ﰡ
قال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس:
لما اشتد البلاء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فقصّها على أصحابه فاستبشروا بذلك، ورأوا فيها فرجاً مما هم فيه من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا بُرْهَة لا يرون ذلك فقالوا: يا رسول الله متى تهاجر إلى الأرض التي رأيتها؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ﴾ يعني لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أولا؟ ثم قال: إِنما هو شيء رأيتُه في منامي، وما أتبع إلا ما يوحى إليَّ.
قال ابن عباس في رواية عطاء: أنزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة، وهم يريدون الشام في التجارة، فنزلوا منزلاً فيه سِدْرَة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين، فقال له: من الرجل الذي في ظل السِّدْرة؟ فقال: ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال: هذا والله نبي، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى ابن مريم إلا محمد نبي الله. فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق، فكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضوره، فلما نُبِّئَ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين سنة، وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة - أسلم وصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ أربعين سنة قال: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ...﴾ الآية.