تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـالوجيز للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي ثلاثون وآية
ﰡ
﴿هل أتى على الإنسان﴾ قد أتى على آدم ﴿حين من الدَّهر﴾ أربعون سنةً ﴿لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ لأنَّه كان جسداً مُصوَّراً من طينٍ لا يُذكر ولا يُعرف ويجوز أن يريد جميع النَّاس لأنَّ كلَّ أحدٍ يكون عدماً إلى أَنْ يصير شيئاً مذكوراً
﴿إنا خلقنا الإِنسان﴾ يعني: ابن آدم ﴿من نطفة أمشاج﴾ أخلاطٍ يعني: ماء الرَّجل وماء المرأة واختلاف ألوانهما ﴿نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا﴾ أي: خلقناه كلذلك لنختبره بالتَّكليف والأمر والنَّهي
﴿إنَّا هديناه السبيل﴾ بيَّنا له الطَّريق ﴿إمَّا شاكراً وإمَّا كفوراً﴾ إنْ شكر أو كفر يعني: أعذرنا إليه في بيان الطَّريق يبعث الرَّسول آمن أو كفر
﴿إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا﴾
﴿إنَّ الأبرار﴾ المُطيعين لربِّهم ﴿يشربون من كأس﴾ إناءٍ فيه شرابٌ ﴿كان مزاجها كافوراً﴾ يُمزج لهم بالكافور
﴿عيناً﴾ من عينٍ ﴿يشرب بها﴾ بتلك العين ﴿عباد الله يفجرونها تفجيراً﴾ يقودونها حيث شاؤوا من منازلهم
﴿يوفون بالنذر﴾ إذا نذروا في طاعة الله وفوا به ﴿ويخافون يوماً كان شرُّه مستطيراً﴾ منتشراً فاشياً
﴿ويطعمون الطعام على حبّه﴾ على قلَّته وحبِّهم إيَّاه ﴿مسكيناً﴾ فقيراً ﴿ويتيماً﴾ لا أب له ﴿وأسيراً﴾ أي: المملوك والمحبوس في حقٍّ من المسلمين ويقولون لهم:
﴿إنما نطعمكم لوجه الله﴾ لطلب ثواب الله ﴿لا نريد منكم﴾ بما نُطعمكم ﴿جزاء﴾ مكافأة منكم ﴿ولا شكوراً﴾ شكراً
﴿إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً﴾ كريه المنظر لشدَّته ﴿قمطريراً﴾ صعباً شديداً طويل الشَّر
﴿فوقاهم الله شرَّ ذلك اليوم﴾ الذي يخافون ﴿ولقَّاهم نضرة﴾ ضياءً في وجوههم ﴿وسروراً﴾ في قلوبهم
﴿وجزاهم بما صبروا﴾ على طاعة الله وعن معصيته ﴿جنة وحريراً﴾
﴿متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً﴾ حرَّاً ولا برداً صيفاً ولا شتاءً
﴿ودانية عليهم ظلالُها﴾ أَيْ: قريبة منهم ضلال أشجارها ﴿وذللت قطوفها تذليلاً﴾ أُدنيت منهم ثمارها فهم ينالونها قعوداً كانوا أو قياماً
﴿ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا﴾ أَيْ: لها بياض الفضَّة وصفاء القوارير وهو قوله:
﴿قوارير من فضة قدروها تقديراً﴾ أي: جُعلت الأكواب على قدر رِيِّهِمْ وهو ألد الشَّراب
﴿ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً﴾ والزَّنجبيل: شيءٌ تستلذُّه العرب فوعدهم الله ذلك في الجنَّة
﴿عيناً﴾ من عينٍ ﴿فيها﴾ في الجنَّة ﴿تسمى﴾ تلك العين ﴿سلسبيلاً﴾
﴿ويطوف عليهم ولدان﴾ أي: غلمانٌ ﴿مخلَّدون﴾ لا يشيبون ﴿إذا رأيتهم حسبتهم﴾ في بياضهم وصفاء ألوانهم ﴿لؤلؤاً منثوراً﴾
﴿وإذا رأيت ثمَّ﴾ إذا رميت ببصرك في الجنَّة ﴿رأيت نعيماً وملكاً كبيراً﴾ وهو أنَّ أدناهم منزلاً ينظر في ملكه في مسيرة ألف عامٍ
﴿عاليهم﴾ فوقهم ﴿ثياب سندس﴾ أي: الحرير وقوله: ﴿شراباً طهوراً﴾ طاهراً من الأقذاء والأقذار وليس بنجس كخمر الدنيا وقوله:
﴿إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا﴾
﴿إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا﴾
﴿ولا تطع منهم آثماً﴾ يعني: عتبة بن ربيعة ﴿أو كفوراً﴾ يعني: الوليد بن المغيرة وذلك أنَّهما ضمنا للنبي ﷺ المال والتَّزويج إِنْ ترك دعوتهم إلى الإسلام
﴿واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا﴾
﴿ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا﴾
﴿إنَّ هؤلاء يحبُّون العاجلة﴾ يعني: الدُّنيا ﴿ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً﴾ ويتركون العمل ليومٍ شديدٍ أمامهم وهو يوم القيامة
﴿نحن خلقناهم وشددنا أسرهم﴾ خلقهم وخلق مفاصلهم
﴿إنَّ هذه﴾ السُّورة ﴿تذكرة﴾ تذكيرٌ للخلق ﴿فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً﴾ وسيلةً بالطَّاعة
﴿وما تشاؤون إلاَّ أن يشاء الله﴾ أَيْ: لستم تشاؤون شيئاً إلاَّ بمشيئة الله تعالى لأنَّ الأمر إليه
﴿يدخل من يشاء في رحمته﴾ جنَّته وهم المؤمنون ﴿والظالمين﴾ الكافرين الذين عبدوا غيره ﴿أعدَّ لهم عذاباً أليماً﴾