ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ١ الى ٨]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨)
. (١) جنة: سترا ووقاء.
(٢) كأنهم خشب مسندة: تعبير تنديدي يراد به وصفهم بفقد العقل والروح رغم ما هم عليه من الجسامة والوسامة اللتين تعجب الناظر فكأنهم أخشاب مسندة بالدعائم.
(٣) يصدون: هنا بمعنى يمتنعون ويرفضون.
(٤) حتى ينفضوا: حتى يتفرقوا.
تعليق على آية إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ والآيات السبع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين، وما ورد في صددها من أخبار
عبارة الآيات واضحة، وقد تضمنت:
(٢) وتكذيبا لهم وتقريرا بأنهم إنما يتخذون أيمانهم سترا ووقاء من الفضيحة والنكال وذريعة إلى الصدّ عن سبيل الله. وبأنهم كفروا بعد إيمانهم فكان ذلك مظهرا لخبث سريرتهم وسوء نيتهم وانطباع قلوبهم على الكفر.
(٣) وصفا تنديديا لهم، فهم رغم ما هم عليه من جسامة ووسامة تروقان للناظر إليهم وما يقولونه من أقوال تعجب السامع لها كالخشب المسندة فاقدون كل روح وعقل وقلب وإيمان.
(٤) حكاية لما كانوا يقابلون به الدعوة إلى المجيء إلى رسول الله ﷺ للاعتذار والاستغفار حيث يلوون رؤوسهم ويرفضون استكبارا.
(٥) حكاية لأقوال صدرت منهم حيث كانوا يحرضون على عدم الإنفاق على أصحاب رسول الله ومساعدتهم حتى ينفضوا من حوله. وحيث قالوا في سفرة من السفرات إنهم إن رجعوا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وكانوا يعنون بالقول أنهم هم الأعزّ وأن النبي ﷺ وأصحابه هم الأذلّ.
(٦) وردودا تنديدية عليهم فيها تطمين للنبي ﷺ وصحبه المخلصين: فسواء استغفر لهم النبي أم لم يستغفر، فلن يغفر الله لهم، لأنه لا يمكن أن يوفق الفاسقين أمثالهم ويرضى عنهم. وهم حينما يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول الله غاب عنهم ولم يدركوا أن خزائن السموات والأرض هي لله. وهم حينما يقولون ليخرجن الأعز منها الأذل غاب عنهم ولم يعلموا أن العزة إنما هي لله ورسوله والمؤمنين.
(٧) ودعاء عليهم: قاتلهم الله، فكيف وأنّى ينصرفون عن الحق الواضح الساطع.
(٨) هتافا للنبي صلى الله عليه وسلم: فهم العدوّ وعليه الحذر منهم.
وعلى هذا فتكون الآيات الست الأولى بمثابة تمهيد للآيتين التاليتين لها اللتين فيهما حكاية أقوال المنافقين. وقد عرضنا الفصل كلّا واحدا بسبب هذا الانسجام.
ولقد أورد المفسرون ورواة الحديث وكتّاب السيرة القدماء في صدد نزول هذه الآيات وما فيها، سياقا طويلا نرى من المفيد إيراده لما فيه من صور. فقد خرج النبي ﷺ على رأس حملة لغزو بني المصطلق الذين بلغه أنهم يتجمعون لغزو المدينة. وكان المنافقون مشتركين بالحملة بمقياس واسع. وقد التقى المسلمون بالأعداء عند ماء اسمه المريسيع وانتصروا عليهم وسبوا وغنموا منهم. وقبيل أن يرتحلوا ويعودوا، تلاحى شخص تابع لعمر بن الخطاب وآخر تابع لبني عوف رهط ابن سلول على الماء فاقتتلا وصرخ تابع عمر: يا معشر المهاجرين، وصرخ تابع بني عوف: يا معشر الأنصار، وكاد الاشتباك يقع بين الحيين ثم تمكن النبي وكبار أصحابه من التهدئة. وأثار ذلك ابن سلول، فقال في مجلس من قومه: لقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا- يقصد المهاجرين- والله ما مثلنا ومثلهم إلّا كما قال القائل سمّن كلبك يأكلك. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله وصحبه. ثم أقبل على من حضره من قومه فقال:
وكان له عمّ فقال له: ما أردت إلّا أن كذبك رسول الله والناس كلهم يقولون إن عبد الله شيخنا وكبيرنا ولا يصدق عليه كلام غلام مفتون. فاستحيا الفتى وصار يبتعد عن رسول الله. وجاء أسيد بن حضير أحد زعماء الأوس إلى النبي فقال له:
رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها، فقال له: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟
قال وما قال؟ قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل، فقال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت. هو الذليل وأنت العزيز. ثم قال يا رسول الله أرفق به فو الله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه وإنه ليرى أنك استلبته ملكا. وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله فقال: يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبي لما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه. فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه مني وإنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتله يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا. وعاد النبي إلى المدينة وجلس زيد بن أرقم
ولسنا نرى في هذا السياق مهما كان طويلا ما لا يتسق إجمالا مع الواقع ومع روح الآيات. وقد روته المصادر القديمة. ومنها ما رواه رواة عدول، فسجل بعضه البخاري ومسلم والترمذي في مساندهم. وكل ما يمكن أن يلحظ فيه ما جاء من أن آية وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ قد نزلت بناء على رفض ابن سلول حينما نزلت الآيات الأخرى أن يذهب إلى رسول الله يستغفر له.
والمعقول أن يكون بعض الناس اقترحوا عليه قبل نزول الآيات أن يذهب إلى النبي معتذرا مستغفرا فأبى، فحكت الآيات هذا الموقف فيما حكته واحتوت
ولقد كانت الأقوال الصادرة من زعيم المنافقين خطيرة جدا، بل لعلها أشد ما صدر عن المنافقين خطورة وقحة وكيدا وصراحة على ملأ من الناس. ولذلك كانت الحملة عليهم متناسبة في شدتها مع هذه الخطورة، واقتضت حكمة التنزيل أن تفرد من أجل ذلك سورة خاصة.
ومن الممكن أن يلمح في الآيات أن المنافقين كانوا معتدّين بأنفسهم وشاعرين بقوتهم نوعا ما برغم ما حكته عنهم من توكيد للنبي بإيمانهم برسالته.
وهو ما كانوا يفعلونه في مختلف المناسبات والمواقف على ما مرت منه أمثلة عديدة وبخاصة في سورة النور السابقة لهذه السورة. ومثل هذا ملموح في الفصول التي احتوتها سور النور والنساء والأحزاب.
ومع خصوصية الآيات الزمنية والموضوعية فإن جملة وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ التي جاءت مطلقة تظلّ مستمرة التلقين بما يوجده الإيمان في نفس المؤمن من القوة وتظل كذلك مستمرة فيض يستمد منه المسلمون شعور العزة ويحفزهم إلى إباء كل ضيم وهوان واعتبارهما متنافيين مع ما قرره لهم القرآن من عزة وكرامة واستعلاء.
هذا، ولقد احتوت الآية [٣] تعليلا صريحا لطبع قلوب المنافقين وهو كونهم كفروا بعد إيمانهم نتيجة لسوء نيتهم وخبث طويتهم. وهذا متسق مع ما جاء في المناسبات المماثلة بالنسبة للكفار والمتكبرين مثل وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ [النساء: ١٥٥] وكَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ...
[الأعراف: ١٠٠] وكَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر: ٣٥] بحيث يزول بذلك ما قد يتبادر من وهم بسبب ما جاء في بعض الآيات من إطلاق مثل إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [البقرة: ٦- ٧].
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ٩ الى ١١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)
. (١) لولا: هنا بمعنا هلّا
تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) والآية التالية لها وما فيهما من تلقين
عبارة الآيات واضحة. وفيها:
(١) تحذير للمؤمنين من إلهاء أموالهم وأولادهم لهم عن ذكر الله، لأن من يكن هذا شأنه فإنه من الخاسرين.
(٣) وتنبيه لهم بأن الندم والتمني لن يجدياهم شيئا لأن الله لن يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، وإنه لخبير بنواياهم وأعمالهم.
ولم نطلع على رواية خاصة في نزول الآيات. ومع أن عبارتها مطلقة. وتبدو أنها فصل جديد. فإننا نرجح أنها متصلة بالآيات السابقة اتصال تعقيب والتفات، لتلقين المؤمنين المخلصين ما هو الأمثل لهم، والأحرى بهم في مناسبة ذكر مواقف المنافقين البغيضة، وزجرهم وتقريعهم ولا سيما أن دعوة المنافقين إلى عدم الإنفاق على من عند رسول الله التي حكتها تلك الآيات هي دعوة إلى أقاربهم وذوي رحمهم وعشيرتهم من الأنصار. ومعظمهم كانوا مخلصين في إيمانهم بالله ورسوله.
والآيات في حدّ ذاتها جملة تامة. وأسلوبها قوي نافذ إلى القلوب والعقول.
وهي مطلقة التوجيه فيكون ما فيها من أمر ونهي وتحذير شاملا لكل المسلمين في كل مكان ليكون ذلك خطتهم المثلى التي يسيرون عليها.
وأسلوب الآيات وفحواها يجعلاننا نقول هنا ما قلناه في مناسبات سابقة مماثلة وبخاصة في سياق الآية [٣٧] من السورة السابقة التي فيها تنويه بالذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وهو أن ما فيها من تحذير ونهي منصبان على الاستغراق في حبّ الأموال والأولاد استغراقا يؤدي إلى التقصير في واجب ذكر الله والإنفاق في سبيله. وليس على الاشتغال بالتجارة وكسب المال والاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا والأولاد. فهذا مما أباحه القرآن للمسلمين في مواضع كثيرة صراحة وضمنا على ما نبهنا عليه في نطاق الاعتدال والقصد وعدم التقصير في الواجبات.
ولقد أورد المفسرون في سياق هذه الآيات رواية عن ابن عباس تفيد أن هذه الجزء الثامن من تفسير الحديث ٣٠
ولقد روى هذا الترمذي بهذه الصيغة «من كان له مال يبلغه حجّ بيت ربّه أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت. فقال رجل: يا ابن عباس اتق الله إنما يسأل الرجعة الكفار. قال سأتلو عليك بذلك قرآنا، ثم تلا الآيات.
فسأله الرجل فما يوجب الزكاة؟ قال: إذا بلغ المال مائتي درهم فصاعدا. فسأله فما يوجب الحج؟ قال الزاد والبعير» «٢».
وليس في هذه الصيغة ما يفيد أن الآيات في صدد أداء فريضتي الحج والزكاة كما هو ظاهر. وإنما أورد ابن عباس الآيات جوابا على سؤال في صدد تمني المسلمين المقصرين في واجبات الزكاة والحج الرجعة «٣».
وعلى هذا فإن ما ذكرناه في صدد صلة الآيات بسابقاتها واحتوائها خطة شاملة لكل المسلمين يظل في محلّه إن شاء الله.
(٢) انظر التاج ج ٤ ص ٢٣٧ فصل التفسير. [.....]
(٣) ننبه على أن ابن كثير أورد حديث ابن عباس هذا ثم قال «ورواية الضحاك عن ابن عباس فيها انقطاع. وأبو جناب الذي هو من رواة الحديث ضعيف». وابن كثير من أئمة الحديث.
في السورة تسفيه لعادة الظهار وتشريع فيها. وحكاية لشكوى وجدال امرأة مسلمة في سياق ذلك. وتنديد بفريق كان يتآمر بالسرّ بما فيه إثم وعدوان، ونهي للمسلمين عن مثل هذا الخلق، وتعليم لهم بما هو الأمثل بهم. وتعليم للمسلمين كذلك آداب المجالس. وتلقينهم الاهتمام بالأخلاق والعلم وأهلهما. ومشهد فيه حثّ للمسلمين على تقديم صدقات عند اجتماعهم بالنبي ﷺ اجتماعا خاصا، وحكاية لاستثقالهم ذلك وعتاب لهم ونسخ للتكليف بسبب ذلك. وحملة شديدة على المنافقين لموادتهم لمن غضب الله عليهم الذين تتفق الروايات والأقوال على أنهم اليهود. وتنزيه للمخلصين عن مثل هذا الموقف.
وبعض عبارات الحملة على المنافقين مشابهة لما ورد فيهم في السورة السابقة، مما قد يكون قرينة على صحة ترتيب السورة بعد تلك.
ولقد احتوت السورة فصولا متنوعة: منها ما لا يلمح بينه وبين سابقه ولا حقه صلة موضوعية أو ظرفية. ومنها ما يمكن أن يلمح فيه مثل هذه الصلة.
وقد تكون هذه الفصول نزلت متعاقبة فوضع بعضها بعد بعض. وإلا فتكون السورة قد جمعت في وقت متأخر نوعا ما بعد أن تمّ نزول ما اقتضت الحكمة نزوله وجمعه في سورة واحدة من فصولها.
وجمهور المفسرين على أن الذين حكت بعض آيات السورة موالاة المنافقين لهم هم من اليهود. وفحوى الآيات قد يؤيد ذلك. وكذلك فإن هناك رواية يرويها معظم المفسرين تفيد أن اليهود كانوا من الفريق المتآمر بالسرّ بما فيه إثم وعدوان.