تفسير سورة الإنسان

تفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة
تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب تفسير ابن عرفة المعروف بـتفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة .
لمؤلفه ابن عرفة . المتوفي سنة 803 هـ

سُورَةُ الْإِنْسَانِ
قوله تعالى: ﴿هَلْ... (١)﴾
ابن هشام: هل تأتي بمعنى قد، وذلك مع الفعل؛ وبه فسر قوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) جماعة منهم ابن عباس رضي الله عنهما، والكسائي، والفراء، والمبرد، قال في مقتضبه: هل للاستفهام نحو هل جاء زيد ويكون بمنزلة قد، نحو قوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ).
وبالغ الزمخشري فزعم أنها أبدًا بمعنى قد، وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدرة معها، ونقله في المفصل عن سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها؛ لأنها لَا تقع إلا في الاستفهام، وقد جاء [**وهو لهما عليه] في قوله: "أهل رأونا [بسفع*] القاع ذي الأكم"، ولو كان كما ذكر لم تدخل إلا على الفعل كقد إذ [لم تأت*] في كتب سيبويه، وما نقله عنه إنما قال في [أبواب عدة*] ما يكون عليه الكلام، ما نصه، وهل هي للاستفهام؟ لم يرد على ذلك، وقال الزمخشري في كشافه: (هَل أَتَى) [أقد أتى؟ على التقرير والتقريب جميعا، أى: أتى على الإنسان قبل زمان قريب حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ فيه شَيْئاً مَذْكُوراً أى كان شيئا منسيا غير مذكور نطفة في الأصلاب والمراد بالإنسان: جنس بنى آدم، بدليل قوله إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ*]، انتهى. وفسرها غيره بـ قد خاصة، ولم يحملوا قد على معنى التقريب، وقال بعضهم: معناه التوقع، وكأنه قيل لقوم يتوقعون الخبر عن ما أتى الإنسان، وهو آدم عليه السلام، قال: والخبر من كونه طينا، وفي تسهيل ابن مالك: الآيتين [... ] هل [(قد) *] إذا دخل عليها الهمزة بمعنى كما في البيت ومفهومه أنها لَا تتعين لذلك إذا لم تدخل عليها؛ بل قد تأتي لذلك كما في الآية، وقد لَا تأتي لم، وقد عكس كونهم، قاله الزمخشري فزعموا أن مثل هل (لَا) تأتي بمعنى (قد) مثلا، وهذا هو الصواب عندي أن لَا يتمسك لمن أثبت ذلك لأحد ثلاثة أمور أحدهما: تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ولعلمه إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير وليس باستفهام حقيقي، وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين، فقال بعضهم: هل هنا للاستفهام التقريري والمقرر به من أنكر البعث، وقد علم أنهم يقولون: نعم قد مضى دهر طويل والإنسان فيه، فيقال لهم: فالذي أحدث النَّاس بعد أن يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم، وهو معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى) أن من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن، [قادرٌ*] على إعادته بعد موته، انتهى، وقال آخر؛ مثل ذلك إلا أنه فسر الحين بزمن التطوير في الرحم، فقال: المعنى ألم يأت على النَّاس [حين*] من الدهر كانوا نطفا، ثم علقا ثم مضغة إلى أن صاروا
شيئا مذكورا، وكذا قال الزجاج إلا أنه حمل الإنسان على آدم عليه السلام، فقال: المعنى ألم يأت على الإنسان حين من الدهر كان فيه ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح، انتهى، وقال بعضهم: لَا تكون هل للاستفهام التقريري وإنَّمَا ذلك من خصائص الهمزة، وليس كما قال، وذكر جماعة من النحويين أن هل بمنزلة إن في إفادة التأكيد والتحقيق، وحملوا على ذلك: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) قدروه جوابا للقسم، وهو بعيد، والدليل الثاني: قول سيبويه وقد مضى أنه لم يقل ذلك، والثالث: دخول الهمزة على مثلها في البيت والحرف لَا يدخل على مثله في المعنى، وقد رأيت عن السيرافي أن الرواية الصحيحة [أم هل*] هذه منقطعة بمعنى بل، فلا دليل، وبتقدير ثبوت [تلك*] الرواية فالبيت شاذ فيمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين لمعنى واحد على سبيل التوكيد كقوله: هؤلاء [**للاهتمام بهم] [... ] الذي في ذلك البيت أممثل لاختلاف اللفظين، وكون أحدهما على حرفين، كقوله:
فَأَصْبَحْنَ لَا يسألنه عَن بِمَا بِهِ... أصعد فِي علو الْهوى أم تصوبا.
قوله تعالى: ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)﴾
فيه سؤال: وهو ما السر في العدول عن صريح المقابلة، فيقال: إما شاكرا وإما كفورا، ويقال: إما شكورا وإما كفورا؟ والجواب: أنه من حذف التقابل حذف شكورا لدلالة (كفورا) عليه، وحذف كافر لدلالة شاكر، والقسمة الممكنة باعتبار التقابل أربعة: شكور كفور، شاكر كافر، شاكر كفور، شكور كافر.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ... (٥)﴾
إن قلت: لم عبر في ذكر تعذيب الكفار بالإعداد، ولم يقل في ذكر تنعيم المؤمنين: إنا أعتدنا للأبرار شرابا؟ فالجواب: أن اعتداد العذاب للمعذب أشد عليه؛ لأن انتظار العذاب أشد من حصوله، ولو ذكر في تنعيم المؤمنين لتألموا بعدم تعجيله، مع أن الإنعام على إنسان بما لم يسبق له شعور أكمل مما سبق له شعور.
قوله تعالى: ﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً... (٩)﴾
إن كانت ((إِنَّمَا) [في*] قوله (إِنَّمَا نُطْعِمُكُم) للحصر فهذا تأكيد، وإلا فهو تأسيس، ويدل على أن إرادة وجه الله وإرادة الشكر والجزاء الآن لَا [... ]، فإن قوله في المدونة في السلم الأول: إن أسلمت ثوبا فسطاطيا في ثوب فسطاطي إلى أجل، فهو قرض؛ فإِن
ابتغيت نفع الذي أقرضته جاز، وإن ابتغيت به نفسك يظل السلم، وقالوا [**في إرادتهما هما] نفس المعاملة الآدمية [فأحرى*] معاملة الخالق.
قوله تعالى: ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا... (١٣)﴾
إن قلت: لَا يلزم من عدم الرؤية عدم الوجود؛ والآية إنما سيقت لبيان عدم وجود ذلك، كما قال الزمخشري، قلت: المقصود بيان تعديد النعم عليهم وعدم تألمهم بما ذكر، فالمعنى: [لَا يرون فيها حرّ شمس*]، كما يرونه في الدنيا مؤلما.
قوله تعالى: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (١٧)﴾
استدلال الزمخشري ببيت الأعشى على كون الزنجبيل مستطابا عند [العرب*]، يرد بأن الآية مكية، والأعشى متأخر عنها، فيكون سمع الآية فأخذ [منها*] كونه مستطابا، والأعشى مات كافرا، وإنما يصح الاستدلال لو كان البيت لغيره سابقا على الآية.
قوله تعالى: ﴿أَوْ كَفُورًا (٢٤)﴾
نقل الطيبي في سورة الأنعام عن ابن الحاجب أن (أَوْ) هذه بمعناها وهو أحد الأمرين، وإنما جاء التعميم من [النفي*] الذي فيه معنى [النهي*]؛ لأن المعنى قبل وجود [النفي*] [تطع*] منهم آثما أو كفورا، أي واحدا منهما، فإِذا جاء [النفي*] ورد على ما كان ثابتا في المعنى فيصير المعنى، ولا [تطع*] واحدا منهما فيجيء التعميم من وجه [النفي*] الداخل بخلاف الإثبات، قال الطيبي: وهو معنى دقيق حسن.
قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (٢٦)﴾
هل معناه زمنا طويلا، أو المراد الليل الطويل من الليالي، وكان بعضهم يتحرى أطول ليل في العام، فيقومه [رَعْياً*] لهذين الاحتمالين.
قوله تعالى: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ... (٣١)﴾
راجع لقوله تعالى: (حَكِيمًا).
قوله تعالى: (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ).
راجع لقوله تعالى: (عَلِيمًا) فهو لف ونشر.
* * *
Icon