ﰡ
قوله: (أو المراد بالإنسان الجنس) أي الصادق بآدم وأولاده، وقوله: (وبالجن مدة الحمل) أي ما يشمل مدة الحمل بالنسبة للذرية، والمائة والعشرين بالنسبة لآدم، لأن الحين هو المدة المحدودة، كثيرة أو قليلة. قوله: ﴿ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ هي في الأصل الماء في الوعاء، ويطلق على الماء الشافي قل أو كثر، سمي به مني الرجل والمرأة، ليسارتهما ووضعهما في الرحم. قوله: ﴿ أَمْشَاجٍ ﴾ جميع مشج بفتحتين، أو مشج بكسر فسكون، أو مشيج بفتح فكسر كشريف، والمعنى: من نطفة قد امتزج فيها الماءان، وكل منهما مختلف الأجزاء، متباين الأوصاف، في الرقة والثخن، فماء الرجل غليظ ابيض، وماء المرأة رقيق اصفر، فإيهما علا كان الشبه له، وإن سبق ماء الرجل، كان الولد ذكراً، وعكسه انثى، وإن استويا فخنثى مشكل، وقال ابن عباس: يختلط ماء الرجل بماء المرأة، فيخلق منهما الولد، فما كان من عصب وعظم وقوة فمن نطفة الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة. قوله: (أخلاط) جمعه باعتبار تعدد الأوصاف في الماءين كما علمت. قوله: (أي مريدين ابتلاءه) جواب عما يقال: إن الابتلاء بمعى الاختبار بالتكليف، إنما يكون بعد جعله ﴿ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ لا قبله، فأجاب: بأنه حال مقدرة مؤولة بقوله: (مريدين ابتلاءه) وإرادة الابتلاء سبب لجعله سمعياً بصيراً. وجعله سميعاً بصيراً للابتلاء، بالفعل، فلم يكن في الآية تقديم ولا تأخير. قوله: ﴿ فَجَعَلْنَاهُ ﴾ (بسبب ذلك) أي بسبب إرادتنا ابتلاءه. قوله: ﴿ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ أي عظيم السمع والبصر، وخصهما بالذكر لأنهما انفع الحواس، وقدم السمع لأنه أنفع في المخاطبات، ولأن الآيات المسموعة أبين من الآيات المرئية، ولأن البصر يعم البصيرة، وهي تتضمن الجميع، فيكون من ذكر العام بعد الخاص.
قوله: ﴿ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ ﴾ الخ لف ونشر مشوش، فهذه الآية راجعة لقوله: ﴿ وَإِمَّا كَفُوراً ﴾ وقوله: ﴿ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ ﴾ الخ، راجع لقوله: ﴿ إِمَّا شَاكِراً ﴾.
قوله: ﴿ سَلاَسِلاَ ﴾ إما بمنع الصرف كمساجد، أو بالصرف لمناسبة قوله: ﴿ وَأَغْلاَلاً ﴾ فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَأَغْلاَلاً ﴾ (في أعناقهم) أي فتجمع أيديهم إلى أعناقهم. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ ﴾ الخ، لما ذكر حال الكفار وجزاءهم في الآخرة، أتبعه بجزاء الشاكرين، وأطنب فيه ترغيباً لهم. قوله: (جمع بر) أي كرب وأرباب، وقوله: (أو بار) أي كشاهد وأشهاد. قوله: (وهم المطيعون) أي المؤمنون الصادقون في إيمانهم وإن اقترفوا الذنوب، فكل من كان ليس مستوجباً للخلود في النار فهو من الأبرار، لذكرهم في مقابلة الفجار في قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾[الإنفطار: ١٣-١٤] وهذا تعريف لمطلق الأبرار، فلا ينافي قولهم البر هو الذي لا يؤذي الذر، أو الذي يؤدي حق الله ويوفي بالنذر، أو غير ذلك، فإنه تعريف للأبرار الكاملين كما هنا. قوله: (وهي فيه) أي فإن لم تكن فيه فهو إناء. قوله: (والمراد من خمر) دفع بذلك ما يقال: إن الضمير في قوله: ﴿ مِزَاجُهَا ﴾ عائد على الكأس، مع أن الكافور لا يمزج بالكأس بل بما فيه، فأجاب المفسر: بأن المراد بالكأس الخمر نفسه، من باب تسمية الحال باسم المحل. قوله: ﴿ كَافُوراً ﴾ إن قلت: إن الكافور غير لذيذ وشربه مضر، فما وجه مزج شرابهم به؟ أجيب: بأن المراد أنه كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرودته. قوله: (بدل من كافوراً) أي على حذف مضاف، أي ماء عين، لأن العين اسم لمنبع الماء، وهو لا يبدل من الماء، وما ذكره المفسر احد احتمالات في وجه نصب ﴿ عَيْناً ﴾ ويصح أن مفعول ﴿ يَشْرَبُونَ ﴾ قوله: ﴿ مِن كَأْسٍ ﴾ حال لأنه نعت نكرة قدم عليها، والأصل يشربون عيناً من كأس، أي خمر ممزوج بالكافور وهو أسهلها، قوله: ﴿ يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ ﴾ الجملة صفة لعيناً، وقوله: (ومنها) إشارة إلى أن الباء بمعنى من الابتدائية، أي يبتدئون الشرب من العين. قوله: (أولياؤه) أي وهم المؤمنون. قوله: (يقودونها) أي فهي سهلة لا تمتنع عليهم، ورد: أن الرجل منهم يمشي في بيوته ويصعد إلى قصوره، وبيده قضيب يشير به إلى الماء، فيجري معه حيثما دار في منازله على الأرض المستوية، ويتبعه حيثما صعد إلى أعلا قصوره.
قوله: (في الحجال) واحده حجلة بفتحتين، وهي المسماة بالناموسية. قوله: (حال ثانية) أي من المقدر المذكور، أو من المفعول. قوله: (أي لا حراً ولا برداً) أي فهي معتدلة الهواء. قوله: (وقيل الزمهرير القمر) أي لأجل مقابلة قوله: ﴿ شَمْساً ﴾.
قوله: (من غير شمس ولا قمر) أي بنور العرش، وهو أقوى من نور الشمس والقمر. قوله: (عطف على محل لا يرون) أي أو عطف على متكئين. قول: (شجرها) أشار بذلك إلى أن المراد بالظلال الشجر نفسه، فدفع بذلك ما يقال: إن الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس، ولا شمس في الجنة. قوله: ﴿ وَذُلِّلَتْ ﴾ عطف على ﴿ دَانِيَةً ﴾ وجعلت فعليه إشارة إلى أن التذليل متجدد، بخلاف التظليل فدائم، ولذا أتى فيه بجملة اسمية. قوله: (أدنيت ثمارها) أي سهل تناولها تسهيلاً عظيماً لكل أحد.
﴿ نَزَّلْنَا ﴾ خبره، والجملة خبر إن. قوله: (خبر إن) أي سواء جعلنا ﴿ نَحْنُ ﴾ تأكيداً أو فصلاً. قوله: (أي فصلناه) الخ، أي لحكمة بالغة، وهي كما في الفرقان﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾[الفرقان: ٣٢]﴿ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾[الفرقان: ٣٣] والمقصود من ذلك تسليته صلى الله عليه وسلم وشرح صدره، وأن ما أنزل عليه ليس بشعر ولا كهانة. قوله: ﴿ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ مشى المفسر على أن المراد بالحكم التكليف بتبليغ الرسالة، وعليه فالآية محكمة، وقيل: إن المراد بالحكم القضاء. والمعنى: اصبر على أذى المشركين الذي حتمه الله في الأزل، فلا مفر لك منه حتى يفرج الله عنك، وعليه فالآية منسوخة. قوله: (أي عتبة بن ربيعة) الخ، أشار بذلك إلى أن المراد بالآثم عتبة، لأنه كان متعاطياً لأنواع الفسوق متظاهراً بها، وأن المراد بالكفور الوليد، فإنه كان متظاهراً بالكفر داعياً إليه، وبهذا ظهر التخصيص لكل، وإن كان كل منهما آثماً وكفوراً. قوله: (قالا للنبي ارجع) الخ، حاصله أنهما قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال، فارجع عن هذا الأمر، فقال عتبة: أنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك من غير مهر، وقال الوليد: أنا أعطيك من المال حتى ترضى وارجع عن هذا الأمر، فنزلت الآية. قوله: (أي تطع أحدهما) الخ، أي والنهي عن طاعتهما معاً معلوم بالأولى، فأو أبلغ من الواو، لأنها لنفي الأحد الدائر. قوله: (في الصلاة) أشار بذلك إلى أن المراد بالذكر الصلاة، والمعنى: دم على الصلاة. قوله: (والظهر والعصر) إطلاق الأصيل على العصر ظاهر، وعلى الظهر باعتبار آخر وقتها، وإلا فالزوال وما يقرب منه لا يسمى أصيلاً. قوله: ﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ ﴾ ﴿ وَمِنَ ﴾ تبعيضية. والمعنى: صلّ له بعض الليل، وقوله: ﴿ فَٱسْجُدْ لَهُ ﴾ الفاء دالة على شرط مقدر تقديره: مهما يكن من شيء فصلّ من الليل الخ، وفيه زيادة حث على صلاة الليل.