ﰡ
وصف النطفة مع أنها مفرد ب " أمشاج " ( ١ ) وهو جمع لأنها في معنى الجمع، كقوله تعالى :﴿ متكئين على رفرف خُضر ﴾ [ الرحمن : ٧٦ ] أو بجعل أجزائها نُطَفا، وقيل : " أمشاج " مفرد لا جمع، كبرمة أعشار، وثوب أخلاق.
قوله تعالى :﴿ نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ﴾ [ الإنسان : ٢ ].
إن قلتَ : كيف عطف على " نبتليه " ما بعده بالفاء، مع أن الابتلاء متأخر عنه ؟
قلتُ : " نبتليه " حال مقدّرة أي مريدين ابتلاءه حين تأهّله، فجعلناه سميعا بصيرا، فالمعطوف عليه هو إرادة الابتلاء لا الإبتلاء.
ذكره بالبناء للمفعول، وقال بعد ﴿ ويطوف عليهم ولدان ﴾ [ الإنسان : ١٩ ] بالبناء للفاعل، لأن المقصود في الأول : ما يطاف به لا الطائفون، بقرينة قوله :﴿ بآنية من فضة ﴾ والمقصود في الثاني : الطائفون، فذكر في كلّ منهما ما يناسبه.
قوله تعالى :﴿ وأكواب كانت قوارير ﴾ [ الإنسان : ١٥ ] معناه تكوّنت، لا لأنها كانت قبل قوارير( ١ )، فهو من قوله تعالى :﴿ كن فيكون ﴾ وكذا ﴿ كان مزاجها كافورا ﴾ [ الإنسان : ٥ ].
إن قلتَ : ما الحكمة في تشبيههم باللؤلؤ المنثور دون المنظوم ؟
قلتُ : لأنه تعالى أراد تشبيههم –لحسنهم وانتشارهم في الخدمة- باللؤلؤ الذي لم يُثقب، وهو أشدّ صفاءً، وأحسن منظرا، مما ثُقب( ١ )، لأنه إذا ثُقب نقص صفاؤه ومائيّته، وما لم يثقب لا يكون إلا منثورا.
إن قلتَ : أيّ شرف لتلك الدار، مع أنه سقاهم ذلك في الدنيا، قال تعالى :﴿ وأسقيناكم ماء فراتا ﴾ [ المرسلات : ٢٧ ] أي عذبا ؟
قلتُ : المراد سقاهم في تلك الدار بغير واسطة( ١ )، وأيضا فشتّان ما بين الشرابين، والآنيتين، والمنزلين.
أفاد بالتعبير ب " أو " النهي عن طاعتهما معا بالأولى، ولو عطف بالواو لأفهم جواز طاعة أحدهما، وليس مراداً.
فإن قلتَ : كيف قال ذلك هنا، وقال في النساء ﴿ وخلق الإنسان ضعيفا ﴾ ؟ [ النساء : ٢٨ ].
قلتُ : قال ابن عباس وغيره : المراد به : ضعيف عن الصبر عن النساء، فلذلك أباح الله له نكاح الأمة، وقال الزجاج : معناه يغلبه هواه وشهوته، فلذلك وُصف بالضعف، ومعنى قوله :﴿ وشددنا أسرهم ﴾ ربطنا أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والأعصاب، أو المراد بالأسر : عَجْبُ الذنب، لأنه لا يتفتت في القبر.