الرحمة العامة أعني الوجود على الممكنات والرحيم اسم له باعتبار تخصيص كل ممكن بحصة من الرحمة وهي الوجود الخاص وما يتبعه من وجود كمالاته فلو لم يورد كذلك لم يكن على النهج الواقع المحقق ذوقا وشهودا عقلا ووجودا، وأيضا لما كان المقصود تعليم وجه التيمن بأسمائه الحسنى وتقديمها عند كل ملم كان المناسب أن يبدأ من الأعلى فالأعلى إرشادا لمن يقتصر على واحد أن يقتصر على الأولى فالأولى وتقريرا في ذهن السامع لوجه التنزل أولا فأولا انتهى، ويؤيد
(١) قال الشهاب بعد نقل كلام ابن هشام ولا يخفى ما فيه وإن استفاضة إضافته نحو رحمن الدنيا تنافيه فتأمل اهـ منه.
65
بعضه بعض ما أسلفناه من الآثار (١) والبعض الآخر في القلب منه شيء لأن تخصيص الرحمن بالوجود العام والرحيم بالكمالات تحكم غير مرضي وربما ينافي المأثور على أنه لا معنى لإفاضة الوجود على الكل إلا تخصيص كل ممكن بحصة منه وهل يوجد في الخارج من النوع إلا الحصص الإفرادية فتخصيص الإفاضة بالرحمن والتخصيص بالرحيم على ما يلوح بمعزل عن التحقيق والعجب ممن فاته ذلك (٢)، وأما عاشرا فلأن ما ذكروه في الجواب عن قول بني حنيفة بأنه غلو في الكفر فيكون الإطلاق غير صحيح لغة وشرعا فيه أنه (٣) إذا كان إطلاقه عليه تعالى شأنه مجازا كما زعموا وبالغلبة فكيف يقال: إن استعماله في حقيقته وأصل معناه خطأ لغة وقد ذهب السبكي إلى أن المخصوص به تعالى هو المعرف دون المنكر والمضاف لوروده لغيره ورد به على القول بأنه مجاز لا حقيقة له وأن صحة المجاز إنما تقتضي الوضع للحقيقة لا الاستعمال نعم هو في لسان الشرع يمنع إطلاقه على غيره مطلقا وإن جاز لغة كالصلاة (٤) على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبذلك صرح العز بن عبد السلام وقيل: إن رحمانا في البيت مصدر لا صفة مشبهة والمراد لا زلت ذا رحمة وفيه ما لا يخفى وافهم كلامه أن الرحيم يوصف به غيره تعالى وهو المعروف لكن أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري أنه قال: الرحيم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه ولعل مراده المعرف دون المنكر والمضاف فافهم، وأما الحادي عشر فلأن المحافظة على رؤوس الآي إنما تحسن- كما قال الزمخشري- بعد إيقاع المعاني على النهج الذي يقتضيه حسن النظم والتئامه فأما أن تهمل المعاني ويهتم للتحسين وحده فليس من قبيل البلاغة (٥).
وقال الشيخ عبد القاهر: أصل الحسن في جميع المحسنات اللفظية أن تكون الألفاظ تابعة للمعاني فمجرد المحافظة على الرؤوس لا يصير نكتة للتقديم إلا بعد أن يثبت أن المعاني إذا أرسلت على سجيتها كانت تقتضي التقديم على أن المحافظة لا تجري في كل سورة بل فيها ما يقتضي خلاف هذا كسورة الرحمن، وأيضا هو مبني على أن الفاتحة أول نازل فروعي فيها ذلك ثم اطرد في غيرها وعلى أن البسملة آية من السورة ودون ذلك سور من حديد، وعندي من باب الإشارة أن تأخير الرحيم لأنه صفة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم قال تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١٢٨] وبه عليه السلام كمال الوجود وبالرحيم تمت البسملة وبتمامها تم العالم خلقا وإبداعا وكان صلى الله تعالى عليه وسلم مبتدأ وجود العالم عقلا ونفسا فبه بدأ الوجود باطنا وبه ختم المقام ظاهرا في عالم التخطيط فقال لا رسول بعدي فالرحيم هو نبينا عليه الصلاة والسلام وبسم الله هو أبونا آدم عليه السلام وأعني في مقام ابتداء الأمر ونهايته وذلك أن آدم عليه السلام حامل الأسماء قال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ومحمد صلى الله تعالى عليه وسلم حامل معاني تلك الأسماء التي حملها آدم عليه السلام.
وهي الكلم
قال صلى الله تعالى عليه وسلم «أوتيت جوامع الكلم» (٦)
ومن أثنى على نفسه أمكن وأتم ممن أثنى عليه كيحيى وعيسى عليهما السلام ومن حصل له الذات فالأسماء تحت حكمه وليس كل من حصل اسما يكون
وقال الشيخ عبد القاهر: أصل الحسن في جميع المحسنات اللفظية أن تكون الألفاظ تابعة للمعاني فمجرد المحافظة على الرؤوس لا يصير نكتة للتقديم إلا بعد أن يثبت أن المعاني إذا أرسلت على سجيتها كانت تقتضي التقديم على أن المحافظة لا تجري في كل سورة بل فيها ما يقتضي خلاف هذا كسورة الرحمن، وأيضا هو مبني على أن الفاتحة أول نازل فروعي فيها ذلك ثم اطرد في غيرها وعلى أن البسملة آية من السورة ودون ذلك سور من حديد، وعندي من باب الإشارة أن تأخير الرحيم لأنه صفة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم قال تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التوبة: ١٢٨] وبه عليه السلام كمال الوجود وبالرحيم تمت البسملة وبتمامها تم العالم خلقا وإبداعا وكان صلى الله تعالى عليه وسلم مبتدأ وجود العالم عقلا ونفسا فبه بدأ الوجود باطنا وبه ختم المقام ظاهرا في عالم التخطيط فقال لا رسول بعدي فالرحيم هو نبينا عليه الصلاة والسلام وبسم الله هو أبونا آدم عليه السلام وأعني في مقام ابتداء الأمر ونهايته وذلك أن آدم عليه السلام حامل الأسماء قال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ومحمد صلى الله تعالى عليه وسلم حامل معاني تلك الأسماء التي حملها آدم عليه السلام.
لك ذات العلوم من عالم الغي | ب ومنها لآدم الأسماء |
قال صلى الله تعالى عليه وسلم «أوتيت جوامع الكلم» (٦)
ومن أثنى على نفسه أمكن وأتم ممن أثنى عليه كيحيى وعيسى عليهما السلام ومن حصل له الذات فالأسماء تحت حكمه وليس كل من حصل اسما يكون
(١) وهو أنه صلّى الله عليه وسلم كان يكتب بسم الله الرحمن الرحيم حتى نزلت سورة النمل
اهـ منه.
(٢) هو الشهاب اهـ منه.
(٣) واعترضه ابن السبكي أيضا بأن الغلو لا يفيد جوابا إذ غايته أن ذلك السبب الحامل لهم على الإطلاق فافهم اهـ منه.
(٤) أي على رأي.
(٥) وبني على ذلك أن التقديم في وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ليس لمجرد الفاصلة بل لرعاية الاختصاص اهـ منه.
(٦) وقد حقق ذلك الشيخ قدس سره في النصوص فراجعه إن أردته اهـ منه.
اهـ منه.
(٢) هو الشهاب اهـ منه.
(٣) واعترضه ابن السبكي أيضا بأن الغلو لا يفيد جوابا إذ غايته أن ذلك السبب الحامل لهم على الإطلاق فافهم اهـ منه.
(٤) أي على رأي.
(٥) وبني على ذلك أن التقديم في وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ليس لمجرد الفاصلة بل لرعاية الاختصاص اهـ منه.
(٦) وقد حقق ذلك الشيخ قدس سره في النصوص فراجعه إن أردته اهـ منه.
66
المسمى محصلا عنده ولهذا فضلت الصحابة علينا رضوان الله تعالى عليهم فإنهم حصلوا الذات وحصلنا الأسماء، ولما راعينا الاسم مراعاتهم الذات ضوعف لنا الأجر فللعامل منا أجر خمسين ممن يعمل بعمل الصحابة لا من أعيانهم بل من أمثالهم والحسرة الغيبة التي لم تكن لهم فكان تضعيف على تضعيف (١) فنحن الإخوان وهم الأصحاب وهو صلى الله تعالى عليه وسلم إلينا بالأشواق وما أفرحه بلقاء واحد منا وكيف لا يفرح وقد ورد عليه من كان بالأشواق إليه، وأيضا وجدنا بين الله والرحمن من المناسبة ما ليس بينه وبين الرحيم فلهذا قدم الرحمن على الرحيم. بيان ذلك أما أولا فلاقتران الرحمن بالجلالة في قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الإسراء: ١١٠] وقد يشعر هذ الاقتران بجعلهما للذات ولذلك اختار من اختار البدل على النعت وجعلوه إشارة إلى مقام الجمع المرموز إليه بما صح عند القوم من طريق الكشف أن الله تعالى خلق آدم على صورته والرحيم ليس كذلك، وأما ثانيا فلأن في الله وفي الرحمن ألفين ألف الذات وألف العلم والأولى في كل خفية والثانية ظاهرة وإنما خفيت الأولى في الأول لرفع الالتباس في الخط بين الله والإله وفي الثاني على ما عليه أهل الله في رسمه وهو أحد الرسمين عند أهل الرسوم لدلالة الصفات عليهما دلالة ضرورية من حيث قيام الصفة بالموصوف فخفيت الذات وتجلت للعالم الصفات فلم يعرفوا من الإله غيرها والجهل هنا كمال وذلك حقيقة العبودية.
فالرحمن مشير إلى الذات وسائر الصفات فالألف الظاهرة واللام والراء إشارة إلى العلم والإرادة والقدرة والحاء والميم والنون إشارة إلى الكلام والسمع والبصر، وشرط هذه الصفات الحياة ولا يتحقق المشروط بدون الشرط فظهرت الصفات السبع بأسرها وخفيت الذات كما ترى وادعى بعض العارفين أن الألف الخفية هنا ظهرت من حيث الجزئية من هذا اللفظ في الشيطان بناء على أخذه من شطن وزيادة الألف فيه للإشارة إلى عموم الرحمة الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فللشيطان أيضا حصة منها ومنها وجوده وبقي سر لا يمكن كشفه ولا كذلك الرحيم إذ ليس فيه إلا ألف العلم ولما كان هذا الاسم مشيرا إلى سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم باعتبار رتبته ظهرت فيه لكونه المرسل إلى الناس كافة فطلب التأييد فأعطيها فظهر بها، وأما ثالثا فقد طال النزاع في تحقيق لفظ الرحمن كما طال في تحقيق لفظ الله حتى توهم أنه ليس بعربي لنفور العرب منه فإنهم لما قيل لهم اعبدوا الله لم يقولوا وما الله ولما قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ولعل سبب ذلك توهمهم التعدد وأنهم خافوا أن يكون المعبود الذي يدلهم عليهم من جنسهم فأنكروه لذلك لا لأنه ليس بعربي، واختلف أيضا في الصرف وعدمه قال ابن الحاجب: النون والألف إذا كانا (٢)
في اسم فشرطه العلمية وفي صفة فانتفاء فعلانة وقيل وجود فعلي، ومن ثمة اختلف في رحمن دون سكران وندمان وبنو أسد يصرفون جميع فعلان لأنهم يقولون في كل مؤنث له فعلانة اهـ وقال في التسهيل واختلف فيما لزم تذكيره كلحيان بمعنى كبير اللحية فمن منعه ألحقه بباب سكران لأنه أكثر ومن حذفه رأى أنه ضعف داعي منعه والأصل الصرف، واختار الزمخشري والشيخ الرضي وابن مالك واستظهره البيضاوي عدم الصرف إلحاقا له بما هو أغلب في بابه لأن الغالب في فعلان صفة فعلى حتى ذكر الإمام (٣) السيوطي أن ما مؤنثه فعلانة لم يجىء إلا أربعة عشر لفظا بل إن فعلان صفة من فعل بالكسر لم يجئ منه ما مؤنثه فعلانة أصلا إلا ما رواه المرزوقي من خشيان
زدني بفرط الحب فيك تحيرا | وارحم حشا بلظى هواك تسعرا |
في اسم فشرطه العلمية وفي صفة فانتفاء فعلانة وقيل وجود فعلي، ومن ثمة اختلف في رحمن دون سكران وندمان وبنو أسد يصرفون جميع فعلان لأنهم يقولون في كل مؤنث له فعلانة اهـ وقال في التسهيل واختلف فيما لزم تذكيره كلحيان بمعنى كبير اللحية فمن منعه ألحقه بباب سكران لأنه أكثر ومن حذفه رأى أنه ضعف داعي منعه والأصل الصرف، واختار الزمخشري والشيخ الرضي وابن مالك واستظهره البيضاوي عدم الصرف إلحاقا له بما هو أغلب في بابه لأن الغالب في فعلان صفة فعلى حتى ذكر الإمام (٣) السيوطي أن ما مؤنثه فعلانة لم يجىء إلا أربعة عشر لفظا بل إن فعلان صفة من فعل بالكسر لم يجئ منه ما مؤنثه فعلانة أصلا إلا ما رواه المرزوقي من خشيان
(١) هذا مضمون أثر صح عند الصوفية اهـ منه.
(٢) وهاتان الزيادتان في الصفة مشابهتان لألف التأنيث في عدم قبولها هاء التأنيث فلذا لو قبلتها انصرفت كندمان ندمانة فافهم اهـ منه. [.....]
(٣) أي في شرح الألفية اهـ.
(٢) وهاتان الزيادتان في الصفة مشابهتان لألف التأنيث في عدم قبولها هاء التأنيث فلذا لو قبلتها انصرفت كندمان ندمانة فافهم اهـ منه. [.....]
(٣) أي في شرح الألفية اهـ.
67
وخشيانة وإنما اقتضى الإلحاق أظهرية ذلك مع أن كون الأصل في الاسم الصرف يقتضي خلافه لأن رعاية ما هو الغالب في النوع أولى من رعاية الأصل، والحشر مع الجماعة عيد ولما رأى السعد أن هذه المسألة مما تعارض فيها الأصل والغالب ولم يترجح عنده أحدهما مال إلى جواز الصرف وعدمه عملا بالأمرين والأعمال في الجملة أولى من الإهمال بالكلية وحيث لم يسمع هذا الاسم إلا مضافا أو معرفا بأل أو منادى وما ورد شاذا كما في البيت لا يصلح شاهدا لأحد الأمرين لاحتمال أن يكون ممنوعا وألفه للإطلاق عدلوا إلى الاستدلال واتسعت دائرة المقال والرحيم سليم من هذا فافهم ذاك والله يتولى هداك، وإنما جعل الله البسملة مبدأ كلامه لوجهين، أما الأول فلأنها إجمال ما بعدها وهي آية عظيمة ونعمة للعارف جسيمة لا نهاية لفوائدها ولا غاية لقيمة فوائدها والباحث عنها مع قصرها إذا أراد ذرة من علمها ودرة من عيلمها احتاج إلى باع طويل في العلوم واطلاع عريض في المنطوق والمفهوم مثلا إذا أراد أن يبحث عن الباء من حيث إنها حرف جر بل عن سائر كلماتها من حيث الإعراب والبناء احتاج إلى علم النحو وإذا أراد أن يبحث عن أصول كلماتها كيف كانت وكيف آلت احتاج إلى علمي الصرف والاشتقاق وإن أراد أن يبحث عن نحو القصر بأقسامه وهل يوجد فيها شيء منه احتاج إلى علم المعاني وإن أراد أن يبحث عما فيها من الحقيقة والمجاز احتاج إلى علم البيان وإن أراد أن يبحث عما بين كلماتها من المحسنات اللفظية احتاج إلى علم البديع وإن أراد أن يبحث عنها من حيث إنها شعر أو نثر موزون أو غير موزون مثلا احتاج إلى علمي العروض والقوافي وإن أراد أن يعرف مدلولات الألفاظ لغة احتاج إلى مراجعة اللغة وإن أراد أن يعرف من أي الأقسام وضع هاتيك الألفاظ احتاج إلى علم الوضع وإن أراد معرفة ما في رسمها احتاج إلى علم الخط وإن أراد البحث عن كونها قضية ومن أي قسم من أقسامها أو غير قضية احتاج إلى علم المنطق وإن أراد أن يعرف أن كنه ما فيها من الأسماء هل يعلم أولا احتاج إلى علم الكلام وإن أراد معرفة حكم الابتداء بها وهل يختلف باختلاف المبدوء به احتاج إلى علم الفقه وإن أراد معرفة أن ما فيها ظاهر أو نص مثلا احتاج إلى علم الأصول وإن أراد معرفة تواترها احتاج إلى علم المصطلح وإن أراد معرفة أنها من أي مقولة من الأعراض احتاج إلى علم الحكمة وإن أراد معرفة طبائع حروفها احتاج إلى علم الحرف وإن أراد معرفة أنواع الرحمة المشار إليها بها احتاج إلى علم الأفلاك وعلم تشريح الأعضاء وخواص الأشياء وعلم المساحة وغير ذلك وإن أراد معرفة ما يمكن التخلق به مما تدل عليه الأسماء احتاج إلى علم الأخلاق وإن أراد معرفة ما خفي على أرباب الرسوم من الإشارات فليضرع إلى ربه وإن أراد أن يقف على جميع ما فيها من الأسرار فليعد غير المتناهي وكيف يطمع في ذلك وهي عنوان كلام الله تعالى المجيد وخال وجنة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وإن أردت أن تمتحن ذهنك في بعض أسرارها فتأمل سر افتتاحها واختتامها بحرفين شفويين ومع كل ألف صورية متصلة بأول الأول وآخر الآخر وتحت الأول دائرة غيبية ظهرت في صورة الثاني وسر ما وقع فيها من أنواع التثليث أما أولا ففي مخارج الحروف فإنها ثلاثة الشفة واللسان والحلق في الباء واللام والهام. وأما ثانيا ففي المحذوف من حروفها فإنها ثلاثة أيضا ألف الاسم وألف الله وألف الرحمن. وأما ثالثا ففي المنطوق منها والمرسوم فإنه ثلاثة أنواع أيضا منطوق به مرسوم كالباء ومنطوق به غير مرسوم كألف الرحمن ومرسوم غير منطوق به كاللام منه مثلا، وأما رابعا ففي المتحرك والساكن، فمتحرك لا يسكن كالباء وساكن لا يتحرك كالألف، وقابل لهما كميم الرحيم وقفا ووصلا، وأما خامسا ففي أنواع كلماتها الملفوظة والمقدرة فهي على رأي اسم وفعل وحرف، وأما سادسا ففي أنواع الجر
وعلى تفنن واصفيه بوصفه | يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف |
68
الذي فيها فهو جر بحرف وبإضافة وبتبعية على المشهور، وأما سابعا ففي الأسماء الحسنى التي ذبحتها فهي الله والرحمن والرحيم، وأما ثامنا ففي العاملية والمعمولية فكلمة عاملة غير معمولة ومعمولة غير عاملة وعاملة معمولة. وأما تاسعا ففي الاتصال والانفصال فمتصل بما بعده فقط وبما قبله فقط وبما بعده وقبله، وفي كل واحد من هذه الثلاثيات أسرار تحير الأفكار وتبهر أولي الأبصار وانظر لم اشتملت حروفها على الطبائع الأربع وتقدم في الظهور الهواء (١) ولم كانت تسعة عشر، ولم اعتنق اللام الألف واتصلت الميم باللام والهاء بالراء والنون بها نطقا لا خطا ولم فتح ما قبل الألف حتى لم يتغير في موضع أصلا؟ وتفكر في سر تربيع الألفاظ وسكون السين وتحرك الميم ونقطتي الياء ونقطة النون والباء، والأمر وراء ما يظنه أرباب الرسوم ونهاية ما ذكروه البحث عن المدلولات وتوسيع دائرة المقال بإبداء الاحتمالات، وقد صرح السرميني بإبداء خمسة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وأحد وتسعين ألفا وثلاثمائة وستين احتمالا وزدت عليه من فضل الله تعالى حين سئلت عن ذلك بما يقرب أن يكون بمقدار ضرب هذا العدد بنفسه والدائرة أوسع إلا أن الواقع البعض، ولقد خلوت ليلة بليلى هذه الكلمة وأوقدت مصباح ذلي في مشكاة حضرتها المكرمة وفرشت لها سري وضممتها سحرا إلى سحري ونحري.
وأما الوجه الثاني فلتعليم العبادة إذا بدؤوا بأمر كيف يبدؤون به ولهذا
قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة وأخرجه الحافظ عبد القادر الرهاوي «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر»
والبال الحال والشأن فمعنى ذي بال شريف يحتفل به ويهتم كأنه شغل القلب وملكه حتى صار صاحبه، وقيل شبه الأمر العظيم بذي قلب على سبيل الاستعارة المكنية والتخييلية، وفي هذا الوصف فائدتان إحداهما رعاية تعظيم اسم الله تعالى لأن يبتدىء به في الأمور المعتد بها. والأخرى التيسير على الناس في محقرات الأمور كذا قالوه، وعندي أن الأظهر جعل الوصف للتعميم كما في قوله تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام: ٣٨] أي كل أمر يخطر بالبال جليلا كان أو حقيرا لا يبدأ به إلخ. وفي هذا غاية الإظهار لعظمة الله تعالى وحث على التبري عن الحول والقوة إلا بالله. وإشارة إلى أن قدر العباد غير مستقلة في الأفعال فحمل تبنة كحمل جبل إن لم يعن الله الملك المتعال وقد أمر سبحانه وتعالى بالإكثار من ذكره فقال تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: ٢٠٠] وحيث لم يجب ذلك كما هو معلوم يحصل للناس تيسير، وقد سن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعض الأشياء ونفى الحرج بنفي وجوبها وفي
قوله عليه الصلاة والسلام «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شثع نعله»
وما
روي «أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام يا موسى سلني حتى ملح قدرك وشراك نعلك»
ما يدفع عنك توهم عدم رعاية التعظيم في ذكره تعالى عند محقرات الأمور وأي فرق عند المنصف بين ذكره سبحانه عندها وطلبها منه. على أن العارف الجليل لا يقع بصره على شيء حقير ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك: ٣، ٤] نعم التسمية على الحرام والمكروه مما لا ينبغي بل هي حرام في الحرام لا كفر على الصحيح مكروهة في المكروه وقيل مكروهة فيهما إن لم يقصد استخفافا وإن قصده- والعياذ بالله
فكان ما كان مما لست أذكره | فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر |
قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة وأخرجه الحافظ عبد القادر الرهاوي «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر»
والبال الحال والشأن فمعنى ذي بال شريف يحتفل به ويهتم كأنه شغل القلب وملكه حتى صار صاحبه، وقيل شبه الأمر العظيم بذي قلب على سبيل الاستعارة المكنية والتخييلية، وفي هذا الوصف فائدتان إحداهما رعاية تعظيم اسم الله تعالى لأن يبتدىء به في الأمور المعتد بها. والأخرى التيسير على الناس في محقرات الأمور كذا قالوه، وعندي أن الأظهر جعل الوصف للتعميم كما في قوله تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام: ٣٨] أي كل أمر يخطر بالبال جليلا كان أو حقيرا لا يبدأ به إلخ. وفي هذا غاية الإظهار لعظمة الله تعالى وحث على التبري عن الحول والقوة إلا بالله. وإشارة إلى أن قدر العباد غير مستقلة في الأفعال فحمل تبنة كحمل جبل إن لم يعن الله الملك المتعال وقد أمر سبحانه وتعالى بالإكثار من ذكره فقال تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: ٢٠٠] وحيث لم يجب ذلك كما هو معلوم يحصل للناس تيسير، وقد سن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعض الأشياء ونفى الحرج بنفي وجوبها وفي
قوله عليه الصلاة والسلام «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شثع نعله»
وما
روي «أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام يا موسى سلني حتى ملح قدرك وشراك نعلك»
ما يدفع عنك توهم عدم رعاية التعظيم في ذكره تعالى عند محقرات الأمور وأي فرق عند المنصف بين ذكره سبحانه عندها وطلبها منه. على أن العارف الجليل لا يقع بصره على شيء حقير ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك: ٣، ٤] نعم التسمية على الحرام والمكروه مما لا ينبغي بل هي حرام في الحرام لا كفر على الصحيح مكروهة في المكروه وقيل مكروهة فيهما إن لم يقصد استخفافا وإن قصده- والعياذ بالله
(١) قال الشيخ الأكبر قدس سره:
اهـ.
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى | لولا الهوى في الكون ما عبد الهوى |
69
تعالى- كفر مطلقا وهذا لا يضر فيما قلناه كما لا يخفى. وقد اضطرب الحديث هنا فوقع في بعض الروايات لا يبدأ فيه بالحمد لله وفي بعضها بحمد الله وفي البعض أجذم وفي أخرى أقطع وفي خبر كل كلام وفي أثر يبدأ وفي آخر يفتتح وفي موضع وضع الذكر بدل الحمد إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع حتى قيل: إنه مضطرب سندا ومتنا ولولا أنه في فضائل الأعمال ما اغتفر فيه ذلك على أنه تقوى بالمتابعة معنى أيضا والشهرة في دفع التعارض بين الروايات تغني عن التعرض للاستيفاء، واستحسن فيه أن روايتي البسملة والحمدلة تعارضتا فسقط قيداهما كما في مسألة التسبيع في الغسلات عند الشافعي ورجع للمعنى الأعم وهو إطلاق الذكر المراد منه إظهار صفة الكمال وقيل إن المراد في كل رواية الابتداء بأحدهما أو بما يقوم مقامه ولو ذكرا آخر بقرينة تعبيره تارة بالبسملة وأخرى بالحمدلة وطورا بغيرهما ولا يرد على كل أنا نرى كثيرا من الأمور يبدأ فيه بما ورد في الحديث مع أنه لا يتم ونرى كثيرا منها بالعكس لأنا نقول المراد من الحديث أن لا يكون معتبرا في الشرع فهو غير تام معنى وإن كان تاما حسا فباسم الله تعالى تتم معاني الأشياء ومن مشكاة بسم الله الرحمن الرحيم تشرق على صفحات الأكوان أنوار البهاء.
ولو جليت سرا على أكمه غدا... بصيرا ومن راووقها تسمع الصم
ولو أن ركبا يمموا ترب أرضها... وفي الركب ملسوع لما ضره السم
ولو رسم الراقي حروف اسمها على... جبين مصاب جن أبرأه الرسم
وفوق لواء الجيش لو رقم اسمها... لأسكر من تحت اللوا ذلك الرقم
ولما افتتح سبحانه وتعالى كتابه بالبسملة وهي نوع من الحمد ناسب أن يردفها بالحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال فقال جل شأنه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وهو أول الفاتحة وآخر الدعوات الخاتمة كما قال تعالى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠].
كأن الحب دائرة بقلبي... فأوله وآخره سواء
وقد قيل للجنيد قدس سره ما النهاية؟ فقال الرجوع إلى البداية وفيه أسرار شتى، والحمد على المشهور هو الثناء باللسان على الجميل سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل، قالوا ولا بد لتحققه من خمسة أمور محمود به ومحمود عليه وحامد ومحمود وما يدل على اتصاف المحمود بصفة فالأول صفة تظهر اتصاف الشيء بها على وجه مخصوص ويجب كونه صفة كمال ولو ادعاء إذ المناط التعظيم ولا فرق عند الإمام الرازي قدس سره بين كونه ثبوتيا أو سلبيا متعديا أو غير متعد بل ولا بين كونه صادرا عن المحمود باختياره أولا كما قرره العلامة الدواني وصدر الأفاضل في حواشي التجريد والمطالع وجزم به المحقق الملا خسرو وادعى أنه الأشهر إلا أن العلامة في شرح التهذيب نقل عن البعض وجوب كونه اختياريا واختاره كما في المحمود عليه فكما لم يسمع الحمد على رشاقة القدر وصباحة الخد لم يسمع الحمد بهما وعدم حمد اللؤلؤة كما يمكن كونه من جهة حال المحمود عليه يمكن كونه من جهة المحمود فجعله دليلا على أحدهما فقط تحكم، الثاني ما يقع الثناء بإزائه ويقابله بمعنى أن المثنى عليه لما اتصف به أظهر كماله ولولاه لم يتحقق ذلك فهو كالعلة الباعثة وقد يكون الشيء الواحد محمودا به وعليه معا كأن رأى من ينعم أو يصلي فأظهر اتصافه بذلك فهناك يتحقق الأمران لحيثيتين ويجب أن يكون كمالا على نحو ما سبق وظاهر كلام الجمهور أنه أعم من كونه فعلا صادرا من المحمود أو كيفية قائمة به ويفهم كلام الإمام اختيار الأول واشترط أن يكون حصوله من المحمود باختياره، واستشكل الحمد على صفاته تعالى الذاتية سواء جعلت عين ذاته أو زائدة عليها، وأجيب بأن الحمد عليها بتنزيلها منزلة الاختياري لكون ذاته كافية فيها أو بأن المراد بالفعل الاختياري المنسوب إلى الفاعل
ولو جليت سرا على أكمه غدا... بصيرا ومن راووقها تسمع الصم
ولو أن ركبا يمموا ترب أرضها... وفي الركب ملسوع لما ضره السم
ولو رسم الراقي حروف اسمها على... جبين مصاب جن أبرأه الرسم
وفوق لواء الجيش لو رقم اسمها... لأسكر من تحت اللوا ذلك الرقم
ولما افتتح سبحانه وتعالى كتابه بالبسملة وهي نوع من الحمد ناسب أن يردفها بالحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال فقال جل شأنه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وهو أول الفاتحة وآخر الدعوات الخاتمة كما قال تعالى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠].
كأن الحب دائرة بقلبي... فأوله وآخره سواء
وقد قيل للجنيد قدس سره ما النهاية؟ فقال الرجوع إلى البداية وفيه أسرار شتى، والحمد على المشهور هو الثناء باللسان على الجميل سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل، قالوا ولا بد لتحققه من خمسة أمور محمود به ومحمود عليه وحامد ومحمود وما يدل على اتصاف المحمود بصفة فالأول صفة تظهر اتصاف الشيء بها على وجه مخصوص ويجب كونه صفة كمال ولو ادعاء إذ المناط التعظيم ولا فرق عند الإمام الرازي قدس سره بين كونه ثبوتيا أو سلبيا متعديا أو غير متعد بل ولا بين كونه صادرا عن المحمود باختياره أولا كما قرره العلامة الدواني وصدر الأفاضل في حواشي التجريد والمطالع وجزم به المحقق الملا خسرو وادعى أنه الأشهر إلا أن العلامة في شرح التهذيب نقل عن البعض وجوب كونه اختياريا واختاره كما في المحمود عليه فكما لم يسمع الحمد على رشاقة القدر وصباحة الخد لم يسمع الحمد بهما وعدم حمد اللؤلؤة كما يمكن كونه من جهة حال المحمود عليه يمكن كونه من جهة المحمود فجعله دليلا على أحدهما فقط تحكم، الثاني ما يقع الثناء بإزائه ويقابله بمعنى أن المثنى عليه لما اتصف به أظهر كماله ولولاه لم يتحقق ذلك فهو كالعلة الباعثة وقد يكون الشيء الواحد محمودا به وعليه معا كأن رأى من ينعم أو يصلي فأظهر اتصافه بذلك فهناك يتحقق الأمران لحيثيتين ويجب أن يكون كمالا على نحو ما سبق وظاهر كلام الجمهور أنه أعم من كونه فعلا صادرا من المحمود أو كيفية قائمة به ويفهم كلام الإمام اختيار الأول واشترط أن يكون حصوله من المحمود باختياره، واستشكل الحمد على صفاته تعالى الذاتية سواء جعلت عين ذاته أو زائدة عليها، وأجيب بأن الحمد عليها بتنزيلها منزلة الاختياري لكون ذاته كافية فيها أو بأن المراد بالفعل الاختياري المنسوب إلى الفاعل
70
المختار سواء كان مختارا فيه أولا. وقيل إنها صادرة بالاختيار بمعنى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل لا بمعنى صحة الفعل والترك أو بمعناه والصفات صادرة بالاختيار وسبقه عليها ذاتي فلا يلزم حدوثها، وقيل إنه بالنظر إلى حمد البشر فالمراد ما جنسه اختياري كما قيل في قيد اللسان وأورد على الأول مع ما فيه أنه إنما يحسن إذا كان المعتاد في الأفعال الاختيارية كون فاعلها مستقلا في إيجادها من غير احتياج إلى شيء آخر من آلة وغيرها ليظهر استقامة التنزيل وليس كذلك فإن العمل الاختياري يحتاج إلى العلم والقدرة والكثير إلى آلة وأسباب وعلى الثاني أنه خلاف المتبادر وعلى الثالث أن هذا المعنى ادعاه الحكماء حين قالوا بقدم العالم للإيجاب فلزمهم أن لا يكون لموجده إرادة وقالوا: إن صدق الشرطية لا يقتضي وجود مقدمها ولا عدمه فمقدم الأولى بالنسبة إلى وجود العالم دائم الوقوع ومقدم الثانية دائم اللاوقوع ولهذا أطلق عليه الصانع وهو من له الإرادة وهو صرح ممرد من قوارير لأن ما بالإرادة يصح وجوده بالنظر إلى ذات الفاعل فإن أريد بالدوام الدوام مع صحة وقوع النقيض فهو مخالف لما صرحوا به من إيجاب العالم بحيث لا يصح عدم وقوعه منه وإن أريد مع امتناع الوقوع فليس هناك من الإرادة إلا لفظها ومتعلقها لا محيص عن حدوثه والعالم عندهم قديم واختيار الشق الأول ثم القول بأن الصادر عن الموجب بالذات ليس واجبا كذلك بل ممكن بذاته والقدم زماني لا ذاتي وصحة وقوع النقيض لا يقتضي الوقوع إذا أحجم القلم عنه إنما يظهر في العالم ويبقى ما نحن فيه من الصفات ولا أقدم على إطلاق القول بإمكانها لاحتياجها للذات واستنادها إليها وعلى الرابع أن اتصاف الصفات بالصدور لو انشرحت لتوجيهه الصدور يبقى الإشكال في صفة القدرة ولا قدرة لدعوى صدورها بالاختيار وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه فلا حسم وعلى الخامس أن هاتيك الصفات مقدسة عن أن تشرك مع صفة البشر في جنس وأين الأزلي من الزائل؟ على أنه على ما فيه خلاف المنساق إلى الذهن ولكثرة المقال والقيل لم يشترط بعضهم في المحمود عليه أن يكون اختياريا لأنه الباعث على الحمد وأي مانع من أن لا يكون كذلك ومن ذلك عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: ٧٩] وعند الصباح يحمد القوم السرى، وجاورته فما حمدت جواره.
والحق الحقيق بالاتباع أن الحمد اللغوي لا يكون إلا على الأفعال الاختيارية والحمد على الصفات الذاتية إما لغوي راجع لما يترتب عليها من الآثار الاختيارية، أو عرفي ولا ضرر في تعلقه بها، وما ذكر من الأمثلة ونحوها فالحمد فيها مجاز عن الرضا، ويقال في الآية زيادة عليه إن محمودا حال من الضمير المنصوب أو نعت لمقاما والمعنى محمودا فيه النبي لشفاعته أو الله تعالى لتفضله عليه بالإذن وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه «والثالث» وهو من يتحقق منه الحمد وشرطه أن يكون معظما بثنائه للمحمود ظاهرا وباطنا كما حققه الصدر نعم لا يلزم اعتقاد اتصاف المحمود بالجميل عند المحققين بل الشرط عدم اقترانه ثبوت تحقير فيدخل الوصف بما قطع بانتفائه ولا يناقضه كما قال الدواني توجيه الشريف اشتراط التعظيمين بأنه إذا عري عن مطابقة الاعتقاد لم يكن حمدا بل سخرية لأنه أراد بالاعتقاد لازمه وهو إنشاء التعظيم لا معناه الحقيقي فإن الحمد قد يكون إنشائيا ولا معنى لمطابقة الاعتقاد فيه لأن ما لا يتعلق به الاعتقاد لا يوصف حقيقة بمطابقته إذ المتبادر منها الاتحاد في الإيجاب والسلب أو ما يستلزمه أو يؤول إليه وذا لا يوجد إلا في القضايا ولذا لا تسمع أحدا يقول إن التصور يطابقه بل لو قال قائل إن مفهوم اضرب يطابق الاعتقاد ضرب عنه صفحا وربما نسب لما يكره وحمل المطابقة على هذا أقرب من التزام اتصاف التصورات بالمطابقة واللامطابقة إذ ليس فيه سوى ذكر الملزوم وإرادة اللازم مع أن أهل العرف العام قد يطلقون الاعتقاد بهذا المعنى فيقولون فلان له اعتقاد في فلان ويريدون ما أردنا ولا بعد فيه لأن الناس يعدون الوصف بالجميل المعلوم الانتفاء إذا
والصبر يحمد في المواطن كلها | إلا عليك فإنه مذموم |
71
كان كذلك مدحا وحمدا كما في كثير من القصائد «وأما الجواب» بأن الواصف يعتقد الاتصاف وبأن المراد معان مجازية واتصاف المنعوت بها معتقد فيرده أن الأول خلاف البديهة والثاني خلاف الواقع والجواب عن الأول بأنه لو كان خلاف البديهة لم يقصد العقلاء إفادته ولم يكن اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي وعن الثاني بأنه لو كان خلاف الواقع لما كان مستعملا في معناه المجازي فيلزم أن لا يكون الكلام حقيقة ولا مجازا كلام نشأ من ضيق الصدر إذ لا يلزم من عدم اعتقاد المدلول أن لا يكون الكلام مستعملا فيه فالأخبار الغير المعتقدة كقول السني الخفي حاله: العبد خالق لأفعاله مستعمل في حقيقته غير معتقد بل جميع الأكاذيب التي يعتمدها أهلها كذلك ثم إن المجيب حمل أن الأول خلاف البديهة على أن مضمون تلك الأخبار خلافها وفرع عليه أنه يلزم أن لا يقصد العقلاء إفادته ويرد عليه المنع فإن الأكاذيب التي يعتمدها العاقل قد تخالف البديهة مع قصد إفادتها لغرض ما كالتغليط أو التنكيت أو الامتحان أو للتخبل كما في كثير من القضايا حتى قال بعض المحققين: لا يلزم أن يكون ذلك الكلام حقيقة ولا مجازا وفيه تأمل «الرابع» المحمود وقد علمت ما يشترط فيه.
«الخامس» وهو ذكر ما يدل على اتصاف المحمود بالمحمودية وقد اشتهر تقييده باللسان وأريد به جارحة النطق ولما كان الواقع كون آلة التكلم في الغالب هي تلك الجارحة خصوه بها فلو فقد إنسان لسانه فأثنى بحروفه الشفوية أو خلق النطق في بعض جوارحه فأثنى به- كما شوهد في مقطوع جميع اللسان- فهو حمد وقضية التقييد أن لا يكون الصادر عمن لا جارحة له حمدا وقد قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء: ٤٤] وأما حمد الله تعالى نفسه نفسه مثلا فذهب الأكثر إلى أنه إخبار باستحقاق الحمد وأمر به أو مقول على ألسنة العباد أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية القصوى من الحمد ومال السيد إلى الأخير. وقال الدواني كون الحمد في حقه سبحانه مجازا بعيد عن قاعدة أهل الحق من إثبات الكلام له حقيقة والقول مساوق للكلام فالأظهر أن الحصر في اللسان إضافي لمقابلة الجنان والأركان والمراد الأمر الذي مصدره اللسان غالبا أو هو قيد غالبي يسوغ الاستعمال فيه واللفظ قد يكون موضوعا في أصل اللغة لعام ويشتهر في بعض مخصوص بحيث يصير فيه حقيقة عرفية وسبب الاشتهار إما كثرة تداول ذلك الفرد كما في الدابة، وإما عدم الاطلاع على فرد آخر فيستعمله أهل اللسان في ذلك الفرد حتى إذا استمر ولم يطلع على إطلاقه على فرد آخر ظن أنه موضوع لخصوصه كما في الميزان فإنه في الأصل موضوع لآلة الوزن، ثم من لم يطلع إلا على ما له لسان وعمود ربما يجزم بأنه موضوع له فقط ولا يدري أن وراء ذلك موازين (١) ومثل هذا يجري في كثير من الألفاظ والأمر في المشتقات لا يكاد يخفى على من له أدنى فطنة لظهوره بالرجوع إلى قاعدة الاشتقاق وفي غيرها ربما يشتبه على الجماهير وبذلك يفوت كثير من حقائق الكتاب والسنة فإن أكثرهما وارد على أصل اللغة وعلى ذلك فقس الحمد فإن حقيقته عندهم إظهار صفات الكمال، ولما كان الإظهار القولي أظهر أفراده وأشهرها عند العامة شاع استعمال لفظ الحمد فيه حتى صار كأنه مجاز في غيره مع أنه بحسب الأصل أعم بل الإظهار الفعلي أقوى وأتم فهو بهذا الاسم أليق وأولى كما هو شأن القول بالتشكيك وفرقوا بين الحمد والمدح بأمور.
«أحدها» أن الحمد يختص بالثناء على الفعل الاختياري لذوي العلم والمدح يكون في الاختياري وغيره ولذوي العلم وغيرهم كما يقال مدحت اللؤلؤة على صفائها «وثانيها وثالثها» أن الحمد يشترط صدوره عن علم لا ظن وأن
«الخامس» وهو ذكر ما يدل على اتصاف المحمود بالمحمودية وقد اشتهر تقييده باللسان وأريد به جارحة النطق ولما كان الواقع كون آلة التكلم في الغالب هي تلك الجارحة خصوه بها فلو فقد إنسان لسانه فأثنى بحروفه الشفوية أو خلق النطق في بعض جوارحه فأثنى به- كما شوهد في مقطوع جميع اللسان- فهو حمد وقضية التقييد أن لا يكون الصادر عمن لا جارحة له حمدا وقد قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء: ٤٤] وأما حمد الله تعالى نفسه نفسه مثلا فذهب الأكثر إلى أنه إخبار باستحقاق الحمد وأمر به أو مقول على ألسنة العباد أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية القصوى من الحمد ومال السيد إلى الأخير. وقال الدواني كون الحمد في حقه سبحانه مجازا بعيد عن قاعدة أهل الحق من إثبات الكلام له حقيقة والقول مساوق للكلام فالأظهر أن الحصر في اللسان إضافي لمقابلة الجنان والأركان والمراد الأمر الذي مصدره اللسان غالبا أو هو قيد غالبي يسوغ الاستعمال فيه واللفظ قد يكون موضوعا في أصل اللغة لعام ويشتهر في بعض مخصوص بحيث يصير فيه حقيقة عرفية وسبب الاشتهار إما كثرة تداول ذلك الفرد كما في الدابة، وإما عدم الاطلاع على فرد آخر فيستعمله أهل اللسان في ذلك الفرد حتى إذا استمر ولم يطلع على إطلاقه على فرد آخر ظن أنه موضوع لخصوصه كما في الميزان فإنه في الأصل موضوع لآلة الوزن، ثم من لم يطلع إلا على ما له لسان وعمود ربما يجزم بأنه موضوع له فقط ولا يدري أن وراء ذلك موازين (١) ومثل هذا يجري في كثير من الألفاظ والأمر في المشتقات لا يكاد يخفى على من له أدنى فطنة لظهوره بالرجوع إلى قاعدة الاشتقاق وفي غيرها ربما يشتبه على الجماهير وبذلك يفوت كثير من حقائق الكتاب والسنة فإن أكثرهما وارد على أصل اللغة وعلى ذلك فقس الحمد فإن حقيقته عندهم إظهار صفات الكمال، ولما كان الإظهار القولي أظهر أفراده وأشهرها عند العامة شاع استعمال لفظ الحمد فيه حتى صار كأنه مجاز في غيره مع أنه بحسب الأصل أعم بل الإظهار الفعلي أقوى وأتم فهو بهذا الاسم أليق وأولى كما هو شأن القول بالتشكيك وفرقوا بين الحمد والمدح بأمور.
«أحدها» أن الحمد يختص بالثناء على الفعل الاختياري لذوي العلم والمدح يكون في الاختياري وغيره ولذوي العلم وغيرهم كما يقال مدحت اللؤلؤة على صفائها «وثانيها وثالثها» أن الحمد يشترط صدوره عن علم لا ظن وأن
(١) لموازين المياه وغيرها من موازين الحكمة اهـ منه.
72
تكون الصفات المحمودة صفات كمال والمدح قد يكون عن ظن وبصفة مستحسنة وإن كان فيها نقص ما.
«ورابعها» أن في الحمد من التعظيم والفخامة ما ليس في المدح وهو أخص بالعقلاء والعظماء وأكثر إطلاقا على الله تعالى. «وخامسها» أن الحمد إخبار عن محاسن الغير مع المحبة والإجلال والمدح إخبار عن المحاسن ولذا كان الحمد إخبارا يتضمن إنشاء والمدح خبرا محضا «وسادسها» أن الحمد مأمور به مطلقا ففي الأثر
«من لم يحمد الناس لم يحمد الله»
والمدح ليس كذلك «احثوا في وجوه المداحين التراب» ويشعر كلام الزمخشري في الكشاف والفائق بترادفهما ففي الأول أنهما أخوان وجعل فيه نقيض المدح أعني الذم نقيضا للحمد وفي الثاني الحمد المدح والوصف بالجميل فالمدح عنده مخصوص بالاختياري وتأول المدح بالجمال وصباحة الوجه واحتمال أن يراد من الأخوين ما يكون بينهما اشتقاق كبير بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب كجبذ وجذب وأن الأدباء يجوزون التعريف بالأعم والنقيض هناك بالمعنى اللغوي ويجوز أن يكون شيء واحد نقيضا لشيئين بينهما عموم وخصوص بهذا المعنى لا ينفي ما قلناه بل إذا أنصفت تكاد تجزم بأن الزمخشري قائل بالترادف ولا تستفزك هذه الاحتمالات لأنها كسراب بقيعة نعم هذا القول بعيد منه وهو شيخ العربية وفتاها فالحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن المدح يكون على غير الاختياري وكأنه لذلك لم يقل عز شأنه المدح لله كما قالوا إظهارا لأن الله تعالى فاعل مختار وفي ذلك من الترغيب والترهيب المناسبين لمقام البعثة والتبليغ ما لا يخفى «وأما الشكر» فهو أيضا مغاير للحمد إلا أن بعضهم خصه بالعمل والحمد بالقول، وبعض جعله على النعم الظاهرة، والآخر على النعم الباطنة وادعى آخرون اختصاصه بفعل اللسان كالحمد في المشهور إلا أنه على النعمة وإليه يشير كلام الراغب (١)، والمعروف أنه ما كان في مقابلتها قولا باللسان وعملا وخدمة بالأركان واعتقادا ومحبة بالجنان، وقول الطيبي إن هذا عرف أهل الأصول فإنهم يقولون شكر المنعم واجب ويريدون منه وجوب العبادة وهي لا تتم إلا بهذه الثلاثة وإلا فالشكر اللغوي ليس إلا باللسان غير طيب فإن ظاهر الكتاب والسنة إطلاق الشكر على غير اللسان قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: ١٣]
وروى الطبراني (٢) عن النواس بن سمعان «أن ناقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الجدعاء سرقت فقال لئن ردها الله تعالى عليّ لأشكرن ربي فلما ردت قال الحمد لله فانتظروا هل يحدث صوما أو صلاة فظنوا أنه نسي فقالوا له: فقال ألم أقل الحمد لله؟!»
فلو لم يفهموا رضي الله تعالى عنهم إطلاق الشكر على العمل لم ينتظروه، وزاد بعضهم في أقسام الشكر رابعا وهو شكر الله تعالى بالله فلا يشكره حق شكره إلا هو ذكره صاحب التجريد وأنشد:
والذي أطبق عليه الناس التثليث وعلى كل حال بينه وبين الحمد عموم وخصوص من وجه والحمد أقوى شعبة لأن حقيقته إشاعة النعمة والكشف عنها كما أن كفرانها إخفاؤها وسترها وتلك بالقول أتم لأن الاعتقاد أمر خفي في نفسه وعمل الجوارح وإن كان ظاهرا إلا أنه يحتمل خلاف ما قصد به وكم فرق بين حمدت الله وشكرته ومجدته وعظمته وبين أفعال العبادة وهي كلها موافقة للعادة ولسان الحال أنطق من لسان المقال أمر ادعائي كما هو المعروف في أمثاله، ولهذا
قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «الحمد رأس الشكر ما شكر
«ورابعها» أن في الحمد من التعظيم والفخامة ما ليس في المدح وهو أخص بالعقلاء والعظماء وأكثر إطلاقا على الله تعالى. «وخامسها» أن الحمد إخبار عن محاسن الغير مع المحبة والإجلال والمدح إخبار عن المحاسن ولذا كان الحمد إخبارا يتضمن إنشاء والمدح خبرا محضا «وسادسها» أن الحمد مأمور به مطلقا ففي الأثر
«من لم يحمد الناس لم يحمد الله»
والمدح ليس كذلك «احثوا في وجوه المداحين التراب» ويشعر كلام الزمخشري في الكشاف والفائق بترادفهما ففي الأول أنهما أخوان وجعل فيه نقيض المدح أعني الذم نقيضا للحمد وفي الثاني الحمد المدح والوصف بالجميل فالمدح عنده مخصوص بالاختياري وتأول المدح بالجمال وصباحة الوجه واحتمال أن يراد من الأخوين ما يكون بينهما اشتقاق كبير بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب كجبذ وجذب وأن الأدباء يجوزون التعريف بالأعم والنقيض هناك بالمعنى اللغوي ويجوز أن يكون شيء واحد نقيضا لشيئين بينهما عموم وخصوص بهذا المعنى لا ينفي ما قلناه بل إذا أنصفت تكاد تجزم بأن الزمخشري قائل بالترادف ولا تستفزك هذه الاحتمالات لأنها كسراب بقيعة نعم هذا القول بعيد منه وهو شيخ العربية وفتاها فالحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن المدح يكون على غير الاختياري وكأنه لذلك لم يقل عز شأنه المدح لله كما قالوا إظهارا لأن الله تعالى فاعل مختار وفي ذلك من الترغيب والترهيب المناسبين لمقام البعثة والتبليغ ما لا يخفى «وأما الشكر» فهو أيضا مغاير للحمد إلا أن بعضهم خصه بالعمل والحمد بالقول، وبعض جعله على النعم الظاهرة، والآخر على النعم الباطنة وادعى آخرون اختصاصه بفعل اللسان كالحمد في المشهور إلا أنه على النعمة وإليه يشير كلام الراغب (١)، والمعروف أنه ما كان في مقابلتها قولا باللسان وعملا وخدمة بالأركان واعتقادا ومحبة بالجنان، وقول الطيبي إن هذا عرف أهل الأصول فإنهم يقولون شكر المنعم واجب ويريدون منه وجوب العبادة وهي لا تتم إلا بهذه الثلاثة وإلا فالشكر اللغوي ليس إلا باللسان غير طيب فإن ظاهر الكتاب والسنة إطلاق الشكر على غير اللسان قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: ١٣]
وروى الطبراني (٢) عن النواس بن سمعان «أن ناقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الجدعاء سرقت فقال لئن ردها الله تعالى عليّ لأشكرن ربي فلما ردت قال الحمد لله فانتظروا هل يحدث صوما أو صلاة فظنوا أنه نسي فقالوا له: فقال ألم أقل الحمد لله؟!»
فلو لم يفهموا رضي الله تعالى عنهم إطلاق الشكر على العمل لم ينتظروه، وزاد بعضهم في أقسام الشكر رابعا وهو شكر الله تعالى بالله فلا يشكره حق شكره إلا هو ذكره صاحب التجريد وأنشد:
وشكري ذوي الإحسان بالقلب تارة | وبالقول أخرى ثم بالعمل الاثني |
وشكري لربي لا بقلبي وطاعتي | ولا بلساني بل به شكرنا عنا |
قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «الحمد رأس الشكر ما شكر
(١) قال: الشكر هو الثناء على المحسن اهـ منه.
(٢) والحديث الآتي أيضا فيه دلالة على هذا فافهم اهـ منه.
(٢) والحديث الآتي أيضا فيه دلالة على هذا فافهم اهـ منه.
73
الله تعالى عبد لا يحمده»
وهو وإن كان فيه انقطاع إلا أن له شاهدا (١) يتقوى به وإن كان مثله فحيث كان النطق يجلي كل مشتبه وكان الحمد أظهر الأنواع وأشهرها حتى إذا فقد كان ما عداه بمنزلة العدم شبهه صلى الله تعالى عليه وسلم بالرأس الذي هو أظهر الأعضاء وأعلاها والأصل لها والعمدة في بقائها وكأنه لهذا أتى به الرب سبحانه ليكون الرأس للرئيس ويفتتح النفيس بالنفيس أو لأنه لو قال جل شأنه الشكر لله كان ثناء عليه تعالى بسبب إنعام وصل إلى ذلك القائل والحمد لله ليس كذلك فهو أعلى كعبا وأظهر عبودية ويمكن أن يقال: إن الشكر على الإعطاء وهو متناه والحمد يكون على المنع وهو غير متناه فالابتداء بشكر دفع البلاء الذي لا نهاية له على جانب من الحسن لا نهاية له ودفع الضر أهم من جلب النفع فتقديمه أحرى، وأيضا مورد الحمد في المشهور خاص ومتعلقه عام والشكر بالعكس موردا ومتعلقا ففي إيراده دونه إشارة قدسية ونكتة على ذوي الكثرة خفية وإلى الله ترجع الأمور وكأنه لمراعاة هذه الإشارة لم يأت بالتسبيح مع أنه مقدم على التحميد إذ يقال سبحان الله والحمد لله على أن التسبيح داخل في التحميد دون العكس فإن الأول يدل على كونه سبحانه وتعالى مبرأ في ذاته وصفاته عن النقائص والثاني يشير إلى كونه محسنا إلى العباد ولا يكون محسنا إليهم إلا إذا كان عالما قادرا غنيا ليعلم مواقع الحاجات فيقدر على تحصيل ما يحتاجون إليه ولا يشغله حاجة نفسه عن حاجة غيره، وإن أبيت- ولا أظن- قلنا كل تسبيح حمد وليس كل حمد تسبيحا لأن التسبيح يكون بالصفات السلبية فحسب والحمد بها وبالثبوتية على ما سلف فهو أعم منه بذلك الاعتبار (٢) فافتتح به لأنه لجمعيته وشموله أوفق بحال القرآن وتقديم التسبيح هناك لغرض آخر ولكل مقام مقال والتعريف هنا للجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو مثله في قول لبيد يصف العير وأتنه:
وعليه جمع منهم الزمخشري حتى قال والاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم وقد صار هذا معترك الافهام ومزدحم أفكار العلماء الأعلام، فقيل: إنه مبني على مسألة خلق الأعمال فإن أفعال العباد لما كانت مخلوقة لهم عند المعتزلة كانت المحامد عليها راجعة إليهم فلا يصح تخصيص المحامد كلها به تعالى ورد بأن اختصاص الجنس يستلزم اختصاص أفراده أيضا إذ لو وجد فرد منه لغيره ثبت الجنس له في ضمنه وصح هذا عندهم لأن الأفعال الحسنة التي يستحق بها الحمد إنما هي بأقدار الله تعالى وتمكينه فبهذا الاعتبار يرجع الأمر إليه كله وأما حمد غيره فاعتداد بأن النعمة جرت على يده، وقيل إنه جعل الجنس في المقام الخطابي منصرفا إلى الكامل كأنه كل الحقيقة ورد بأنه يجوز في الاستغراق أيضا بأن يجعل ما عدا محامده كالعدم فلا فرق بين اختصاص الجنس والاستغراق في منافاتهما ظاهرا لمذهبه ودفعهما بالعناية، وقيل مبناه على أن المصادر نائبة مناب الأفعال وهي لا تعد ودلالتها عن الحقيقة إلى الاستغراق ورد بأن ذلك لا ينافي قصد الاستغراق بمعونة القرائن، وقيل إنما اختاره بناء على أنه المتبادر الشائع لا سيما في المصادر وعند خفاء القرائن ورد بأن المحلى بلام الجنس في المقامات الخطابية يتبادر منه
وهو وإن كان فيه انقطاع إلا أن له شاهدا (١) يتقوى به وإن كان مثله فحيث كان النطق يجلي كل مشتبه وكان الحمد أظهر الأنواع وأشهرها حتى إذا فقد كان ما عداه بمنزلة العدم شبهه صلى الله تعالى عليه وسلم بالرأس الذي هو أظهر الأعضاء وأعلاها والأصل لها والعمدة في بقائها وكأنه لهذا أتى به الرب سبحانه ليكون الرأس للرئيس ويفتتح النفيس بالنفيس أو لأنه لو قال جل شأنه الشكر لله كان ثناء عليه تعالى بسبب إنعام وصل إلى ذلك القائل والحمد لله ليس كذلك فهو أعلى كعبا وأظهر عبودية ويمكن أن يقال: إن الشكر على الإعطاء وهو متناه والحمد يكون على المنع وهو غير متناه فالابتداء بشكر دفع البلاء الذي لا نهاية له على جانب من الحسن لا نهاية له ودفع الضر أهم من جلب النفع فتقديمه أحرى، وأيضا مورد الحمد في المشهور خاص ومتعلقه عام والشكر بالعكس موردا ومتعلقا ففي إيراده دونه إشارة قدسية ونكتة على ذوي الكثرة خفية وإلى الله ترجع الأمور وكأنه لمراعاة هذه الإشارة لم يأت بالتسبيح مع أنه مقدم على التحميد إذ يقال سبحان الله والحمد لله على أن التسبيح داخل في التحميد دون العكس فإن الأول يدل على كونه سبحانه وتعالى مبرأ في ذاته وصفاته عن النقائص والثاني يشير إلى كونه محسنا إلى العباد ولا يكون محسنا إليهم إلا إذا كان عالما قادرا غنيا ليعلم مواقع الحاجات فيقدر على تحصيل ما يحتاجون إليه ولا يشغله حاجة نفسه عن حاجة غيره، وإن أبيت- ولا أظن- قلنا كل تسبيح حمد وليس كل حمد تسبيحا لأن التسبيح يكون بالصفات السلبية فحسب والحمد بها وبالثبوتية على ما سلف فهو أعم منه بذلك الاعتبار (٢) فافتتح به لأنه لجمعيته وشموله أوفق بحال القرآن وتقديم التسبيح هناك لغرض آخر ولكل مقام مقال والتعريف هنا للجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو مثله في قول لبيد يصف العير وأتنه:
وأرسلها العراك ولم يذدها | ولم يشفق على نفض (٣) الدخال |
(١)
فعن أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن إبراهيم سأل ربه فقال يا رب ما جزاء من حمدك؟ قال الحمد مفتاح الشكر والشكر يعرج به إلى رب العرش رب العالمين قال فما جزاء من سبحك؟ قال لا يعلم تأويل التسبيح إلا رب العالمين»
اهـ منه.
(٢)
فعن محمد بن النصر قال قال آدم عليه السلام: يا رب شغلتني بكسب يدي فعلمني شيئا فيه مجامع الحمد والتسبيح فأوحى الله تبارك وتعالى إليه إذا أصبحت فقل ثلاثا وإذا أمسيت فقل ثلاثا الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده فذلك مجامع الحمد والتسبيح
اهـ.
(٣) المعروف في كتب اللغة نغص.
فعن أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن إبراهيم سأل ربه فقال يا رب ما جزاء من حمدك؟ قال الحمد مفتاح الشكر والشكر يعرج به إلى رب العرش رب العالمين قال فما جزاء من سبحك؟ قال لا يعلم تأويل التسبيح إلا رب العالمين»
اهـ منه.
(٢)
فعن محمد بن النصر قال قال آدم عليه السلام: يا رب شغلتني بكسب يدي فعلمني شيئا فيه مجامع الحمد والتسبيح فأوحى الله تبارك وتعالى إليه إذا أصبحت فقل ثلاثا وإذا أمسيت فقل ثلاثا الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده فذلك مجامع الحمد والتسبيح
اهـ.
(٣) المعروف في كتب اللغة نغص.
74
الاستغراق وهو الشائع هناك مطلقا وأي مقام أولى بملاحظة الشمول والاستغراق من مقام تخصيص الحمد به سبحانه تعظيما، فقرينة الاستغراق كنار على علم فالحق أن سبب الاختيار هو أن اختصاص الجنس مستفاد من جوهر الكلام ومستلزم لاختصاص جميع الأفراد فلا حاجة في تأدية المقصود من إثبات الحمد له تعالى وانتفائه عن غيره إلى أن يلاحظ بمعونة الأمور الخارجية بل نقول على ما اختاره يكون اختصاص الأفراد بطريق برهاني فيكون أقوى من إثباته ابتداء وفيه أن فهم اختصاص الجنس من جوهر الكلام يدل على سرعته وهو معنى التبادر وقد رده، وأيضا إذا كان الاختصاص بطريق برهاني فلا شبهة في خفائه فأين النار وأين العلم؟ وقيل غير ذلك ولا يبعد إن يقال إن اختيار الزمخشري كون التعريف للجنس وكون القول بالاستغراق وهم لا يبعد أن يكون رعاية لنزغة اعتزالية وأن يكون لنكتة عربية لأنه جعل أصل المعنى نحمد الله حمدا وزعم أن إياك نعبد وإياك نستعين بيان لحمدهم كأنه قيل: كيف تحمدوني فقيل إياك نعبد ثم سئل وأجاب فقيل في توجيه ذلك إنه لما كان معناه نحمد الله حمدا كان إخبارا عن ثبوت حمد غير معين من المتكلم له تعالى على أن المصدر للعدد فاتجه أن يقال كيف تحمدونه أي بينوا كيفية حمدكم فإنها غير معلومة فبين بقوله تعالى إياك نعبد إلخ أي نقول هذه الكلمات ونحمده بهذا الحمد ورد السؤال عن التعريف لأن المناسب للإبهام ثم البيان التنكير وأجاب أنه لتعريف الجنس من حيث وجوده في فرد غير معين ولذا بين، وقيل لما كان المعنى نحمد حمدا كان المصدر للتأكيد فيكون دالا على الحقيقة من غير دلالة على الفردية والسؤال المقدر عن كيفية صدور تلك الحقيقة والجواب أنا نحمد حمدا مقارنا لفعل الجوارح وفعل القلب ولا نقتصر على مجرد القول ثم أورد بأنه يكفي لإفادة هذا المصدر المنكر فما فائدة التعريف؟ فأجاب بأنه تعريف للجنس للإشارة إلى الماهية المعلومة للمخاطب من حيث هي، وعلى هذين التوجيهين يكون اختياره الجنس ومنعه الاستغراق لرعاية مذهبه والاختصاص على الأول اختصاص الفرد وعلى الثاني اختصاص الجنس باعتبار الكمال ولا يخفى سقوط اعتراض السعد حينئذ بأن الاختصاصين متلازمان وكل منهما مخالف لمذهبه ظاهرا موافق له تأويلا فلا يكون رعاية المذهب موجبا لاختيار الجنس دون الاستغراق ولا يرد ما أورد السيد على الثاني من أنه كما يجوز الحمل على الجنس باعتبار الكمال على مذهبه يجوز الحمل على الاستغراق باعتبار تنزيل محامد غيره منزلة العدم لأن فيه تطويل المسافة والالتجاء إلى معونة المقام من غير حاجة، وقيل حاصل الجواب عن كيفية صدور تلك الحقيقة بتخصيص العبادة المشتملة على الحمد وغيره لأن انضمام غيره معه نوع بيان لكيفيته أي حال حمدنا أنا نجمعه بسائر عبادات الجوارح والاستعانة في المهمات ونخص مجموعها بك وتقدير السؤال والجواب بحاله وحينئذ لا يصح أن يكون الاختيار للرعاية لأن الاختصاصين متلازمان بل لأن الحمد مصدر ساد مسد الفعل وهو لا يدل إلا على الحقيقة فكذا ما ينوب منابه وإن كان معرفة ليصح بيانه بإياك نعبد والحمل على الاستغراق يبطل النيابة إذ يصير الكلام مسوقا لبيان العموم ولا يصح البيان، وهذا الاختيار مستفاد من جعل إياك نعبد بيانا لحمدهم ولعل الذي دعاه إليه ترك العاطف فظن أنه لذلك لا يكون إلا بيانا وهو من التعكيس لأن جعل الصدر متبوعا للعجز أولى من العكس فالمحققون المحقون على تعميم الحمد وأن الفصل (١) لأن الكلام الأول جار على المدح للغائب بسبب استحقاقه كل الحمد والثاني جار على الحكاية عن نفس الحامد وبيان أحواله بين يدي الباطن الظاهر والأول الآخر فترك العطف للتفرقة بين الحالتين لا للبيان، ويدل على ذلك أن أحسن الالتفات أن يكون النقل من إحدى الصيغتين إلى الأخرى في سياق واحد لمعلوم
(١) وهو ترك العاطف اهـ منه.
75
واحد ولا بيان له على البيان على أن جعل إياك نعبد بيانا ربما يناقض ما ادعاه من أن الشكر بالقلب والجوارح واللسان والحمد بالأخير لأن العبادة تكون بها كلها فيلزم أن يكون الحمد كذلك وأيضا الذهاب إلى فسحة الالتفات والقول بأن قوله الحمد إلخ وارد على الشكر اللساني وإياك نعبد مشعر بالشكر بالجوارح وإياك نستعين مؤذن بالشكر القلبي أولى من الفرار إلى مضيق القول بالبيان، وأيضا في تعقيب هذه الصفات للحمد إشعار بأن استحقاقه له لاتصافه بها وقد تقرر أن في اقتران الوصف المناسب بالحكم إشعارا بالعلية وهاهنا الصفات بأسرها تضمنت العموم فينبغي أن يكون العموم في الحمد أيضا لأن الشكر يقتضي المنعم والمنعم عليه والنعمة فالمنعم هو الله تعالى والاسم الأعظم جامع لمعاني الأسماء الحسنى ما علم منها وما لم يعلم والمنعم عليه العالمون وقد اشتمل على كل جنس مما سمي به وموجب النعم الرحمن الرحيم وقد استوعب ما استوعب فإذن لا يستدعي تخصيص الحكم بالبعض سوى التحكم أو التوهم، هذا وأنا لو خليت وطبعي لا أمنع أن تكون أل للحقيقة من حيث هي كما في قولهم الرجل خير من المرأة أو لها من حيث وجودها في فرد غير معين كما في أدخل السوق أو لها في جميع الأفراد وهو الاستغراق كما في إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: ٢] والقول بأن هذا المقام آب عن الاستغراق لأن اختصاص حقيقة الحمد به تعالى أبلغ من اختصاص أفرادها جمعا وفرادى لاستلزام الأول الثاني وسلوك طريقة البرهان أقضى لحق البلاغة، وأيضا أصل الكلام نحمد الله تعالى حمدا وحمدنا بعض لا كل وفي اختصاص الجنس إشعار بأن حمد كل حامد لكل محمود حمد لله تعالى على الحقيقة لأنه إنما حمده على الصفات الكمالية المفاضة عليه من الفياض الحق جل وعلا فهو فعله على الحقيقة والحمد على الفعل الجميل والمعتزلي وإن قال بالاستقلال لا يمنع أن الاقدار والتمكين منه تعالى فيمكنه من هذا الوجه أن يعمم عند المقتضى له وقد صرح بهذا الزمخشري أول التغابن فقال في قوله تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [التغابن: ١] قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله تعالى ثم قال وأما حمد غيره فاعتداد بأن نعمة الله تعالى جرت على يده وقد يقال أيضا على أصله إن الحمد المستغرق لا يجوز أن يختص بل الحمد الحقيقي الكامل الذي يقتضيه إجراء هذه الصفات فاللام للحقيقة ويراد أكمل أنواعها فهو من باب ذلك الكتاب وحاتم الجود لأنه الذي يحق أن يطلق عليه الحقيقة حتى كأنه كلها لا لأنها للاستغراق في المقام الخطابي وتنزيل غير ذلك منزلة العدم فإنه تطويل للمسافة مع قصرها كلام لا أقبله وإن جل قائله ويعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال كيف ومن سنة الله تعالى التي لا تبديل لها إجراء الكلام على سبيل الخطابة وإن كان برهانيا فهي أكثر تأثيرا في النفوس وأنفع لعوام الناس كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل: ١٢٥] فالتحرز عن الاستغراق احترازا عن المقام الخطابي ذهول عن مقرىء كلام الله تعالى، ثم لما كان المقام مقتضيا لدقائق النعم وروادفها لم يكن تنزيل الحمد الغير الكامل منزلة العدم من مقتضيات المقام وتصريح الزمخشري في التغابن بالتعميم ممنوع للتفرقة بين استغراق أفراد الحمد الخارجية والذهنية الحقيقية والمجازية الكاملة وغير الكاملة وبين اختصاص حقيقة الحمد كما يشعر به قوله وذلك لأن الملك على الحقيقة له وكذلك الحمد فكما أنه لا ينفي الملك عن غيره مطلقا فكذلك لا ينفي الحمد عنه كذلك فإن من أصل المعتزلة أن نعمة الله تعالى جارية على يد العبد لكنه موجد لانعمامه فله حمد يليق بإيجاده ولله تعالى حمد يليق بتمكينه وإفاضته وهو الحمد الكامل المختص به عز شأنه لا ذاك وفي الكشاف ما يؤيد (١) ما قلناه لمن أمعن النظر، وأما حديث إن
(١) فإنه قال: وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه وتعالى- إلى قوله- دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحق منه بالحمد اهـ. منه.
76
اختصاص حقيقة الحمد أبلغ من اختصاص الأفراد لاستلزام الأول الثاني فيجاب عنه بأن اختصاص الأفراد الخارجية والذهنية كما قررنا مستلزم لاختصاص الحقيقة أيضا إذ لم يبق لها فرد غير مختص فأين توجد فالاستلزام متعاكس على أن حقيقة الحمد يصدق عليها الحمد فهي فرد من أفراده كما قال الدامغاني: فإذا خصص جميع أفراد الحمد به اختص حقيقته أيضا وكون الأصل نحمد الله تعالى حمدا ليس بقاطع احتمال الاستغراق الآن فقد تغير الحال، وأنت إذا تأملت بعد يرتفع عنك سجاف الاشكال ولست أقول إن الحمد أينما وقع يفيد ذلك بل إذا دعا المقام إليه أجبناه ولهذا فرقوا بين هذا الحمد وحمد الانعام إذ عموم الربوبية وشمول الرحمة واستمرار الملك هنا تقتضي استغراق الأفراد توفية لحق هذه السورة وحرصا على التئام نظمها بخلاف ما في تلك السورة فإن العمومات مفقودة فيها «ومن الغريب» أن بعضهم جعلها للعهد، قال الفاكهي: سمعت شيخنا أبا العباس المرسي يقول قلت لابن النحاس ما تقول في الألف واللام في الحمد أجنسية هي أم عهدية؟ فقال يا سيدي قالوا: إنها جنسية فقلت له الذي أقول إنها عهدية وذلك أن الله تعالى لما علم عجز خلقه عن كنه حمده حمد نفسه بنفسه في أزله نيابة عن خلقه قبل أن يحمده فقال أشهدك أنها للعهد واستأنس له بما صح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من
قوله «اللهم لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»
وأغرب من هذا ما ذهب إليه بعض ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم وليس بالغريب عندهم أن الحمد لله على حد الكبرياء لله وأَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: ٥٤] فهو الحامد والمحمود والجميع شؤونه ولهم كلام غير هذا والكل يسقى بماء واحد، وعن إمامنا الماتريدي روح الله تعالى روحه أنه جعل هذا حمدا من الله تعالى لنفسه قال وإنما حمد نفسه ليعلم الخلق ولا ضير في ذلك لأنه سبحانه هو المستحق لذاته والحقيق بما هنالك إذ لا عيب يمسه ولا آفة تحل به «ثم إن الحمد» فيما تواتر مرفوع وهو مبتدأ خبره لله وقرأ الحسن البصري وزيد بن علي الحمد لله باتباع الدال اللام وإبراهيم بن عبلة وأهل البادية بالعكس وجاز ذلك استعمالا مع أن الإتباع إنما يكون في كلمة واحدة لتنزيلهما لكثرة استعمالهما مقترنين منزلة الكلمة الواحدة، واختلف في الترجيح مع الإجماع على الشذوذ فقيل قراءة ابراهيم أسهل لأمرين أحدهما أن اتباع الثاني للأول أيسر من العكس وإن ورد كما في مد وشد وأقبل وأدخل لأنه جار مجرى السبب والمسبب وينبغي أن يكون السبب أسبق رتبة من المسبب، وثانيهما أن ضمة الدال إعراب وكسرة اللام بناء وحرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء والمطرد غلبة الأقوى الأضعف وقيل إن قراءة الحسن أحسن لأن الأكثر جعل الثاني متبوعا لأن ما مضى فات ولأن جعل غير اللازم تابعا للازم أولى والاستقامة عين الكرامة وكأنه لتعارض الترجيح قال الزمخشري: وأشف القراءتين قراءة إبراهيم فعبر بأشف وهو من الأضداد، وقرأ هارون بن موسى الحمد لله بالنصب وعامة بني تميم وكثير من العرب ينصبون المصادر بالألف واللام وهو بفعل محذوف قدروه نحمد بنون الجماعة لأنه مقول على ألسنة العباد ومناسب لنعبد ونستعين لا بنون العظمة لعدم مناسبته لمقام العبادة المقتضي لغاية التذلل والخضوع ويجوز أن يكون من باب.
وحمل الغزالي قدس سره حديث صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة على ذلك وأرفع القراءات قراءة الرفع لدلالة الجملة الاسمية على الثبوت والدوام بقرينة المقام بخلاف الفعلية فإنها تدل على التجدد والحدوث وإن كان هناك ظرف فإن قدر متعلقه اسما فهو ظاهر وإلا فقد قيل الخبر الفعلي إنما يفيد الحدوث إذا كان مصرحا به على أنه قيل لا تقدير، وما ذكره النحاة لأمر صناعي اقتضاه كقولهم الظرفية اختصار الفعلية، وقيل إن الجملة الاسمية بمجردها لا تدل على ذلك بل مع انضمام العدول وإن أعجبك فالتزمه فقد قيل بالعدول هنا ولكن ليس
قوله «اللهم لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»
وأغرب من هذا ما ذهب إليه بعض ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم وليس بالغريب عندهم أن الحمد لله على حد الكبرياء لله وأَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: ٥٤] فهو الحامد والمحمود والجميع شؤونه ولهم كلام غير هذا والكل يسقى بماء واحد، وعن إمامنا الماتريدي روح الله تعالى روحه أنه جعل هذا حمدا من الله تعالى لنفسه قال وإنما حمد نفسه ليعلم الخلق ولا ضير في ذلك لأنه سبحانه هو المستحق لذاته والحقيق بما هنالك إذ لا عيب يمسه ولا آفة تحل به «ثم إن الحمد» فيما تواتر مرفوع وهو مبتدأ خبره لله وقرأ الحسن البصري وزيد بن علي الحمد لله باتباع الدال اللام وإبراهيم بن عبلة وأهل البادية بالعكس وجاز ذلك استعمالا مع أن الإتباع إنما يكون في كلمة واحدة لتنزيلهما لكثرة استعمالهما مقترنين منزلة الكلمة الواحدة، واختلف في الترجيح مع الإجماع على الشذوذ فقيل قراءة ابراهيم أسهل لأمرين أحدهما أن اتباع الثاني للأول أيسر من العكس وإن ورد كما في مد وشد وأقبل وأدخل لأنه جار مجرى السبب والمسبب وينبغي أن يكون السبب أسبق رتبة من المسبب، وثانيهما أن ضمة الدال إعراب وكسرة اللام بناء وحرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء والمطرد غلبة الأقوى الأضعف وقيل إن قراءة الحسن أحسن لأن الأكثر جعل الثاني متبوعا لأن ما مضى فات ولأن جعل غير اللازم تابعا للازم أولى والاستقامة عين الكرامة وكأنه لتعارض الترجيح قال الزمخشري: وأشف القراءتين قراءة إبراهيم فعبر بأشف وهو من الأضداد، وقرأ هارون بن موسى الحمد لله بالنصب وعامة بني تميم وكثير من العرب ينصبون المصادر بالألف واللام وهو بفعل محذوف قدروه نحمد بنون الجماعة لأنه مقول على ألسنة العباد ومناسب لنعبد ونستعين لا بنون العظمة لعدم مناسبته لمقام العبادة المقتضي لغاية التذلل والخضوع ويجوز أن يكون من باب.
وإن حدثوا عنها فكلي مسامع | وكلي إذا حدثتهم ألسن تتلو |
77
هذا في كلام الشيخ عبد القاهر (١) بل من تدبر كلامه في بحث الحال من الدلائل دفع بأقوى دليل الحال الذي عرض للناظرين، وقولهم المضارع يفيد الاستمرار أرادوا به الاستمرار التجددي في المستقبل لا في جميع الأزمنة فلا ينافي ما قلنا، واختار الجملة الاسمية هاهنا إجابة لداعي المقام، وقد قال غير واحد إن أصل هذا المصدر النصب لأن المصادر أحداث متعلقة بمحالها فيقتضي أن تدل على نسبتها إليها والأصل في بيان النسبة في المتعلقات الأفعال فينبغي أن تلاحظ معها ويؤيد ذلك كثرة النصب في بعضها والتزامه في بعض آخر وقد تنزل منزلة أفعالها فتسد مسدها وتستوفي حقها لفظا ومعنى فيكون ذكرها معها كالشريعة المنسوخة يستنكرها المتدين بعقائد اللغة.
«وبقي هاهنا أمور» الأول اختلف في جملة الحمد هل هي إخبارية أم إنشائية فالذي عليه معظم العلماء أنها إخبارية كما يقتضيه الظاهر لما يلزم على الإنشاء من انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود واللازم باطل فالملزوم مثله ولا يرد أن القصد إحداث الحمد لا الإخبار بثبوته لأن الإخبار بثبوت جميع المحامد لله تعالى هو عين الحمد كما أن قولك الله واحد عين التوحيد، وألف العلامة البخاري في الانتصار لذلك ورد من زعم أنها إنشائية وأطال فيه واهتم برده ابن الهمام وذكر أن ما ذكر باطل لأن اللازم من المقارنة انتفاء وصف الواصف لا الاتصاف إذ الحمد إظهار الصفات لا ثبوتها، وأيضا المخبر بالحمد لا يقال له حامد إذ لا يصاغ لغة للمخبر عن غيره من متعلق إخباره اسم قطعا فلا يقال لقائل زيد له القيام قائم فلو كان الحمد إخبارا محضا لم يقل لقائل الحمد لله حامد وهو باطل نعم يتراءى لزوم أن يكون كل مخبر منشئا حيث كان واصفا للواقع ومظهرا له وهو توهم فإن الحمد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه التعظيم وهذا ليس جزء ماهية الخبر فاختلفت الحقيقتان فالجملة إنشائية لا محالة، وقال الملا خسرو (٢) هي وأمثالها إخبارية لغة ونقلها الشارع للإنشاء لمصلحة الأحكام واعترض على إنشائيتها بأن الاستغراق ينافيه ويستلزم كون الحامد منشئا لكل حمد ومن المحال إنشاء الحمد القائم بغيره، وأجيب بأنه لا منافاة ولا استلزام ويكفي كونه منشئا للأخبار بأن كل حمد ثابت له ومحمود به والذي أرتضيه أنها إخبارية كما عليه المعظم ويد الله تعالى مع الجماعة والمراد الاخبار بأن الله تعالى مستحق الحمد كما قال سبحانه لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ [القصص: ٧٠] والمتكلم بها عن اعتقاد واصف ربه سبحانه بالجميل ومعظم له جل شأنه فيقال له حامد لذلك لا لمحض الأخبار بما فيه لفظ الحمد بل إذا غير الصيغة إلى ما ليس فيها ذلك اللفظ مما هو مشتمل على الوصف بالجميل بقصد التعظيم قيل له أيضا حامد فللحمد صيغ شتى وعبارات كثيرة حتى جعل منها الإقرار بالعجز عن الحمد،
وقد نقل أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك والشكر من آلائك؟
فقال: يا داود لما علمت عجزك عن شكري فقد شكرتني،
فما ذكره ابن الهمام أولا من أن المخبر بالحمد لا يقال له
«وبقي هاهنا أمور» الأول اختلف في جملة الحمد هل هي إخبارية أم إنشائية فالذي عليه معظم العلماء أنها إخبارية كما يقتضيه الظاهر لما يلزم على الإنشاء من انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود واللازم باطل فالملزوم مثله ولا يرد أن القصد إحداث الحمد لا الإخبار بثبوته لأن الإخبار بثبوت جميع المحامد لله تعالى هو عين الحمد كما أن قولك الله واحد عين التوحيد، وألف العلامة البخاري في الانتصار لذلك ورد من زعم أنها إنشائية وأطال فيه واهتم برده ابن الهمام وذكر أن ما ذكر باطل لأن اللازم من المقارنة انتفاء وصف الواصف لا الاتصاف إذ الحمد إظهار الصفات لا ثبوتها، وأيضا المخبر بالحمد لا يقال له حامد إذ لا يصاغ لغة للمخبر عن غيره من متعلق إخباره اسم قطعا فلا يقال لقائل زيد له القيام قائم فلو كان الحمد إخبارا محضا لم يقل لقائل الحمد لله حامد وهو باطل نعم يتراءى لزوم أن يكون كل مخبر منشئا حيث كان واصفا للواقع ومظهرا له وهو توهم فإن الحمد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه التعظيم وهذا ليس جزء ماهية الخبر فاختلفت الحقيقتان فالجملة إنشائية لا محالة، وقال الملا خسرو (٢) هي وأمثالها إخبارية لغة ونقلها الشارع للإنشاء لمصلحة الأحكام واعترض على إنشائيتها بأن الاستغراق ينافيه ويستلزم كون الحامد منشئا لكل حمد ومن المحال إنشاء الحمد القائم بغيره، وأجيب بأنه لا منافاة ولا استلزام ويكفي كونه منشئا للأخبار بأن كل حمد ثابت له ومحمود به والذي أرتضيه أنها إخبارية كما عليه المعظم ويد الله تعالى مع الجماعة والمراد الاخبار بأن الله تعالى مستحق الحمد كما قال سبحانه لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ [القصص: ٧٠] والمتكلم بها عن اعتقاد واصف ربه سبحانه بالجميل ومعظم له جل شأنه فيقال له حامد لذلك لا لمحض الأخبار بما فيه لفظ الحمد بل إذا غير الصيغة إلى ما ليس فيها ذلك اللفظ مما هو مشتمل على الوصف بالجميل بقصد التعظيم قيل له أيضا حامد فللحمد صيغ شتى وعبارات كثيرة حتى جعل منها الإقرار بالعجز عن الحمد،
وقد نقل أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك والشكر من آلائك؟
فقال: يا داود لما علمت عجزك عن شكري فقد شكرتني،
فما ذكره ابن الهمام أولا من أن المخبر بالحمد لا يقال له
(١) فإنه قال في بحث الحال من الدلائل رق لطيف تمس الحاجة في علم البلاغة إليه، بيانه أن موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئا فشيئا، وأما الفعل فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئا بعد شيء فإذا قلت زيد منطلق فقد أثبت الانطلاق فعلا له من غير أن تجعله يتجدد ويحدث منه شيئا فشيئا بل يكون المعنى فيه كالمعنى في قولك زيد طويل وعمرو قصير فكما لا تقصد هاهنا إلى أن تجعل الطول والقصر يتجدد ويحدث بل توجبهما وتثبتهما فقط وتقضي بوجودهما على الإطلاق كذلك لا يتعرض في قولك زيد منطلق لأكثر من إثباته لزيد، وأما الفعل فإنك تقصد فيه إلى ذلك، فإن قلت زيد ينطلق فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءا فجزءا وجعلته يزاوله ويوجبه اهـ فليحفظ اهـ منه يقول مصححه محمد منير الدمشقي:
فتشت في كتاب الدلائل في بحث الحال فلم أجد هذا الكلام هناك ولعله سقط من النسخة المطبوعة.
(٢) وقال الزمخشري إنه خبر عدل به عن الأمر كما في حواشي البيضاوي للإمام السيوطي اهـ منه.
فتشت في كتاب الدلائل في بحث الحال فلم أجد هذا الكلام هناك ولعله سقط من النسخة المطبوعة.
(٢) وقال الزمخشري إنه خبر عدل به عن الأمر كما في حواشي البيضاوي للإمام السيوطي اهـ منه.
78
حامد إن أراد أن المخبر من حيث إنه مخبر لا يقال له ذلك فمسلم والدليل تام لكنا بمعزل عن هذه الدعوى وإن أراد أن المخبر مطلقا ولو قصد التعظيم لا يقال له ذلك فممنوع ولا تقريب في الدليل كما لا يخفى، وما ذكره ثانيا من قوله نعم إلخ يعلم دفعه من خبايا زوايا كلامنا وما ذكره الملا خسرو يرد عليه أن النقل في أمثال ما نحن فيه بلا ضرورة ممنوع ولا تظن من كلامي هذا أني أمنع أن يكون الحمد بجملة إنشائية رأسا معاذ الله ولكني أقول إن الجملة هنا إخبارية وإن الحمد يصح بها بناء على ما ذكرناه والبحث بعد محتاج إلى تحرير ولعل الله تعالى يوفقه لنا في مظانه والظن بالله تعالى حسن.
«الثاني» أنه شاع السؤال عن معنى كون حمد العباد لله تعالى مع أن حمدهم حادث وهو سبحانه القديم ولا يجوز قيام الحادث به وأجيب (١) بأن المراد تعلق الحمد به تعالى ولا يلزم من التعلق القيام كتعلق العلم بالمعلومات فلا يتوجه الاشكال أصلا، وقيل إن الحمد مصدر بناء المجهول فيكون الثابت له عز شأنه هو المحمودية وصيغة المصدر تحتمل ذلك وغيره ولهذا جعل بعضهم في الحمد لله أوائل الكتب اثنين وأربعين احتمالا (٢) وقيل وهو من الغرابة بمكان أن اللام للتعليل أي الحمد ثابت لأجل الله تعالى «الثالث» أنه أتى باسم الذات في الحمدلة لئلا يتوهم لو اقتصر على الصفة اختصاص استحقاقه الحمد بوصف دون وصف وذلك لأن اللام على ما قيل للاستحقاق فإذا قيل الحمد لله يفيد استحقاق الذات له وإذا علق بصفة أفاد استحقاق الذات الموصوفة بتلك الصفة له والاختصاص إفادة التعريف ولكون الاختصاص كذلك حكما باطلا في نفسه جعل متوهما لا لأن تعليق الحكم بالوصف يدل على العلية لا على الاختصاص لأنه مستفاد من تعريف المسند إليه ومعنى الاستحقاق الذاتي ما لا يلاحظ معه خصوصية صفة حتى الجميع لا ما يكون الذات البحث مستحقا له فإن استحقاق الحمد ليس إلا على الجميل وسمي ذاتيا لملاحظة الذات فيه من غير اعتبار خصوصية صفة أو لدلالة اسم الذات عليه أو لأنه لما لم يكن مستندا إلى صفة من الصفات المخصوصة كان مسندا إلى الذات وقد قسم بعض ساداتنا قدس الله تعالى أسرارهم الحمد باعتبار صدوره إلى قسمين فمصدره باعتبار الفرق من محلين ومنبعه من عينين فإن وجد من الحق وصدر من الوجود المطلق فتارة يكون على الذات بانفرادها ووحدتها وغيبتها في عماء هويتها وتارة بكمال إطلاقها في وجودها وتارة بتنزلاتها إلى حظيرات شهودها وتارة بكمال أوصافها ونعوتها وتارة بكمال آثارها وأفعالها وتارة يثني على أوصافها من حيث الجملة وتارة من حيث التفصيل فيثني على العلم من حيث إحاطته بكل معلوم من حق وخلق وغيب وشهادة وملك وملكوت وبرزخ وجبروت واستقلاله بالوجود من غير مدة ولا مادة ولا معلم ولا مفيد وتقدسه عن النقص وتنزهه عما يخطر في الوهم وكذلك على سائر الصفات بما يليق بها ويجب لها، وإن وجد من الخلق والوجود المقيد فتارة يكون على ذات الحق وتارة على صفاته وتارة على أسمائه ومرة على أفعاله وطورا على أسراره وكرة على لطيف صنعه وخفي حكمته في أفعاله وآثاره وذلك بحسب مبلغ الناس في العلم ومنتهاهم في العقل والفهم وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: ٦٧،
«الثاني» أنه شاع السؤال عن معنى كون حمد العباد لله تعالى مع أن حمدهم حادث وهو سبحانه القديم ولا يجوز قيام الحادث به وأجيب (١) بأن المراد تعلق الحمد به تعالى ولا يلزم من التعلق القيام كتعلق العلم بالمعلومات فلا يتوجه الاشكال أصلا، وقيل إن الحمد مصدر بناء المجهول فيكون الثابت له عز شأنه هو المحمودية وصيغة المصدر تحتمل ذلك وغيره ولهذا جعل بعضهم في الحمد لله أوائل الكتب اثنين وأربعين احتمالا (٢) وقيل وهو من الغرابة بمكان أن اللام للتعليل أي الحمد ثابت لأجل الله تعالى «الثالث» أنه أتى باسم الذات في الحمدلة لئلا يتوهم لو اقتصر على الصفة اختصاص استحقاقه الحمد بوصف دون وصف وذلك لأن اللام على ما قيل للاستحقاق فإذا قيل الحمد لله يفيد استحقاق الذات له وإذا علق بصفة أفاد استحقاق الذات الموصوفة بتلك الصفة له والاختصاص إفادة التعريف ولكون الاختصاص كذلك حكما باطلا في نفسه جعل متوهما لا لأن تعليق الحكم بالوصف يدل على العلية لا على الاختصاص لأنه مستفاد من تعريف المسند إليه ومعنى الاستحقاق الذاتي ما لا يلاحظ معه خصوصية صفة حتى الجميع لا ما يكون الذات البحث مستحقا له فإن استحقاق الحمد ليس إلا على الجميل وسمي ذاتيا لملاحظة الذات فيه من غير اعتبار خصوصية صفة أو لدلالة اسم الذات عليه أو لأنه لما لم يكن مستندا إلى صفة من الصفات المخصوصة كان مسندا إلى الذات وقد قسم بعض ساداتنا قدس الله تعالى أسرارهم الحمد باعتبار صدوره إلى قسمين فمصدره باعتبار الفرق من محلين ومنبعه من عينين فإن وجد من الحق وصدر من الوجود المطلق فتارة يكون على الذات بانفرادها ووحدتها وغيبتها في عماء هويتها وتارة بكمال إطلاقها في وجودها وتارة بتنزلاتها إلى حظيرات شهودها وتارة بكمال أوصافها ونعوتها وتارة بكمال آثارها وأفعالها وتارة يثني على أوصافها من حيث الجملة وتارة من حيث التفصيل فيثني على العلم من حيث إحاطته بكل معلوم من حق وخلق وغيب وشهادة وملك وملكوت وبرزخ وجبروت واستقلاله بالوجود من غير مدة ولا مادة ولا معلم ولا مفيد وتقدسه عن النقص وتنزهه عما يخطر في الوهم وكذلك على سائر الصفات بما يليق بها ويجب لها، وإن وجد من الخلق والوجود المقيد فتارة يكون على ذات الحق وتارة على صفاته وتارة على أسمائه ومرة على أفعاله وطورا على أسراره وكرة على لطيف صنعه وخفي حكمته في أفعاله وآثاره وذلك بحسب مبلغ الناس في العلم ومنتهاهم في العقل والفهم وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: ٦٧،
(١) المجيب محيي الدين الكافيجي اهـ منه.
(٢) فإن للحمد معنيين مشهورين لغوي وعرفي وعلى كلا التقديرين إما أن يراد المعنى المبني للفاعل أو المعنى المبني للمفعول أو الحاصل بالمصدر ويجوز أن يراد ما يطلق عليه لفظ الحمد ليعم الكل ولام التعريف يحتمل أن يكون للاستغراق وأن يكون للجنس وأن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى الفرد الكامل ولام لله يحتمل أن يكون لاختصاص الصفة بالموصوف وأن يكون لاختصاص المتعلق بالمتعلق فهناك اثنان وأربعون احتمالا حاصلة من ضرب الثلاثة في اثنين أولا وضرب الثلاثة في سبعة ثانيا وضرب الاثنين في أحد وعشرين ثالثا فتأمل اهـ منه. [.....]
(٢) فإن للحمد معنيين مشهورين لغوي وعرفي وعلى كلا التقديرين إما أن يراد المعنى المبني للفاعل أو المعنى المبني للمفعول أو الحاصل بالمصدر ويجوز أن يراد ما يطلق عليه لفظ الحمد ليعم الكل ولام التعريف يحتمل أن يكون للاستغراق وأن يكون للجنس وأن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى الفرد الكامل ولام لله يحتمل أن يكون لاختصاص الصفة بالموصوف وأن يكون لاختصاص المتعلق بالمتعلق فهناك اثنان وأربعون احتمالا حاصلة من ضرب الثلاثة في اثنين أولا وضرب الثلاثة في سبعة ثانيا وضرب الاثنين في أحد وعشرين ثالثا فتأمل اهـ منه. [.....]
79
الأنعام: ٩١] ولا يحيطون به علما وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وإذا اعتبر الجمع كان الكل منه وإليه وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: ٤٢] فلا حامد ولا محمود سواه.
وهناك يرتفع كل إشكال وينقطع كل مقال وإنما قدم الحمد على الاسم الكريم لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به لكونه بصدد صدور مدلوله فهو نصب العين وإن كان ذكر الله تعالى أهم في نفسه والأهمية تقتضي التقديم إلا أن المقتضي العارض بحسب المقام أقوى عند المتكلم وتأخير ما قدم هنا في نحو قوله تعالى: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ [الروم: ١٨] لغرض آخر سيأتيك مع أمور أخر في محله إن شاء الله تعالى، والرب في الأصل مصدر بمعنى التربية (١) وهي تبليغ الشيء إلى كماله بحسب استعداده الأزلي شيئا فشيئا وكأنها من ربا الصغير كعلا إذا نشأ فعدي بالتضعيف ووصف به للمبالغة الحقيقية والصورية فالتجوز فيه إما عقلي من قبيل فإنما هي إقبال وإدبار أو لغوي كاسأل القرية وقيل هو صفة مشبهة، وفي شرح التسهيل أنه ممنوع والظاهر أنه من مبالغة اسم الفاعل أو هو اسم فاعل وأصله راب فحذفت ألفه كما قالوا رجل بار وبر قاله أبو حيان، ويؤيده إضافته إلى المفعول وقد ذكروا أن الصفة المشبهة تضاف إلى الفاعل ويطلق أيضا على الخالق والسيد والملك والمنعم والمصلح والمعبود والصاحب إلا أن المشهور كونه بمعنى التربية فلهذا قال بعض المحققين إنه حقيقة فيه لأن التبادر أمارتها وفي البواقي إما مجاز أو مشترك والأول أرجح لأن في جميعها يوجد معنى التربية ووجود العلاقة أمارة المجاز ولأن اللفظ إذا دار بين المجاز والاشتراك يحمل على المجاز كما تقرر في مبادئ اللغة وحمله الزمخشري هنا على معنى المالك ولعل ما اخترناه خير منه لأنه بعد تسليم أنه حقيقة في ذلك يؤدي إلى أن يكون مالك يوم الدين تكرارا لدخوله في رب العالمين وإن قلنا بالتخصيص بعد التعميم يحتاج إلى بيان نكتة إدراج الرحمن الرحيم بينهما ولا تظهر لهذا العبد على أن مختارنا أنسب بالمقام لأن التربية أجل النعم بالنسبة إلى المنعم عليه وأدل على كمال فعله تعالى وقدرته وحكمته، تدلك على ذلك الآثار وما فيها من الأسرار، واستطيب بعضهم ما اختاره الطيبي من وجوب حمل الرب على كلا مفهوميه والقدر المشترك المتصرف ألزم وسبيل أعمال المشترك في كلا مفهوميه إذا اتفقا في أمر سبيل الكناية من أنها لا تنافي إرادة التصريح مع إرادة ما عبر عنه وإذا اختلف سبيل الحقيقة والمجاز وعلى كل حال (٢) لا يطلق لغة على غيره تعالى إطلاقا مستفيضا إلا مقيدا بإضافة ونحوها مما يدل على ربوبية مخصوصة، وقول ابن حلزة في المنذر بن ماء السماء:
نادر واستظهر الإمام السيوطي أن المراد نفي إطلاقه على غيره تعالى شرعا والشعر جاهلي وفي كلام الجوهري ما يؤيده، وقال الشهاب: لو كان بمعنى غير المالك جاز مع القرينة إطلاقه على غيره تعالى، وجوز بعضهم إطلاقه منكرا كما في قول النابغة:
وكره بعضهم إطلاقه مقيدا بالإضافة إلى عاقل كرب العبد لإيهام الاشتراك، وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي
أورى بسعدى والرباب وزينب | وأنت الذي يعنى وأنت المؤمل |
وهو الرب والشهيد على يو | م الخيارين (٣) والبلاء بلاء |
نحث إلى النعمان حتى نناله | فدى لك من رب طريفي وتالدي |
(١) وقيل أصله رباه تربية فجعلت الباء ياء اهـ منه.
(٢) ولا يضر إطلاق الجمع ففي التنزيل أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ إذ لا اشتباه اهـ منه.
(٣) والخياران اسم بلدين اهـ منه.
(٢) ولا يضر إطلاق الجمع ففي التنزيل أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ إذ لا اشتباه اهـ منه.
(٣) والخياران اسم بلدين اهـ منه.
80
الله تعالى عنه «لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك ولا يقل أحد ربي وليقل سيدي ومولاي» (١) وأجابوا عن قول يوسف عليه السلام ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ [يوسف: ٥٠] وإِنَّهُ رَبِّي [يوسف: ٢٣] ونحوه بأنه مثل وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً [يوسف: ١٠٠] مخصوص جوازه بزمانه والعالمين في المشهور جمع عالم واعترض بأنه يعم العقلاء وغيرهم وعالمون خاص بالعقلاء وأجيب بكونه جمعا له بعد تخصيصه بهم وهو في حكم الصفات كما سيعلم بتوفيقه تعالى من تعريفه أو نقول بالتغليب وقيل نزل من ليس له العلم لكونه دالا على معنى العلم منزلة من له العلم فجمع بالواو والنون كما في أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: ١١] ورَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤] وقيل هو اسم جمع على وزن السلامة ولا نظير له وفيه نظر لأن الاسم الدال على أكثر من اثنين إن كان موضوعا للآحاد المجتمعة دالا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف فهو الجمع وإن كان موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية فهو اسم الجنس الجمعي كتمر وتمرة وإن كان موضوعا لمجموع الآحاد فهو اسم جمع سواء كان له واحد كركب أولا كرهط فانظر أي التعريفات صادقة عليه وفي الكشف لو قيل عالم وعالمون كعرفة وعرفات لم يبعد وفيه أنه أبعد بعيد لأنه قياس فيما يعرف بالسماع على أنه للعالمين آحادا يسمى كل منها عالما فلا مرية في كونه جمعا له بخلاف عرفات فإنه ليس لها آحاد كل منها عرفة والعالم كالخاتم اسم لما يعلم به وغلب فيما يعلم به الخالق تعالى شأنه وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض ويطلق على مجموع الأجناس وهو الشائع كما يطلق على واحد منها فصاعدا فكأنه اسم للقدر المشترك وإلا يلزم الاشتراك أو الحقيقة والمجاز والأصل نفيهما، ولا يطلق على فرد منها فلا يقال عالم زيد كما يقال عالم الإنسان ولعله ليس إلا باعتبار الغلبة والاصطلاح وأما باعتبار الأصل فلا ريب في صحة الإطلاق قطعا لتحقق المصداق حتما فإنه كما يستدل على الله سبحانه وتعالى بمجموع ما سواه، وبكل جنس من أجناسه يستدل عليه تعالى بكل جزء من أجزاء ذلك المجموع وبكل فرد من أفراد تلك الأجناس لتحقق الحاجة إلى المؤثر الواجب لذاته في الكل فإن كل ما ظهر في المظاهر مما عز وهان وحضر في هذه المحاضر كائنا ما كان لإمكانه وافتقاره دليل لائح على الصانع المجيد وسبيل واضح إلى عالم التوحيد.
فيا عجبا كيف يعصي الإل... هـ أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية... تدل على أنه واحد
وإنما أتى الرب سبحانه بالجمع المعرف لأنه لو أفرد وعرف بلام الاستغراق لم يكن نصا فيه لاحتمال العهد بأن يكون إشارة إلى هذا العالم المحسوس لأن العالم وإن كان موضوعا للقدر المشترك إلا أنه شاع استعماله بمعنى المجموع كالوجود في الوجود الخارجي وقد غلب استعماله في العرف بهذا المعنى في العالم المحسوس لألف النفس بالمحسوسات فجمع ليفيد الشمول قطعا لأنه حينئذ لا يكون مستعملا في المجموع حتى يتبادر منه هذا العالم المحسوس فيكون مستعملا في كل جنس إذ لا ثالث فيكون المعنى رب كل جنس سمي بالعالم والتربية للأجناس إنما تتعلق باعتبار أفرادها فيفيد شمول آحاد الأجناس المخلوقة كلها نظرا إلى الحكم، وحديث أن استغراق المفرد (٢)
فيا عجبا كيف يعصي الإل... هـ أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية... تدل على أنه واحد
وإنما أتى الرب سبحانه بالجمع المعرف لأنه لو أفرد وعرف بلام الاستغراق لم يكن نصا فيه لاحتمال العهد بأن يكون إشارة إلى هذا العالم المحسوس لأن العالم وإن كان موضوعا للقدر المشترك إلا أنه شاع استعماله بمعنى المجموع كالوجود في الوجود الخارجي وقد غلب استعماله في العرف بهذا المعنى في العالم المحسوس لألف النفس بالمحسوسات فجمع ليفيد الشمول قطعا لأنه حينئذ لا يكون مستعملا في المجموع حتى يتبادر منه هذا العالم المحسوس فيكون مستعملا في كل جنس إذ لا ثالث فيكون المعنى رب كل جنس سمي بالعالم والتربية للأجناس إنما تتعلق باعتبار أفرادها فيفيد شمول آحاد الأجناس المخلوقة كلها نظرا إلى الحكم، وحديث أن استغراق المفرد (٢)
(١) قيل هذا الحديث منسوخ فافهم اهـ منه.
(٢) قال الطيبي فإن قلت ليس هذا مخالفا لقولهم الاستغراق في المفرد أشمل قلت لا لأنهم يريدون أن الجمع قد يحتمل غير الشمول في بعض المقامات والمفرد وإن دل على الشمول والاستغراق لكن الغرض استغراق الأجناس المختلفة فلو أفرد وقيل رب العالم لاحتمل الاستغراق شمول أفراد كل ما يصح عليه اطلاق اسم العالم فلا يعلم نصوصية تعدد الإجناس وكثرتها كالجن والإنس والملائكة وغيرها كما يعلم من الجمعية فجمع ليشمل ذلك المعنى اهـ منه.
(٢) قال الطيبي فإن قلت ليس هذا مخالفا لقولهم الاستغراق في المفرد أشمل قلت لا لأنهم يريدون أن الجمع قد يحتمل غير الشمول في بعض المقامات والمفرد وإن دل على الشمول والاستغراق لكن الغرض استغراق الأجناس المختلفة فلو أفرد وقيل رب العالم لاحتمل الاستغراق شمول أفراد كل ما يصح عليه اطلاق اسم العالم فلا يعلم نصوصية تعدد الإجناس وكثرتها كالجن والإنس والملائكة وغيرها كما يعلم من الجمعية فجمع ليشمل ذلك المعنى اهـ منه.
81
أشمل على ما فيه أمر فرغ عنه ولا ضرر لنا منه كما لا يخفى على المتأمل، وبعضهم خص العالمين بذوي العلم من الملائكة والثقلين ورب أشرف الموجودات رب غيرهم قال الإمام الأسيوطي: وعليه هو مشتق من العلم وعلى القول بالعموم من العلامة، وفيه أن الكل في كل محتمل والتخصيص دعوى من غير دليل وقيل هم الجن والإنس لقوله تعالى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: ١]
وقيل هم الإنس لقوله تعالى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ [الشعراء:
١٦٥] وهو المنقول عن جعفر الصادق
والمأخوذ من بحر أهل البيت ورب البيت أدرى ولعل الوجه فيه الإشارة إلى أن الإنسان هو المقصود بالذات من التكليف بالحلال والحرام وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام ولأنه فذلكة جميع الموجودات ونسخة جميع الكائنات المنقولة من اللوح الرباني بالقلم الرحماني، ومن هذا الباب ما نسب لباب مدينة العلم كرم الله وجهه.
دواؤك فيك وما تبصر... وداؤك منك وما تشعر
وتزعم أنك جرم صغير... وفيك انطوى العالم الأكبر
ومن تأمل في ذاته وتفكر في صفاته ظهرت له عظمة باريه وآيات مبديه وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات: ٢، ٢١] بل
من عرف نفسه فقد عرف ربه
والمناسب للمقام هنا العموم والعوالم كثيرة لا تحصيها الأرقام وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ [لقمان: ٢٧]
وروي في بعض الأخبار أن الله تعالى خلق مائة ألف قنديل وعلقها بالعرش والسماوات والأرض وما فيهن حتى الجنة والنار في قنديل واحد ولا يعلم ما في باقي القناديل إلا الله تعالى.
وقال كعب الأحبار لا يحصى عدد العالمين إلا الله تعالى: وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ [النحل: ٨] وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: ٣١] وما من ذرة من ذرات العوالم إلا وهي في حيطة تربيته سبحانه بل ما من شيء مما أحاط به نطاق الإمكان والوجود من العلويات والسفليات والمجردات والماديات والروحانيات والجسمانيات إلا وهو في حد ذاته بحيث لو فرض انقطاع آثار التربية عنه آنا واحدا لما استقر له القرار ولا اطمأنت به الدار إلا في مطمورة العدم ومهاوي البوار لكن يفيض عليه من الجناب الأقدس تعالى شأنه وتقدس في كل زمان يمضي وكل آن يمر وينقضي من فنون الفيوض المتعلقة بذاته ووجوده وصفاته وكمالاته ما لا يحيط بذلك فلك التعبير ولا يعلمه إلا اللطيف الخبير ضرورة أنه كما لا يستحق شيء من الممكنات بذاته الوجود ابتداء لا يستحقه بقاء وإنما ذلك من جناب المبدأ الأول عز وعلا فكما لا يتصور وجوده ابتداء ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الأصلى لا يتصور بقاؤه على الوجود بعد تحققه بعلته ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الطارئ لما أن الدوام من خصائص الوجود الواجبي، وظاهر أن ما يتوقف عليه وجوده من الأمور الوجودية التي هي علله وشرائطه وإن كانت متناهية لوجوب تناهي ما دخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التي لها دخل في وجوده وهي المعبر عنها بارتفاع الموانع ليست كذلك إذ لا استحالة في أن يكون لشيء واحد موانع غير متناهية يتوقف وجوده أو بقاؤه على ارتفاعها أي بقائها على العدم مع إمكان وجودها في أنفسها، فإبقاء تلك الموانع التي لا تتناهى على العدم تربية لذلك الشيء من وجوه غير متناهية، وبالجملة آثار تربيته تعالى واضحة المنار ساطعة الأنوار فسبحانه من رب لا يضاهى ومنان لا يحصى كرمه ولا يتناهى ونحن في تيار بحر جوده سابحون وعن إقامة مراسم شكره قاصرون، وما أحسن قول بعض العارفين إنه تعالى يملك عبادا غيرك وأنت ليس لك رب سواه ثم إنك تتساهل في خدمته والقيام في وظائف طاعته كأن لك ربا بل أربابا غيره وهو سبحانه يعتني بتربيتك حتى كأنه لا عبد له سواك فسبحانه ما أتم تربيته وأعظم رحمته، وإنما كان الجمع بالواو والنون مع أنه في المشهور جمع قلة والظاهر مستدع لجمع الكثرة تنبيها على أن العوالم وإن كثرت
وقيل هم الإنس لقوله تعالى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ [الشعراء:
١٦٥] وهو المنقول عن جعفر الصادق
والمأخوذ من بحر أهل البيت ورب البيت أدرى ولعل الوجه فيه الإشارة إلى أن الإنسان هو المقصود بالذات من التكليف بالحلال والحرام وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام ولأنه فذلكة جميع الموجودات ونسخة جميع الكائنات المنقولة من اللوح الرباني بالقلم الرحماني، ومن هذا الباب ما نسب لباب مدينة العلم كرم الله وجهه.
دواؤك فيك وما تبصر... وداؤك منك وما تشعر
وتزعم أنك جرم صغير... وفيك انطوى العالم الأكبر
ومن تأمل في ذاته وتفكر في صفاته ظهرت له عظمة باريه وآيات مبديه وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات: ٢، ٢١] بل
من عرف نفسه فقد عرف ربه
والمناسب للمقام هنا العموم والعوالم كثيرة لا تحصيها الأرقام وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ [لقمان: ٢٧]
وروي في بعض الأخبار أن الله تعالى خلق مائة ألف قنديل وعلقها بالعرش والسماوات والأرض وما فيهن حتى الجنة والنار في قنديل واحد ولا يعلم ما في باقي القناديل إلا الله تعالى.
وقال كعب الأحبار لا يحصى عدد العالمين إلا الله تعالى: وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ [النحل: ٨] وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: ٣١] وما من ذرة من ذرات العوالم إلا وهي في حيطة تربيته سبحانه بل ما من شيء مما أحاط به نطاق الإمكان والوجود من العلويات والسفليات والمجردات والماديات والروحانيات والجسمانيات إلا وهو في حد ذاته بحيث لو فرض انقطاع آثار التربية عنه آنا واحدا لما استقر له القرار ولا اطمأنت به الدار إلا في مطمورة العدم ومهاوي البوار لكن يفيض عليه من الجناب الأقدس تعالى شأنه وتقدس في كل زمان يمضي وكل آن يمر وينقضي من فنون الفيوض المتعلقة بذاته ووجوده وصفاته وكمالاته ما لا يحيط بذلك فلك التعبير ولا يعلمه إلا اللطيف الخبير ضرورة أنه كما لا يستحق شيء من الممكنات بذاته الوجود ابتداء لا يستحقه بقاء وإنما ذلك من جناب المبدأ الأول عز وعلا فكما لا يتصور وجوده ابتداء ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الأصلى لا يتصور بقاؤه على الوجود بعد تحققه بعلته ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الطارئ لما أن الدوام من خصائص الوجود الواجبي، وظاهر أن ما يتوقف عليه وجوده من الأمور الوجودية التي هي علله وشرائطه وإن كانت متناهية لوجوب تناهي ما دخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التي لها دخل في وجوده وهي المعبر عنها بارتفاع الموانع ليست كذلك إذ لا استحالة في أن يكون لشيء واحد موانع غير متناهية يتوقف وجوده أو بقاؤه على ارتفاعها أي بقائها على العدم مع إمكان وجودها في أنفسها، فإبقاء تلك الموانع التي لا تتناهى على العدم تربية لذلك الشيء من وجوه غير متناهية، وبالجملة آثار تربيته تعالى واضحة المنار ساطعة الأنوار فسبحانه من رب لا يضاهى ومنان لا يحصى كرمه ولا يتناهى ونحن في تيار بحر جوده سابحون وعن إقامة مراسم شكره قاصرون، وما أحسن قول بعض العارفين إنه تعالى يملك عبادا غيرك وأنت ليس لك رب سواه ثم إنك تتساهل في خدمته والقيام في وظائف طاعته كأن لك ربا بل أربابا غيره وهو سبحانه يعتني بتربيتك حتى كأنه لا عبد له سواك فسبحانه ما أتم تربيته وأعظم رحمته، وإنما كان الجمع بالواو والنون مع أنه في المشهور جمع قلة والظاهر مستدع لجمع الكثرة تنبيها على أن العوالم وإن كثرت
82
قليلة بل أقل من القليل في جنب عظمة الله تعالى وكبريائه وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: ٦٧] على أن جمع القلة كثيرا ما يوصله المقام إلى جمع الكثرة على أن بعض المحققين المحقين من أرباب العربية ذهب إلى أن الجمع المذكر السالم صالح للقلة والكثرة فاختر لنفسك ما يحلو.
وقد أشار سبحانه وتعالى بقوله رَبِّ الْعالَمِينَ إلى حضرة الربوبية التي هي مقام العارفين وهي اسم للمرتبة المقتضية للأسماء التي تطلب الموجودات فدخل تحتها العليم والسميع والبصير والقيوم والمريد والملك وما أشبه ذلك لأن كل واحد من هذه الأسماء والصفات يطلب ما يقع عليه فالعليم يقتضي معلوما والقادر مقدورا والمريد مرادا إلى غير ذلك والأسماء التي تحت اسم الرب هي الأسماء المشتركة بين الحق والخلق والأسماء المختصة بالخلق اختصاصا تأثيريا فمن القسم الأول العليم مثلا فإن له وجهين وجه يختص بالجناب الإلهي ومنه يقال يعلم نفسه ووجه ينظر إلى المخلوقات ومنه يقال يعلم غيره ومن القسم الثاني الخالق ونحوه من الأسماء الفعلية فله وجه واحد ومنه يقال خالق للموجودات ولا يقال خالق لنفسه تعالى عن ذلك وهذا القسم من الأسماء تحت اسمه الملك ومنه يظهر الفرق بينه وبين الرب، وأما الفرق بين الرب، والرحمن فهو أن الرحمن عندهم اسم لمرتبة اختصت بجميع الأوصاف العلية الإلهية سواء انفردت الذات به كالعظيم والفرد أو حصل الاشتراك أو الاختصاص بالخلق كالقسمين المتقدمين فهو أكثر شمولا من الرب ومن مرتبة الربوبية ينظر الرحمن إلى الموجودات «وأما اسمه تعالى الله» فهو اسم لمرتبة ذاتية جامعة وفلك محيط بالحقائق وهو مشير إلى الألوهية التي هي أعلى المراتب وهي التي تعطي كل ذي حق حقه وتحتها الأحدية وتحتها الواحدية وتحتها الرحمانية وتحتها الربوبية وتحتها الملكية ولهذا كان اسمه الله أعلى الأسماء وأعلى من اسمه الأحد فالأحدية أخص مظاهر الذات لنفسها والألوهية أفضل مظاهر الذات لنفسها أو لغيرها ومن ثم منع أهل الله تعالى تجلي الأحدية ولم يمنعوا تجلي الألوهية لأن الأحدية ذات محض لا ظهور لصفة فيها فضلا عن أن يظهر فيها مخلوق فما هي إلا للقديم القائم بذاته.
ومما قررنا يعلم سر كثرة افتتاح العبد دعاءه بيا رب يا رب مع أنه تعالى ما عين هذا الاسم الكريم في الدعاء ونفى ما سواه بل قال سبحانه قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١] وقال وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: ١٨٠] وقال أرباب الظاهر الداعي لا يطلب إلا ما يظنه صلاحا لحاله وتربية لنفسه فناسب أن يدعوه بهذا الاسم ونداء المربي في الشاهد بوصف التربية أقرب لدر ثدي الإجابة وأقوى لتحريك عرق الرحمة، وعند ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم يختلف الكلام باختلاف المقام فرقا وجمعا وعندي وهو قبس من أنوارهم أن الأرواح أول ما شنفت آذانها وعطرت أردانها بسماع وصف الربوبية كما يشعر بذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: ١٧٢] فهم ينادونه سبحانه بأول اسم قررهم به فأقروا وأخذ به عليهم العهد فاستقاموا واستقروا فهو حبيبهم الأول ومفزعهم إذا أشكل الأمر وأعضل.
وقريب من هذا ما ذكره الشيخ الأكبر قدس سره الأنور مما حاصله أن الله تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع وأعماه عن رؤية نفسه فبقي لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر فحرك همته لطلب ما عنده ولا يدري أنه عنده.
وقد أشار سبحانه وتعالى بقوله رَبِّ الْعالَمِينَ إلى حضرة الربوبية التي هي مقام العارفين وهي اسم للمرتبة المقتضية للأسماء التي تطلب الموجودات فدخل تحتها العليم والسميع والبصير والقيوم والمريد والملك وما أشبه ذلك لأن كل واحد من هذه الأسماء والصفات يطلب ما يقع عليه فالعليم يقتضي معلوما والقادر مقدورا والمريد مرادا إلى غير ذلك والأسماء التي تحت اسم الرب هي الأسماء المشتركة بين الحق والخلق والأسماء المختصة بالخلق اختصاصا تأثيريا فمن القسم الأول العليم مثلا فإن له وجهين وجه يختص بالجناب الإلهي ومنه يقال يعلم نفسه ووجه ينظر إلى المخلوقات ومنه يقال يعلم غيره ومن القسم الثاني الخالق ونحوه من الأسماء الفعلية فله وجه واحد ومنه يقال خالق للموجودات ولا يقال خالق لنفسه تعالى عن ذلك وهذا القسم من الأسماء تحت اسمه الملك ومنه يظهر الفرق بينه وبين الرب، وأما الفرق بين الرب، والرحمن فهو أن الرحمن عندهم اسم لمرتبة اختصت بجميع الأوصاف العلية الإلهية سواء انفردت الذات به كالعظيم والفرد أو حصل الاشتراك أو الاختصاص بالخلق كالقسمين المتقدمين فهو أكثر شمولا من الرب ومن مرتبة الربوبية ينظر الرحمن إلى الموجودات «وأما اسمه تعالى الله» فهو اسم لمرتبة ذاتية جامعة وفلك محيط بالحقائق وهو مشير إلى الألوهية التي هي أعلى المراتب وهي التي تعطي كل ذي حق حقه وتحتها الأحدية وتحتها الواحدية وتحتها الرحمانية وتحتها الربوبية وتحتها الملكية ولهذا كان اسمه الله أعلى الأسماء وأعلى من اسمه الأحد فالأحدية أخص مظاهر الذات لنفسها والألوهية أفضل مظاهر الذات لنفسها أو لغيرها ومن ثم منع أهل الله تعالى تجلي الأحدية ولم يمنعوا تجلي الألوهية لأن الأحدية ذات محض لا ظهور لصفة فيها فضلا عن أن يظهر فيها مخلوق فما هي إلا للقديم القائم بذاته.
ومما قررنا يعلم سر كثرة افتتاح العبد دعاءه بيا رب يا رب مع أنه تعالى ما عين هذا الاسم الكريم في الدعاء ونفى ما سواه بل قال سبحانه قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١] وقال وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: ١٨٠] وقال أرباب الظاهر الداعي لا يطلب إلا ما يظنه صلاحا لحاله وتربية لنفسه فناسب أن يدعوه بهذا الاسم ونداء المربي في الشاهد بوصف التربية أقرب لدر ثدي الإجابة وأقوى لتحريك عرق الرحمة، وعند ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم يختلف الكلام باختلاف المقام فرقا وجمعا وعندي وهو قبس من أنوارهم أن الأرواح أول ما شنفت آذانها وعطرت أردانها بسماع وصف الربوبية كما يشعر بذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: ١٧٢] فهم ينادونه سبحانه بأول اسم قررهم به فأقروا وأخذ به عليهم العهد فاستقاموا واستقروا فهو حبيبهم الأول ومفزعهم إذا أشكل الأمر وأعضل.
تركت هوى سعدى وليلى بمعزل | وعدت إلى مصحوب أول منزل |
ونادتني الأهواء مهلا فهذه | منازل من تهوى رويدك فانزل |