تفسير سورة التكوير

روح البيان
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

تفسير سورة التكوير
تسع او ثمان وعشرون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ارتفاع الشمس على انه فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور لا فاعله لان الفاعل لا يتقدم وعند البعض على الابتداء لان التقدير خلاف الأصل والاول اولى لان إذا فيها معنى الشرط والشرط مختص بالفعل وعلى الوجهين الجملة فى محل الجر باضافة إذا إليها ومعنى كورت لفت من كورت العمامة إذا لففتها بضم بعض اجزائها لبعض على جهة الاستدارة على ان المراد بذلك اما رفعها وإزالتها عن مقرها فان الثوب إذا أريد رفعه عن مكانه وستره بجعله فى صندوق او غيره يلف لفا ويطوى نحو قوله تعالى يوم نطوى السماء فكان بين السماء والرفع علاقة اللزوم فتكويرها كناية عن رفعها قال سعدى المفتى ولا منع من ارادة المعنى الحقيقي ايضا وكون الشمس كرة مصمتة على تسليم صحته لا يمنع من تلك الارادة لجواز أن يحدث الله فيها قابلية التكوير بأن يصيرها منبسطة ثم يكورها ان الله على كل شىء قدير انتهى. واما لف ضوئها المنبسط فى الآفاق المنتشر فى الأقطار بأن يكون اسناد كورت الى ضمير الشمس مجازيا او بتقدير المضاف على انه عبارة عن إزالتها والذهاب بها بحكم استلزام زوال اللازم لزوال الملزوم فاللف على هذا مجاز عن الاعدام إذ لا مساغ لارادة المعنى الحقيقي لان الضوء لكونه من الاعراض لا يتصور فيه اللف وقال بعضهم ان الله قادر على أن يطمس نورها مع بقائها فقول الكشاف لانها ما دامت باقية كان ضياؤها منبسطا غير ملفوف فيه نظر انتهى وجوابه ما أشير اليه من حكم الاستلزام وقيل معنى كورت ألقيت من فلكها على وجه الأرض كما وصفت النجوم بالانكدار من طعنه فكوره إذا ألقاه على الأرض وفى الحديث (ان الشمس والقمر نوران مكوران فى النار يوم القيامة) اى مرميان فيها ولما ذكر هذا الحديث عند الحسن البصري رحمه الله قال وما ذنبهما وقال الامام سؤال الحسن ساقط لان الشمس والقمر جمادان فالقاؤهما فى النار لا يكون سببا لمضرتهما ولعل ذلك يكون سببا لازدياد الحر فى جهنم وكذا قال الطيبي تكويرهما فيها ليعذب بهما أهل النار لا سيما عباد الأنوار لا ليعذبهما فى النار فانها بمعزل عن التكليف بل سبيلهما فى النار سبيل النار نفسها وسبيل الملائكة الموكلين بها انتهى وكذا قال فى تفسير الفاتحة للفنارى ان السماء إذا طويت واحدة بعد واحدة يرمى بكواكبها فى النار. يقول الفقير قول الحسن أدق فان النور لا يلحق بالنار الا أن يكون فيه مرتبة النارية ايضا فالشمس يلحق نورها بنور العرش ونارها بنار جهنم وقد سبق فى سورة النبأ فارجع فان قيل كيف يمكن تكويرهما فى النار وقد ثبت بالهندسة ان قرص الشمس فى العظم يساوى كرة الأرض مائة وستين مرة وربع الأرض وثمنها أجيب بان الله تعالى قادر على أن يدخلها فى قشرة جوزة على ذلك العظم. يقول الفقير قد ثبت الله ان الله تعالى يمد الأرض يوم القيامة فتكون أضعاف
هو اسم لما لا يستأنس بالإنسان من حيوان البر والمكان الذي لا انس فيه وحش وخلاف الوحشي الأهلى حُشِرَتْ اى جمعت من كل جانب واختلط بعضها ببعض وبالناس مع نفرة بعضها عن البعض وعن الناس ايضا وتفرقها فى الصحارى والقفار وذلك الجمع من هول ذلك اليوم وقيل بعثت للقصاص إظهارا للعدل قال قتادة يحشر كل شىء حتى الذباب للقصاص فاذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها الا ما فيه سرور لبنى آدم وإعجاب بصورته او صورته كالطاووس والبلبل ونحوهما فاذا بعثت الحيوانات للقصاص تحقيقا لمقتضى العدل فكيف يجوز مع هذا ان لا يحشر المكلفون من الانس والجن وفيه اشارة الى القوى البشرية الطبيعية النافرة عن جناب الحق وباب القدس بأن أهلكت وأفنيت وجمعت الى ما منه بدت وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ اى أحميت او ملئت بتفجير بعضها الى بعض حتى تعود بحرا واحدا مختلطا عذبها بملحها وبالعكس فتعم الأرض كلها من سجر التنور إذا ملأه بالخطب ليحميه وجه الاحماء ان جهنم فى قعور البحار الا انها الآن مطبقة لا يصل أثر حرارتها الى ما فوقها من البحار ليتيسر انتفاع أهل الأرض بها فاذا انتهت مدة الدنيا يرفع الحجاب فيصل تأثير تلك النيران الى البحار فتسخن فتصير حميما لأهل النار او تبعت عليها ريح الدبور فتنفخها وتضربها فتصير نارا على ما قاله ابن عباس رضى الله عنهما فى وجه الاحماء.
در فتوحات مذكور است كه هرگاه كه عبد الله بن عمر رضى الله عنهما دريا را بديدى كفتى يا بحرمتي تعود نارا ووجه الامتلاء ان الجبال تندك وتفرق اجزاؤها وتصير كالتراب الهائل الغير المتماسك فلا جرم تنصب اجزاؤها فى أسافلها فتمتلئ المواضع الغائرة من الأرض فيصير وجه الأرض مستو يا مع البحار فتصير البحار بحرا واحدا مسجورا اى ممتلئا وقال بعضهم ملئت بإرسال عذبها على مالحها ثم أسيلت حتى بلغت الثور فابتلعها فلما بلغت الى جوفه نفدت وعن الحسن رحمه الله يذهب ماؤها حتى لا يبقى فيها قطرة قال الراغب وانما يكون كذلك لتسجير النار فيها اى اضرامها والتشديد فى مثل هذه الافعال قد يكون لتكثير الفعل وتكريره والتخفيف يحتمل القليل والكثير وخصت هذه السورة بسجرت موافقة لقوله سعرت لان معنى سجرت عند اكثر المفسرين أوقدت فصارت نارا فيقع التوعد بتسعير النار وتسجير البحار وخصت سورة الانفطار بفجرت موافقة لقوله وإذا الكواكب انتثرت لان فى كل من تساقط الكواكب وسيلان المياه على وجه الأرض وبعثرة القبور اى قلب ترابها مزايلة الشيء عن مكانه فلا فى كل واحد قرينه وفيه اشارة الى بحار المعرفة الذاتية والحكم الصفاتية والعلوم الاسمائية فانها إذا تحدت بالتجلى الوحدانى تصير بحرا واحدا وهو بجر الذات المشتمل على جميع المراتب والى البحار الحاصلة من اعتبارات الوجود وشؤونه الكلية ظاهرا او باطنا غيبا وشهادة دنيا وآخرة فانها قد جمعت واتحدت فصار بحر الوجود بحرا واحدا زخارا لا ساحل له ولا قعر والى بحار العناصر بأنه فجر بعضها الى بعض واتصل كل جزء بأصله فصارت بحرا واحدا وَإِذَا النُّفُوسُ الظاهر نفوس الإنسان ويحتمل أن تعم الجن ايضا كما فى بعض التفاسير زُوِّجَتْ التزويج جعل أحد زوجا لآخر
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ى صحف الأعمال فانها تطوى عند الموت وتنشر عند الحساب اى تفتح فيعطاها الإنسان منشورة بأيمانهم وشمائلهم فيقف على ما فيها وتحصى عليه جميع اعماله فيقول مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها وفى الحديث (يحشر الناس عراة حفاة) فقالت أم سلمة رضى الله عنها فكيف بالنساء فقال (شغل النساء يا أم) سلمة قالت وما شغلهم قال (نشر الصحف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل) وقيل نشرت اى فرقت بين أصحابها وعن مرثد بن وادعة إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش فتقع صحيفة المؤمن فى يده فى جنة عالية وتقع صحيفة الكافر فى يده فى سموم وحميم اى مكتوب فيها ذلك وهى صحف غير صحف الأعمال وفيه اشارة الى صحائف القوى والنفوس التي فيها هيئات الأعمال تطوى عند الموت وتكوير شمس الروح وتنشر عند البعث والعود الى البدن وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ قلعت وأزيلت بحيث ظهر ماوراءها وهو الجنة والعرش كما يكبشط الإهاب عن الذبيحة والغطاء عن الشيء المستور به قال الراغب هو من كشط الناقة اى تنحية الجلد عنها منه استعير انكشط روعه اى زال وفيه اشارة الى كشط سماء الأرواح عن ارض الأشباح والى طى ظهور الأسماء والصفات الى البطون والخفاء وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ اى او قدت للكافرين إيقادا شديدا لتحرقهم احراقا ابديا سعرها غضب الله وخطايا بنى آدم فاسعار النار زيادة التهابها لا حدوثها ابتداء وبه يندفع احتجاج من قال النار غير مخلوقة الآن لانها تدل على ان تسعرها معلق بيوم القيامة وذلك لان فيه الزيادة والاشتداد وفيه اشارة الى جحيم الخسران والخذلان فانها أوقدت بأحطاب الأعمال السيئة وأحجار الأحوال القبيحة خصوصا نار الغضب والشهوة التي كانوا عليها فى هذه النشأة وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ الازلاف التقريب بالفارسية نزديك كردن. اى قربت من المتقين ليدخلوها كقوله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد وعن الحسن رحمه الله انهم يقربون منها لا انها تزول عن موضعها فالمراد من التقريب التعكيس للمبالغة كما فى قوله تعالى ويوم يعرض الذين كفرو على النار حيث تعرض النار عليهم تحقيرا وتحسيرا فقلب مبالغة ويحتمل ان يكون المراد التقريب المعنوي وهو جعل أهلها مستحقين لدخولها مكرمين فيها وفيه اشارة الى تقريب نعيم آثار الرضى واللطف من المتقين وكذا جنة الوصول والوصال لمحبى الجمال والكمال كما قيل هذه اثنتا عشر خصلة ست منها فى الدنيا اى فيما بين النفختين وهن من أول السورة الى قوله وإذا البحار سجرت على ان المراد بحشر الوحوش جمعها من كل ناحية لا بعثها للقصاص وسعت فى الآخرة اى بعد النفخة الثانية وقال أبى بن كعب رضى الله عنه ست آيات قبل القيامة بينما الناس فى أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت وفزعت الجن الى الانس والانس الى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش وماج بعضهم فى بعض فحينئذ تقول الجن للانس نحن نأتيكم بالخبر فينطلقون الى البحر فاذا هو نار
وفى الحديث العبد المؤمن بين مخافتين عمر قد مضى لا تدرى ما الله صانع فيه وأجل قد بقي لا يدرى ما الله قاض فيه فليتزود العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الممات فو الله ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الدنيا الا الجنة والنار وقال الواسطي قدس سره فى الآية علمت كل نفس وأيقنت ان ما علمت واجتهدت لا يصلح لذلك المشهد وان من أكرم بخلع الفضل نجا ومن قرن بجزاء اعماله هلك وخاب وفى برهان القرآن هنا علمت نفس ما أحضرت وفى الانفطار وما قدمت وأخرت لان ما فى هذه السورة متصل بقوله وإذا القبور بعثرت والقبور كانت فى الدنيا فتتذكر ما قدمت فى الدنيا وما أخرت للعقبى فكل خاتمة لائقة بمكانها وهذه السورة من أولها الى آخرها شرط وجزاء وقسم وجواب فَلا أُقْسِمُ لا صلة أورد لكلام سابق اى ليس الأمر كما تزعمون ايها الكفرة من ان القرآن سحر او شعر او أساطير ثم ابتدأ فقال اقسم بِالْخُنَّسِ جمع خانس وهو المتأخر من خنس الرجل عن القوم خنوسا من باب دخل إذا تأخر واصل الخنوس الرجوع الى خلف والخناس الشيطان لانه يضع خرطومه على قلب العبد فاذا ذكر الله خنس وإذا غفل عاد الى الوسوسة والمعنى اقسم بالكواكب الرواجع وهى ما عدا النيرين من الدراري الخمسة وهى المريخ بالكسر ويسمى بهرام ايضا وزخل ويسمى كيوان ايضا وعطارد ويسمى الكاتب ايضا والزهرة وتسمى اناهيذ ايضا والمشترى ويسمى راويس وبرجيس ايضا وما من نجم يقطع المجرة غير الخمسة فلذا خصها ونظمها بعضهم والنيرين فقال
هفت كوكب كه هست كبتى را... كاه از ايشان مدار وكاه خلل
قمرست وعطارد وزهره... شمس ومريخ ومشترى وزحل
وهى الكواكب السبعة السيارة كل منها يجرى فى فلك فالقمر فى الاول وما يليه فى الثاني وهكذا على الترتيب الْجَوارِ الْكُنَّسِ الجواري جمع جارية بمعنى سائرة والكنس جمع كانس وهو الداخل فى الكناس المستتر به وصفت الخنس بهما لانها تجرى فى أفلاكها او بأنفسها على ما عليه اهل الظواهر مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها بينا ترى النجم فى آخر البرج اذكر راجعا الى اوله فرجوعه من آخر البرج الى اوله هو الخنوس وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها واما القمر ان فلا يكنسان بهذا المعنى قال فى عين المعاني لخنوسها فى مجراها واستتارها فى كناسها اى موضع استتارها فيه كما تكنس الظباء انتهى من كنس الوحش من باب جلس إذا دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر وقبل جميع الكواكب تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل اى تطلع فى أماكنها كالوحش فى كنسها وفى التأويلات التجمية يشير الى الحواس الخمس الباطنة السيارة مع شمس الروح وقمر القلب لرواجع الى بروجها بالاختفاء بحسب شعاع شمس الروح وقمر القلب لغلبة اشعتهما عليهن والدراري الخمسة الزهرة وعطارد والمشترى
على ان المراد بالرسول هو جبريل ما بعده من ذكر قوته ونحوها وصفه برسول لانه رسول عن الله الى الأنبياء وبكريم اى على ربه عزيز عظيم عنده وكذا عند الناس لانه يجيئ بأفضل العطايا وهو المعرفة والهداية ويتعطف على المؤمنين ويقهر الأعداء ذِي قُوَّةٍ شديدة كقوله تعالى شديد القوى اى ذى قدرة على ما يكلف به لا عجز له ولا ضعف روى انه عليه السلام قال لجبريل ذكر الله قوتك فأخبرنى بشئ من آثارها قال رفعت قريات قوم لوط الأربع من الماء الأسود بقوادم جناحى حتى سمع اهل السماء نباح الكلب وأصوات الديكة ثم قلبتها ومن قوته انه صباح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين وانه يهبط من السماء الى الأرض ويصعد فى اسرع من الطرف وانه رأى ان شيطانا يقال له الأبيض صاحب الأنبياء قصد ان يتعرض للنبى فدفعه دفعة رفيقة وقع بها من مكة الى أقصى الهند وكذا راه يكلم عيسى عليه السلام على بعض الأرض المقدسة فنفخه نفخة واحدة ألقاه الى أقصى جبل الهند وقيل المراد القوة فى أداء طاعة الله وترك الإخلال بها من أول الخلق الى آخر زمان التكليف وفيه اشارة الى صفة الروح فانه ذو سلطنة على جميع الحقائق الكائنة فى المملكة الانسانية عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ اى الله تعالى وفى إيراد ذى العرش اخبار بغاية كبريائه فى القلوب وعند ظرف لما بعده فى قوله مَكِينٍ ذى مكانة رفيعة عند عندية إكرام وتشريف لا عندية مكان فانه تعالى متعال عن أمثالها ونحوه انا عند المنكسرة قلوبهم فان المراد به القرب والإكرام ومن مكانته عند الله ومرتبته انه تعالى جعله تالى نفسه فى قوله فان الله هو مولاه وجبريل فله عظم منزلة عندية فأين منزلة من يلازم السلطان عند سرير الملك من مرتبة من يلازمه عند الوضوء ونحوه مُطاعٍ فيما بين الملائكة المقربين يصدرون عن أمره ويرجعون الى رأيه لعلمهم بمنزلته عند الله قال فى فتح الرحمن ومن طاعتهم انهم فتحوا أبواب السماء ليلة المعراج بقوله لرسول الله ﷺ وطاعة جبريل فريضة على اهل السموات كما ان طاعة محمد عليه السلام فريضة على اهل الأرض وفيه اشارة الى ان الروح مطاع فيما بين القوى بالنسبة الى السر والقلب ثَمَّ أَمِينٍ على الوحى قد عصمه الله من الخيانة والزلل وثم بفتح الثاء ظرف مكان لما قبله اى مطاع هناك اى فى السموات وقيل لما بعده اى مؤتمن عند الله على وحيه ورسالاته الى الأنبياء فيكون اشارة الى عند الله وقرئ ثم بضم الثاء تعظيما لوصف الامانة وتفصيلا لها على سائر الأوصاف فيكون للتراخى الرتبى على طريق الترقي من صفاته الفاضلة الى ما هو أفضل وأعظم وهو الامانة (قال الكاشفى) واگر رسول كريم محمد باشد عليه السلام پس او صاحب قوت طاعت ونزديك خداى خداوند قدر ومكانتست ومطاع. يعنى مستجاب الدعوة ولذا قال له عمه أبو طالب ما أطوعك ربك يا محمد فقال له وأنت يا عم لو أطعته أطاعك وأمين يعنى بر اسرار غيب. وفيه اشارة الى ان الروح أمين فى افاضة الفيض اثر وحي على كل أحد بحسب استعداده الفطري وَما صاحِبُكُمْ يا اهل مكة وهو رسول الله ﷺ عطف على جواب القسم ولذا قال فى فتح الرحمن وهذا ايضا جواب القسم بِمَجْنُونٍ
انه كهانة وسحر كما قال وما تنزلت به الشياطين وفيه اشارة الى انه ليس محمد القلب عند الاخبار عن المواهب الغيبية والإلهامات السرية بمتهم بالكذب والافتراء وما هو بقول بعض القوى البشرية فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ استضلال لهم فيما يسلكونه فى امر القرآن والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور انه وحي مبين وليس مما يقولون فى شىء كما تقول لمن ترك الجادة بعد ظهورها هذا الطريق الواضح فأين تذهب شبهت حالهم بحال من يترك الجادة وهو معظم الطريق ويتعسف الى غير المسلك فانه يقال له أين تذهب استضلالا له وإنكارا على تعسفه فقيل لمن يقول فى حق القرآن ما لا ينبغى من وضوح كونه وحيا حقا اى طريق تسلكون آمن من هذه الطريقة التي ظهرت حقيتها ووضحت استقامتها وأين ظرف مكان مبهم منصوب بتذهبون قال أبو البقاء التقدير الى أين فحذف حرف الجر ويجوز أن لا يصار الى الحذف بل الى طريق التضمين فكأنه قيل أين تؤمون وقال الجنيد قدس سره أين تذهبون عنا وان من شىء الا عندنا وفى التأويلات النجمية فأين تذهبون من طريق الحق الى طريق الباطل وتتركون الاقتداء بالروح وتختارون اتباع النفوس إِنْ هُوَ ان نافية والضمير الى القرآن اى ما هو إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ موعظة وتذكير لهم والمراد الانس والجن بدلالة العقل فانهم المحتاجون الى الوعظ والتذكير لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أيها المكلفون بالايمان والطاعة وهو بدل من العالمين بالعادة الجار بدل البعض من الكل ولا تخالف بين الأصل المتبوع والفرع التابع لان الاول باعتبار الذات والثاني باعتبار التبع أَنْ يَسْتَقِيمَ مفعول شاء اى لمن شاء منكم الاستقامة بتحرى الحق وملازمة الصواب وإبداله من العالمين مع انه ذكر شامل لجميع المكلفين لانهم هم المنتفعون بالتذكير دون غيرهم فكأنه مختص بهم ولم يوغظ به غيرهم وَما تَشاؤُنَ اى الاستقامة مشيئة مستتبعة لها فى وقت من الأوقات يا من يشاؤها وذلك ان الخطاب فى قوله لمن شاء منكم يدل على ان منهم من يشاء الاستقامة ومن لا يشاؤها فالخطاب هنا لمن يشاؤها منهم يروى ان أبا جهل لما سمع قوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم قال الأمر إلينا ان شئنا استقمنا وان شئنا لم نستقم وهو رأس القدرية فنزل قوله تعالى وما تشاؤن إلخ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ من اقامة المصدر موقع الزمان اى الا وقت أن يشاء الله تلك المشيئة المستتبعة للاستقامة فان مشيئتكم لا تستتبعها بدون مشيئة الله لها لان المشيئة الاختيارية مشيئة حادثة فلا بدلها من محدث فيتوقف حدوثها على أن يشاء محدثها إيجادها فظهر ان فعل الاستقامة موقوف على ارادة الاستقامة وهذه الارادة موقوفة الحصول على أن يريد الله أن يعطيه تلك الارادة والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء فأفعال العباد ثبوتا ونفيا موقوفة الحصول على مشيئة الله كما عليه اهل السنة رَبُّ الْعالَمِينَ مالك الخلق ومربيهم أجمعين بالارزاق الجسمانية والروحانية وفى الحديث القدسي يا ابن آدم تريد وأريد فتتعب فيما تريد ولا يكون الا ما أريد قال وهب بن منبه قرأت فى كتب كثيرة مما أنزل الله على الأنبياء انه من جعل الى نفسه شيأ من المشيئة فقد كفر قال أبو بكر الواسطي قدس سره أعجزك فى جميع
Icon