واختلف فيها هل هي مكية أو مدينة فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومقاتل والكلبي : مكية وجرى عليه البيضاوي والزمخشري. وقال الجمهور : مدنية، وقال الجلال المحلي : مكية أو مدنية ولم يجزم بشيء. وقال الحسن وعكرمة : هي مدنية إلا آية وهي قوله تعالى :﴿ فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً ﴾ [ الإنسان : ٢٤ ] وقيل : فيها مكّي من قوله تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً ﴾ [ الإنسان : ٢٣ ] إلى آخر السورة وما تقدمه مدنيّ.
﴿ بسم الله ﴾ الذي له الأسماء الحسنى ﴿ الرحمن ﴾ الذي عم بنعمه الذكر والأنثى. ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص منهم من شاء لمقام الأسنى.
ﰡ
سائل فوارس يربوع بثدتنا | أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم |
واختلف في المراد من الإنسان، فقال قتادة وعكرمة والشعبيّ : هو آدم عليه السلام مرّت عليه أربعون سنة قبل أن تنفخ فيه الروح وهو ملقى بين مكة والطائف. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية الضحاك أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون أربعين سنة، ثم من صلصال أربعين سنة ثم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ثم نفخ فيه الروح. وحكى الماوردي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ الحين المذكور هنا هو الزمن الطويل الممتد الذي لا يعرف مقداره. وقال الحسن : خلق الله كل الأشياء ما يرى وما لا يرى من دوابّ البرّ والبحر في الأيام الست التي خلق الله تعالى فيها السماوات والأرض وآخرها خلق آدم عليه السلام فهو قوله تعالى :﴿ لم يكن شيئاً مذكوراً ﴾.
روي أنّ أبا بكر رضي الله عنه لما قرأ هذه الآية قال : ليتها تمت فلا نبتلى أي : ليت هذه المدّة التي أتت على آدم عليه السلام ﴿ لم يكن شيئاً مذكوراً ﴾ تمت على ذلك فلا يلد ولا تبتلى أولاده. وسمع عمر رجلاً يقرأ ﴿ لم يكن شيئاً مذكوراً ﴾ قال عمر : ليتها تمت يقول : ليته بقي ما كان، هذا وهما ضجيعاه صلى الله عليه وسلم ولكن بقدر القرب يكون الخوف.
فإن قيل : إنّ الطين والصلصال والحمأ المسنون قبل نفخ الروح فيه ما كان إنساناً والآية تقتضي أنه مضى على الإنسان حال كونه إنساناً حين من الدهر مع أنه في ذلك الحين ما كان شيئاً مذكوراً ؟ أجيب : بأن الطين والصلصال إذا كان مصوراً بصورة الإنسان ويكون محكوماً عليه بأنه سينفخ فيه الروح ويصير إنساناً صح تسميته بأنه إنسان.
روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى :﴿ لم يكن شيئاً مذكوراً ﴾ لا في السماء ولا في الأرض بل كان جسداً مصوّراً تراباً وطيناً لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به، ثم نفخ الروح فصار مذكوراً. قال ابن سلام : لم يكن شيئاً لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله ولم يخلق بعده حيواناً.
ما لي أراك تكرهين الجنة | هل أنت إلا نطفة في شنه |
طوت أحشاء مرتجة لوقت | على مشج سلالته مهين |
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : يختلط ماء الرجل وهو أبيض غليظ بماء المرأة وهو أصفر رقيق فيخلق منهما الولد فما كان من عصب وعظم وقوّة فمن نطفة الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة، قال القرطبيّ : وقد روي هذا مرفوعاً ذكره البزار وعن قتادة : أمشاج ألوان وأطوار، يريد أنها تكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم خلقاً آخر. وعن ابن مسعود رضي الله عنه : هي عروق النطفة. وقال مجاهد : نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة خضراء وصفراء، والغرض من هذا التنبيه على أنّ الإنسان محدَث فلا بد له من محدث قادر على تصويره وقد صوّره على صور مختلفة فمنها صغير وكبير وطويل وقصير ومستدير وعريض.
ولما كان الإنسان محتاجاً إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه جعل بين العظام مفاصل ثم أوصلها بأوتار وعروق ولحم، ودوّر الرأس وشق في جانبيه السمع، وفي مقدمه البصر والأنف والفم، وشق في البدن سائر المنافذ، ثم مد اليدين والرجلين وقسم رؤوسها بالأصابع وركب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة، فسبحان من خلق تلك الأشياء من نطفة سخيفة ﴿ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ﴾ [ القيامة : ٤٠ ].
وقوله تعالى :﴿ نبتليه ﴾ يجوز فيه وجهان : أحدهما : أنه حال من فاعل خلقنا أي : خلقناه حال كوننا مبتلين له، والثاني : أنه حال من الإنسان وصح ذلك لأنّ في الجملة ضميرين كل منهما يعود على ذي الحال، ثم هذه الحال يجوز أن تكون مقارنة إن كان المعنى : نبتليه نصرّفه في بطن أمّه نطفة ثم علقة، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأن تكون مقدرة إن كان المعنى : نبتليه نختبره بالتكليف لأنه وقت خلقه غير مكلف، وفيما يختبره به وجهان : أحدهما : قال الكلبي : تختبره بالخير والشرّ. والثاني : قال الحسن : نختبر شكره في السرّاء وصبره في الضرّاء. وقيل : نبتليه نكلفه بالعمل بعد الخلق. قال مقاتل رضي الله عنه : وقيل : نكلفه ليكون مأموراً بالطاعة ومنهياً عن المعاصي.
﴿ فجعلناه ﴾ أي : بما لنا من العظمة بسبب ذلك ﴿ سميعاً بصيراً ﴾ أي : عظيم السمع والبصر والبصيرة ليتمكن من مشاهدة الدلائل ببصره وسماع الآيات بسمعه ومعرفة الحجج ببصيرته، فيصح تكليفه وابتلاؤه فقدّم العلة الغائية لأنها متقدّمة في الاستحضار على التابع لها المصحح لورودها، وقدّم السمع لأنه أنفع في المخاطبات، ولأنّ الآيات المسموعة أبين من الآيات المرئية، وخصهما بالذكر لأنهما أنفع الحواس، ولأنّ البصر يفهم البصيرة وهي تتضمن الجميع، وقال بعضهم : في الكلام تقديم وتأخير، والأصل إنا جعلناه سميعاً بصيراً نبتليه، أي : جعلنا له ذلك للابتلاء. وقيل : المراد بالسميع المطيع كقولك سمعاً وطاعة وبالبصير العالم يقال : لفلان بصر في هذا الأمر.
وقوله تعالى :﴿ إمّا شاكراً ﴾ أي : لإنعام ربه عليه ﴿ وإمّا كفوراً ﴾ أي : بليغ الكفر بالإعراض والتكذيب نصب على الحال وفيه وجهان : أحدهما : أنه حال من مفعول هديناه أي : هديناه مبيناً له كلتا حالتيه، والثاني : أنه حال من السبيل على المجاز. قال الزمخشري : ويجوز أن يكونا حالين من السبيل أي : عرّفناه السبيل إمّا سبيلاً شاكراً وإمّا سبيلاً كفوراً كقوله تعالى :﴿ وهديناه النجدين ﴾ [ البلد : ١٠ ] فوصف السبيل بالشكر والكفر مجازاً، وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » الحديث، وعن جابر رضي الله عنه :«كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه إمّا شاكراً وإمّا كفوراً ».
وقرأ نافع وهشام وشعبة والكسائي سلاسلاً وصلاً بالتنوين والباقون بغير تنوين وأما الوقف على الثانية فوقف عليها بغير ألف قنبل وحمزة، ووقف البزي وابن ذكوان وحفص بغير ألف وبالألف، ووقف الباقون بالألف ولا وقف على الأولى والرسم بالألف. أمّا من نوّن سلاسل فوجه بأوجه منها أنه قصد بذلك التناسب لأنّ ما قبله وما بعده منوّن منصوب. ومنها أن الكسائي وغيره من أهل الكوفة حكوا عن بعض العرب أنهم يصرفون جميع ما لا ينصرف إلا أفضل منك. وقال الأخفش : سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف لأنّ الأصل في الأسماء الصرف وترك الصرف لعارض فيها. وروي عن بعضهم أنه يقول : رأيت عمراً بالألف يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأيضاً هذا الجمع قد جمع وإن كان قليلاً، قالوا صواحب وصواحبات. وفي الحديث :«إنكن صواحبات يوسف » ومنها أنه مرسوم في الإمام أي : مصحف الحجاز والكوفة بالألف، رواه أبو عبيدة ورواه قالون عن نافع، وروى بعضهم ذلك عن مصاحف البصرة أيضاً.
وقال الزمخشري : فيه وجهان : أحدهما : أن يكون هذا التنوين بدلاً من حرف الإطلاق ويجري الوصل مجرى الوقف، والثاني : أن يكون صاحب هذه القراءة ممن ضرى برواية الشعر ومرّن لسانه على صرف غير المنصرف ا. ه. قال بعض المفسرين : وفي هذه العبارة فظاظة وغلظة لاسيما على مشايخ الإسلام وأئمة العلماء الأعلام، وأما من لم ينوّنه فوجهه ظاهر لأنه على صيغة منتهى الجموع وقولهم : قد جمع نحو صواحبات لا يقدح لأنّ المحذور جمع التكسير، وهذا جمع تصحيح، وأما من لم يقف بالألف فواضح.
﴿ يشربون من كأس ﴾ هو إناء شرب الخمر وهي فيه والمراد من خمر تسمية للحالّ باسم المحل ومن للتبعيض ﴿ كان مزاجها ﴾ أي : ما تمزج به ﴿ كافوراً ﴾ لبرده وعذوبته وطيب عرفه، وذكر فعل الكون يدل على أنّ له شأناً في المزج عظيماً يكون فيه كأنه من نفس الجبلة لا كما يعهد، والكافور نبت معروف وكان اشتقاقه من الكفر وهو الستر لأنه يغطي الأشياء برائحته والكافور أيضاً كمام الشجر الذي هو ثمرتها، والكافر البحر، والكافر الليل، والكافر الساتر لنعم الله تعالى، والكافر الزارع لتوريته الحب في الأرض، قال الشاعر :
وكافر مات على كفره *** وجنة الفردوس للكافر
والكفارة تغطية الإثم في اليمين الفاجرة والنذور الكاذبة بالمغفرة، والكافور : ماء جوف الشجر مكفور فيغرزونه بالحديد فيخرج إلى ظاهر الشجر فيضربه الهواء فيجمد وينعقد كالصمغ الجامد على الأشجار.
فإن قيل : مزج الكافور بالمشروب لا يكون لذيذاً فما السبب في ذكره ؟ أجيب : بأوجه :
أحدها : قال ابن عباس رضي الله عنهما : الكافور اسم عين في الجنة يقال لها عين الكافور، أي : يمازجها ماء هذه العين التي تسمى كافوراً في بياض الكافور ورائحته وبرده ولكن لا يكون فيه طعمه ولا مضرّته.
ثانيها : أنّ رائحة الكافور عرض، والعرض لا يكون إلا في جسم فخلق الله تعالى تلك الرائحة في جرم ذلك الشراب، فسمي ذلك الجسم كافوراً وإن كان طعمه طيباً فيكون الكافور ريحها لا طعمها.
ثالثها : أنّ الله تعالى يخلق الكافور في الجنة مع طعم طيب لذيذ ويسلب عنه ما فيه من المضرّة، ثم إنه تعالى يمزجه بذلك الشراب كما أنه تعالى يسلب عن جميع المأكولات والمشروبات ما معها في الدنيا من المضارّ وقال سعيد عن قتادة رضي الله عنهم : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك. وقيل : يخلق فيها رائحة الكافور وبياضه فكأنها مزجت بالكافور.
الثاني : أنه بدل من محل ﴿ من كأس ﴾ قاله مكي ولم يقدّر حذف مضاف، وقدّر الزمخشري على هذا الوجه حذف مضاف، قال : كأنه قيل : يشربون خمراً خمر عين. الثالث : أنه نصب على الاختصاص قاله الزمخشري. الرابع : أنه بإضمار أعني قاله القرطبي، وقيل : غير ذلك.
﴿ يشرب بها ﴾ قال الجلال المحلي : منها. وقال البقاعي : أي : بمزاجها. وقال الزمخشري : بها الخمر، قال : كما تقول شربت الماء بالعسل والأوّل أوضح. ﴿ عباد الله ﴾ أي : أولياؤه.
فإن قيل : الكفار عباد الله وهم لا يشربون منها بالاتفاق ؟ أجيب : بأنّ لفظ عباد الله مختص بأهل الإيمان ولكن يشكل بقوله تعالى :﴿ ولا يرضى لعباده الكفر ﴾ [ الزمر : ٧ ] فإنه يصير تقدير الآية ولا يرضى لعبادة المؤمنين الكفر مع أنه سبحانه لا يرضى الكفر للكافر ولا لغيره، وقد يجاب بأنّ هذا أكثري لا كلي، أو يقال : حيث أضيف العباد أو العبد إلى اسم الله الظاهر سواء كان بلفظ الجلالة أم لا فالمراد به المؤمن، وإن أضيف إلى ضميره تعالى فيكون بحسب المقام، فتارة يختص بالمؤمن كقوله تعالى :﴿ إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان ﴾ [ الحجر : ٤٢ ] وتارة يعمّ كقوله تعالى :﴿ ولا يرضى لعباده الكفر ﴾ وقوله تعالى :﴿ نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم ﴾ [ الحجر : ٤٩ ] ﴿ يفجرونها ﴾ أي : يجرونها حيث شاؤوا من منازلهم وإن علت ﴿ تفجيراً ﴾ سهلاً لا يمتنع عليهم.
ولما دل وفاؤهم على سلامة طباعهم قال تعالى عاطفاً دلالة على جمعهم للأمرين المتعاطفين، فهم يفعلون الوفاء لا لأجل شيءٍ بل لكرم الطبع. ﴿ ويخافون ﴾ أي : مع فعلهم للواجبات ﴿ يوماً ﴾ قال ابن عبد السلام : شرّ يوم أو أهوال يوم ﴿ كان ﴾ أي : كوناً هو في جبلته ﴿ شرّه ﴾ أي : ما فيه من الشدائد ﴿ مستطيراً ﴾ أي : فاشياً منتشراً غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر وهو أبلغ من طار. وقال قتادة رضي الله عنه : كان شرّه فاشياً في السماوات فانشقت وتناثرت الكواكب وكوّرت الشمس والقمر وفزعت الملائكة ونسفت الجبال وغارت المياه وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء، وفي ذلك إشعار بحسن عقيدتهم وإحسانهم واجتنابهم عن المعاصي فإن الخوف أدل دليل على عمارة الباطن، قالوا : ما فارق الخوف قلباً إلا خرب، ومن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل.
فإن قيل : لم قال تعالى :﴿ كان شرّه ﴾ ولم يقل سيكون ؟ أجيب : بأنه كقوله تعالى :﴿ أتى أمر الله ﴾ [ النحل : ١ ] فبما قيل في ذاك يقال هنا.
﴿ مسكيناً ﴾ أي : محتاجاً احتياجاً يسيراً فصاحب الاحتياج الكثير أولى ﴿ ويتيماً ﴾ أي : صغيراً لا أب له ﴿ وأسيراً ﴾ أي : في أيدي الكفار. وخص هؤلاء بالذكر لأنّ المسكين عاجز عن الاكتساب بنفسه عما يكفيه، واليتيم مات من يكتسب له وبقي عاجزاً عن الكسب لصغره، والأسير لا يتمكن لنفسه نصراً ولا حيلة.
وقال مجاهد وسعيد بن جبير رضي الله عنهم : الأسير المحبوس فيدخل في ذلك المملوك والمسجون والكافر الذي في أيدي المسلمين، وقد نقل في غزوة بدر أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يؤثر أسيره على نفسه بالخبز، وكان الخبز إذ ذاك عزيزاً حتى كان ذلك الأسير يعجب من مكارمهم حتى كان ذلك مما دعاه إلى الإسلام، وذلك لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما دفعهم إليهم قال :«استوصوا بهم خيراً ». وقيل : الأسير المملوك، وقيل : المرأة لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «اتقوا الله في النساء فإنهنّ عندكم عوان » أي : أسرى.
﴿ قمطريراً ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : طويلاً. وقال مجاهد وقتادة رضي الله عنهم : القمطرير الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبس. وقال الكلبي : العبوس الذي لا انبساط فيه والقمطرير الشديد وقال الأخفش : القمطرير أشدّ ما يكون من الأيام وأطوله في البلاد يقال يوم قمطرير وقماطير إذا كان شديداً كريهاً.
ثم أشار إلى زيادة راحتهم بقوله تعالى :﴿ على الأرائك ﴾ أي : السرر في الحجال ولا تكون أريكة إلا مع وجود الحجلة وقيل : الأرائك الفرش على السرر. وقوله تعالى :﴿ لا يرون فيها ﴾ أي : الجنة حال ثانية على الخلاف المتقدم في الأولى، ومن جوّز أن تكون الأولى صفة جوّزه في الثانية. وقيل : إنها حال من الضمير المرفوع المستكن في متكئين فتكون حالاً متداخلة. ﴿ شمساً ﴾ أي : حرًّا ﴿ ولا ﴾ يرون فيها ﴿ زمهريراً ﴾ أي : برداً شديداً فالآية من الاحتباك دل نفي الشمس أوّلاً على نفي القمر ودل نفي الزمهرير الذي هو سبب البرد ثانياً على نفي الحرّ الذي سببه الشمس، فأفاد هذا أنّ الجنة غنية عن النيرين، لأنها نيرة بذاتها وأهلها غير محتاجين إلى معرفة زمان إذ لا تكليف فيها بوجه وأنها ظليلة معتدلة دائماً بخلاف الدنيا، فإنّ فيها الحاجة إلى ذلك، والحرّ والبرد فيها من فيح جهنم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اشتكت النار إلى ربها قالت : يا رب أكل بعضي بعضاً فجعل لها نفسين نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف فشدة ما تجدونه من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدونه من الحرّ من سمومها » وقيل : الزمهرير القمر بلغة طيئ، وأنشدوا :
وليلة ظلامها قد اعتكر | قطعتها والزمهرير ما زهر |
﴿ وذللت قطوفها ﴾ جمع قطف بالكسر وهو العنقود واسم للثمار المقطوفة أي : المجنية ﴿ تذليلاً ﴾ أي : سهل تناولها تسهيلاً عظيماً لا يردّ اليد عنها بعد ولا شوك لكل من يريد أخذها على أي حالة كانت من اتكاء وغيره، فإن كانوا قعوداً أو مضطجعين تدلت إليهم، وإن كانوا قياماً وكانت على الأرض ارتفعت إليهم، وقال البراء : ذللت لهم فهم يتناولون منها كيف شاؤوا، فمن أكل قائماً لم يؤذه ومن أكل جالساً لم يؤذه ومن أكل مضطجعاً لم يؤذه، وهذا جزاؤهم على ما كانوا يذللون أنفسهم لأمر الله تعالى.
ولما جمع الآنية خص فقال تعالى ﴿ وأكواب ﴾ جمع كوب، وهو كوز لا عروة له فيسهل الشرب منه من كل موضع فلا يحتاج عند التناول إلى إدارة ﴿ كانت ﴾ أي : تلك الأكواب كوناً هو من جبلتها ﴿ قوارير ﴾ أي : كانت بصفة القوارير من الصفاء والرقة والشفوف والإشراق، جمع قارورة وهي ما أقرّ فيه الشراب ونحوه من كل إناء رقيق صاف. وقيل : هو خاص بالزجاج.
وقال الزمخشري : وهذا التنوين بدل من ألف الإطلاق ؛ لأنها فاصلة وفي الثاني لإتباعه الأوّل يعني : أنهم يأتون بالتنوين بدلاً من حرف الإطلاق الذي للترنم، كقوله :
يا صاح ما هاج العيون الذرفن ***
وقوله تعالى ﴿ قدّروها تقديراً ﴾ صفة لقوارير من فضة وفي الواو في قدّروها وجهان : أحدهما : أنه للمطاف عليهم، ومعنى تقديرهم لها أنهم قدروها في أنفسهم أن تكون على تقادير وأشكال على حسب شهواتهم فجاءت كما قدّروا. والثاني : أنه للطائفين بها دل عليه قوله تعالى :﴿ ويطاف عليهم ﴾ [ الإنسان : ١٥ ] على أنهم قدّروا شرابها على قدر الري وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته لا يفضل عنه ولا يعجز، وعن مجاهد رضي الله عنه لا تغيض ولا تفيض وعن ابن عباس رضي الله عنهما قدّروها على ملء الكف حتى لا تؤذيهم بثقل أو بإفراط صغر، وجوّز أبو البقاء أن تكون الجملة مستأنفة.
كأن القرنفل والزنجبي | ل باتا بفيها وأريا مشورا |
وكأن طعم الزنجبيل به | إذ اذقته وسلافة الخمر |
وفي حق عيسى :﴿ ويكلم الناس في المهد وكهلاً ﴾ [ آل عمران : ٤٦ ] وعن إبراهيم :﴿ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ [ الأنبياء : ٦٠ ] وعن يعقوب :﴿ إنّ له أباً شيخاً كبيراً ﴾ [ يوسف : ٧٨ ]. وقالوا : وأقل أهل الجنة من يخدمه ألف غلام، ويعطى في الجنة قدر الدنيا عشر مرّات. وقرأ حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها.
ثم وصف تعالى تلك الغلمان بقوله تعالى :﴿ مخلدون ﴾ أي : قد حكم من لا يرد حكمه بأن يكونوا كذلك دائماً من غير علة ولا ارتفاع عن ذلك الحدّ مع أنهم مزينون بالحلي وهو الحلق والأساور والقرط والملابس الحسنة.
﴿ إذا رأيتهم ﴾ أي : يا أعلى الخلق وأنت أثبت الناس نظراً أو أيها الرائي الشامل لكل راء في أي حالة رأيتهم فيها ﴿ حسبتهم ﴾ أي : من بياضهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في الخدمة ﴿ لؤلؤاً منثوراً ﴾ أي : من سلكه أو من صدفه وهو أحسن منه في غير ذلك، قال بعض المفسرين : هم غلمان ينشئهم الله تعالى لخدمة المؤمنين. وقال بعضهم : أطفال المؤمنين لأنهم ماتوا على الفطرة. وقال ابن برجان : وأرى والله أعلم أنهم من علم الله تعالى إيمانه من أولاد الكفار، وتكون خدماً لأهل الجنة كما كانوا لنا في الدنيا سبياً وخداماً. وأما أولاد المؤمنين فيلحقون بآبائهم سناً وملكاً سروراً لهم. ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم عليه السلام :«إن له لظئراً تتم رضاعه في الجنة » فإنه يدل على انتقال شأنه فيما هنالك وكتنقله في الأحوال في الدنيا، ولا دليل على خصوصيته بذلك. وقرأ السوسي وشعبة بإبدال الهمزة الأولى الساكنة وقفاً ووصلاً، وإذا وقف حمزة أبدل الأولى والثانية.
قال سفيان الثوري : بلغنا أن المُلْك الكبير تسليم الملائكة عليهم. وقيل : كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رؤوس الملوك، وقال الحكيم الترمذي : هو ملك التكوين إذا أرادوا شيئاً، قالوا له : كن فيكون. وفي الخبر : إنّ الملك الكبير هو أنّ أدناهم منزلة أي : وما فيهم دنيء الذي في ملكه مسيرة ألف عام ويرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أعظمهم منزلة من ينظر إلى وجه ربه سبحانه وتعالى كل يوم. أي : قدر يوم من أيام الدنيا مرّتين.
وأمّا قراءة الباقين ففيها أيضاً أوجه : أظهرها : أن يكون خبراً مقدّماً وثياب مبتدأ مؤخراً. كأنه قال : فوقهم ثياب. قال أبو البقاء : لأنّ عاليهم بمعنى فوقهم، والضمير المتصل به للمطوف عليهم أو للخادم والمخدوم جميعاً وإن كانت تتفاوت بتفاوت الرتب. وقرأ نافع وحفص خضر وإستبرق برفعهما، وقرأ حمزة والكسائي بخفضهما. وقرأ أبو عمرو وابن عامر برفع خضر وجرّ إستبرق، وقرأ ابن كثير وشعبة بجرّ خضر ورفع إستبرق.
وحاصل القراءات في ذلك أربع مراتب : الأولى : رفعهما، الثانية : خفضهما، الثالثة : رفع الأوّل وخفض الثاني، الرابعة : عكس ذلك. فأمّا القراءة الأولى : فإنّ رفع خضر على النعت لثياب ورفع إستبرق نسق على الثياب، ولكن على حذف مضاف أي : وثياب إستبرق، وأمّا القراءة الثانية : فيكون جرّ خضر على النعت لسندس. ثم استشكل على هذا وصف المفرد بالجمع، فقال مكي : هو اسم جمع، وقيل : هو جمع سندسة كتمر وتمرة، ووصف اسم الجنس بالجمع صحيح قال تعالى :﴿ وينشئ السحاب الثقال ﴾ [ الرعد : ١٢ ]، ﴿ أعجاز نخل منقعر ﴾ [ القمر : ٢٠ ]، ﴿ ومن الشجر الأخضر ﴾ [ يس : ٨٠ ] وإذا كانوا قد وصفوا المحلى لكونه مراداً به الجنس بالجمع في قولهم : أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض وفي التنزيل ﴿ أو الطفل الذين ﴾ فلأن يوجد ذلك في أسماء الجموع أو أسماء الأجناس الفارق بينها وبين واحدها تاء التأنيث بطريق الأولى، وجرّ إستبرق نسقاً على سندس لأنّ المعنى : ثياب من سندس وثياب من إستبرق، وأمّا القراءة الثالثة : فرفع خضر نعتاً لثياب وجرّ إستبرق نسقاً على سندس أي : ثياب خضر من سندس ومن إستبرق، فعلى هذا يكون الإستبرق أيضاً أخضر، وأمّا القراءة الرابعة : فجرّ خضر على أنه نعت لسندس ورفع إستبرق على النسق على ثياب بحذف مضاف أي : وثياب إستبرق.
ثم أخبر تعالى عن تحليتهم بقوله سبحانه ﴿ وحلوا ﴾ أي : المخدوم والخادم ﴿ أساور من فضة ﴾ وإن كانت تتفاوت بتفاوت الرتب وهي بالغة من الأعضاء ما يبلغه التحجيل في الوضوء كما قال صلى الله عليه وسلم «الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء » فلذلك كان أبو هريرة يرفع إلى المنكبين وإلى الساقين.
تنبيه : قال هنا :﴿ أساور من فضة ﴾ وفي سورة فاطر :﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ﴾ [ فاطر : ٣٣ ] وفي سورة الحج :﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ ﴾ [ الحج : ٢٣ ] فقيل : حلي الرجال الفضة وحلي النساء الذهب. وقيل : تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة. وقيل : يجمع في يدي أحدهم سواران من ذهب، وسواران من فضة، وسواران من لؤلؤ لتجتمع لهما محاسن الجنة قاله سعيد بن المسيب. وقيل : يعطى كل أحد ما يرغب فيه وتميل نفسه إليه. وقيل : أسورة الفضة إنما تكون للولدان وأسورة الذهب للنساء. وقيل : هذا للنساء والصبيان. وقيل : هذا يكون بحسب الأوقات والأعمال.
﴿ وسقاهم ربهم ﴾ أي : الموجد لهم المحسن إليهم المدبر لمصالحهم ﴿ شراباً طهوراً ﴾ أي : ليس هو كشراب الدنيا سواء أكان من الخمر أم من الماء أم من غيرهما فهو بالغ الطهارة.
وقال عليّ رضي الله عنه : إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من ساقها عينان فيشربون من إحداهما فتجري عليهم نضرة النعيم فلا تتغير أبشارهم ولا تشعث شعورهم أبداً، ثم يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطونهم من الأذى ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقال النخعي وأبو قلابة : هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم وصار ما أكلوه وشربوه رشح مسك وضمرت بطونهم. وقال مقاتل : هو من عين ماء على باب الجنة تنبع من ساق شجرة، من شرب منها نزع الله تعالى ما كان في قلبه من غش وغل وحسد وما كان في جوفه من أذى، وعلى هذا فيكون فعول للمبالغة. وقال الرازي : قوله تعالى ﴿ طهوراً ﴾ في تفسيره احتمالات : أحدها : لا يكون نجساً كخمر الدنيا، وثانيها : المبالغة في البعد عن الأمور المستقذرة لأنه لم يعصر فتمسه الأيدي الوضرة وتدوسه الأرجل الدنسة ولم يجعل في الدنان والأباريق التي لم يعن بتنظيفها. وثالثها : أنه لا يؤول إلى النجاسة لأنها ترشح عرقاً من أبدانهم له ريح كريح المسك، وعلى هذين الوجهين يكون الطهور مطهراً لأنه يطهر بواطنهم من الأخلاق الذميمة والأشياء المؤذية.
فإن قيل : هل هذا نوع آخر غير ما ذكر قبل ذلك من أنهم يشربون من الكافور والزنجبيل والسلسبيل أم لا ؟ أجيب : بأنه نوع آخر لوجوه : أولها : رفع. ثانيها : أنه تعالى أضاف هذا الشراب إلى نفسه بقوله تعالى :﴿ وسقاهم ربهم شراباً طهوراً ﴾ وذلك يدل على فضل هذا دون غيره، ثالثها : ما روي أنه تقدّم إليهم الأطعمة والأشربة، فإذا فرغوا منها أتوا بالشراب الطهور فيشربون فيطهر ذلك بطونهم ويفيض عرقاً من جلودهم مثل ريح المسك، وهذا يدل على أنّ ذلك الشراب مغاير لتلك الأشربة، ولأنّ هذا الشراب يهضم سائر الأشربة، ثم إنّ له مع هذا الهضم تأثيراً عجيباً وهو أنه يجعل سائر الأطعمة والأشربة عرقاً يفوح منه ريح كريح المسك ويطهر شاربه عن الميل إلى اللذات الخسيسة والركون إلى ما سوى الحق فيتجرّد لمطالعة جلاله متلذذاً بلقائه باقياً ببقائه وهو منتهى درجات الصدّيقين وكل ذلك يدل على المغايرة.
قال الرازي : والمقصود من هذه الآية تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم وشرح صدره فيما نسبوه إليه صلى الله عليه وسلم من كهانة وسحر، فذكر تعالى أنّ ذلك وحي من الله تعالى فكأنه تعالى يقول : إن كان هؤلاء الكفار يقولون : إنّ ذلك كهانة فأنا الله الملك الحق أقول على سبيل التأكيد : إنّ ذلك وحي حق وتنزيل صدق من عندي. وفي ذلك فائدتان، الأولى : إزالة الوحشة الحاصلة بسبب طعن الكفار، لأنّ الله تعالى عظمه وصدّقه. الثانية : تقويته على تحمل مشاق التكليف، فكأنه تعالى يقول له : إني ما نزلت القرآن عليك متفرّقاً إلا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين، وقد اقتضت تلك الحكمة تأخير الإذن في القتال.
وقال مقاتل : أراد بالآثم عتبة بن ربيعة وبالكفور الوليد بن المغيرة، وكانا أتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج على أن يترك ذكر النبوّة عرض عليه عتبة ابنته وكانت من أجمل النساء، وعرض عليه الوليد أن يعطيه من الأموال حتى يرضى ويترك ما هو عليه، فقرأ عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات من أوّل حم السجدة إلى قوله تعالى :﴿ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ﴾ [ فصلت : ١٣ ] فانصرفا عنه. وقال أحدهما : ظننت أنّ الكعبة ستقع عليّ.
فإن قيل : كانوا كلهم كفرة فما معنى القسمة في قوله :﴿ آثماً أو كفوراً ﴾ أجيب : بأنّ معناه : ولا تطع منهم راكباً لما هو إثم داعياً لك إليه أو فاعلاً لما هو كفر داعياً لك إليه ؛ لأنهم إمّا أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل هو إثم أو كفر أو غير إثم ولا كفر، فنهي أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث.
ثم قال فإن قيل : معنى أو : ولا تطع أحدهما فهلا جيء بالواو ليكون نهياً عن إطاعتهما جميعاً ؟ أجيب : بأنه لو قال : ولا تطعهما لجاز أن يطيع أحدهما وإذا قيل : ولا تطع أحدهما علم أنّ الناهي عن طاعة أحدهما أنهى عن طاعتهما جميعاً كما إذا نهى أن يقول لأبويه : أف علم أنه نهى عن ضربهما بطريق الأولى.
فإن قيل : إنه صلى الله عليه وسلم ما كان يطيع أحداً منهم فما فائدة هذا النهي ؟ أجيب : بأنّ المقصود بيان أنّ الناس محتاجون إلى التنبيه والإرشاد لأجل ما تركب فيهم من الشهوة الداعية إلى النساء وأنّ الواحد لو استغنى عن توفيق الله تعالى وإرشاده لكان أحق الناس به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم دائماً أبداً، ومتى ظهر لك ذلك عرفت أنّ كل مسلم لا بدّ له من الرغبة إلى الله تعالى والتضرّع إليه أن يصونه عن الشهوات.
﴿ ويذرون ﴾ أي : ويتركون ﴿ وراءهم ﴾ أي : قدّامهم على وجه الإحاطة بهم وهم عنه معرضون كما يعرض الإنسان عما وراءه أو خلف ظهورهم لا يعبؤون به وقوله تعالى :﴿ يوماً ﴾ مفعول يذرون لا ظرف وقوله تعالى :﴿ ثقيلاً ﴾ وصف له استعير له الثقل لشدّته وهو له من الشيء الثقيل الباهظ لحامله ونحوه ثقلت في السماوات والأرض.
ثم علل ذلك بإحاطته بمشيئتهم بقوله تعالى ﴿ إنّ الله ﴾ أي : المحيط علماً وقدرة ﴿ كان ﴾ أي : أزلاً وأبداً ﴿ عليماً ﴾ أي : بما يستأهل كل أحد ﴿ حكيماً ﴾ أي : بالغ الحكمة فهو يمنع منعاً محكماً من أن يشاء غيره ما لم يأذن فيه فمن علم في جبلته خيراً أعانه عليه، ومن علم منه الشرّ ساقه إليه وحمله عليه وهو معنى قوله تعالى :﴿ يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ﴾.