تفسير سورة الإخلاص

تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير .
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ
تفسير سورة الإخلاص
وهي مكية.
ذكر سبب نزولها وفضيلتها١
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعد محمد بن مُيَسّر الصاغاني، حدثنا أبو جعفر الرازي، حدثنا الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب : أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد، انسب لنا ربك، فأنزل الله :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُو لَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾٢.
وكذا رواه الترمذي، وابن جرير، عن أحمد بن منيع - زاد ابن جرير : ومحمود بن خِدَاش - عن أبي سعد محمد بن مُيَسّر به٣ - زاد ابن جرير والترمذي - قال :﴿ الصَّمَدُ ﴾ : الذي لم يلد ولم يولد ؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله جل جلاله لا يموت ولا يورث، ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ ولم يكن له شبه٤ ولا عدل، وليس كمثله شيء.
ورواه ابن أبي حاتم، من حديث أبي سعد٥ محمد بن مُيَسّر، به. ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، فذكره مرسلا ولم يذكر " أخبرنا ". ثم قال الترمذي : هذا أصح من حديث أبي سعد٦.
حديث آخر في معناه : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا سُرَيج٧ بن يونس، حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر : أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : انسب لنا ربك. فأنزل الله، عز وجل :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ إلى آخرها. إسناده مقارب٨.
وقد رواه ابن جرير عن محمد بن عوف، عن سُرَيج٩ فذكره١٠. وقد أرسله غير واحد من السلف.
وروى عُبيد بن إسحاق العطار، عن قيس بن الربيع، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾.
قال الطبراني : رواه الفريابي وغيره، عن قيس، عن أبي عاصم، عن أبي وائل، مرسلا١١.
ثم رَوَى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عثمان الطائفي، عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لكل شيء نسبة، ونسبة الله :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾، والصمد ليس بأجوف ] " ١٢ ١٣.
حديث آخر في فضلها : قال البخاري : حدثنا محمد - هو الذُهليّ - حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو، عن ابن أبي هلال : أن أبا الرجال مُحمد بن عبد الرحمن حَدثه، عن أمه عَمْرَةَ بنت عبد الرحمن - وكانت في حِجْر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سَريَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم ب ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال :" سلوه : لأيّ شيء يصنع ذلك ؟ ". فسألوه، فقال : لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أخبروه أن الله تعالى يحبه ".
هكذا رواه في كتاب " التوحيد " ١٤. ومنهم من يسقط ذكر " محمد الذّهلي ". ويجعله من روايته عن أحمد بن صالح. وقد رواه مسلم والنسائي أيضًا من حديث عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، به١٥.
حديث آخر : قال البخاري في كتاب الصلاة :" وقال عُبَيد الله١٦ عن ثابت، عن أنس قال : كان رجل من الأنصار يَؤمَهم في مسجد قُبَاء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ حتى يَفرُغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة. فكلَّمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئُك حتى تقرأ بالأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتَقرأ بأخرى. فقال : ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يَرَونَ أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يَؤمهم غيره. فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال :" يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ؟ وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة ؟ ". قال : إني أحبها. قال :" حُبك إياها أدخلك الجنة " ١٧.
هكذا رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به. وقد رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه، عن البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عُبَيد الله بن عمر، فذكر بإسناده مثله سواء ١٨. ثم قال الترمذي : غريب من حديث عبيد الله، عن ثابت. قال : وروى مُبَارك بن فَضالة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا قال : يا رسول الله، إني أحب هذه السورة :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ قال :" إن حُبَّك إياها أدخلك الجنة ".
وهذا الذي علقه الترمذي قد رواه الإمام أحمد في مسنده متصلا فقال : حدثنا أبو النضر، حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أحب هذه السورة :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حبك١٩ إياها أدخلك الجنة " ٢٠.
حديث في كونها تعدل ثلث القرآن : قال البخاري : حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَة، عن أبيه، عن أبي سعيد. أن رجلا سمع رَجُلا يقرأ :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالّها، فقال النبي٢١ صلى الله عليه وسلم :" والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن ". زاد إسماعيل بن جعفر، عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي سعيد قال : أخبرني أخي قتادة بن النعمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم٢٢.
وقد رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف، والقَعْنَبِيّ. ورواه أبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة، كلهم عن مالك، به٢٣. وحديث قتادة بن النعمان أسنده النسائي من طريقين، عن إسماعيل بن جعفر، عن مالك، به٢٤.
حديث آخر : قال البخاري : حدثنا عُمَر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم والضحاك المَشْرِقيّ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :" أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ ". فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يُطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال :" الله الواحد الصمد ثلث القرآن " ٢٥.
تفرد بإخراجه البخاري من حديث إبراهيم بن يزيد النَّخعي والضحاك بن شُرَحبيل الهمداني المشرقي، كلاهما عن أبي سعيد، قال القَرَبرِيّ : سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراقُ أبي عبد الله قال : قال أبو عبد الله البخاري : عن إبراهيم مرسل، وعن الضحاك مسند٢٦.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لَهِيعَة، عن الحارث بن يزيد، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله ب﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال :" والذي نفسي بيده، لَتَعدلُ نصف القرآن، أو ثلثه " ٢٧.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا حُييّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو : أن أبا أيوب الأنصاري كان في مجلس وهو يقول : ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة ؟ فقالوا : وهل يستطيع ذلك أحد ؟ قال : فإن ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ثلث القرآن. قال : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب، فقال :" صدق أبو أيوب " ٢٨.
حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا يزيد بن كيسَان، أخبرني أبو حَازم، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" احشُدوا، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن ". فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ثم دخل فقال بعضنا لبعض : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن ". إني لأرى هذا خبرًا جاء من السماء، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال :" إني قلت : سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن ".
وهكذا رواه مسلم في صحيحه، عن محمد بن بشار، به٢٩ وقال الترمذي : حسن صحيح غريب، واسم أبي حازم سلمان.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن زائدة بن قُدَامة، عن منصور، عن هلال بن يَساف، عن الربيع بن خُثَيم٣٠ عن عمرو بن ميمون، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ فإنه من قرأ :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ في ليلة، فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن ".
هذا حديث تُسَاعيّ الإسناد للإمام أحمد. ورواه الترمذي والنسائي، كلاهما عن محمد بن بشار ٣١ بندار -زاد الترمذي وقتيبة-كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي، به٣٢. فصار لهما عُشَاريا. وفي رواية الترمذي :" عن امرأة أبى أيوب، عن أبي أيوب "، به [ وحسنه ]٣٣. ثم قال : وفي الباب عن أبي الدرداء، وأبي سعيد، وقتادة بن النعمان، وأبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي مسعود. وهذا حديث حسن، ولا نعلم أحدًا رَوَى هذا الحديث أحسن من رواية " زائدة ". وتابعه على روايته إسرائيل، والفضيل بن عياض. وقد رَوَى شُعبةُ وغيرُ واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه.
حديث آخر : قال أحمد : حدثنا هُشَيْم، عن حُصَين، عن هلال بن يَسَاف، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب -أو : رجل من الأنصار-قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ ب﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾فكأنما قرأ بثلث القرآن " ٣٤.
ورواه النسائي في " اليوم والليلة "، من حديث هُشَيم، عن حُصَين، عن ابن أبي ليلى، به٣٥. ولم يقع في روايته : هلال بن يساف.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وَكيع، عن سفيان، عن أبي قيس٣٦ عن عمرو بن ميمون، عن أبي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ﴿ ُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ تعدُل ثلث القرآن " ٣٧.
وهكذا رواه ابن ماجة، عن علي بن محمد الطَّنافسي، عن وَكيع، به ٣٨. ورواه النسائي في " اليوم والليلة " من طرق أخر، عن عمرو بن ميمون، مرفوعًا وموقوفًا٣٩.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا بَهْز، حدثنا بُكَير بن أبي السَّميط٤٠ حدثنا قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن مَعْدَان بن أبي طلحة، عن أبي الدّرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أيعجزُ أحدُكم أن يَقرأ كلّ يوم ثلث القرآن ؟ ". قالوا : نعم يا رسول الله، نحن أضعفُ من ذلك وأعجز. قال :" فإن الله جَزأ القرآن ثلاثة أجزاء، ف ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ثلث القرآن ".
ورواه مسلم والنسائي، من حديث قتادة، به٤١.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أمية بن خالد، حدثنا محمد بن عبد الل
١ - (١) في م، أ: "وفضلها"..
٢ - (٢) المسند (٥/١٣٣)..
٣ - (٣) سنن الترمذي برقم (٣٣٦٤) وتفسير الطبري (٣٠/٢٢١، ٢٢٣)..
٤ - (٤) في م، أ: "له شبيه"..
٥ - (٥) في م، أ: "سعيد"..
٦ - (٦) سنن الترمذي برقم (٣٣٦٥)..
٧ - (٧) في أ: "شريح"..
٨ - (٨) في م: "إسناده متقارب"..
٩ - (٩) في أ: "شريح"..
١٠ - (١٠) مسند أبي يعلى (٤/٣٨، ٣٩) وتفسير الطبري (٣٠/٢٢١)، ومجالد ضعيف في روايته عن الشعبي عن جابر..
١١ - (١) ورواه الطيالسي عن قيس، عن عاصم، عن أبي وائل مرسلا، ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (٨٩)..
١٢ - (٢) زيادة من أ..
١٣ - (٣) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٤٢٣) "مجمع البحرين" من طريق عبد الرحمن بن نافع، عن علي بن ثابت، عن الوازع، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به، وقال: "لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الرحمن"..
١٤ - (٤) صحيح البخاري برقم (٧٣٧٥)..
١٥ - (٥) صحيح مسلم برقم (٨١٣)، وسنن النسائي (٢/١٧٠)..
١٦ - (٦) في أ: "وقال عبد الله"..
١٧ - (٧) صحيح البخاري برقم (٧٧٤)..
١٨ - (٨) سنن الترمذي برقم (٢٩٠١)..
١٩ - (١) في م: "إن حبك"..
٢٠ - (٢) المسند (٣/١٤١)..
٢١ - (٣) في م: "فقال رسول الله"..
٢٢ - (٤) صحيح البخاري برقم (٧٣٧٤)..
٢٣ - (٥) صحيح البخاري برقم (٥٠١٣، ٦٦٤٣) وسنن أبي داود برقم (١٤٦١) وسنن النسائي (٢/١٧١)..
٢٤ - (٦) سنن النسائي الكبرى برقم (٨٠٢٩) وبرقم (١٠٥٣٦)..
٢٥ - (٧) صحيح البخاري برقم (٥٠١٥)..
٢٦ - (٨) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٩/٦٠): "والمراد أن رواية إبراهيم النخعي عن أبي سعيد منقطعة، ورواية الضحاك عنه متصلة".
٢٧ المسند (٣/١٥)..
٢٨ المسند (٢/١٧٣)..
٢٩ سنن الترمذي برقم (٢٩٠٠) وصحيح مسلم برقم (٨١٢)..
٣٠ في أ: "بن خيثم"..
٣١ في أ: "يسار"..
٣٢ سنن الترمذي برقم (٢٨٩٦) وسنن النسائي (٢/١٧٢)..
٣٣ زيادة من م، أ..
٣٤ المسند (٥/١٤١)..
٣٥ سنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٢١)..
٣٦ في م: "إسحاق"..
٣٧ المسند (٤/١٢٢)..
٣٨ سنن ابن ماجة برقم (٣٧٨٩)..
٣٩ سنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٢٩، ١٠٥٢٥، ١٠٥٢٨)..
٤٠ في أ: "حدثنا بكر بن أبي السمط"..
٤١ المسند (١/٤٤٧) وصحيح مسلم برقم (٨١١) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠٥٣٧)..

وَالزَّبُورِ، وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: فَأَقْرَأَنِي: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " ثُمَّ قَالَ: "يَا عُقْبَةُ، لَا تَنْسَهُن وَلَا تُبتْ لَيْلَةً حَتَّى تَقْرَأَهُنَّ". قَالَ: فَمَا نَسِيتُهُنَّ مُنْذُ قَالَ: "لَا تَنْسَهُنَّ"، وَمَا بِتُّ لَيْلَةً قَطُّ حَتَّى أَقْرَأَهُنَّ. قَالَ عُقْبَةُ، ثُمَّ لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَابْتَدَأْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبَرْنِي بِفَوَاضِلِ الْأَعْمَالِ. فَقَالَ: "يَا عُقْبَةُ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وأعْطِ مَنْ حَرَمَك، وَأَعْرِضْ (١) عَمَّنْ ظَلَمَكَ" (٢)
رَوَى التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ فِي "الزُّهْدِ"، مِنْ حَدِيثِ عُبيد اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ (٣). وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَسَيِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَثْعَمي، عَنْ فرْوَة بْنِ مُجَاهِدٍ اللَّخْمِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٤).
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الِاسْتِشْفَاءِ بِهِنَّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ، عَنْ عُقَيل، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُل لَيْلَةٍ جَمَعَ (٥) كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ حَدِيثِ عُقَيل، بِهِ (٦).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) ﴾
قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِهَا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ: نَحْنُ نعبد عُزيرَ ابْنَ اللَّهِ. وَقَالَتِ النَّصَارَى: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ. وَقَالَتِ الْمَجُوسُ: نَحْنُ نَعْبُدُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ. وَقَالَتِ الْمُشْرِكُونَ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ -أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾
يَعْنِي: هُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا وَزِيرَ، وَلَا نَدِيدَ وَلَا شَبِيهَ وَلَا عَدِيلَ، وَلَا يُطلَق
(١) في م: "واعف".
(٢) المسند (٤/١٤٨).
(٣) سنن الترمذي برقم (٢٤٠٦)، وفي إسناده عبيد الله بن زحر وعلى بن يزيد والقاسم كلهم ضعفاء، قال ابن حبان في عبيد الله بن زحر: "يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روي عن علي بن يزيد أتى الطامات، وإذا اجتمع في إسناده خبر عبيد الله، وعلي بن يزيد، والقاسم -أبو عبد الرحمن- لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم".
(٤) المسند (٤/١٥٨).
(٥) في م: "ليلة جمعة".
(٦) صحيح البخاري برقم (٥٠١٧) وسنن أبي داود برقم (٥٠٥٦) وسنن الترمذي برقم (٣٤٠٢) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠٦٢٤) وسنن ابن ماجة برقم (٣٨٧٥).
527
هَذَا اللَّفْظُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْإِثْبَاتِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الَّذِي يَصْمُدُ الْخَلَائِقُ إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمَسَائِلِهِمْ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظْمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ، وَالْعَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ (١) وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، هَذِهِ صِفَتُهُ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ، لَيْسَ لَهُ كُفْءٌ، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ (٢) عَنْ أَبِي وَائِلٍ: ﴿الصَّمَدُ﴾ السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ، وَرَوَاهُ عاصم، بن أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مِثْلَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿الصَّمَدُ﴾ السَّيِّدُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: هُوَ الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: ﴿الصَّمَدُ﴾ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿الصَّمَدُ﴾ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يُطْعَمُ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. كَأَنَّهُ جَعَلَ مَا بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ وَهُوَ تَفْسِيرٌ جَيِّدٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُريدة، وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ: ﴿الصَّمَدُ﴾ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ.
قَالَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿الصَّمَدُ﴾ الْمُصْمَتُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيدة (٣) أَيْضًا: ﴿الصَّمَدُ﴾ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ.
رَوَى ذَلِكَ كلَّه وَحَكَاهُ: ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَكَذَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ سَاقَ أَكْثَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ، وَقَالَ:
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رُومِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَائِدِ الْأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ -لَا أَعْلَمُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ-قَالَ: ﴿الصَّمَدُ﴾ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ.
وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ على عبد الله بن بريدة.
(١) في م: "في حكمه".
(٢) في أ: "سفيان".
(٣) في أ: "يزيد".
528
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ، بَعْدَ إِيرَادِهِ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ "الصَّمَدِ": وَكُلُّ هَذِهِ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ صِفَاتُ رَبِّنَا، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ الَّذِي يُصمَد إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ، وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ، وَهُوَ الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ، وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ [أَيْضًا] (١). (٢)
وَقَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ أَيْ: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَلَا صَاحِبَةٌ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ يَعْنِي: لَا صَاحِبَةَ لَهُ.
وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٠١] أَيْ: هُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نَظِيرٌ يُسَامِيهِ، أَوْ قَرِيبٌ يُدَانِيهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مَرْيَمَ: ٨٨ -٩٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٦، ٢٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ١٥٨، ١٥٩] وَفِي الصَّحِيحِ -صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ-: "لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا، وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ" (٣).
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعيدَني كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلِيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا. وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ".
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا بِمِثْلِهِ. تَفَرَّدَ بِهِمَا مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ (٤).
آخر تفسير سورة "الإخلاص"
(١) زيادة من م، أ.
(٢) وقد أطنب شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان معنى الصمد في الفتاوى (١٧/٢١٤).
(٣) صحيح البخاري برقم (٦٠٩٩) من حديث أبي موسى، رضي الله عنه.
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٩٧٤) وبرقم (٤٩٧٥).
529
تَفْسِيرُ سُورَتَيِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ
وَهُمَا مُدْنِيَّتَانِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلة، عَنْ زِرِّ بنُ حُبَيش قَالَ: قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ [كَانَ] (١) لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لَهُ: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " فَقُلْتُهَا، قَالَ: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " فَقُلْتُهَا. فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٢) (٣).
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الحُميدي فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبَدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابة وَعَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، أَنَّهُمَا سَمِعَا زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ قَالَ: سألتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَحُكهما مِنَ الْمُصْحَفِ. فَقَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "قِيلَ (٤) لِي: قُلْ، فَقُلْتُ". فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٥).
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ قَالَ: سألتُ ابنَ مَسْعُودٍ عَنِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ: سألتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا فَقَالَ: " قِيلَ لِي، فَقُلْتُ لَكُمْ، فَقُولُوا". قَالَ أَبِي: فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحْنُ نَقُولُ (٦).
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابة، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيش -وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ-قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ: أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "قِيلَ لِي، فَقُلْتُ". فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٧).
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبَدَةَ وَعَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، بِهِ (٨).
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا الْأَزْرَقُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الصَّلْت بْنُ بَهرَام، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحُك المعوذتين من المصحف، ويقول: إنما
(١) زيادة من المسند.
(٢) في م: "عليه السلام".
(٣) المسند (٥/١٢٩).
(٤) في م: "قال".
(٥) مسند الحميدي (١/١٨٥).
(٦) المسند (٥/١٢٩).
(٧) صحيح البخاري برقم (٤٩٧٧).
(٨) صحيح البخاري برقم (٤٩٧٦).
530
أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ بِهِمَا (١)
وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (٢) بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ -قَالَ الْأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَأَلَنَا عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "قِيلَ لِي، فَقُلْتُ" (٣).
وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُمَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَتَوَاتَرْ عِنْدَهُ، ثُمَّ لَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، كَتَبُوهُمَا (٤) فِي الْمَصَاحِفِ الْأَئِمَّةِ، وَنَفَّذُوهَا إِلَى سَائِرِ الْآفَاقِ كَذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازم، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُر مِثْلُهُنَّ قَطُّ: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " (٥).
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ، بِهِ (٦). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَقب مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ لِي: "يَا عُقْبَةُ، أَلَا تَركب؟ ". قَالَ: [فَأجْلَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْكَبَ مَرْكَبَهُ. ثُمَّ قَالَ: "يَا عُقيب، أَلَّا تَرْكَبُ؟ ". قَالَ] (٧) فَأَشْفَقْتُ أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً، قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ قَالَ: "يَا عُقَيْبُ، أَلَا أُعلمك سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟ ". قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَقْرَأَنِي: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَتَقَدَّمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي فَقَالَ: "كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقَيْبُ (٨) اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَكُلَّمَا قُمْتَ".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، به (٩).
(١) ورواه البزار في مسنده برقم (٢٣٠١)، من طريق محمد بن أبي يعقوب، عن حسان بن إبراهيم به، وقال البزار: "وهذا لم يتابع عبد الله عليه أحد من الصحابة، وقد صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قرأ بهما في الصلاة، وأثبتنا في المصحف".
(٢) في م: "عن عبد الله".
(٣) زوائد المسند (٥/١٢٩).
(٤) في م: "أتبعوهما".
(٥) صحيح مسلم برقم (٨١٤).
(٦) المسند (٤/١٤٤) وصحيح مسلم برقم (٨١٤)، وسنن الترمذي برقم (٢٩٠٢) وسنن النسائي (٢/١٥٨).
(٧) زيادة من المسند.
(٨) في م: "يا عقب".
(٩) المسند (٤/١٤٤) وسنن النسائي (٨/٢٥٣).
531
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ، بِهِ (١).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عبد الرحمن، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني يزيد ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ الرُّعَيْنِيُّ وَأَبُو مَرْحُومٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ (٢). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى (٣) بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ مشَرح بْنِ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأْ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَ بِمِثْلِهِمَا". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٤).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْح، حَدَّثَنَا بَقِيَّة، حَدَّثَنَا بَحير بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان، عَنْ جُبَير بْنِ نُفَير، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَتْ لَهُ بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ، فَرَكِبَهَا فَأَخَذَ عُقْبَةُ يَقُودُهَا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٥) اقْرَأْ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ". فَأَعَادَهَا لَهُ حَتَّى قَرَأَهَا، فَعَرَفَ أَنِّي لَمْ أَفْرَحْ بِهَا جِدًّا، فَقَالَ: "لَعَلَّكَ تَهَاوَنْتَ بِهَا؟ فَمَا قُمْتَ تَصِلِي بِشَيْءٍ مِثْلِهَا".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ بَقِيَّةَ، بِهِ (٦). وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ (٧).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، عَنْ زِيَادٍ أَبِي الْأَسَدِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَعَوَّذُوا بِمِثْلِ هَذَيْنَ: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " (٨).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ النَّسَائِيُّ: أخبرنا قتيبة، حدثنا الليث، عن أبي عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمُقْبِرِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا عُقْبَةُ، قُلْ". فَقُلْتُ: مَاذَا أَقُولُ؟ فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: "قُلْ". قُلْتُ: مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ عَنِّي، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ، ارْدُدْهُ عَلَيَّ. فَقَالَ: "يَا عُقْبَةُ، قُلْ". قُلْتُ: مَاذَا أَقُولُ يا رسول الله؟ فقال: "
(١) سنن النسائي (٨/٢٥٢، ٢٥٣) وسنن أبي داود برقم (١٤٦٢).
(٢) المسند (٤/١٥٥) وسنن أبي داود برقم (١٥٢٣)، وسنن الترمذي برقم (٢٩٠٣) وسنن النسائي (٣/٦٨).
(٣) في م، أ: "حدثنا محمد".
(٤) المسند (٤/١٤٦).
(٥) في م، أ: "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعقبة".
(٦) المسند (٤/١٤٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٤٣، ٧٨٤٤).
(٧) سنن النسائي (٨/٢٥٢).
(٨) سنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٥٦).
532
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ "، فَقَرَأْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا، ثُمَّ قَالَ: "قُلْ". قُلْتُ: مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ "، فَقَرَأْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: "مَا سَأَلَ سَائِلٌ بِمِثْلِهِمَا، وَلَا اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهِمَا" (١).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ (٢).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَسْلَمَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: اتَّبَعْتُ (٣) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَوَضَعْتُ يَدَيْ عَلَى قَدَمِهِ (٤) فَقُلْتُ: أَقْرِئْنِي سُورَةَ هُودٍ أَوْ سُورَةَ يُوسُفَ. فَقَالَ: "لَنْ تَقْرَأَ شَيْئًا أَنْفَعَ (٥) عِنْدَ اللَّهِ مِنْ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق " (٦).
حَدِيثٌ (٧) آخَرُ: قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَائِشٍ (٨) الْجُهَنِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا ابْنَ عَائِشٍ، أَلَا أَدُلُّكَ -أَوْ: أَلَا أُخْبِرُكَ -بِأَفْضَلِ مَا يَتَعَوَّذُ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟ ". قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " هَاتَانِ السُّورَتَانِ" (٩).
فَهَذِهِ طُرُقٌ عَنْ عُقْبَةَ كَالْمُتَوَاتِرَةِ عَنْهُ، تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْحَدِيثِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ صُدَيّ بْنِ عَجْلَانَ، وفَرْوَةَ بْنِ مُجَاهد، عَنْهُ: "أَلَا أُعَلِّمُكَ ثلاثَ سُوَر لِمَ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ (١٠) مِثْلُهُنَّ؟ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ، وَالنَّاسُ يَعْتَقِبُونَ، وَفِي الظَّهْرِ قِلَّةٌ، فَحَانَتْ نزلَة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزْلَتِي، فَلَحِقَنِي فَضَرَبَ [مِنْ بَعْدِي] (١١) مَنْكِبِيَّ، فَقَالَ: " " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ "، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأْتُهَا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: " " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ "، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأْتُهَا مَعَهُ، فقال: "إذا صليت فاقرأ بهما" (١٢).
(١) سنن النسائي (٨/٢٥٣).
(٢) سنن النسائي (٨/٢٥٢).
(٣) في م: "أتيت".
(٤) في م، أ: "على قدميه".
(٥) في م: "أبلغ".
(٦) سنن النسائي (٨/٢٥٤).
(٧) في أ: "طريق".
(٨) في أ: "عباس".
(٩) سنن النسائي (٨/٢٥١).
(١٠) في أ: "في القرآن".
(١١) زيادة من المسند.
(١٢) المسند (٥/٢٤).
533
وقوله :﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ قال عكرمة، عن ابن عباس : يعني الذي يصمد الخلائق إليه في حوائجهم ومسائلهم.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته١، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار.
وقال الأعمش، عن شقيق ٢ عن أبي وائل :﴿ الصَّمَدُ ﴾ السيد الذي قد انتهى سؤدده، ورواه عاصم، بن أبي وائل، عن ابن مسعود، مثله.
وقال مالك، عن زيد بن أسلم :﴿ الصَّمَدُ ﴾ : السيد. وقال الحسن، وقتادة : هو الباقي بعد خلقه. وقال الحسن أيضا :﴿ الصَّمَدُ ﴾ الحي القيوم الذي لا زوال له. وقال عكرمة :﴿ الصَّمَدُ ﴾ الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم.
وقال الربيع بن أنس : هو الذي لم يلد ولم يولد. كأنه جعل ما بعده تفسيرًا له، وهو قوله :﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ وهو تفسير جيد. وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير، عن أبي بن كعب في ذلك، وهو صريح فيه.
وقال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعبد الله بن بُريدة، وعكرمة أيضا، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وعطية العوفي، والضحاك، والسدي :﴿ الصَّمَدُ ﴾ الذي لا جوف له.
قال سفيان، عن منصور، عن مجاهد :﴿ الصَّمَدُ ﴾ المصمت الذي لا جوف له.
وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب.
وقال عبد الله بن بُرَيدة ٣ أيضًا :﴿ الصَّمَدُ ﴾ نور يتلألأ.
روى ذلك كلَّه وحكاه ابن أبي حاتم، والبيهقي، والطبراني، وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده، وقال :
حدثني العباس بن أبي طالب، حدثنا محمد بن عمرو بن رومي، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش، حدثني صالح بن حيان، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال :-لا أعلم إلا قد رفعه-، قال :﴿ الصَّمَدُ ﴾ الذي لا جوف له.
وهذا غريب جدًا، والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة.
وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له، بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال في تفسير " الصمد " : وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا، عز وجل، وهو الذي يُصمَد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك [ أيضا ]٤. ٥
١ في م: "في حكمه"..
٢ في أ: "سفيان"..
٣ في أ: "يزيد"..
٤ زيادة من م، أ..
٥ وقد أطنب شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان معنى الصمد في الفتاوى (١٧/٢١٤)..
وقوله :﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ أي : ليس له ولد، ولا والد، ولا صاحبة.
قال مجاهد :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ يعني : لا صاحبة له.
وهذا كما قال تعالى :﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ١٠١ ] أي : هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه، تعالى وتقدس وتنزه. قال الله تعالى :﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [ مريم : ٨٨ -٩٥ ]، وقال تعالى :﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٦، ٢٧ ]، وقال تعالى :﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [ الصافات : ١٥٨، ١٥٩ ]، وفي الصحيح -صحيح البخاري- :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا، وهو يرزقهم ويعافيهم " ١.
وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" قال الله، عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يُعيدَني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدًا. وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد ".
ورواه أيضا من حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن همام بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة، مرفوعًا بمثله. تفرد بهما من هذين الوجهين٢
١ صحيح البخاري برقم (٦٠٩٩) من حديث أبي موسى، رضي الله عنه..
٢ صحيح البخاري برقم (٤٩٧٤) وبرقم (٤٩٧٥)..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣:وقوله :﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ أي : ليس له ولد، ولا والد، ولا صاحبة.
قال مجاهد :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ يعني : لا صاحبة له.
وهذا كما قال تعالى :﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ١٠١ ] أي : هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه، تعالى وتقدس وتنزه. قال الله تعالى :﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [ مريم : ٨٨ -٩٥ ]، وقال تعالى :﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٦، ٢٧ ]، وقال تعالى :﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [ الصافات : ١٥٨، ١٥٩ ]، وفي الصحيح -صحيح البخاري- :" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا، وهو يرزقهم ويعافيهم " ١.
وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" قال الله، عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يُعيدَني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدًا. وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد ".
ورواه أيضا من حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن همام بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة، مرفوعًا بمثله. تفرد بهما من هذين الوجهين٢
١ صحيح البخاري برقم (٦٠٩٩) من حديث أبي موسى، رضي الله عنه..
٢ صحيح البخاري برقم (٤٩٧٤) وبرقم (٤٩٧٥)..


آخر تفسير سورة " الإخلاص "
Icon