تفسير سورة الإنسان

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة الإنسان
أهداف سورة الإنسان
( سورة الإنسان مكية، وقيل مدنية، وآياتها ٣١ آية، نزلت بعد سورة الرحمان )
وقد اختلف في مكيتها ومدنيتها، وفي المصحف المتداول أنها مدنية، ولكن آيات السورة وسياقها وموضوعاتها تحمل الطابع المكي، وهي أقرب إلى أن تكون مكية.
والمكي من القرآن هو ما نزل بمكة قبل الهجرة، والمدني هو ما نزل بالمدينة بعد الهجرة.
وهناك سور متفق على مكيتها، وسور متفق على مدنيتها، وسور مختلف فيها، من العلماء من يرى أنها مدنية، ومنهم من يرى أنها مكية، ومن هذه السور سورة الإنسان.
وقد غلب على السور المكية الحديث عن الألوهية، والتحذير من عبادة الأصنام، والتذكير بالبعث والجزاء، ولفظ الأنظار إلى مشاهد الكون ونواميسه، وآيات الله في الآفاق، ودلائل القدرة الإلهية في الخلق والنفس.
وغلب على السور المدنية وصف غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وحالات المجتمع المدني، والحديث عن المنافقين واليهود، والعناية بتشريع الأحكام، ونظام المجتمع ودعائم الحكم السليم.
والقرآن في مجمعه كتاب هداية، ودعوة إلى القيم ومكارم الأخلاق، وحث على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ودعوة إلى تهذيب النفس، وحث على الفضيلة والاستقامة، وتقوى الله ومراقبته.
وهذه المعاني التي نجدها في السور المكية والمدنية، وفي السور المختلف في مكيتها ومدنيتها، كسورة الإنسان.
ولا نملك نحن إلا أن نقول : سورة الإنسان سورة من القرآن الكريم يختلف الترجيح في مكيتها ومدنيتها، ونرى أن أسلوبها أقرب إلى أسلوب القرآن المكي، وبذلك تكون جميع سور جزء ( تبارك الذي بيده الملك ) مكية.
تسلسل أفكار السورة
سورة الإنسان نداء رخي ندي للإنسان أن يتذكر أصله الذي خلق منه، ويتذكر فضل الله عليه، حيث خلقه بشرا سويا، ويسر له طريق الخير والشر، ليختار بإرادته وكسبه، وعقله وطاقاته ومداركه.
وبذلك تذكر السورة أصل الخلق، والمدارك والطاقات التي منحها الله للإنسان، وميّزه بهذا على جميع المخلوقات، حيث منحه الإرادة والاختيار، والسمع والبصر، ليسمع ويرى ويفكر ويتدبر، ثم يختار بإرادته وكسبه، وهذه ميزة خاصة بالإنسان وحده في هذا الكون.
فالملاك مطيع طاعة مطلقة، والحيوان مزود بالإدراك دون الاختيار، والكون كله مسخر بمشيئة الله، وخاضع لنواميسه خضوع القهر والغلبة.
والإنسان زود بالعقل ليختار الطاعة لله أو المعصية، وهذا هو أساس الابتلاء والاختبار، فإن أطاع صار أهلا لرضوان الله وجنته، وإن عصى صار أهلا لغضبه وناره.
وقد ذكرت السورة عذاب أهل النار في آية واحدة، وهي الآية الرابعة، واسترسلت في وصف نعيم أهل الجنة وثوابهم في الآيات من ( ٥-٢٢ )، أي في جزء كبير من السورة.
ثم يتجه الخطاب إلى الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، لتثبيته على الدعوة، وتوجيهه إلى الصبر، وانتظار حكم الله في الأمر، والاتصال بربه، والاستمداد منه كلما طال الطريق، وذلك في الآيات من ( ٢٣ -٢٦ ).
وفي الجزء الأخير من السورة تذكير للكافرين باليوم الثقيل الذي لا يحسبون حسابه، والذي يخافه الأبرار ويتقونه، والتلويح لهم بهوان أمرهم على الله الذي خلقهم، ومنحهم ما هم فيه من القوة، وهو قادر على الذهاب بهم، والإتيان بقوم آخرين، لولا تفضله عليهم بالبقاء لتمضي مشيئة في الابتلاء، ويلوح في ختام السورة بعاقبة الابتلاء، وذلك في الآيات من ( ٢٧ -٣١ ).
مع آيات السورة
١- قد أتى على هذا النوع- نوع الإنسان- زمن لم يكن موجودا، حتى يعرف ويذكر.
والحين : طائفة من الزمان غير محدودة، وعن ابن عباس وابن مسعود : أن الإنسان ههنا آدم، والحين محدود، وذلك أنه مكث أربعين سنة طينا، إلى أن نفخ فيه الروح فصار شيئا مذكورا بعد كونه كالمنسيi.
٢- إنا خلقنا الإنسان من نطفة، اختلط فيها ماء الرجل بماء المرأة، مريدين ابتلاءه واختباره بالتكليف فيما بعد، إذا شبّ وبلغ الحلم، فجعلناه سميعا بصيرا، ليتمكن من استماع الآيات، ومشاهدة الدلائل، والتعقل والتفكر.
ومقصود الآية : نحن نعامل الإنسان معاملة المختبر له، أيميل إلى أصله الأرضي فيكون حيوانا نباتيا معدنيا شهوانيا، أم يكون إلهيا معتبرا بالسمع والبصر والفكر ؟
٣- بيّن الله للإنسان الطريق السوي، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وهو بالخيار، إما أن يكون شاكرا لنعماء الله، فيسير في الطريق الواضح المرسوم، وإما أن يكون كافرا فيعرض ويكفر، ويختار الضلال على الهدى.
٤- إنا هيأنا لمن كفروا بنعمتنا سلاسل للأقدام، وأغلالا تشدّ بها أيديهم إلى أعناقهم، كما يفعل بالمجرمين في الدنيا، ونارا تتسعر يلقى فيها بالمسلسلين المغلولين.
ثم تصف الآيات بعد ذلك نعيم المتقين، وصفا طويلا لم نجد مثله في سورة سابقة، ويستمر هذا الوصف من الآية ( ٥ ) إلى الآية ( ٢٢ )، أي ( ١٨ ) آية من مجموع آيات السورة وهي ( ٣١ ) آية، أي أن أكثر من نصف السورة يصف نعيم المتقين وحليّهم وملابسهم وخدمهم، وما هم فيه من نعمة ورضوان وملك كبير.
ولنسر مع هذه الآيات التي تصف نعيم المتقين :
٥، ٦- إن شراب الأبرار في الجنة ممزوج بالكافور، يشربونه في كأس تغترف من عين تفجّر لهم تفجيرا في كثرة ووفرة، وينتفعون بها كما يشاءون، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان، يحبون وصولها إليه.
قال مجاهد : يقودونها حيث شاءوا، وتتبعهم حيث مالواii.
٧- كانوا يوفون بالنذر فيفعلون ما اعتزموا من الطاعات وما التزموا من الواجبات، أي أنهم يؤدون ما أوجبه الله عليهم بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بالنذر.
وهم يستشعرون الخشية من يوم القيامة، ذلك يوم شديد عذابه، عظيم خطره، كالنار يتطاير شررها فيعم شرها.
٨- وكانوا يطعمون الطعام، ويقدمون المعونة النافعة لكل مسكين عاجز عن الاكتساب، ولكل يتيم مات كاسبه، ولكل أسير لا يملك لنفسه قوة ولا حيلة.
٩- وحين يقدمون الطعام والمعونة النافعة لكل مسكين عاجز عن الاكتساب، ولكل يتيم مات كاسبه لا يترفعون على عباد الله ولا يشعرون بالاستعلاء والعظمة، إنما يقدمون المعونة في إخلاص وتجرد لوجه الله، ولا ينتظرون شكرا ولا إعلانا.
قال مجاهد وسعيد بن جبير : أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم الله به من قلوبهم، فأثنى عليهم به، ليرغب في ذلك راغبiii.
١٠- لقد أخرجوا الصدقة لوجه الله، ولسان حالهم يقول : إنا نفعل ذلك ليرحمنا ربنا، ويتلقانا بلطفه في يوم عبوس، تعبس فيه الوجوه، قمطرير شديد العبوس.
قال النسفي : وصف اليوم بصفة أهله من الأشقياء، نحو : نهارك صائم، والقمطرير شديد العبوس، الذي يجمع ما بين عينيه. iv.
١١- فحفظهم الله من شر ذلك اليوم، وكسا وجوههم نضرة ونضارة، وتنعما وفرحا وسرورا.
١٢- وجزاهم بصبرهم على الإيثار والتزامهم بأمر الله جنة يسكنونها، وحريرا يلبسونه.
ثم تصف الآيات مساكن أهل الجنة، وشرابهم وأوانيه وسقاته، وما تفضل به عليهم ربهم، من فاخر اللباس والحلي، وأصناف النعيم فتقول :
١٣- هم في جلسة مريحة مطمئنة، الجو حولهم رخاء ناعم، دافئ في غير حر، ندى في غير برد، فلا شمس تلهب النسائم، ولا زمهرير وهو البرد القارس.
١٤- ظلال الجنة قريبة من الأبرار، مظلة عليهم، وقطوفها وثمارها قريبة دانية في متناول أيديهم، ينالها القائم والقاعد والمتكئ.
١٥، ١٩- يطاف عليهم بآنية من فضة بيضاء، في صفاء الزجاج، فيرى ما في باطنها من ظاهرها، مما لم تعهده الأرض في آنية الفضة، وهي بأحجام مقدرة تقديرا، يحقق المتاع والجمال، ثم هي تمزج بالزنجبيل كما مزجت مرة بالكافور، وهي كذلك تملأ من عين جارية تسمى سلسبيلا، لشدة عذوبتها واستساغتها للشاربين، وزيادة في المتاع فإن الذين يطوفون بهذه الآواني والأكواب هم غلمان صباح الوجوه، لاي فعل فيهم الزمن، ولا تدركهم السن، فهم مخلدون في سن الصباحة والصبا والوضاءة، وهم هنا وهناك كاللؤلؤ المنثور.
٢٠- تجمل هذه الآية خطوط هذا النعيم، وتلقى عليه نظرة كاملة فاحصة، تلخص وقعه في القلب والنظر، فإذا نظرت في الجنة رأيت نعيما عظيما، وملكا كبيرا لا يحيط به الوصف.
٢١- ثم تخصيص هذه الآية مظهرا من مظاهر النعيم والملك الكبير، فتقول : إن لباس أهل الجنة السندس، وهو الحرير الرقيق، والاستبرق وهو الحرير السميك المبطن، وقد حلوا أساور من فضة، وتدرج نعيمهم في الارتقاء إلى مدارج الكمال، حتى وصل إلى : وسقاهم ربهم. وأضاف السقي إلى ذاته الشريف والتخصيص. شرابا طهورا. مبالغة في طهارته ونظافته بخلاف خمر الدنيا، فهو عطاء كريم من معط كريم، وهذه تضاف إلى قيمة ذلك النعيم.
٢٢- ثم ختم وعدهم بالود والتكريم، فقال : إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا.
أي : يقال لهؤلاء الأبرار هذا القول، زيادة في سرورهم : إن هذا الذي أعطيناكم من الكرامة، كان ثوابا على أعمالكم الصالحة، وكان عملكم في الدنيا مشكورا، حمدكم عليه ربكم ورضيه لكم، فأثابكم به من الكرامة.
وهذا النطق من الملأ الأعلى يعدل هذه المناعم كلها، ويمنحها قيمة أخرى فوق قيمتها، لأنها جزاء على عمل، وثواب لإنسان اختار الهدى والطريق المستقيم والعمل الصالح، فاستحق النعيم والتكريم.
٢٣- وبعد أن بين الله سبحانه ما في الجنة من نعيم، ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم بنعمة الرسالة تسلية لفؤاده، وحثا على الصبر والثبات، فقال : إن نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا.
إن القرآن من عند الله تعالى، أنزله منجما مفصلا في ثلاث وعشرين سنة، ليكون أسهل لحفظه وتفهمه ودراسته، ولتكون الأحكام آتية وفق الحوادث التي تجدّ في الكون، فتكون تثبيتا لإيمان المؤمنين وزيادة في تقوى المتقين.
٢٤- اصبر على أن أمر الله واثبت على الحق، ولا تتبع أحدا من الآثمين إذا دعاك إلى الإثم، ولا من الكافرين إذا دعاك إلى الكفر، إن الأمور مرهونة بقدر الله، وهو يمهل الباطل ويملي للشر، كل أولئك لحكمة يعلمها يجرى بها قدره، وينفذ بها حكمه، فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا.
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن طاعة الآثم والكفور –وهو لا يطيع واحدا منهما- إشارة إلى أن الناس محتاجون إلى مواصلة الإرشاد، لما ركب في طباعهم من الشهوة الداعية إلى اجتراح السيئات، وأن أحدا لو استغنى عن توفيق الله وإرشاده لكان أحق الناس بذلك هو الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم.
٢٥، ٢٦- ودم على ذكره في الصباح والمساء، والخلوة والجلوة، وصلّ بعض الليل كصلاتي المغرب والعشاء، واسجد له بالليل وسبحه طويلا، لأنه مصدر القوة والعناية، وينبوع العون والهداية، ومن وجد الله وجد كل شيء، فالصلة به هي السعادة الكبرى، والعناية العظمى، والزاد الحقيقي الصالح لهذه الرحلة المضنية في طريق الحياة.
٢٧- إن هؤلاء المشركين بالله يحبون الدنيا، وتعجبهم زينتها، وينهمكون في لذتها الفانية، ويتركون اليوم الثقيل الذي ينتظرهم هناك بالسلاسل والأغلال والسعير، بعد الحساب العسير.
والآية تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في مواجهة المشركين، إلى جانب أنها

خلق الإنسان
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا ١ إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ٢ إنّا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ٣ ﴾
المفردات :
هل أتى : قد أتى.
الإنسان : آدم عليه السلام.
حين : وقت وزمان، وقيل : طائفة محدودة من الزمان، شاملة الكثير والقليل.
الدهر : الزمان الممتد غير المحدود، ويقع على مدة العالم جميعها، وعلى كل زمان طويل غير معين.
تمهيد :
تفيد التوراة أن الله تعالى ألقى الكرة الملتهبة، فانفصلت منها السماء والأرض، ويفيد القرآن الكريم أن الكون ظلّ مدة طويلة من الزمان غير صالح لحياة الإنسان عليه، حيث كانت السماء صمّاء لا تمطر، والأرض صمّاء لا تنبت، وذلك بسبب شدة الحرارة في كل منهما، ثم هدأت الحرارة في الأرض والسماء، وفتق الله السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات، وتكوّن الهواء والفضاء، والغشاء الحاجز الواقي للأرض، من مجموعات الشهب والنيازك.
وقد عقد مؤتمر علمي في الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل ١٩٩٣ م تقريبا، للبحث في عمر الكون، وانتهى المؤتمر إلى أن عمر الكون ١٣ بليون سنة، منها ٦ بلايين سنة كان الكون ملتهبا لا يصلح لحياة الإنسان عليه، وعمر الإنسان على ظهر الأرض قرابة ٧ بلايين سنة.
وقد أفاد القرآن الكريم أن الله خلق الكون في ستة أيام، منها يومان لخلق الأرض، ويومان لخلق البحار والأنهار والنبات والجبال ووسائل إعمار الأرض، ومنها يومان لخلق السماء وما فيها من نجوم وأبراج وأفلاك، وقد استجابت السماء والأرض لأمر الله وأظهرتا الخضوع والانحناء والانقياد لأمر الله، وقالتا : أتينا طائعين. ( فصلت : ١١ ). فالكون كله خاضع لأمر الله وتقديره وحسن رعايته.
قال تعالى : أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون. ( الأنبياء : ٣٠ ).
وقال تعالى : قل أئنّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواها في أربعة أيام سواء للسائلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا طائعين* فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم. ( فصلت : ٩-١٢ ).
التفسير :
١- هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا.
قد أتى على الإنسان زمن طويل، لم يكن موجودا في هذا الكون، فقد كان في عالم العدم، ثم خلق الله آدم بعد خلق الكون بستة بلايين سنة، وكأن الحق سبحانه وتعالى خلق الكون في ستة أيام، وقضى بأن يترك الكون هذه المدة في الخلق والوجود، حتى يكون بعد هذه المدة صالحا لوجود الإنسان عليه، حيث كانت السماء رتقاء لا تمطر، والأرض بالتالي لا تنبت، وعندما وجد الإنسان على ظهر الأرض، وجد الماء، وجعله الله سبب الحياة، والنبات والرزق، واستمرار الأحياء على ظهر الأرض.
قال تعالى : أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون. ( الأنبياء : ٣٠ ).
أي أن الله تعالى هيّأ للإنسان البيت الذي سيسكنه وهو الكون، فجعل السماء الصمّاء تتفتق بالمطر، وجعل الأرض الصماء تتفتق بالنبات، وجعل الماء أساس الحياة بقدرة الله.
ثم إن الذي أوجد الإنسان من العدم قادر على إعادته بعد الموت للبعث والحشر والحساب والجزاء.
قال تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم عيده... ( الروم : ٢٧ ).
قال ابن كثير : يخبر تعالى عن الإنسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئا يذكر لحقارته وضعفه. اه.
وقال المفسرون : هل أتى. بمعنى قد أتى.
والغرض من الآية :
تذكير الإنسان بأصل نشأته، فقد كان شيئا منسيّا، لا يفطن له، وكان في العدم ذرة في صلب أبيه، وماء مهينا، لا يعلم به إلا الذي يريد أن يخلقه، ومرّ عليه حين من الدهر كانت الكرة الأرضية خالية منه، ثم خلقه الله وأبدع تكوينه وإنشاءه، بعد أن كان مغمورا ومنسيا لا يعلم به أحد.
تمهيد :
تفيد التوراة أن الله تعالى ألقى الكرة الملتهبة، فانفصلت منها السماء والأرض، ويفيد القرآن الكريم أن الكون ظلّ مدة طويلة من الزمان غير صالح لحياة الإنسان عليه، حيث كانت السماء صمّاء لا تمطر، والأرض صمّاء لا تنبت، وذلك بسبب شدة الحرارة في كل منهما، ثم هدأت الحرارة في الأرض والسماء، وفتق الله السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات، وتكوّن الهواء والفضاء، والغشاء الحاجز الواقي للأرض، من مجموعات الشهب والنيازك.
وقد عقد مؤتمر علمي في الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل ١٩٩٣ م تقريبا، للبحث في عمر الكون، وانتهى المؤتمر إلى أن عمر الكون ١٣ بليون سنة، منها ٦ بلايين سنة كان الكون ملتهبا لا يصلح لحياة الإنسان عليه، وعمر الإنسان على ظهر الأرض قرابة ٧ بلايين سنة.
وقد أفاد القرآن الكريم أن الله خلق الكون في ستة أيام، منها يومان لخلق الأرض، ويومان لخلق البحار والأنهار والنبات والجبال ووسائل إعمار الأرض، ومنها يومان لخلق السماء وما فيها من نجوم وأبراج وأفلاك، وقد استجابت السماء والأرض لأمر الله وأظهرتا الخضوع والانحناء والانقياد لأمر الله، وقالتا : أتينا طائعين. ( فصلت : ١١ ). فالكون كله خاضع لأمر الله وتقديره وحسن رعايته.
قال تعالى : أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون. ( الأنبياء : ٣٠ ).
وقال تعالى : قل أئنّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواها في أربعة أيام سواء للسائلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا طائعين* فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم. ( فصلت : ٩-١٢ ).
المفردات :
من نطفة : من ماء يقطر وهو المنيّ. وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة.
أمشاج : أخلاط، جمع مشج ( بفتحتين )، كسبب وأسباب، يقال : مشجت الشيء، إذا خلطته، أي : من اختلاط ماء الرجل وماء المرأة وامتزاجهما.
نبتليه : نختبره بالتكليف، أي : مريدين اختباره عند التكليف والتأهّل.
فجعلناه : بسبب ذلك.
سميعا بصيرا : ليتمكن من مشاهدة الدلائل واستماع الآيات.
التفسير :
٢- إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا.
لقد خلقنا الإنسان من ماء مهين هو المني الذي ينطف من صلب الرجل، ويختلط بماء المرأة فيتم تلقيح البويضة، ويتكون منهما هذا المخلوق العجيب وهو الإنسان.
أمشاج. أي : أخلاط، وهو ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، أو يشير إلى اختلاط الصفات الوراثية في الرجل بالصفات الوراثية في المرأة، ومع الصفات المتعددة لكل منهما يخلق الله بشرا سويا يحمل خصائص وراثية، لها خريطة بديعة، صنع الله الذي أتقن كل شيء.
وقال ابن عباس : أمشاج. أي : أطوار مختلفة، فإن النطفة تصير علقة ثم مضغة، وهكذا إلى تمام الخلق ونفخ الروح.
نبتليه. نجعله صالحا للاختبار والابتلاء والتكليف فيما بعد.
فجعلناه سميعا بصيرا.
أعطيناه السمع ليسمع أدلة الحق والهدى، والبصر ليميز النور من الظلام، والنافع من الضار، والإيمان من الكفر.
ويطلق السمع والبصر ويراد بهما أدلة التعقّل والتمييز والاختيار.
وقد يراد بهما الحاسّتان المعروفتان، وخصهما بالذكر لأنهما أعظم الحواس وأشرفها.
تمهيد :
تفيد التوراة أن الله تعالى ألقى الكرة الملتهبة، فانفصلت منها السماء والأرض، ويفيد القرآن الكريم أن الكون ظلّ مدة طويلة من الزمان غير صالح لحياة الإنسان عليه، حيث كانت السماء صمّاء لا تمطر، والأرض صمّاء لا تنبت، وذلك بسبب شدة الحرارة في كل منهما، ثم هدأت الحرارة في الأرض والسماء، وفتق الله السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات، وتكوّن الهواء والفضاء، والغشاء الحاجز الواقي للأرض، من مجموعات الشهب والنيازك.
وقد عقد مؤتمر علمي في الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل ١٩٩٣ م تقريبا، للبحث في عمر الكون، وانتهى المؤتمر إلى أن عمر الكون ١٣ بليون سنة، منها ٦ بلايين سنة كان الكون ملتهبا لا يصلح لحياة الإنسان عليه، وعمر الإنسان على ظهر الأرض قرابة ٧ بلايين سنة.
وقد أفاد القرآن الكريم أن الله خلق الكون في ستة أيام، منها يومان لخلق الأرض، ويومان لخلق البحار والأنهار والنبات والجبال ووسائل إعمار الأرض، ومنها يومان لخلق السماء وما فيها من نجوم وأبراج وأفلاك، وقد استجابت السماء والأرض لأمر الله وأظهرتا الخضوع والانحناء والانقياد لأمر الله، وقالتا : أتينا طائعين. ( فصلت : ١١ ). فالكون كله خاضع لأمر الله وتقديره وحسن رعايته.
قال تعالى : أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون. ( الأنبياء : ٣٠ ).
وقال تعالى : قل أئنّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواها في أربعة أيام سواء للسائلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا طائعين* فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم. ( فصلت : ٩-١٢ ).
المفردات :
هديناه السبيل : بينّا له طريق الهداية وطريق الضلال، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ومنحه العقل والفكر والإرادة والاختيار.
التفسير :
٣- إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا.
بينّا له الطريق، ووضّحنا له الفكرة، من خلق الإنسان عاقلا سميعا بصيرا، متمتعا بالعقل والإرادة والاختيار، والفهم والتبصّر، حتى يختار بنفسه طريق الهدى والإيمان والشكر لله تعالى، أو يختار طريق الكفر والطغيان وإيثار الهوى على الهدى، والكفر على الإيمان.
وكأن الآية نداء لهذا الإنسان، تؤكد أن الله أوضح لك سبل المعرفة، وأعطاك العقل والإرادة والسمع والبصر، وأدوات الفكر والتبصّر.
قال تعالى : وهديناه النجدين. ( البلد : ١٠ ). أي : بينا له طريق الخير وطريق الشر، وهو الذي يؤثر أحدهما على الآخر.
قال تعالى : فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى. ( النازعات : ٣٧- ٤١ ).
جزاء الكفار والأبرار يوم القيامة
﴿ إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا ٤ إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ٥ عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ٦ يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ٧ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ٨ إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ٩ إنّا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ١٠ فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا ١١ وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ١٢ ﴾
المفردات :
سلاسل : قيودا بها يقادون، وبها في النار يسحبون.
أغلالا : جمع غلّ، تجمع بها أيديهم إلى أعناقهم ويقيّدون.
تمهيد :
تحدثت السورة عن جزاء الكافرين وعذابهم في النار بالسلاسل والأغلال والقيود والنار المستعرة، وذلك في آية واحدة.
ثم تحدثت في ( ١٧ ) آية عن ألوان المتقين في الجنة، لتبين أن رحمة الله واسعة، وأن رحمته سبقت غضبه، فقد تكلّم عن عذاب الكفار في آية واحدة، وأعقب ذلك بالحديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة في ( ١٧ ) آية. وهذا أطول حديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة، لا يزيد عليه إلا الحديث عن السابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
التفسير :
٤- إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا.
إنا أعددنا للكافرين بالله سلاسل سقادون بها في جهنم، كل سلسلة ذرعها سبعون ذراعا، وأغلالا وقيودا تقيّد بها أيديهم إلى أعناقهم، لمزيد من الهوان والإذلال.
قال الحسن : تجعل الأغلال في أعناق أهل النار، لا لأنهم أعجزوا الله، ولكن إذلالا لهم.
كما أعد لهم نارا تتأجّج، وهي النار الموقدة المسعّرة التي يحرقون بها ويذوقون ما فيها من عذاب وهوان.
ونظير الآية قوله تعالى : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون* في الحميم ثم في النار يسجرون. ( غافر : ٧١، ٧٢ ).
تمهيد :
تحدثت السورة عن جزاء الكافرين وعذابهم في النار بالسلاسل والأغلال والقيود والنار المستعرة، وذلك في آية واحدة.
ثم تحدثت في ( ١٧ ) آية عن ألوان المتقين في الجنة، لتبين أن رحمة الله واسعة، وأن رحمته سبقت غضبه، فقد تكلّم عن عذاب الكفار في آية واحدة، وأعقب ذلك بالحديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة في ( ١٧ ) آية. وهذا أطول حديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة، لا يزيد عليه إلا الحديث عن السابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
المفردات :
كأس : خمر، أو زجاجة فيها خمر.
مزاجها : ما تمزج الكأس به وتحفظ.
كافورا : ماء الكافور في حسن أوصافه.
عينا : ماء عين، أو خمر عين.
يسرب بها : يشرب منها أو يرتوى بها.
يفجرونها : يجرونها حيث شاءوا من منازلهم.
التفسير :
٥، ٦- إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا* عينا يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيرا.
يبدأ الحديث عن النعيم الذي يلقاه الأبرار في الجنة :
إنهم يشربون خمرا حلالا طيبة، مزاجها الكافور، وخمر الجنة كلها لذة ومتعة، ومع ذلك تمزج بكافور بارد أبيض طيب الرائحة، ليكمل ريح الخمر وطعمها ويطيب، ويمزج بماء عين يشرب منها عباد الله الصالحون، يجرونها إلى حيث يريدون من منازلهم وقصورهم، وينتفعون بها كما يشاءون، ويشقّونها شقّا كما يشق النهر ويتفجر الينبوع، فهم يشيرون إلى الماء فيسير حيث أرادوا، ويجري حيث شاءوا من مجالسهم ومحالّهم.
يفجّرونها تفجيرا.
والتفجير : الإنباع، فهي تنبع من المكان الذي يرغبون أن تنبع منه، وتسير حسب رغباتهم، زيادة في إكرامهم وإسعادهم.
قال ابن كثير :
يفجّرونها تفجيرا.
أي : يتصرفون فيها حيث شاءوا، وأين شاءوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالّهم.
وقال مجاهد :
يفجّرونها تفجيرا. يقودونها حيث شاءوا، ويصرّفونها حيث شاءوا.
تمهيد :
تحدثت السورة عن جزاء الكافرين وعذابهم في النار بالسلاسل والأغلال والقيود والنار المستعرة، وذلك في آية واحدة.
ثم تحدثت في ( ١٧ ) آية عن ألوان المتقين في الجنة، لتبين أن رحمة الله واسعة، وأن رحمته سبقت غضبه، فقد تكلّم عن عذاب الكفار في آية واحدة، وأعقب ذلك بالحديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة في ( ١٧ ) آية. وهذا أطول حديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة، لا يزيد عليه إلا الحديث عن السابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
المفردات :
يوفون بالنذر : إذا نذروا طاعة فعلوها.
شره : عذابه وأهواله.
مستطيرا : فاشيا منتشرا غاية الانتشار.
التفسير :
٧- يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا.
إذا نذروا نذرا لله من صلاة أو صيام، أو صدقة أو حج أو غيرها، وفّوا بالنذر، ومن وفّى بما أوجبه على نفسه، كان بمن أوجبه الله عليه أشد وفاء.
أي : إنهم يؤدّون الواجبات التي فرضها الله عليهم، ويؤدون الواجبات التي فرضوها على أنفسهم، مخافة يوم القيامة الذي تتشقق فيه السماء، وتتناثر الكواكب، وتنسف الجبال، وتفجّر البحار، ويشيب الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها، وفيه غير ذلك من الأهوال، ممتدة منتشرة فاشية.
قال قتادة : استطار والله شر ذلك اليوم، حتى بلغ السماوات والأرض.
تمهيد :
تحدثت السورة عن جزاء الكافرين وعذابهم في النار بالسلاسل والأغلال والقيود والنار المستعرة، وذلك في آية واحدة.
ثم تحدثت في ( ١٧ ) آية عن ألوان المتقين في الجنة، لتبين أن رحمة الله واسعة، وأن رحمته سبقت غضبه، فقد تكلّم عن عذاب الكفار في آية واحدة، وأعقب ذلك بالحديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة في ( ١٧ ) آية. وهذا أطول حديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة، لا يزيد عليه إلا الحديث عن السابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
التفسير :
٨- ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.
ويطعمون الطعام للمحتاجين إليه، ويقدمون الطعام للجياع والفقراء والمحتاجين والأسارى.
قال المفسرون : والمراد من إطعام الطعام : الإحسان إلى المحتاجين ومواساتهم بأي وجه كان، وإنما خصّ الطعام لكونه أشرف أنواع الإحسان، فلا جرم أن عبّر به عن جميع وجوه المنافع.
والمسكين : هو العاجز عن الاكتساب، واليتيم : هو الذي مات أبوه وهو صغير، فعدم الناصر والكفيل، والأسير : هو من أسر في الحرب من المشركين.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي المسلمين بإكرام الأسرى، فكان المسلمون يكرمونهم ويؤثرونهم على أنفسهم، وكلمة ( الأسير ) تشمل من كان من المسلمين ومن كان من غير المسلمين.
فمن صنيع هؤلاء الأبرار الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين واليتامى، وإكرام الأسرى، وسائر الفئات المحتاجة للعطف والصدقة، حسبة لوجه الله تعالى، لا يفعلون ذلك تظاهرا أو رياء، أو رغبة في الثناء والحمد.
تمهيد :
تحدثت السورة عن جزاء الكافرين وعذابهم في النار بالسلاسل والأغلال والقيود والنار المستعرة، وذلك في آية واحدة.
ثم تحدثت في ( ١٧ ) آية عن ألوان المتقين في الجنة، لتبين أن رحمة الله واسعة، وأن رحمته سبقت غضبه، فقد تكلّم عن عذاب الكفار في آية واحدة، وأعقب ذلك بالحديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة في ( ١٧ ) آية. وهذا أطول حديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة، لا يزيد عليه إلا الحديث عن السابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
٩- إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا.
إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله وثوابه، والدار الآخرة، لا نطلب منكم على الإحسان شكرا ولا محمدة ولا ثناء، ولا أن تشكرونا لدى الناس.
قال مجاهد وسعيد بن جبير : أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم الله به من قلوبهم، فأثنى عليهم به، ليرغب في ذلك راغب.
تمهيد :
تحدثت السورة عن جزاء الكافرين وعذابهم في النار بالسلاسل والأغلال والقيود والنار المستعرة، وذلك في آية واحدة.
ثم تحدثت في ( ١٧ ) آية عن ألوان المتقين في الجنة، لتبين أن رحمة الله واسعة، وأن رحمته سبقت غضبه، فقد تكلّم عن عذاب الكفار في آية واحدة، وأعقب ذلك بالحديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة في ( ١٧ ) آية. وهذا أطول حديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة، لا يزيد عليه إلا الحديث عن السابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
المفردات :
يوما عبوسا : تكلح فيه الوجوه لهوله.
قمطريرا : شديدا صعبا، كأنه التفّ شره بعضه ببعض.
التفسير :
١٠- إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا.
إنا نفعل ذلك الإطعام لوجه الله ولأننا نخاف الآخرة والحساب والجزاء، ونخشى موقف الخلائق في يوم يشتد عبوس أهله، فسمي اليوم عبوسا لشدة عبوس أهله، وكلوح وجه من فيه، وتقطيب وجوههم وجباههم.
قال الطبري : يقال : يوم قمطرير، أي : شديد عصيب.
فهم يخافون هول يوم القيامة، وشدة قسوته وصعوبته وطوله.
تمهيد :
تحدثت السورة عن جزاء الكافرين وعذابهم في النار بالسلاسل والأغلال والقيود والنار المستعرة، وذلك في آية واحدة.
ثم تحدثت في ( ١٧ ) آية عن ألوان المتقين في الجنة، لتبين أن رحمة الله واسعة، وأن رحمته سبقت غضبه، فقد تكلّم عن عذاب الكفار في آية واحدة، وأعقب ذلك بالحديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة في ( ١٧ ) آية. وهذا أطول حديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة، لا يزيد عليه إلا الحديث عن السابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
التفسير
١١- فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا.
حماهم الله وحفظهم من شر ذلك اليوم وشدته وهوله، وأعطاهم نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم، لقد عمت السعادة قلوبهم، وظهر ذلك في نضرة وجوههم.
قال تعالى : تعرف في وجوههم نضرة النعيم. ( المطففين : ٢٤ ).
قال ابن كثر :
وهذا كقوله تعالى : وجوه يومئذ مسفرة* ضاحكة مستبشرة. ( عبس : ٣٨، ٣٩ ).
وذلك أن القلب إذا سرّ استنار الوجه، قال كعب بن مالك في حديثه الطويل : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرّ استنار وجهه كأنه فلقة قمر. وقالت عائشة رضي الله عنها : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه... الحديث.
تمهيد :
تحدثت السورة عن جزاء الكافرين وعذابهم في النار بالسلاسل والأغلال والقيود والنار المستعرة، وذلك في آية واحدة.
ثم تحدثت في ( ١٧ ) آية عن ألوان المتقين في الجنة، لتبين أن رحمة الله واسعة، وأن رحمته سبقت غضبه، فقد تكلّم عن عذاب الكفار في آية واحدة، وأعقب ذلك بالحديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة في ( ١٧ ) آية. وهذا أطول حديث عن المتقين ونعيمهم في الجنة، لا يزيد عليه إلا الحديث عن السابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
١٢- وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا.
بسبب صبرهم على الطاعات يفعلونها. كالصلاة والصيام والزكاة، وبسبب صبرهم عن المعاصي يبعدون عنها، وبسبب صبرهم على المصائب، أدخلهم الله الجنة، يتمتعون فيها بألوان النعيم، ويجدون فيها ما لذّ وطاب : منزلا رحبا، وعيشا رغدا، ولباسا حسنا، ومن لبس الحرير من الرجال في الدنيا لا يلبسه في الآخرة، نعم.. لقد كافأهم الله بسبب صبرهم بالجنة ونعيمها، وبالحرير يتمتعون به.
مساكن أهل الجنة وأشربتهم وخدمهم
﴿ متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ١٣ ودانية عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلا ١٤ ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا ١٥ قواريرا من فضة قدّروها تقديرا ١٦ ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ١٧ عينا فيها تسمّى سلسبيلا ١٨* ويطوف عليهم غلمانا مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ١٩ وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ٢٠ عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلّوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا ٢١ إنّ هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ٢٢ ﴾
المفردات :
الأرائك : جمع أريكة، وهي سرير منجّد مزين، في بيت يزين بالقباب والأسرّة والستور.
زمهريرا : بردا شديدا، أو قمرا.
تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
التفسير :
١٣- متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا.
يصف القرآن نعيم أهل الجنة، في جلوسهم هادئين مستمعين، متكئين فيها على الأسرّة المظللة بالحجال والكلل ( الناموسية )، داخل بيت يزيّن بالقباب والستور ( أشبه بالبيت الذي أعدّه أحد الأغنياء لعروسه عند زفافها ).
وهواء الجنة معتدل، لا فيه حرارة شديدة، ولا برودة قوية.
جاء في الحديث :( هواء الجنة سجسج، لا حر ولا قرّ )، والسجسج : الظل الممتد كما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
المفردات :
دانية عليهم ظلالها : قريبة منهم ظلال أشجارها.
ذللت قطوفها : قربت ثمارها لمتناولها.
التفسير :
١٤- ودانية عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلا.
ظلال الجنة قريبة من أصحابها تدنو لهم وتقترب منهم، وثمار وقطوفها في متناول أيديهم، إذا كان أحدهم قائما تناول الثمر دون كلفة أو مشقة، وإذا كان قاعدا أو مضّجعا فكذلك، فهذا تذليلها، لا يردّ اليد عنها بعد ولا شوك، ولا يخفى أن الجنة ليس فيها شمس ولا قمر، ولا حرّ ولا برد، فيكون معنى دنوّ الظلال وقربها من أهل الجنة، أن الظلال وضعت بحيث لو كانت هناك الشمس لكانت الظلال واقية لهم من حرّها وهجيرها، أي : أي النعيم مضاعف في الجنة، وكل ما يطلبونه يجدونه تحت أيديهم وتصرفهم.
جاء في غرائب القرآن :
وذلّلت. أي : لا تمتنع على قطّافها كيف شاءوا.
تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
المفردات :
آنية : صحاف أو أواني الطعام، جمع إناء.
أكواب : جمع كوب، وهو قدح لا عروة له ولا خرطوم.
قوارير : جمع قارورة، وهي إناء رقيق من الزجاج، توضع فيه الأشربة.
قدّروها : جعلوا شرابها على قدر الريّ.
التفسير :
١٥، ١٦- ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير* قوارير من فضة قدّروها تقديرا.
هذه ألوان من النعيم، وألطاف من الرب الكريم، فيطوف الخدم عليهم بأوان من فضة، وأكواب لا عرى لها ولا خراطيم، ولا مثيل لها في الدنيا، لأن الأكواب في الدنيا إما أن تكون من فضة، وإما أن تكون من زجاج، أما الأكواب في الجنة فمادتها من الفضة، ومع ذلك فهي في شفافية ( القوارير ) أي الزجاج، بحيث يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، وقد قدّر الشراب والكوب على قدر حاجتهم، لا يزيد عنها ولا ينقص، وهذا ألذّ لهم، أو قدّر الخدم الطائفون عليهم الأكواب والشراب على قدر حاجة أهل الجنة، بدون زيادة أو نقصان، أو قدر الله تعالى لهم ذلك بتقديره، فهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
قال ابن عباس :
قدّروها تقديرا. أتوا بها على قدر الحاجة، لا يفضلون شيئا، ولا يشتهون بعدها شيئا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.

المفردات :

آنية : صحاف أو أواني الطعام، جمع إناء.
أكواب : جمع كوب، وهو قدح لا عروة له ولا خرطوم.
قوارير : جمع قارورة، وهي إناء رقيق من الزجاج، توضع فيه الأشربة.
قدّروها : جعلوا شرابها على قدر الريّ.

التفسير :

١٥، ١٦- ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير* قوارير من فضة قدّروها تقديرا.
هذه ألوان من النعيم، وألطاف من الرب الكريم، فيطوف الخدم عليهم بأوان من فضة، وأكواب لا عرى لها ولا خراطيم، ولا مثيل لها في الدنيا، لأن الأكواب في الدنيا إما أن تكون من فضة، وإما أن تكون من زجاج، أما الأكواب في الجنة فمادتها من الفضة، ومع ذلك فهي في شفافية ( القوارير ) أي الزجاج، بحيث يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، وقد قدّر الشراب والكوب على قدر حاجتهم، لا يزيد عنها ولا ينقص، وهذا ألذّ لهم، أو قدّر الخدم الطائفون عليهم الأكواب والشراب على قدر حاجة أهل الجنة، بدون زيادة أو نقصان، أو قدر الله تعالى لهم ذلك بتقديره، فهو الذي يقول للشيء كن فيكون.

قال ابن عباس :

قدّروها تقديرا. أتوا بها على قدر الحاجة، لا يفضلون شيئا، ولا يشتهون بعدها شيئا.

تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
المفردات :
كأسا : خمرا، أو زجاجة فيها خمر.
زنجبيلا : ماء كالزنجبيل في أحسن أوصافه.
التفسير :
١٧- ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا.
يسقى أهل الجنة كأسا من الخمر ممزوجة بالزنجبيل، فتارة يمزج الشراب للأبرار بالكافور وهو بارد، وتارة يمزج بالزنجبيل وهو حار ليعتدل، أما المقرّبون فإنهم يشربون من كل منهما صرفا.
تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
المفردات :
تسمى سلسبيلا : سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفاته.
التفسير :
١٨- عينا فيها تسمّى سلسبيلا.
ويسقون من عين في الجنة تسمى السلسبيل، سميت بذلك لسلالة مائها، وسهولة جريها وانحدارها واستساغتها في حلوقهم، والفائدة في تسمية العين بالسلسبيل بعد أن ذكر أن الخمر تمزج بالزنجبيل، أن العرب تستلذ الزنجبيل وتستطيبه لطيب رائحته، ولأنه يحدث لذعا في اللسان، ويهضم المأكول، ولهذا يذكرون الزنجبيل في وصف رضاب النساء، فذكر القرآن أن الخمر رغم أنها تمزج بالزنجبيل إلا أنها في طعم الزنجبيل وليس فيها اللّذغ، بل فيها السلاسة وسهولة الانحدار في الحلق، وسهولة المساغ كالسلسبيل.
تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
المفردات :
يطوف عليهم : يخدمون برفق وعناية.
ولدان : جمع وليد، وهو الصبي والعبد.
مخلدون : باقون دائمون لا يهرمون.
لؤلؤا منثورا : كاللؤلؤ المفرّق في الحسن والصفاء.
التفسير :
١- ويطوف عليهم ولدان مخلّدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا.
يخدم الأبرار في الجنة غلمان وفتيان في سن البلوغ وحداثة الصبا، ولعل الحكمة في ذلك أنهم في سنّهم هذه يكونون أخف في الخدمة، وأسرع في الاستجابة لمخدومهم، وهم مع ذلك باقون على هذه السن، لا يشيبون ولا يهرمون ولا يتغيبون، وهم في جمالهم ووضاءة وجوههم كاللؤلؤ المنثور المفرّق، لأنهم متفرقّون في المجالس، في جنباتها وباحاتها وساحاتها، والدر المنثور يكون أكثر صفاء منه منظوما في سلك.
قال الرازي في التفسير الكبير :
هذا من التشبيه العجيب، لأن اللؤلؤ إذا كان متفرقا يكون أحسن في المنظر، لوقوع شعاع بعضه على بعض، فيكون أروع وأبدع.
تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
المفردات :
ثم : ّ هناك في الجنة.
التفسير :
٢- وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا.
وإذا نظرت إلى الجنة هناك، رأيت نعيما دائما، وملكا كبيرا واسعا، ورأيت نعيما مقيما، وفضلا عظيما، لا حدود له ولا غاية، وأقل أهل الجنة منزلة من له قدر الدنيا وعشرة أمثالها، كما ثبت في الصحيح.
تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
المفردات :
ثياب سندس : ثياب من ديباج رقيق.
إستبرق : حرير غليظ.
التفسير :
٣- عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلّوا وأساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا.
ما أجمل نعيم الجنة، وما أكمل هذا النعيم، إن الثمار تقترب منهم، والظلال قريبة منهم، ويطاف عليهم بأواني الفضة وأكواب من فضة في صفاء الزجاج، ويسقون الخمر ممزوجة بالزنجبيل في هناء السلسبيل، ويطوف عليهم الغلمان الحسان كأنهم اللؤلؤ المنثور، وأمامهم النعيم الكبير، وفوق كل ما سبق تعلوهم ثياب من أنواع الحرير الرقيق وهو السندس، والغليظ وهو الإستبرق، في ألوان خضراء متميزة تتناسق مع النعيم والتكريم، ويلبسون أساور من فضة يتحلّون بها، وقد سبق أنهم يتحلّون بأساور الذهب واللؤلؤ، أي أنهم يلبسون أساور الفضة حينا، والذهب حينا، واللؤلؤ حينا، على التعاقب، وأحيانا يجمعون بينها في وقت واحد.
وفي سورة الكهف قال تعالى : يحلّون فيها من أساور من ذهب... ( الكهف : ٣١ ).
وفي سورة فاطر قال تعالى : يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. ( فاطر : ٣٣ ).
والمقصود أن الله جمّلهم بأحسن الثياب، وأنواع الحرير الرقيق والغليظ، وجمّلهم بأساور متعددة من الفضة والذهب واللؤلؤ، وهناك تكريم معنوي أسمى وأعلى، إنه تكريم إلهي، حيث تأتيهم الأكواب بدون واسطة.
وسقاهم ربهم شرابا طهورا. أي : طاهرا لم تدنّسه الأيدي، وليس بنجس كخمر الدنيا.
قال الطبري :
سقى هؤلاء الأبرار شرابا طهورا، ومن طهره أنه لا يصير نجسا، بل رشحا من أبدانهم كرشح المسك، روي أن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا، فإذا أكل سقى شرابا طهورا، فيصير رشحا يخرج من جلده أطيب ريحا من المسك الأذخرv.
من تفسير ابن كثير
وسقاهم ربهم شرابا طهورا.
أي : طهّر بواطنهم من الحسد والحقد، والغلّ والأذى، وسائر الخلاق الرديئة.
روي عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال : إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين، فكأنما ألهموا ذلك، فشربوا من إحداهما، فأذهب الله ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم، فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطنvi.
تمهيد :
هذه الآيات استمرار في وصف نعيم أهل الجنة، فيها أوصاف مساكنهم، وكيفية جلوسهم فيها، وأشربتهم وأوانيهم، وخدمهم واعتدال هوائهم، ثم أشارت الآيات إلى تجمّلهم بمحاسن الثياب والحليّ، وذكرت في النهاية أن هذه النعم جزاء عملهم.
٤- إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا.
يقال لأهل الجنة تكريما لهم، وتقديرا لطاعتهم ربهم : إن هذا الجزاء الكبير، والنعيم والرضا والمثوبة، والفضل الإلهي عليكم، جزاء عادل لأعمالكم، وقد كان عملكم وسعيكم في الدنيا مشكورا من الله لكم، فما أعظم الفضل الإلهي الجليل، إنه يوفّق للطاعة، ويهدي المؤمنين إلى طريق الخير، ثم يعطيهم المنازل العالية في الجنة، ثم يتفضل عليهم بالتكريم والرضوان.
كما قال تعالى : كلوا واشربوا هنيئا بماأسلفتم في الأيام الخالية. ( الحاقة : ٢٤ ).
وكما قال تعالى : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون. ( الأعراف : ٤٣ ).
قال في صفوة التفاسير :
وكان سعيكم مشكورا.
أي : وكان عملكم مقبولا مرضيّا، جوزيتم عليه أحسن الجزاء مع الشكر والثناء.
تنزيل القرآن، وذكر الله، والصلاة له.
﴿ إنّا نحن نزّلنا عليك القرآن تنزيلا ٢٣ فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ٢٤ واذكر اسم بكرة وأصيلا ٢٥ ومن الليل فاسجد له وسبّحه ليلا طويلا ٢٦ إن هؤلاء يحبّون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ٢٧ نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا ٢٨ إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ٢٩ وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ٣٠ يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدّ لهم عذابا أليما ٣١ ﴾
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
التفسير :
٥- إنّا نحن نزّلنا عليك القرآن تنزيلا.
إنا نحن الإله الحق الذي بيده الخلق والأمر، قد : نزّلنا عليك القرآن تنزيلا. فهذا القرآن من عندنا ومن أمرنا : نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين. ( الشعراء : ١٩٣، ١٩٤ ).
وهذا القرآن ليس سحرا ولا شعرا ولا كهانة، ولا أساطير الأولين كما يدعي الكافرون، وقد أنزلناه منجما مقسطا في ثلاثة وعشرين عاما، ولم ننزله دفعة واحدة، بل أنزلناه مفرقا ليجيب على أسئلة السائلين، ويثبّت المؤمنين، ويشرح أحكام الدين، ويقدّم الأدلة على الوحدانية، وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأخبار الأمم السابقة، ومشاهد القيامة والبعث والحشر والجزاء والعقاب.
فالقرآن كتاب ربنا، أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم مفرقا لتثبيت فؤاده، وللرد على أسئلة المشركين وليحمل الدليل على إعجاز القرآن، فقد تحدّاهم أن يأتوا بمثله، ثم تحدّاهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، ثم تحدّاهم أن يأتوا بسورة واحدة، وقد عجزوا في كل هذه المراحل مع طول مدة التحدّي، ومع الحروب المتتابعة التي حصدت رجالهم، ويتّمت أطفالهم، ورمّلت نساءهم، واستمرار التحدّي، واستمرار الحاجة إلى الرد على القرآن والرسول، مع وجود الشعراء والبلغاء والفصحاء، والخطباء والأدباء، وأسواق الأدب التي يتبارون فيها بالقصيدة المتميزة والشعر الجيد، والخطبة الفصيحة، والقول المتميز، ثم لم يجرؤ واحد منهم أن يقدم مثل القرآن، ولا مثل عشر سور منه، ولا مثل سورة واحدة، ولزمهم العجز إلى يوم الدين.
كما قال تعالى : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. ( الإسراء : ٨٨ ).
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
المفردات :
آثما : هو الفاجر المجاهر بالمعاصي.
الكفور : هو المشرك المجاهر بكفره.
التفسير :
٦- فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا.
اصبر يا محمد لأمر الله وحكمه وقضائه وقدره، واصبر على تكاليف الوحي والرسالة والدعوة، ولا تستجب لما يعرضه عليك المشركون من المال أو الزواج من بناتهم، ولا تتكدر ولا تحزن بوعيدهم وتهديدهم لك، فتلك سنة الدعوات.
أخرج الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة أنه بلغه أن أبا جهل قال : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأنّ عنقه، فأنزل الله : ولا تطع منهم آثما أو كفورا.
ومن أمثلة الآثم : أبو جهل الذي وقف في سبيل الدعوة، وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهاه عن الصلاة عند الكعبة، ومن أمثلة الكفور : الوليد بن المغيرة الذي سمع القرآن الكريم فتأثّر به، وقال عنه كلاما حسنا، ومدحه مدحا جميلا، ثم استجاب لاستثارة قومه له، وعدل عن الإيمان، وانضم إلى حلف الكفر والطغيان.
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
المفردات :
بكرة : أول النهار.
أصيلا : هو الوقت من العصر إلى المغرب، أي أول النهار وآخره، والمراد بذلك جميع الأوقات.
التفسير :
٧- واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا.
البكرة أول النهار، والأصيل من العصر إلى المغرب، وذكر الله يحتاج إلى استحضار القلب في مناجاته والتعبد بذكره، والمؤمن يذكر الله أول النهار متحدثا بفضله، طالبا منه المعونة والبركة والتوفيق، ويذكر الله في آخر النهار التماسا لفضله ومغفرته وبركته وهدايته.
ويراد بالبكرة والأصيل أيضا طول النهار.
قال المفسرون : صل وأكثر من عبادته وطاعته في أول النهار وآخره، في الصباح والمساء.
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
المفردات :
اسجد : صلّ.
سبحه : تهجد.
التفسير :
٨- ومن الليل فاسجد له وسبّحه ليلا طويلا.
انتهز مجيء الليل لله وتصلّي صلاة التهجد، وتسبّح بحمد الله تعالى.
وقيل : المراد من الذكر بكرة. صلاة الصبح. وأصيلا. صلاتا الظهر والعصر. ومن الليل فاسجد له صلاتا المغرب والعشاء.
وسبّحه ليلا طويلا.
اغتنم فرصة الليل، أو الثلث الأخير من الليل للتسبيح والتحميد والاستغفار.
والآيتان تشيران إلى اللجوء إلى الله وعبادته وذكره، كما تشيران إلى صلاة الليل، وهي مندوبة للمسلمين، فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى : ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. ( الإسراء : ٧٩ ).
وقريب من ذلك قوله تعالى : وأقم الصلاة طرفي النهار زلفا من الليل إنّ الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين* واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. ( هود : ١١٤، ١١٥ ).
وقوله تعالى : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون* فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. ( الحجر : ٩٧، ٩٨ ).
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
المفردات :
وراءهم : أمامهم.
التفسير :
٩- إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا.
إن هؤلاء أهل مكة، وبالأخص الأغنياء والسادة والكبراء، يحبون أمور الدنيا العاجلة مثل المال والنساء والخمر ومتع الدنيا العاجلة، ويهملون ما أمامهم من يوم ثقيل شديد، يشيب فيه الوليد، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم سكارى ولكن عذاب الله شديد.
وقيل : إنها نزلت في يهود، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي تنطبق على كل من يؤثر شهوات الدنيا، ويهمل الآخرة والحساب والجزاء، والعمل الصالح لذلك اليوم.
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
المفردات :
شددنا أسرهم : أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب والعروق.
بدلنا أمثالهم : أهلكناهم، وبدلنا أمثالهم في شدة الخلق.
التفسير :
١٠- نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا.
أي : نحن لا غيرنا، خلقنا الناس جميعا من العدم، ومنحناهم الحياة والقوة والسمع والبصر، وأحكمنا خلقهم.
وشددنا أسرهم...
أحكمنا خلقهم وربط مفاصلهم بالأعصاب والعروق، حتى كانوا أقوياء أشداء، فكم في خلق الإنسان من عجائب، أضف إلى ذلك جمال الخلق، والتركيب والإبداع، وتيسير الحركة، واستخدام آلاته، كاليدين والرجلين والأذنين، والعينين والفم والأنف، والأعضاء التناسلية، وسائر القوى الموجودة بالإنسان فضلا عن العقل والمخ والأعصاب، والفهم والذكاء والاستنباط.
قال تعالى : وفي أنفسكم أفلا تبصرون. ( الذاريات : ٢١ ).
وقال تعالى : يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم* الذي خلقك فسوّاك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركّبك. ( الانفطار : ٦-٨ ).
وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم تبديلا.
ولو أردنا لأهلكناهم وأوجدنا بدلهم خلقا آخر أطوع وأعبد لله منهم، وقد وردت الآية مورد التهديد والوعيد.
وقريب من ذلك قوله تعالى : يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد* إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد* وما ذلك على الله بعزيز. ( فاطر : ١٥-١٧ ).
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
١١- إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.
إن هذه الآيات الكريمة، والسورة العظيمة، بما فيها من الترتيب العجيب، والتّنسيق البديع، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب-تذكرة للمتأملين، وعظة للعقلاء والمفكّرين، فمن أراد الخير لنفسه، والسعادة والنجاة، فليتخذ طريقا إلى طاعة ربه، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والخضوع لأمره والتقرب إلى الله بما يحبه ويرضاه.
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
١٢- وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما.
لا يستطيع أحد أن يهدي نفسه، ولا يدخل في للإيمان، ولا يجرّ لنفسه نفعا، أو يدفع عنها ضررا، إلا بتوفيق الله ومشيئته.
وهذه الآيات في القرآن الكريم تفهم من خلال ما ورد من آيات كثيرة حول ذلك الموضوع : ذلك أن الله تعالى خلق الإنسان، وأعطاه العقل والإرادة والاختيار، وهداه النجدين، وبيّن له الطريقين، طريق الهدى وطريق الضلال، وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، فإذا تدبّر الإنسان وتأمل، وسار خطوات في استخدام العقل والرأي، والتدبر والتأمل، منحه الله الرضا والتوفيق، ويسّر له الهدى، والرشاد، وإذا أحجم الإنسان عن استخدام عقله، وصمّم على السير في طريق الغواية والسير وراء شهوته ونزواته، وأطاع الشيطان، وأعرض عن ذكر الرحمان، سلب الله عنه الهدى والتوفيق.
قال الإمام محمد عبده :
للعبد إرادة واختيار، ولله تعالى إرادة عليا وحكمة وتدبير، والجمع بين إرادة العبد وإرادة الله تعالى تحتاج إلى شيء من الانحناء والتسليم.
وقال المراغي في تفسيره ما يأتي :
وما تشاءون إلا أن يشاء الله...
أي : وما تشاءون اتخاذ السبيل الموصلة إلى النجاة، ولا تقدرون على تحصيلها إلا إذا وفّقكم الله لاكتسابها، وأعدّكم لنيلها، إذ لا دخل لمشيئة العبد إلا في الكسب، أما التأثير والخلق فلمشيئة الله عز وجل، فمشيئة العبد وحدها لا تأتي بخير ولا تدفع شرا، وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة، ويؤجر على قصد الخير، كما في الحديث :( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )vii.
إن الله كان عليما حكيما.
أي : إن الله عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له، ويقيض له أسبابها، ومن هو أهل للغواية، فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة والحجة الدامعة. اه.
تمهيد :
هذه هي الآيات الأخيرة في سورة الإنسان، نزلت ومكة تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المال والثروة، وعتبة ابن ربيعة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوّجك ابنتي، فإني من أجمل قريش بنات.
والقرآن ينزل يثبّت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويوضّح أن القرآن الكريم قد أنزله الله منجما لحكمة إلهية عليا، فعليك أيها الرسول بالصبر وذكر الله والتهجد بالليل، وهذه كلها زاد للدعاة، حيث يصلون أنفسهم بالخالق عابدين متبتلين، ثم تتحدث الآيات عن كفار مكة الذين يحبون العاجلة، أي المال والنساء والخمر والملذات، وينسون الآخرة، والله وحده هو الذي خلقهم، وإذا شاء أتى بخلق جديد أطوع لله منهم، ثم تسند المشيئة إليه سبحانه، فهو سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
١٣- يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدّ لهم عذابا أليما.
فهو سبحانه حكيم منزه عن الظلم، فمن رأى في قلبه الرغبة في الهدى والإيمان، والطمع في المغفرة، والرجاء في الرحمة، يسّر له ذلك وأعانه عليه، ومن ظلم نفسه بالمعاصي، وأعرض عن طاعة الله سلب عنه الهدى، وأعدّ له عذابا أليما في الآخرة.
وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم :( هؤلاء أسماء أصحاب الجنة، بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم، لا يزيدون ولا ينقصون، وهؤلاء أسماء أصحاب النار، بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم، لا يزيدون ولا ينقصون ). قال الصحابة : أفلا نتكل على ذلك يا رسول الله ؟ قال :( لا، اعلموا فكل ميسر لما خلق له. إن الله عز وجل يقول : فأما من أعطى واتقى* وصدّق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذّب بالحسنى* فسنيسره للعسرىviii. ( الليل : ٥-١٠ ).
قال ابن كثير :
إن الله كان عليما حكيما.
أي : عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له، ويقيّض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، ولهذا قال : إن الله كان عليما حكيما.
ثم قال : يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما.
أي : يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، فمن يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي لهix.
i تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري ٢٩/١٠٩.
ii تفسير المراغي، للأستاذ أحمد مصطفى المراغي ٢٩/١٦٤، وانظر تفسير النسفي ٤/٢٣٨.
iii تفسير المراغي ٢٩/١٦٦
iv تفسير النسفي ٤/٢٣٨.
v تفسير الطبري ٢٩/١٣٧.
vi مختصر تفسير ابن كثير، تحقيق محمد علي الصابوني، المجلد الثالث ص٥٨٤.
vii إنما الأعمال بالنيات :
رواه البخاري ( ١، ٦٦٨٩، ٦٩٥٣ ) ومسلم في كتاب الإمارة ( ٣٥٣٠ )، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد ( ١٥٧١ ) والنسائي في كتاب الطهارة ( ٧٤ ) وفي الطلاق ( ٣٣٨٣ ) وفي الأيمان والنذور ( ٣٧٣٤ )، وأبو داود في كتاب الطلاق ( ١٨٨٢ )، وابن ماجة في كتاب الزهد ( ٤٢١٧ ) وأحمد في مسنده ( ١٦٣، ٢٨٣ ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
viii اعملوا فكل ميسر لما خلق له :
تقدم تخريجه، انظر هامش ( ٦٤ ).
ix مختصر تفسير ابن كثير، تحقيق محمد علي الصابوني، المجلد الثالث ص٥٨٥.
Icon