تفسير سورة قريش

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة قريش من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة قريش
أهداف سورة قريش
( سورة قريش مكية، وآياتها ٤ آيات، نزلت بعد سورة التين )
وهي امتداد لسورة الفيل، فقد حفظ الله هذا البيت من كيد المعتدين، ( وكان لحادث الفيل أثر مضاعف في زيادة حرمة البيت عند العرب في جميع أنحاء الجزيرة، وزيادة مكانة أهله وسدنته من قريش، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين، حيثما حلّوا وجدوا الكرامة والرعاية. وشجعهم ذلك على إنشاء خطين عظيمين من خطوط التجارة –عن طريق القوافل- إلى اليمن في الجنوب، وإلى الشام في الشمال، وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين : إحداهما إلى اليمن في الشتاء، والثانية إلى الشام في الصيف ). i.
وكانت حالة الأمن مضطربة في شعاب الجزيرة، يفتخر الناس فيها بالصعلكة والسلب والإغارة والنهب، ويعتدون على قوافل التجارة، إن أن حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرانه الأمن والسلامة، وجعلت لقريش منزلة ظاهرة بين العرب، وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول في أمان وسلامة وطمأنينة، وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين، فصارتا لهم عادة وإلفا. وقد امتن الله على قريش بحادثة الفيل وحماية البيت، وامتن عليهم بالأمان والحماية لهم، وسعة الرزق ورغد العيش من ربح التجارة، وبلادهم قفرة جفرة وهم طامعون هانئون من فضل الله.
مع آيات السورة
لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشتاء والصيف* فليعبدوا ربّ هذا البيت* الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
المعنى : ألفت قريش واعتادت، أن ترحل إلى ما جاورها من البلاد، سعيا وراء الرزق، وجلبا لمعايشهم، وترويجا لتجارتهم.
والله سبحانه يمتن عليهم بذلك، ويقول لهم : من أجل إيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة، وتنال من ورائها ما تنال.
فليعبدوا ربّ هذا البيت* الذي أطعمهم من جوع... وأنقذهم من الجماعات التي تنزل بهم وبأمثالهم من سكان البراري، وآمنهم من خوف. العدو، أو كوارث الحياة. وكان الأصل بحسب ما هم فيه من ضعف، وبحسب حالة البيئة أن يكونوا في خوف، فآمنهم من هذا الخوف.
فليشكر قومك يا محمد ربهم على هذه النعم، وليؤمنوا بربوبيته، وليقرّوا بعبوديتهم، وليعبدوه بما هو أهل له من العبادة.
وقريب من هذه السورة قوله تعالى : أو لم نمكّن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون. ( القصص : ٥٧ ).
مقاصد السورة
١- من نعمة الله على قريش أن منحهم الهيبة والأمان فألفوا رحلة الشتاء والصيف.
٢- من الواجب أن يعترفوا بفضل الله عليهم في حماية بيته، وحماية تجارتهم.
٣- يجب عليهم أن يعبدوا ربهم، وأن يستجيبوا لدعوة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فإنه رسول رب العالمين.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ لإيلاف قريش ١ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ٢ فليعبدوا ربّ هذا البيت ٣ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ٤ ﴾
المفردات :
لإيلاف قريش : إلاف الشيء وإلفه : لزومه والعكوف عليه، وقريش للقبائل العربية من ولد النضر بن كنانة، وأصل الكلمة تصغير للقرش، وهو نوع من السمك مشهور، ويمتاز بقوته على سائر الأسماك، كما امتازت قريش على سائر القبائل بخدمة البيت الحرام.
التفسير :
١- لإيلاف قريش.
لقد ألفت قريش أن تخرج إلى الشام عند شدة الحرارة في فصل الصيف، لتبيع وتشتري الحبوب الزراعية، وأن ترحل إلى اليمن جنوبا في فصل الشتاء، لجلب العطور والبهارات الآتية من الهند والخليج، واليمن بلاد حارة تناسب فصل الشتاء.
قال ابن هشام :
لإيلاف قريش.
إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم، وكانت لهم خرجتان : خرجة في الشتاء، وخرجة في الصيف، والعرب تقول : ألفت الشيء إلفا، وألفته إيلافا، أي : أحببته واسترحت إليه. اه.
ومنه قوله تعالى : وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم. ( الأنفال : ٦٣ ).
المفردات :
رحلة الشتاء : كانت إلى اليمن.
والصيف : أي : ورحلة الصيف، وكانت إلى الشام يتاجرون فيها ويمتارون.
التفسير :
٢- إيلافهم رحلة الشتاء والصيف.
هذه الآية بدل من الآية السابقة وشرح لها، أي : من سبب نعم الله عليها، أنها ألفت الخروج من أرضها الصعبة التي لا زرع فيها ولا ثمر، وحبّب الله إليها نعمة التجارة، والخروج في الشتاء إلى اليمن لجلب الأعطار والأفاوية، والخروج في الصيف إلى الشام لجلب الأقوات إلى بلادهم.
وكانت العرب تحترمهم لأنهم سدنة بيت الله، ولأن الله عز وجل قد رد عنهم أصحاب الفيل، وأهلكهم قدرته، فكان ذلك من أسباب عزة قريش، وسعة أرزاقها، لمحافظة العرب على تجارتها، وكان العرب يغيرون على كثير من القبائل، لكن الله مكّن لقريش.
قال تعالى : أو لم نمكّن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء... ( القصص : ٥٧ ).
ونلحظ أن الله تعالى منّ عليهم في السورة السابقة ( سورة الفيل ) بردّ كيد أصحاب الفيل، وحماية البيت الحرام وأهل مكة منهم، ثم منّ عليهم في هذه السورة بنعمة الأمن والأمان، وإلف السفر والتعوّد عليه، وكانت تجارتهم تربح، والناس تحافظ عليها، وكان الحجيج يحملون معهم ثمرات بلادهم أثناء الحج والعمرة.
قال تعالى : أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف الناس من حولهم... ( العنكبوت : ٦٧ ).
٣- فليعبدوا ربّ هذا البيت.
فلتتجه قريش وأهل مكة إلى عبادة الله رب البيت الحرام والكعبة المشرّفة، بسبب أنه عظيم وكريم، وصاحب أفضال ونعم.
٤- الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
إن الله رب البيت العتيق، هو الذي أطعمهم من جوع، فيسّر لهم التجارة الرابحة التي تجوب البلاد إلى الشام صيفا، وإلى اليمن شتاء، فزادت ثروتهم، وكانت مكة من البلاد الغنيّة بسبب التجارة، وبسبب محافظة الناس على تجارة قريش وأهل مكة.
وآمنهم من خوف.
حيث ردّ أصحاب الفيل وأهلك جيشهم، وجعل البيت الحرام منطقة أمان يقام عندها الحج، ويؤدي الناس المناسك والعبادة.
قال تعالى : جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس... ( المائدة : ٩٧ ).
أي : يقوم عندها أمر الدين، وتتم عندها وحولها مناسك الحج والعمرة.
والخلاصة :
لتتجه قريش بعبادتها إلى الله وحده، الذي أنعم عليها بنعم عديدة، يكفي أن يكون من بينها رحلة الشتاء والصيف، وليشكروا الله الذي يسر لهم الرزق والأقوات، كما جعلهم في أمن بسبب البيت الحرام.
قال تعالى : ومن دخله كان آمنا... ( آل عمران : ٩٧ ).
قال ابن كثير :
ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه.
كما قال تعالى :
وضرب الله مثلا قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون* ولقد جاءهم رسول منهم فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمونii. ( النحل : ١١٢، ١١٣ ).
( تم بحمد الله تعالى وتوفيقه تفسير سورة قريش )
i في ظلال القرآن ٣٠/٦٧٦.
ii مختصر تفسير ابن كثير المجلد الثالث ٦٧٠. تحقيق محمد علي الصابوني دار القرآن الكريم دمشق.
Icon