ﰡ
احتوت السورة توكيدا حاسما بأن لا فلاح للإنسان إلّا بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر. وأسلوبها يدل على أنها من أوائل السور نزولا مثل الليل والأعلى وغيرهما، لأنها احتوت مبادئ عامة محكمة من مبادئ الدعوة. وقد ذكرت بعض الروايات «١» أنها مدنية، غير أن أسلوبها يدل على مكيتها وهو ما عليه الجمهور.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة العصر (١٠٣) : الآيات ١ الى ٣]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣). (١) العصر: آخر النهار إلى احمرار الشمس، ويقال له الأصيل أيضا.
وبعض المفسرين قالوا إن العصر هو الدهر «٢» ولكن الجمهور على القول الأول.
(٢) تواصوا: أوصى بعضهم بعضا.
السورة على قصرها جاءت بأسلوب حاسم قوي، لتهتف بالناس أن لا فلاح لهم ولا نجاح ولا صلاح إلّا في الإيمان بالله وحده والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر، وأن كل من ينحرف عن هذه السبيل فهو خاسر.
(٢) انظر تفسير السورة في تفسير النيسابوري مثلا.
الجزء الأول من التفسير الحديث ٣٦
ولقد كان المؤمنون الأولون رضي الله عنهم يعرفون عظم مدى السورة حتى لقد روي «١» أن الرجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا التقيا لم يفترقا إلّا بعد أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر. ولقد قال الشافعي رحمه الله «٢» : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.
ونقول بالمناسبة إن هناك آثارا في فضل صلاة العصر. وقد فسرت الصلاة الوسطى المأمور بالمحافظة عليها بنوع خاص في آية البقرة هذه: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى [٢٣٨] بصلاة العصر «٣». والتسمية تنويهية بفضل هذه الصلاة. ومما يروى «٤» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يجلس في مسجده في المدينة لأصحابه بعد هذه الصلاة فيلتفون حوله ويستمعون إلى تعاليمه وعظاته ويراجعه الناس في مشاكلهم، لأنهم يكونون في هذا الوقت قد فرغوا من مشاغلهم اليومية أو كادوا، وتكون شدة الحرارة في الصيف قد خفّت. ومن هنا كان الحث على المحافظة عليها كما هو المتبادر ومن هنا تبدو حكمة القسم الرباني بوقتها.
تعليق على تعبير الصَّالِحاتِ
وتعبير الصَّالِحاتِ عام مطلق يتضمن كل نوع من أنواع الخير والبر والمعروف تعبديا كان أم غير تعبدي، فعبادة الله وحده وإسلام النفس إليه ونبذ ما
(٢) المصدر نفسه.
(٣) انظر تفسير الآية في تفسير الزمخشري والطبرسي وابن كثير والطبري والمنار.
(٤) انظر تفسير آية المائدة التي فيها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ... الآية [١٠٦] في تفسير الزمخشري والطبرسي والمنار أيضا.
تعليق على التواصي بالحق والتواصي بالصبر
وتعبير «التواصي» قوي لأنه للمشاركة. فلا يكفي أن يلتزم الإنسان الحق والصبر بنفسه، بل يجب أن يتضامن الناس فيهما ويوصي بعضهم بعضا بهما.
والتواصي بالحق يستهدف تضامن أفراد المجتمع في الحق وإحقاقه، بحيث يكون الحق هو القائم الحاكم المؤيد من مجموعهم. والتواصي بالصبر يستهدف تضامن أفراد المجتمع في شد بعضهم أزر بعض في الأحداث الملمة والمصاعب المدلهمة وفي مواقف الحق والخير، دونما وهن ولا ضعف ولا جزع ولا تراخ.
وإذا لوحظ أن تعبير الحق عام يشمل كل شيء من حقوق الله على عباده وحقوق المجتمع على أفراده، وحقوق المجتمعات على بعضها، وحقوق الأفراد على بعضهم ومجتمعاتهم، وحقوق الضعفاء والبؤساء والمحرومين على الأقوياء والقادرين والميسورين يبان مدى التلقين القرآني الجليل في التنويه بالتواصي بالحق وجعله لازما للذين آمنوا وعملوا الصالحات، واختصاصه بالذكر من الصالحات مع أنه داخل في معناها الشامل، وما استهدفه هذا التلقين من الارتفاع بالإنسان
وهذا المبدأ بهذه السعة من المبادئ الجليلة التي قررها القرآن مرة بعد مرة وبأساليب متنوعة، حتى كان من أهم أهداف الدعوة الإسلامية. ووروده في هذه السورة المبكرة وبهذا الأسلوب القوي يدل على أنه من أسس الدعوة الرئيسية، وإنه لكذلك. وإنه لمن أقوى مرشحات الإسلام للشمول والخلود.
ومثل هذا يقال في صدد الصبر والتواصي به. لأن ذلك الخلق الشخصي الاجتماعي من لوازم الحياة الإنسانية الصالحة وعمدها. ويهدف القرآن إلى تقويته في الأفراد والمجتمع وبثّ روح القوة والطمأنينة فيهم. ووروده في هذه السورة المبكرة وبهذا الأسلوب القوي يدل على اعتباره من أهم الأخلاق التي يجب أن تقوم عليها الشخصية الإنسانية الإسلامية، وعلى ما له من خطورة وضرورة في حياة الأفراد والمجتمع.
مدى التنويه القرآني بالصبر
ونرى بهذه المناسبة أن نشير إلى ما تكرر كثيرا في القرآن من التنويه بالصبر حتى لقد بلغ عدد المرات التي وردت فيها كلمة الصبر ومشتقاتها في القرآن المكي والمدني ونوّه فيها بخلق الصبر وحثّ عليه وأثنى على من يتخلق به ويلتزمه ووعد بالنجاح والأجر وأمر بالاستعانة به على مواجهة الخطوب والشدائد نحو مائة مرة حيث يدل هذا على مبلغ العناية الربانية بترسيخ هذا الخلق أو هذه الفضيلة التي هي من أجل الفضائل الأخلاقية في المسلمين. من ذلك في القرآن المكي هذه الآيات:
٢- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) الرعد [٢٢].
٣- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) النحل [٤١- ٤٢].
٤- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) النحل [٩٦].
٥- الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) الحج [٣٥].
٦- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) الزمر [١٠].
٧- وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) فصلت [٣٤- ٣٥].
٨- وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) الشورى [٤٣].
ومن ذلك في القرآن المدني هذه الآيات:
١- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ
(١٥٧) البقرة [١٥٣- ١٥٧].
٢- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧) البقرة [١٧٧].
٣- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) آل عمران [١٤٦].
٤- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠) آل عمران [٢٠٠].
وواضح من هذه الآيات ومن الآيات الكثيرة الأخرى التي وردت في سور عديدة، أن هدفها هو بثّ روح الجلد ورباطة الجأش وضبط النفس والسكينة والتضحية في نفس المسلم مما يضمن له الكرامة والعزة والنجاح ويجنبه الطيش والهلع والجزع والاضطراب والقلق في الأزمات والأخطار.
والصبر بعد يتجسد في أخلاق كثيرة، فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد ومواقف الحق. والعفاف هو الصبر على الشهوات. والحلم هو الصبر على المثيرات.
والكمال هو الصبر على أمانة الأسرار. والزهد هو الصبر على الحرمان. فإذا ما رسخ هذا الخلق في امرئ صار له من القوة المعنوية والشجاعة والجلد ما يمكنه من مواجهة الخطوب دون فزع وجزع وتحمل المشاق والرضاء بالمكروه والحرمان في سبيل الحق والشرف والكرامة والعزوف عن الشهوات والمثابرة على المقاصد النبيلة مهما عسرت وطال أمدها وغدا محل رضاء الله عز وجل والناس واعتمادهم.
ولقد روى الخمسة عن أبي سعيد الخدري حديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء فيه:
ولقد يكون في القرآن المكي بل والمدني آيات تحثّ النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين على الصبر على ما كان يقع من أذى الكفار وما كان من هؤلاء من مكابرة وعناد ومناوأة. غير أن المتمعن فيها يجد أنه ليس من تناقض بينها وبين ما قررناه. كما أنه ليس فيها ما يمكن أن يكون حثا على احتمال الظلم والجور والضيم والذل.
وكثير منها بل جميعها إنما توخت تثبيت النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما هو عليه من الحق وتهدئتهم إلى الوقت المناسب وحث النبي صلّى الله عليه وسلّم على الاستمرار في الدعوة والمهمة التي انتدب لها كما ترى في الأمثلة التالية وهي مكية ومدنية:
١- وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩) يونس [١٠٩].
٢- وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨) النحل [١٢٦- ١٢٨].
٣- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) غافر [٧٧].
٤- وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) الطور [٤٨].
٥- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) البقرة [١٠٩].
مغزى تلازم الإيمان والعمل الصالح في القرآن
وفي تقديم الإيمان على العمل الصالح إشارة إلى انبثاق العمل الصالح من الإيمان. فالإيمان هو الذي يدفع صاحبه إلى الخير ويزعه عن الشر. وفي ربط الإيمان بالعمل الصالح إشارة إلى وجوب تلازمهما واعتبار العمل الصالح عنوانا أو مظهرا للإيمان. وهذا التلازم بين ذكر الإيمان والعمل الصالح يلحظ في جل الآيات القرآنية مما يمكن أن يدل على قصد الإشارة إلى شدة الارتباط واللحمة والتوافق بينهما وتوكيدها. وإذا لوحظ أن الإيمان شيء داخلي أو ذاتي في أعماق النفس لا يمكن أن يدل على نفسه بنفسه، ولا يمكن أن يدل عليه إلا العمل الصالح بأن لنا وجه الحق في ذلك.
والحكمة في هذا ظاهرة قوية، فالإيمان يمنح صاحبه طمأنينة واستقرار نفس يجعلانه يصدر في أعماله وأهدافه عن يقين وقصد وتثبت واندفاع وصبر، ويتحمل في سبيل ذلك ما قد يلاقيه من مصاعب وما تمس الحاجة إليه من تضحيات.
والإيمان بالله يجعل صاحبه يقبل على الخير والعمل الصالح وينقبض عن الشر والإثم والسيئات ابتغاء لوجه الله واتقاء لغضبه واكتسابا لرضائه ورضوانه، دون أن يكون هناك حافز من منفعة عاجلة أو دون أن يكون ذلك مما لا بد منه على الأقل.
أما العمل الذي لا يصدر عن إيمان فإنه يكون معرضا في الأغلب للانقطاع والتردد والتأثر بالمؤثرات والاعتبارات الشخصية والنفعية والظرفية. وكثيرا ما ينصرف المرء عنه حينما يلقى المصاعب والمشاكل، أو حينما يتطلب منه التضحيات أو حينما لا يكون من ورائه جلب خير أو دفع شر عاجل. والعمل الصالح من الجهة
وإذا أراد قائل أن يقول إن هناك من يفعل الخير لذاته نتيجة للتربية الخلقية الراسخة فليذكر هذا القائل أن هذا النوع من الندرة بحيث لا يمكن أن يورد على ما قررناه آنفا وأن المجتمع في حاجة دائمة إلى حافز مشترك يشمل بتأثيره أكبر عدد ممكن من البشر، وليس هذا الحافز إلّا الإيمان. وهذا فضلا عن أن التدين الراسخ في أعماق الطبيعة الإنسانية يمهد السبيل لقوة هذا الحافز وتأثيره وشموله.
وإذا أراد قائل أن يقول إن كثيرا من المؤمنين بالله واليوم الآخر لا يفعلون الخير أو لا يفعلونه إلّا إذا رجوا مقابلة عاجلة عليه، فالجواب على هذا هو أن إيمان هؤلاء ليس هو الإيمان الصحيح. فهم مسلمون أكثر منهم مؤمنون. وقد فرق القرآن بين الفئتين ونبه لمدى وأثر الإيمان الصحيح في صاحبه في آيات سورة الحجرات هذه: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥).
على أن الوازع للخير يظل دائما أقوى في المؤمنين على كل حال منه في غير المؤمنين على ما هو المشاهد المحسوس في كل وقت.
هذا، وأسلوب السورة المطلق يسوغ وصفها بما وصفت به سورة الفاتحة والأعلى والليل والفجر، والله أعلم.
[تم بتوفيق الله الجزء الأول ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني وأوله تفسير سورة العاديات]
مقدمة الطبعة الأولى ٥- ١٨ مقدمة الطبعة الثانية ١٩- ٢١ محتويات القرآن المجيد الفصل الأول: القرآن أسلوبه ووحيه وأثره ٢٧- ٦٦ القرآن والمسلمون- شخصية النبي- الدعوة القرآنية- أسلوب القرآن- القرآن والبيئة والسيرة النبوية- الوحي الرباني والوحي القرآني- شهود العيان لأعلام النبوة- أثر القرآن الروحي وبلاغته النظمية- أثر الدعوة القرآنية في نجاح الفتوحات الإسلامية- تطور سيرة النبي والتنزيل القرآني- القرآن والعرب في عهد النبي.
الفصل الثاني: جمع القرآن وتدوينه وقراءاته ورسم المصحف وتنظيماته.. ٦٧- ١٤٠
مجموعات من الروايات والأقوال في تدوين القرآن وجمعه- تعليقات على الروايات والأقوال وترجيح تدوين القرآن وترتيبه في عهد النبي ومرجحات ذلك-- أسماء السور- فصل السور بالبسملة- السجدات- كتابة ترتيب النزول وعدد الآيات- الشكل والنقط- علامات الوقف والوصل- رسم المصحف العثماني- القراءات.
الفصل الرابع: نظرات وتعليقات على كتب المفسرين ومناهجهم ٢٠٥- ٢٧٥ روايات أسباب النزول- روايات التفسير- تعليقات المفسرين على القصص- تعليقات المفسرين على مشاهد الكون والملائكة والجن- التشاد المذهبي في سياق التفسير- الولع بأسرار القرآن ورموزه ومنطوياته- الولع بالتفريع والاستطراد- روايات نزول القرآن جملة واحدة وأثرها- روايات نزول القرآن بالمعنى وأثرها- الخلاف على خلق القرآن وأثره- النهي عن التفسير بالرأي وأثره.
خاتمة: أفضل المناهج لتفسير القرآن ٢٧٦- ٢٧٨
تعليق على سنّة سجود التلاوة ٣٤٩ تعليق على الأحاديث في فضل قراءة السور القرآنية ٣٥١ تفسير سورة القلم ٣٥٣ استطراد إلى ما عرف في كتب التفسير بالإسرائيليات ٣٥٦ تنبيه في صدد الأحاديث التي تروى ٣٥٨ تعليق على الحروف المتقطعة في أوائل السور ٣٥٩ تعليق على ما ورد عن مدى القلم ٣٦٢ تعليق على الأقسام القرآنية ٣٦٣ تعليق وقت نزول الآيات الأولى من هذه السورة ٣٦٤ أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم ٣٦٥ تعليق على موقف المناوأة للدعوة النبوية ٣٦٩ تعليق ثان على موقف المناوأة للدعوة النبوية ٣٧١
تعليق على تبدل نواميس الكون عند قيام الساعة ٤١٦ تعليق على النار الأخروية ٤١٧ تعليق على قصة موسى وفرعون ٤٢٢ بيان مهمة الرسول ٤٢٣ تعليق على السماء وانفطارها يوم القيامة ٢٤٢٤ تعليق على مدى كلمة الكفر في القرآن ٤٢٥ تعليق على الآية إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ.. ٤٢٦
تعليق على الزكاة ٤٢٧ تعليق على تعبير وَأَقْرِضُوا اللَّهَ.. ٤٣٤
تعليق على تعليم الاستغفار ٤٣٤ تعليق على تعبير سبيل الله ٤٣٦ تفسير سورة المدثر ٤٤٠ تعليق على النقر في الناقور ٤٤٥ تعليق على موضوع السحر ٤٥١ تعليق على موضوع زيادة الإيمان ونقصه ٤٥٥ تعليق على جملة كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ ٤٥٨ تعليق على عبارة فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ٤٦٣ تعليق على موضوع الملائكة ٤٦٤ تعليق على أَهْلِ الْكِتابِ ٤٧٠ تعليق على عناية القرآن بالمسكين ٤٧٧ تعليق على تعبير أَصْحابَ الْيَمِينِ.. ٤٧٩
هدف المحاورات الأخروية بين الناجين والخاسرين ٤٨٠ تعليق على تعبير كُلُّ نَفْسٍ.. ٤٨٠
تعليق على عقيدة الشفاعة والشرك ٤٨١ تعليق على تعبير وما يدركون إلا.. ٤٨٧
تعليق على تحدي الكفار للنبي ٤٨٩ تعليق على مدى كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ.. ٤٩٣
تعليق على مدى بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ.. ٤٩٤
تفسير سورة المسد ٤٩٥
تعليق على العرش ٥٠٥ تعليق على كلمة الشيطان ٥٠٩ تفسير سورة الأعلى ٥١١ تنبيه على ما أسبغه القرآن والسنّة على التسبيح ٥١٢ التلقين المنطوي في الآيتين سَيَذَّكَّرُ مَنْ.. ٥١٤
تعليق على جملة سَنُقْرِئُكَ فَلا.. ٥١٥
القرآن لا يحظر الاستمتاع بالطيبات ٥١٨ تعليق على وصف الْأَعْلَى ٥١٦ تعليق على ذكر إبراهيم وموسى عليهما السلام ٥١٩ دلائل أولية سورة الأعلى وصفتها ٥٢٤ تفسير سورة الليل ٥٢٥ تعليق على جملة وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ٢٥٢٧ تفسير سورة الفجر ٥٣١ تعليق على قصص الأقوام المذكورة في السورة ٥٣٤ تعليق على ما أولاه القرآن من العناية باليتيم ٥٤١ تفسير الشيخ محيي الدين بن عربي للآية الأخيرة ٥٤٦ تفسير سورة الضحى ٥٤٩ تعليق على روايات فتور الوحي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ٥٥٠ صورة من صميمية النبي صلّى الله عليه وسلّم ٥٥٣ نشأة النبي صلّى الله عليه وسلّم منذ طفولته إلى نبوته ٥٥٤ تفسير سورة الشرح ٥٥٨ تفسير سورة العصر ٥٦١ تعليق على تعبير الصَّالِحاتِ ٥٦٢ تعليق على التواصي بالحق والتواصي بالصبر ٥٦٣ مدى التنويه القرآني بالصبر ٥٦٤ مغزى تلازم الإيمان والعمل الصالح. ٥٦٨
السور المفسّرة في هذا الجزء «١» ١- العاديات ٢- الكوثر ٣- التكاثر ٤- الماعون ٥- الكافرون ٦- الفيل ٧- الفلق ٨- الناس ٩- الإخلاص ١٠- النجم ١١- عبس ١٢- القدر ١٣- الشمس ١٤- البروج ١٥- التين ١٦- قريش ١٧- القارعة ١٨- القيامة ١٩- الهمزة ٢٠- المرسلات ٢١- ق ٢٢- البلد ٢٣- الطارق ٢٤- القمر ٢٥- ص ٢٦- الأعراف