تفسير سورة الفلق

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
( سورة الفلق ) والناس والمعوذتين )
مدنية، وهي أربع وسبعون حرفاً، وثلاث وعشرون كلمة، وخمس آيات.
أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : أخبرنا أبو موسى قال : أخبرنا مكي بن عيدان قال : حدّثنا سليمان بن داود قال : حدّثنا أحمد بن نصر قال : حدّثنا أبو معاذ، عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم، عن زيد العمي، عن أبي نصرة، عن ابن عباس، عن أُبيّ بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلّها ".
وأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد العدل قال : حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال : أخبرنا العباس بن الوليد بن مريد قال : أخبرني أبي قال : حدّثنا الأوزاعي قال : حدّثني يحيى بن أبي كثير قال : حدّثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي، عن عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :" ألا أخبرك بأفضل ما تعوذت " ؟ قلت : بلى، قال :﴿ قل أعوذ برب الفلق ﴾ و﴿ قل أعوذ برب الناس ﴾ ".
وأخبرنا الحباري قال : حدّثنا ابن عدي قال : حدّثنا إبراهيم بن رحيم قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : حدّثنا هشام بن الغانم، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا عقبة، ألا أعلمك سورتين هما أفضل القرآن أو من أفضل القرآن ". قلت : بلى يارسول الله، فعلّمني المعوذتين، ثم قرأهما في صلاة الغداة، وقال : لي " إقرأهما كلما قمت ونمت ".
وأخبرنا أبو العباس أحمد بن عمرو العصفري قال : حدّثنا عمر بن عبد المجيد قال : حدّثنا عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي غريب، عن كثير بن مرّة، عن عبد العزيز بن مروان قال : سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله
عزّ وجلّ ولا أقرب عنده من ﴿ قل أعوذ برب الفلق ﴾ فإن استطعت أن لا تدعها في صلاة فافعل ".
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب المزكى قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قال : حدّثنا معاذ بن نجدة بن العريان قال : حدّثنا خلاد يعني ابن يحيى قال : حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنزل علي الله سورتين لم أسمع لمثلهن، ولم أرى مثلهن : المعوذتين ".
القصة : قال ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما دخل حديث بعضهما في بعض : كان غلام اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدّبت إليه اليهود، فلم يزلوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدّة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له : لبيد بن أعصم، ثم دسّها في بئر لبني زريق يقال له : ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتثر شعر رأسه، ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهم عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما بال الرجل ؟ قال : طُب. قال : وما طُب ؟ قال : سُحر، قال : ومن سحره ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي. قال : وبم طبّه ؟ قال : بمشط ومشاطة. قال : وأين هو ؟ قال : في ( جفّ طلعة ذكر ) تحت راعوفة في بئر ذروان.
والجُف : قشر الطلع، والراعوفة : حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح.
فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعوراً وقال :" يا عائشة، أما شعرت أن الله سبحانه أخبرني بدائي " ؟ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحنّاء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطة، وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله سبحانه هاتين السورتين، فجعل كلّما يقرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفّة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما أنشط من عقال، وجعل جبرائيل ( عليه السلام ) يقول : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين، والله يشفيك. قال : فقالوا : يا رسول الله، أفلا نأخذ الخبيث فنقلته، فقال صلى الله عليه وسلم " أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أُثير على الناس شراً ".
قالت عائشة : ما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً ينتقم من أحد لنفسه قط، إلاّ أن يكون شيئاً هو لله سبحانه، فيغضب لله سبحانه وتعالى وينتقم.

قالت عائشة: ما غضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم غضبا ينتقم من أحد لنفسه قط إلّا أن يكون شيئا هو لله سبحانه، فيغضب لله سبحانه وتعالى وينتقم.
(التفسير:)
[سورة الفلق (١١٣) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قال ابن عباس: هو سجن في جهنم، وحدّثنا يعقوب عن هشيم قال: أخبرنا العوام عن عبد الجبار الجولاني قال: قدم رجل من أصحاب النبي عليه السلام الشام فنظر الى دور أهل الذمة وما فيها من العيش والنضارة، وما وسع عليهم في دنياهم فقال:
لا أبالي، أليس من ورائهم الفلق؟ قال: قيل: وما الفلق؟ قال: بيت إذا انفتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه «١».
وقال أبو عبد الرحمن الحبلي: الفلق هي جهنم، وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد ابن جبير ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد: الفلق: الصبح، وإليه ذهب ابن عباس، ودليل هذا التأويل قوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ.
الضحّاك والوالبي عن ابن عباس: معنى الْفَلَقِ: الخلق. وهب: هو باب في جهنم «٢».
الكلبي: هو واد في جهنم، وقال عبد الله بن عمرو: شجرة في النار، وقيل: الفلق الجبال والصخور تنفلق بالمياه أي تتشقق «٣»، وقيل، هو الرحم تنفلق عن الحيوان، وقيل: الحبّ والنوى تنفلق عن التراب، دليله قوله سبحانه وتعالى: فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى والأصل فيه الشق.
وقال محمد بن علي الترمذي في هذه: كشف الله تعالى على قلوب خواص عباده فقذف النور فيها، فانفلق الحجاب وانكشف الغطاء.
مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو برزة أو أحد بني شريك البزار قال: حدّثنا آدم بن أبي أياس قال: حدّثنا ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: أخذ رسول الله عليه السلام بيدي فأشار الى القمر فقال: «يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا فإنّ هذا الغاسق إِذا وَقَبَ» [٣٢٤] «٤».
(١) تفسير الطبري: ٣٠/ ٤٥٥.
(٢) المصدر السابق: ٣٠/ ٤٥٧.
(٣) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٥٤.
(٤) تفسير الطبري: ٣٠/ ٤٥٩.
339
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا عبد الرحمن بن خرزاد البصري بمكة قال: حدّثنا نصر بن علي قال: حدّثنا بكار بن عبد الله قال: حدّثنا ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى:
وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ قال: النجم إذا طلع.
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والقرظي والفرّاء وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجّاج «١» :
الليل.
قال ابن زيد: يعني والثريا إذ سقطت، قال: وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها «٢»، وأصل الغسق الظلمة والوقوف [... ] «٣» إذا دخل وقال: أمان سكن نظلامه «٤».
وقيل: سمّي الليل غاسقا لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد، والغسق: البرد «٥».
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ يعني الساحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، والنفث: وشبه النفخ كما يعمل من يرقي. قال عنترة:
فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإنّ يفقد محقّ له العقود «٦»
وقرأ عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن سابط: من شرّ النافثات في وزن: فاعلات «٧».
مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ قال الحسين بن الفضل: إنّ الله جمع الشرور في هذه الآية وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسّ الطبائع.
(١) مستدرك عن زاد المسير لابن الجوزي: ٨/ ٣٣٤.
(٢) زاد المسير: ٨/ ٣٣٤.
(٣) كلمة غير مقروءة.
(٤) كذا في المخطوط.
(٥) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٥٦.
(٦) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٥٧.
(٧) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٥٩.
340
Icon