ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة التّكاثروهي مكية لا أعلم فيها خلافا.
قوله عز وجل:
[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)
«ألهى» معناه: شغل بلذاته، ومنه لهو الحديث والأصوات واللهو بالنساء، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر، وقرأ ابن عباس وعمران الجوني وأبو صالح: «أألهاكم» على الاستفهام، والتَّكاثُرُ هي المفاخرة بالأموال والأولاد والعدد جملة، وهذا هجيرى أبناء الدنيا: العرب وغيرهم لا يتخلص منهم إلا العلماء المتقون، وقد قال الأعشى: [السريع]
ولست بالأكثر منهم حصى... وإنما العزة للكاثر
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت»، واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ، فقال قوم: حتى ذكرتم الموت في تفاخركم بالآباء والسلف، وتكثرتم بالعظام الرمام، وقال المعنى: حتى متم وزرتم بأجسادكم مقابرها أي قطعتم بالتكاثر أعماركم، وعلى هذا التأويل روي أن أعرابيا سمع هذه الآية فقال: بعث القوم للقيامة ورب الكعبة، فإن الزائر منصرف لا مقيم، وحكى النقاش هذه النزعة من عمر بن عبد العزيز، وقال آخرون: هذا تأنيب على الإكثار من زيارة القبور أي حتى جعلتم أشغالكم القاطعة بكم عن العبادة والتعلم زيارة القبور تكثرا بمن سلف وإشادة بذكره، وقال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ولا تقولوا هجرا» فكان نهيه عليه السلام في معنى الآية، ثم أباح بعد لمعنى الاتعاظ لا لمعنى المباهاة والتفاخر كما يصنع الناس في ملازمتها وتسنيمها بالحجارة والرخام وتلوينها شرفا وبنيان النواويس عليها، وقوله تعالى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ زجر ووعيد ثم كرر تأكيدا، ويأخذ كل إنسان من الزجر والوعيد المكررين على قدر حظه من التوغل فيما يكره، هذا تأويل
وسكون الواو بعدها ثم جلبت النون المشددة فحركت الواو بالضم لسكونها وسكون النون الأولى من المشددة إذ قد حذفت نون الإعراب للبناء، وقال ابن عباس: هذا خطاب للمشركين، فالمعنى على هذا أنها رؤية دخول. وصلي وهو عَيْنَ الْيَقِينِ، وقال آخرون: الخطاب للناس كلهم، فهي كقوله تعالى:
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١]، فالمعنى أن الجميع يراها، ويجوز الناجي ويتكردس فيها الكافر، وقوله تعالى: ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ تأكيدا في الخبر، وعَيْنَ الْيَقِينِ حقيقته وغايته، وروي عن الحسن وأبي عمرو أنهما همزا «لترؤن» ولترؤنها» بخلاف عنهما، وروى ابن كثير: «ثم لترونها» بضم التاء، ثم أخبر تعالى أن الناس مسؤولون يومئذ عن نعيمهم في الدنيا كيف نالوه ولم آثروه وتتوجه في هذا أسئلة كثيرة بحسب شخص شخص من منقادة لمن أعطي فهما في كتاب الله تعالى، وقال ابن مسعود والشعبي وسفيان ومجاهد: النَّعِيمِ هو الأمن والصحة، وقال ابن عباس: هو البدن والحواس يسأل المرء فيما استعملها، وقال ابن جبير: هو كل ما يتلذذ به من طعام وشراب، وأكل رسول الله عليه السلام هو وبعض أصحابه رطبا وشربوا عليها ماء فقال لهم: «هذا من النعيم الذي تسألون عنه» ومضى يوما عليه السلام هو وأبو بكر وعمر وقد جاؤوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان فذبح لهم شاة وأطعمهم خبزا ورطبا واستعذب لهم ماء وكانوا في ظل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم»، وروي عنه عليه السلام أنه قال: «النعيم المسئول عنه كسرة تقوته والماء يرويه وثوب يواريه»، وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ «أن النعيم المسئول عنه الماء البارد في الصيف»، وقال عليه السلام: «من أكل خبز البر وشرب الماء البارد فذلك النعيم الذي يسأل عنه»، وقال عليه السلام: «بيت يكنك وخرقة تواريك وكسرة تشد قلبك، وما سوى ذلك فهو نعيم». وقال النبي عليه السلام: «كل نعيم فهو مسؤول عنه إلا نعيم في سبيل الله عز وجل».
نجز تفسير سورة التَّكاثُرُ