تفسير سورة قريش

الكشاف أو تفسير الزمخشري
تفسير سورة سورة قريش من كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل المعروف بـالكشاف أو تفسير الزمخشري .
لمؤلفه الزمخشري . المتوفي سنة 538 هـ
مكية، وآياتها خمس.

الطوفان. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: من طين مطبوخ كما يطبخ الآجر. وقيل: هو معرب من سنككل. وقيل: من شديد عذابه، ورووا بيت ابن مقبل:
ضربا تواصت به الأبطال سجّيلا «١»
وإنما هو سجينا، والقصيدة نونية مشهورة في ديوانه، وشبهوا بورق الزرع إذا أكل، أى:
وقع فيه الأكال: وهو أن يأكله الدود. أو بتبن أكلته الدواب وراثته، ولكنه جاء على ما عليه آداب القرآن، كقوله كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ أو أريد: أكل حبه فبقى صفرا منه.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الفيل أعفاه الله أيام حياته من الخسف والمسخ «٢» ».
سورة قريش
مكية، وآياتها ٤ «نزلت بعد التين» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة قريش (١٠٦) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ متعلق بقوله لْيَعْبُدُوا
أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين فإن قلت: فلم دخلت الفاء؟ قلت: لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى: إما لا فليعبدوه لإيلافهم،
(١).
ورجلة يضربون البيض عن عرج . ضربا تواصت به الأبطال سجيلا
لابن مقبل. والرجلة: جماعة الرجال. والبيض- بالكسر-: كناية عن السيوف، أى: يضربون بها، وإن قرئ بالفتح فهي المغافر على رؤس الفرسان. والعرج: الميل والاعوجاج. ويروى: عن عرض، ولعله تحريف.
والمراد: اختلاف أحوال الضرب. والبطل: لشجاع. والسجيل: الشديد، ولكن الرواية بالنون، لأن القصيدة نونية، وسنذكر بعضها في أواخر حرف النون.
(٢). أخرجه ابن مردويه والثعلبي والواحدي بالسند إلى أبى بن كعب.
800
على معنى: أنّ نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة. وقيل المعنى: عجبوا لإيلاف قريش. وقيل: هو متعلق بما قبله، أى: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، وهذا بمنزلة التضمين في الشعر: وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يصح إلا به، وهما في مصحف أبىّ سورة واحدة بلا فصل. وعن عمر: أنه قراهما في الثانية من صلاة المغرب، وقرأ في الأولى: والتين «١». والمعنى أنه أهلك الحبشة الذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك، فيتهيبوهم زيادة تهيب، ويحترموهم فضل احترام، حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتيهم، فلا يجترئ أحد عليهم. وكانت لقريش رحلتان: يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته، فلا يتعرّض لهم، والناس غيرهم يتخطفون ويغار عليهم. والإيلاف من قولك: آلفت المكان أولفه إيلافا: إذا ألفته، فأنا مؤلف. قال:
من المؤلفات الرّهو غير الأوارك «٢»
وقرئ: لئلاف قريش، أى: لمؤالفة قريش. وقيل: يقال ألفته إلفا وإلافا. وقرأ أبو جعفر: لإلف قريش، وقد جمعهما من قال:
زعمتم أنّ إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف «٣»
(١). هكذا وقع في الثعلبي. وقال عمرو بن ميمون: صليت خلف عمر المغرب. فذكر الحديث. وكذا وصله عبد الرزاق وابن أبى شيبة من رواية أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون قال «صلى بنا عمر المغرب. فقرأ في الأولى بالتين. وفي الثانية ألم تر ولإيلاف قريش».
(٢).
شددت إليك الرحل فوق شملة من المؤلفات الرهو غير الأوارك
الشملة بالتشديد. والشملال والشميل: الخفيفة السريعة السير، أى: شددت الرحل فوق نافة سريعة السير ذاهبا إليك، وتلك الناقة من النوق المؤلفات المعتادات الرهو، أى: السير السهل المستقيم. ويروى: الزهو، بالزاي وهو سيرها بعد ورودها الماء. والأوارك: جمع آركة: المقيمات موضع الأراك، ترعاه. أو ترعى نبتا يقال له الحمض، أى: ليست كذلك يلي معلوفة ومكرمة السفر.
(٣).
زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف
أولئك أومنوا جوعا وخوفا وقد جاعت بنو أسد وخافوا
لمساور بن هند بن قيس يخاطب بنى أسد. وقريش خبر. وقولهم «لهم إلف» استئناف لبيان كذبهم. والالف والالاف: مصدر ألفه، إذا أحبه واعتاده ولم ينفر منه. وآلف إيلافا بينهما: جعل بينهما إلفا. وقد جمعت قريش بين رحلة الشتاء والصيف، فتارة فرحل هذه وتارة هذه بلا خوف ولا فزع «أولئك» إشارة لقريش «أومنوا» مبنى للمجهول، أى آمنهم ربهم عن الجوع والخوف، وقد جاعت وخافت بنو أسد: التفت إلى الغيبة دلالة على الاعراض عنهم، وتعجيب غيرهم من شأنهم.
801
وقرأ عكرمة: ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف. وقريش: ولد النضر بن كنانة سموا بتصغير القرش: وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن، ولا تطاق إلا بالنار. وعن معاوية أنه سأل ابن عباس رضى الله عنهما: بم سميت قريش؟ قال: بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى. وأنشد:
وقريش هي الّتي تسكن البحر بها سمّيت قريش قريشا «١»
والتصغير للتعظيم. وقيل: من القرش وهو الكسب: لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد. أطلق الإيلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين، تفخيما لأمر الإيلاف، وتذكيرا بعظيم النعمة فيه، ونصب الرحلة بإيلافهم مفعولا به، كما نصب يَتِيماً بإطعام، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس، كقوله.
كلوا في بعض بطنكم.... «٢»..
(١).
وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا
تأكل الغث والسمين ولا تترك يوما لذي جناحين ريشا
هكذا في الكتاب نالت قريش يأكلون البلاد أكلا كشيشا
ولهم آخر الزمان نبى يكثر القتل فيهم والخموشا
يملأ الأرض خيلة ورجالا يحشرون المطر حشرا كميشا
لتبع. وقريش: تصغير قرش. قال ابن عباس: اسم دابة في البحر تأكل ولا تؤكل اه فصغر وسمي به النضر بن كنانة، ثم سمى به أولاده. والمحدثون على أنه اسم لفهر بن مالك بن النضر، وقال الروافض: هو اسم لقصي بن كلاب، وتوصلوا بذلك إلى نفى إمامة أبى بكر وعمر لكونهما ليسا قرشيين، لأنهما يجتمعان معه ﷺ بعد قصي، والامامة من قريش، وقريش مبتدأ، والجملة بعدها مستأنفة مبينة لها، وبها سميت خبر، أى: بسببها، سميت هذه القبيلة قريشا تأكل، أى قريش البحرية. ويؤيده ما روى قبل هذا البيت وهو:
سلطت بالعلو في لجة البحر... على سائر البحور جيوشا... تأكل
ويحتمل أنها الضبيلة. والغث الخبيث. والسمين، الطيب وصاحب الجناحين، كناية عن الطير. أو استعارة الغنى، وبالغ في أنها لا تبقى ولا تذر شيئا مما تظفر به بقوله: إنها لا تترك ريش ذى الجناحين. ويروى «فيه» بدل يوما وهو يعنى قريش البحرية. وهكذا: إشارة لحال دابة البحر، أو لما قاله هو. والكتاب: التوراة أو الإنجيل.
أو كتب التاريخ. وقريش هنا: القبيلة، ويروى:
هكذا في البلاد حى قريش... يأكلون البلاد......
أى: يأخذون أموالها. والكشيش في الأصل: الصوت الخفي، أى: أكلا بسهولة، بلا إرهاب ولا إنعاب، فهو مجاز، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وخمشه خمشا: خدشه. والخموش: الخدوش. والخيلة: الشبح البعيد.
والخيل: الخيالة. والرجال: المشاة على أرجلهم. ويحشرون: صفة لرجال، ويبعد رجوعه لقريش، والكميش:
السريع. والمنضم: القاطع، أى: يجمعونها بسرعة، لكن المراد بالخموش هنا: الجروح.
(٢). قوله «كلوا في بعض بطنكم» بقيته: «تعفوا» وقد تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٤٧٩ فراجعه إن شئت اه مصححه. (ع)
802
Icon