تفسير سورة الكوثر

فتح القدير
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير المعروف بـفتح القدير .
لمؤلفه الشوكاني . المتوفي سنة 1250 هـ
سورة الكوثر
هي ثلاث آيات وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل، ومدنية في قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت سورة الكوثر بمكة.

سورة الكوثر
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ، وَمَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْكَوْثَرِ بمكة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَطَلْحَةُ وَالزَّعْفَرَانِيُّ «أَنْطَيْنَاكَ» بِالنُّونِ.
قِيلَ: هِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ. قَالَ الْأَعْشَى:
حِبَاؤُكَ خَيْرُ حبا الملوك يصان الحلال وتنطى الحلولا
والْكَوْثَرَ فَوْعَلٌ مِنَ الْكَثْرَةِ، وُصِفَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ، مِثْلَ النَّوْفَلِ مِنَ النَّفْلِ، وَالْجَوْهَرِ مِنَ الْجَهْرِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ كَثِيرٍ فِي الْعَدَدِ أَوِ الْقَدْرِ أَوِ الْخَطَرِ كَوْثَرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «١» :
وَقَدْ ثَارَ نَقْعُ الْمَوْتِ حَتَّى تَكَوْثَرَا «٢»
فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ الْبَالِغَ فِي الْكَثْرَةِ إِلَى الْغَايَةِ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا حَكَاهُ الْوَاحِدِيُّ إِلَى أَنَّ الْكَوْثَرَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: هُوَ حَوْضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْقِفِ، قَالَهُ عَطَاءٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْكَوْثَرُ: النُّبُوَّةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْقُرْآنُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ وَتَخْفِيفُ الشَّرَائِعِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: هُوَ كَثْرَةُ الْأَصْحَابِ وَالْأُمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ الْإِيثَارُ. وَقِيلَ:
هُوَ الْإِسْلَامُ، وَقِيلَ: رِفْعَةُ الذِّكْرِ، وَقِيلَ: نُورُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ: الشَّفَاعَةُ، وَقِيلَ: الْمُعْجِزَاتُ، وَقِيلَ: إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَقِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: الْفِقْهُ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا هُوَ الْحَقُّ.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ الْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّوَامِ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَانْحَرْ الْبُدْنَ الَّتِي هِيَ خِيَارُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّ نَاسًا كَانُوا يُصَلُّونَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَيَنْحَرُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ وَنَحْرُهُ لَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: الْمُرَادُ صلاة العيد، ونحر الأضحية. وقال سعيد بن جبير: صلّ لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع، وانحر البدن
(١). هو حسان بن نشبة.
(٢). وصدر البيت: أبوا أن يبيحوا جارهم لعدوهم.
614
في منى: وقيل: النَّحْرُ: وَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ حذاء النَّحْرِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ إِلَى حِذَاءَ نَحْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِنَحْرِهِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَالْكَلْبِيُّ وَأَبُو الْأَحْوَصِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: نَتَنَاحَرُ، أَيْ: نَتَقَابَلُ نَحْرُ هَذَا إِلَى نَحْرِ هَذَا، أَيْ:
قُبَالَتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَبَا حَكَمٍ ما أنت عمّ مُجَالِدٌ وَسَيِّدُ أَهْلِ الْأَبْطَحِ الْمُتَنَاحِرُ
أَيِ: الْمُتَقَابِلُ. وقال ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هُوَ انْتِصَابُ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ بإزاء المحراب، من قولهم: منازلهم تتناحر، أي: تَتَقَابَلُ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَوِيَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ جَالِسًا حَتَّى يَبْدُوَ نحره.
وقال سليمان التيمي: المعنى: وارتفع يَدَيْكَ بِالدُّعَاءِ إِلَى نَحْرِكَ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْأَمْرُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَمُطْلَقِ النَّحْرِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا لِغَيْرِهِ، وَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ بَيَانِ هَذَا الْمُطْلَقِ بِنَوْعٍ خَاصٍّ فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّقْيِيدِ لَهُ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ. إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أَيْ: إِنَّ مُبْغِضَكَ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنِ الْخَيْرِ عَلَى الْعُمُومِ، فَيَعُمُّ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَوِ الَّذِي لَا عَقِبَ لَهُ، أَوِ الَّذِي لَا يَبْقَى ذِكْرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ، وَأَنَّ هَذَا شَأْنُ كُلِّ مَنْ يُبْغِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنَ سَبَبِ النُّزُولِ هُوَ اْلَعَاصَ بْنَ وَائِلٍ، فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا مرّ غير مَرَّةً. قِيلَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَاتَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِ الرَّجُلِ قَالُوا: قَدْ بُتِرَ فُلَانٌ، فَلَمَّا مَاتَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمُ خَرَجَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: بُتِرَ مُحَمَّدٌ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَقِيلَ: الْقَائِلُ بِذَلِكَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْأَبْتَرُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ، وَمِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي لَا ذَنَبَ لَهُ، وَكُلُّ أَمْرٍ انْقَطَعَ مِنَ الْخَيْرِ أَثَرُهُ فَهُوَ أَبْتَرُ، وَأَصْلُ الْبَتْرِ: الْقَطْعُ، يُقَالُ: بَتَرْتُ الشَّيْءَ بَتْرًا قَطَعْتُهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِغْفَاءَةً، فَرَفَعَ رَأْسَهُ مُبْتَسِمًا فَقَالَ: إِنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حَتَّى خَتَمَهَا قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ قَالُوا:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هُوَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي فِي الْجَنَّةِ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ الْكَوَاكِبِ يَخْتَلِجُ «١»
الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي ما أحدث بعدك». وأخرجه أَيْضًا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ حَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قَالَتْ: هُوَ نَهْرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُطْنَانِ الجنة.
(١). أي ينتزع ويقتطع.
615
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، عَنْ حُذَيْفَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قَالَ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، وَحَسَّنَ السُّيُوطِيُّ إِسْنَادَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أُسَامَةَ ابن زَيْدٍ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ أُعْطِيتَ نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ يُدْعَى الْكَوْثَرَ، فَقَالَ: أَجَلْ، وَأَرْضُهُ يَاقُوتٌ وَمَرْجَانٌ وَزَبَرْجَدٌ وَلُؤْلُؤٌ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:
«أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَوْثَرُ؟ قَالَ: هُوَ نَهْرٌ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ».
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا، وَعَدَمُ التَّعْوِيلِ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْكَوْثَرِ: هُوَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، فَمَنْ فَسَّرَهُ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ تَفْسِيرٌ نَاظِرٌ إِلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. كَمَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: قَالَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي الْكَوْثَرِ:
قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ فَقَالَ: صَدَقَ إِنَّهُ لَلْخَيْرُ الْكَثِيرُ. وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ يَجْرِي عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَمَاؤُهُ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ». وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْكَوْثَرِ هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ حَبْرِ الْأُمَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَاظِرٌ إِلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَمَا عَرَفْنَاكَ، وَلَكِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَسَّرَهُ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، وَإِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ. وَأَخْرَجَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبً قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِجِبْرِيلَ: مَا هَذِهِ النَّحِيرَةُ الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَحِيرَةٍ، وَلَكِنْ يَأْمُرُكَ إِذَا تَحَرَّمْتَ لِلصَّلَاةِ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ إِذَا كَبَّرْتَ، وَإِذَا رَكَعْتَ، وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ، فَإِنَّهَا صَلَاتُنَا وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةً، وَزِينَةُ الصَّلَاةِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ مِنَ الِاسْتِكَانَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى رَسُولِهِ أَنِ ارْفَعْ يَدَيْكَ حِذَاءَ نَحْرِكَ إِذَا كَبَّرْتَ لِلصَّلَاةِ، فَذَاكَ النَّحْرُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ، وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قَالَ: وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ سَاعِدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ وَضَعَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ شَاهِينَ فِي سُنَنِهِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قَالَ: إِذَا صَلَّيْتَ فَرَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَاسْتَوِ قَائِمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ
616
الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، وَالذَّبْحُ يَوْمَ الْأَضْحَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ وَانْحَرْ قَالَ: يَقُولُ: وَاذْبَحْ يَوْمَ النَّحْرِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ. فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: أَنْتَ خَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَيِّدُهُمْ، أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الصَّابِئِ الْمُنْبَتِرِ مِنْ قَوْمِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا، وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ وَأَهْلُ السَّدَانَةِ؟! قَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ، فَنَزَلَتْ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وَنَزَلَتْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ إلى قوله: فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً «١» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشَى الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الصَّابِئَ قَدْ بُتِرَ اللَّيْلَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَكْبَرُ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاسِمَ، ثُمَّ زَيْنَبَ، ثُمَّ عَبْدَ اللَّهِ، ثُمَّ أُمَّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ فَاطِمَةَ، ثُمَّ رُقَيَّةَ، فَمَاتَ الْقَاسِمُ وَهُوَ أَوَّلُ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِهِ، وَوَلَدِهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ: قَدِ انْقَطَعَ نَسْلُهُ فَهُوَ أَبْتَرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وَفِي إِسْنَادِهِ الْكَلْبِيُّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ قَالَ: أَبُو جَهْلٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ إِنَّ شانِئَكَ يقول: عدوّك.
(١). النساء: ٤٤- ٥٢. [.....]
617
سورة الكافرون
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ. وَمَدَنِيَّةٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أنزلت سورة يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن الزبير قال: أنزلت يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ:
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهَذِهِ السُّورَةِ، وَبِقُلْ هو الله، فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهِمَا فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً، أَوْ بضع عشرة مرة قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بسبّح، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ رُبُعِ الْقُرْآنِ». وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ رُبُعَ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ الضُّرَيْسِ وَالْبَغَوِيُّ، وَحُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ فِي تَرْغِيبِهِ، عَنْ شَيْخٍ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر فمرّ برجل يقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فقال: أما هذا فقد برىء مِنَ الشِّرْكِ، وَإِذَا آخَرُ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِهَا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وابن الأنباري في المصاحف، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عن فروة بن نوفل بن معاوية الأشجعي عن أبيه أنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مَا أَقُولُ إِذَا أَوَيْتُ إِلَى فِرَاشِي قَالَ: «اقْرَأْ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ». وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْأَشْجَعِيِّ: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ لِلنَّوْمِ فاقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَهَا فَقَدْ بَرِئْتَ مِنَ الشِّرْكِ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ جَبَلَةَ، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: عَنْ جَبَلَةَ بن حارثة، وهو أخو زيد ابن حَارِثَةَ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ عِنْدَ مَنَامِي قَالَ: إِذَا أَخَذْتَ مضجعك من الليل فاقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ حَتَّى تَمُرَّ بِآخِرِهَا فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ». وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ،
618
﴿ فَصَلّ لِرَبّكَ ﴾ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والمراد الأمر له صلى الله عليه وسلم بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة. ﴿ وانحر ﴾ البدن التي هي خيار أموال العرب. قال محمد بن كعب : إن ناساً كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونحره له. وقال قتادة، وعطاء، وعكرمة : المراد صلاة العيد، ونحر الأضحية. وقال سعيد بن جبير : صلّ لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع. وانحر البدن في منى. وقيل : النحر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حذاء النحر قاله محمد بن كعب. وقيل : هو أن يرفع يديه في الصلاة عند التكبيرة إلى حذاء نحره. وقيل : هو أن يستقبل القبلة بنحره قاله الفراء، والكلبي، وأبو الأحوص. قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول نتناحر : أي نتقابل : نحر هذا، إلى نحر هذا : أي قبالته، ومنه قول الشاعر :
أبا حكم ما أنت عمّ مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر
أي : المتقابل. وقال ابن الأعرابي : هو : انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب. من قولهم : منازلهم تتناحر تتقابل. وروي عن عطاء أنه قال : أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره. وقال سليمان التيمي : المعنى : وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك، وظاهر الآية الأمر له صلى الله عليه وسلم بمطلق الصلاة، ومطلق النحر، وأن يجعلهما لله عزّ وجلّ لا لغيره، وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص، فهو في حكم التقييد له، وسيأتي إن شاء الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن أنس قال : أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسماً فقال :«إنه أنزل عليّ آنفاً سورة» فقرأ :﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرحيم ﴾ ﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ حتى ختمها قال :«هل تدرون ما الكوثر ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :«هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته كعدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا ربّ إنه من أمتي، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك» وأخرجه أيضاً مسلم في صحيحه. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«دخلت الجنة، فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك أذفر، قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله» وقد روي عن أنس من طرق كلها مصرحة بأن الكوثر هو النهر الذي في الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة، والبخاري، وابن جرير، وابن مردويه عن عائشة أنها سئلت عن قوله :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ قالت : هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه نهر في الجنة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة في قوله :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ قال : نهر في الجنة. وحسن السيوطي إسناده. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أسامة بن زيد مرفوعاً : أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر، فقال :«أجل، وأرضه ياقوت، ومرجان، وزبرجد، ولؤلؤ»
وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رجلاً قال : يا رسول الله ما الكوثر ؟ قال :" هو نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله " فهذه الأحاديث تدلّ على أن الكوثر هو النهر الذي في الجنة، فيتعين المصير إليها، وعدم التعويل على غيرها، وإن كان معنى الكوثر : هو الخير الكثير في لغة العرب، فمن فسره بما هو أعمّ مما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فهو تفسير ناظر إلى المعنى اللغويّ.
كما أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال : قال محارب بن دثار : قال سعيد بن جبير في الكوثر : قلت حدّثنا عن ابن عباس أنه قال : هو الخير الكثير، فقال : صدق إنه للخير الكثير، ولكن حدّثنا ابن عمر قال : نزلت :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدرّ، والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل " وأخرج البخاري، وابن جرير، والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير، فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، قال : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. وهذا التفسير من حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه ناظر إلى المعنى اللغويّ كما عرّفناك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فسّره فيما صح عنه أنه النهر الذي في الجنة، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه السورة على النبيّ صلى الله عليه وسلم :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر * فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل :" ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ " فقال : إنها ليست بنحيرة، ولكن يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنها صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين هم في السماوات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم :" رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله :﴿ فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ " [ المؤمنون : ٧٦ ] هو من طريق مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن عليّ. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال :«إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة، فذاك النحر».
وأخرج ابن أبي شيبة، والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وأبو الشيخ، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر ﴾ قال : وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى، ثم وضعهما على صدره في الصلاة. وأخرج أبو الشيخ، والبيهقي في سننه عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن شاهين في سننه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس ﴿ فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر ﴾ قال : إذا صليت، فرفعت رأسك من الركوع، فاستو قائماً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : الصلاة المكتوبة، والذبح يوم الأضحى. وأخرج البيهقي في سننه عنه :﴿ وانحر ﴾ قال : يقول : واذبح يوم النحر. وأخرج البزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة. فقالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم، ألا ترى إلى هذا الصابئ المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السقاية، وأهل السدانة، قال : أنتم خير منه، فنزلت :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾ ونزلت :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا منَ الكتاب ﴾ [ النساء : ٥١ ] إلى قوله :﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ﴾ [ النساء : ٥٢ ]. قال ابن كثير : وإسناده صحيح. وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي أيوب قال : لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا : إن هذا الصابئ قد بتر الليلة، فأنزل الله :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ إلى آخر السورة. وأخرج ابن سعد، وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، ثم زينب، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، فمات القاسم، وهو : أوّل ميت من أهله، وولده بمكة، ثم مات عبد الله، فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل الله ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾. وفي إسناده الكلبي. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾ قال : أبو جهل. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ ﴾ يقول : عدوّك.

﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾ أي إن مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم. فيعمّ خيري الدنيا والآخرة، أو الذي لا عقب له، أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته، وظاهر الآية العموم، وأن هذا شأن كل من يبغض النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا ينافي ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما مرّ غير مرّة. قيل : كان أهل الجاهلية إذا مات الذكور من أولاد الرجل قالوا : قد بتر فلان، فلما مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد، فنزلت الآية. وقيل : القائل بذلك عقبة بن أبي معيط. قال أهل اللغة : الأبتر من الرجال : الذي لا ولد له، ومن الدوابّ : الذي لا ذنب له، وكل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر، وأصل البتر القطع، يقال بترت الشيء بتراً : قطعته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وقد أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن أنس قال : أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسماً فقال :«إنه أنزل عليّ آنفاً سورة» فقرأ :﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرحيم ﴾ ﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ حتى ختمها قال :«هل تدرون ما الكوثر ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :«هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته كعدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا ربّ إنه من أمتي، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك» وأخرجه أيضاً مسلم في صحيحه. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«دخلت الجنة، فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك أذفر، قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله» وقد روي عن أنس من طرق كلها مصرحة بأن الكوثر هو النهر الذي في الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة، والبخاري، وابن جرير، وابن مردويه عن عائشة أنها سئلت عن قوله :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ قالت : هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه نهر في الجنة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة في قوله :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ قال : نهر في الجنة. وحسن السيوطي إسناده. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن أسامة بن زيد مرفوعاً : أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر، فقال :«أجل، وأرضه ياقوت، ومرجان، وزبرجد، ولؤلؤ»
وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رجلاً قال : يا رسول الله ما الكوثر ؟ قال :" هو نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله " فهذه الأحاديث تدلّ على أن الكوثر هو النهر الذي في الجنة، فيتعين المصير إليها، وعدم التعويل على غيرها، وإن كان معنى الكوثر : هو الخير الكثير في لغة العرب، فمن فسره بما هو أعمّ مما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فهو تفسير ناظر إلى المعنى اللغويّ.
كما أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال : قال محارب بن دثار : قال سعيد بن جبير في الكوثر : قلت حدّثنا عن ابن عباس أنه قال : هو الخير الكثير، فقال : صدق إنه للخير الكثير، ولكن حدّثنا ابن عمر قال : نزلت :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدرّ، والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل " وأخرج البخاري، وابن جرير، والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير، فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، قال : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. وهذا التفسير من حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه ناظر إلى المعنى اللغويّ كما عرّفناك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فسّره فيما صح عنه أنه النهر الذي في الجنة، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه السورة على النبيّ صلى الله عليه وسلم :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر * فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل :" ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ " فقال : إنها ليست بنحيرة، ولكن يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنها صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين هم في السماوات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم :" رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله :﴿ فَمَا استكانوا لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ " [ المؤمنون : ٧٦ ] هو من طريق مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن عليّ. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال :«إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة، فذاك النحر».
وأخرج ابن أبي شيبة، والبخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وأبو الشيخ، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب في قوله :﴿ فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر ﴾ قال : وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى، ثم وضعهما على صدره في الصلاة. وأخرج أبو الشيخ، والبيهقي في سننه عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن شاهين في سننه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس ﴿ فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر ﴾ قال : إذا صليت، فرفعت رأسك من الركوع، فاستو قائماً. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : الصلاة المكتوبة، والذبح يوم الأضحى. وأخرج البيهقي في سننه عنه :﴿ وانحر ﴾ قال : يقول : واذبح يوم النحر. وأخرج البزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة. فقالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم، ألا ترى إلى هذا الصابئ المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السقاية، وأهل السدانة، قال : أنتم خير منه، فنزلت :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾ ونزلت :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا منَ الكتاب ﴾ [ النساء : ٥١ ] إلى قوله :﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ﴾ [ النساء : ٥٢ ]. قال ابن كثير : وإسناده صحيح. وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي أيوب قال : لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا : إن هذا الصابئ قد بتر الليلة، فأنزل الله :﴿ إِنَّا أعطيناك الكوثر ﴾ إلى آخر السورة. وأخرج ابن سعد، وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، ثم زينب، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، فمات القاسم، وهو : أوّل ميت من أهله، وولده بمكة، ثم مات عبد الله، فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل الله ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾. وفي إسناده الكلبي. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾ قال : أبو جهل. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ ﴾ يقول : عدوّك.

Icon