تفسير سورة الإنسان

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الانسان مكية وهي احدى وثلاثون آية

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١)
﴿هَلْ أتى﴾ قد مضى ﴿عَلَى الإنسان﴾ آدم عليه السلام ﴿حين من الدهر﴾ ر أربعون سنة مصوراً قبل نفخ الروح فيه ﴿لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً﴾ لم يذكر اسمه ولم يدر ما يراد به لأنه كان طينا يمر به الزمان ولو كان غير موجود لم يوصف بأنه قد أتى عليه حين من الدهر ومحل لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً النصب على الحال من الإنسان أي أتى عليه حين من الدهر غير مذكور
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢)
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان﴾ أي ولد آدم وقيل الأول ولد آدم أيضا وحين مِّنَ الدهر على هذا مدة لبثه في بطن أمه إلى أن صار شيئاً مذكوراً بين الناس مِن ﴿نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ نعت أو بدل منها أي من نطفة قد امتزج فيها الماآن ومشجة ومزجة بمعنى ونطفة أَمْشَاجٍ كبرمة أعشار فهو لفظ مفرد غير جمع ولذا وقع صفة للمفرد ﴿نَّبْتَلِيهِ﴾ حال أي خلقناه مبتلين أي مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له ﴿فجعلناه سميعا بصيرا﴾ اذا سمع وبصر
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)
﴿إِنَّا هديناه السبيل﴾ بيّنا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع {إما
576
شاكرا} امؤمنا ﴿وَإِمَّا كَفُوراً﴾ كافراً حالان من الهاء في هديناه أي إن شكر وكفر فقد هديناه السبيل في الحالين أو من السبيل أي عرّفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وأما سبيلاً كفوراً ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز ولما ذكر الفريقين أتبعهما ما أعد لهما فقال
577
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (٤)
﴿إنا أعتدنا للكافرين سلاسل﴾ جمع سلسلة بغير تنوين حفص ومكي وأبو عمرو وحمزة وبه ليناسب أغلالا وَسَعِيراً إذ يجوز صرف غير المنصرف للتناسب غيرهم ﴿وأغلالا﴾ جمع غُلٍّ ﴿وَسَعِيراً﴾ ناراً موقدة وقال
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥)
﴿إِنَّ الأبرار﴾ جمع بر أو بار كرب وأرباب وشاهد وأشهاد وهم الصادقون في الإيمان او الذين لا يؤذون الذر ولا يضرمون الشر ﴿يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ﴾ خمر فنفس الخمر تسمى كأسا وقيل الكأس الزجاجية إذا كان فيها خمر ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾ ما تمزج به ﴿كافورا﴾ ماء كافور وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (٦)
﴿عَيْناً﴾ بدل منه ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله﴾ أي منها أو الباء زائدة أو هو محمول على المعنى أي يلتذ بها أو
يروي بها وإنما قال أولاً بحرف من وثانياً بحرف الباء لأن الكأس مبتدأ شربهم وأول غايته وأما العين فيها يمزجون شرابهم فكأنه قيل يشرب عباد الله بها الخمر ﴿يُفَجّرُونَهَا﴾ يجرونها حيث شاءوا من منازلهم ﴿تَفْجِيرًا﴾ سهلاً لا يمتنع عليهم
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧)
﴿يُوفُونَ بالنذر﴾ بما أوجبوا على أنفسهم وهو جواب من عسى أن يقول ما لهم يرزقون ذاك والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفّى بما أوجبه على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى ﴿ويخافون يَوْماً كَانَ شَرُّهُ﴾ شدائده ﴿مُسْتَطِيراً﴾ منتشراً من استطار الفجر
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)
﴿وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ﴾ أي حب الطعام مع الاشتهاء والحاجة إليه أو على حب الله مسكينا فقيرا عاجزا من الاكتساب ﴿ويتيما﴾ صغيرا لا اب ل ﴿وأسيرا﴾ مأسورا مملكوكا أو غيره ثم عللوا إطعامهم فقالوا
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (٩)
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله﴾ أي لطلب ثوابه أو هو بيان من الله عز وجل عما في ضمائرهم لأن الله تعالى علمه منهم فأثنى عليهم وإن لم يقولوا شيئاً ﴿لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً﴾ هدية على ذلك ﴿ولا شكورا﴾ ثاء وهو مصدر كالشكر
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (١٠)
﴿إنا نخاف من ربنا﴾ إنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة أو إنا نخاف من ربنا فنتصدق لوجهه حتى نأمن من ذلك الخوف ﴿يَوْماً عَبُوساً﴾ ﴿قَمْطَرِيراً﴾ وصف اليوم بصفة أهله من الأشقياء نحو نهارك صائم والقمطرير الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (١١)
﴿فوقاهم الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم﴾ صانهم من شدائده ﴿ولقاهم﴾ أعطاهم بدل عبوس الفجار ﴿نَضْرَةً﴾ حسناً في الوجوه ﴿وَسُرُوراً﴾ ٤ فرحاً في القلوب
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢)
﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ﴾ بصبرهم على الإيثار نزلت في علي وفاطمة وفضة جارية لهما لما مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما نذروا صوم ثلاثة أيام فاستقرض علي رضي الله عنه من يهودي ثلاثة أصوع من الشعير فطحنت فاطمة رضي الله تعالى عنها كل يوم صاعا وخبزت فآثروا بذلك ثلاث عشايا على أنفسهم مسكيناً ويتيماً وأسيراً ولم يذوقوا إلا الماء وفي وقت الإفطار ﴿جَنَّةً﴾ بستاناً فيه مأكل هنيء ﴿وَحَرِيراً﴾ ملبساً بهياً
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (١٣)
﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حال من هم في جزاهم ﴿فِيهَا﴾ في الجنة ﴿على الأرآئك﴾ الأسرة جمع الأريكة ﴿لاَ يَرَوْنَ﴾ حال من الضمير المرفوع في مُتَّكِئِينَ غير رائين ﴿فِيهَا﴾ في الجنة ﴿شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً﴾ لأنه لا شمس فيها ولا زمهرير فظلها دائم وهواؤها معتد لا حر شمس يحمي ولا شدة برد تؤذي وفي الحديث هواء الجنة سجسج لا حر
ولا قر قازهمرير البرد الشديد وقيل القمر أي الجنة مضيئة لا يحتاج فيها إلى شمس وقمر
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (١٤)
﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظلالها﴾ قريبة منهم ظلال أشجارها عطفت على جنة أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها كأنهم وعدوا بجنتين لأنهم وصفوا بالخوف بقوله إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا وَلِمَنْ خاف مقام ربه جنتان ﴿وذللت﴾ سخرت للقائم والقاعد واملتكىء وهو حال من دَانِيَةٌ أي تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها عليهم أو معطوفة عليها أي ودانية عليهم ظلالها ومذللة ﴿قُطُوفُهَا﴾ ثمارها جمع قطف ﴿تَذْلِيلاً﴾
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (١٥)
﴿ويطاف عليهم بآنية من فضة﴾ جمع كوب وهو إبريق لا عروة له ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَاْ﴾ كان تامة أي كونت فكانت قوارير بتكوين الله نصب على الحال
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (١٦)
﴿قوارير مِن فِضَّةٍ﴾ أي مخلوقة من فضة فهي جامعة لبياض الفضة وحسنها وصفاء القوارير وشفيفها حي يرى ما فيها من الشراب من خارجها قال ابن عباس رضي الله عنهما قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنة فضة قرأ نافع والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر بالتنوين فيهما وحمزة وابن عامر وأبو عمرو وحفص بغير تنوين فيهما وابن كثير بتنوين الأول والتنوين في الأول لتناسب الآي
579
المتقدمة والمتأخرة وفي الثاني لإتباعه الأول والوقف على الأول قد قيل ولا يوثق به لأن الثاني بدل من الأول ﴿قَدَّرُوهَا﴾ تكرمة لهم أو السقاة جعلوها على قدر ريّ شاربها فهي ألذ لهم وأخف عليهم وعن مجاهد لا تفيض ولا تغيض
580
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (١٧)
﴿وَيُسْقَوْنَ﴾ أي الأبرار ﴿فِيهَا﴾ في الجنة ﴿كَأْساً﴾ خمراً ﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً﴾
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (١٨)
﴿عَيْناً﴾ بدل من زَنجَبِيلاً ﴿فِيهَا﴾ في الجنة ﴿تسمى﴾ تلك لعين ﴿سَلْسَبِيلاً﴾ سميت العين زنجبيلاً لطعم الزنجبيل فيها والعرب تستلذه وتستطيبه وسلسبيلا لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها قال أبو عبيدة ماء سلسبيل أي عذب طيب
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (١٩)
﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ ولدان﴾ غلمان ينشئهم الله لخدمة المؤمنين أو ولدوان الكفرة يجعلهم الله تعالى خدمة لأهل الجنة ﴿مُّخَلَّدُونَ﴾ لا يموتون ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حسبتهم﴾ لحسنهم وصفاء ألوانهم وانبثائهم في مجالسهم ﴿لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً﴾ وتخصيص المنثور لأنه أزين في النظر من المنظوم
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (٢٠)
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ﴾ ظرف أي في الجنة وليس لرأيت مفعول ظاهر ولا مقدر ليشع في كل مرئي تقديره وإذا اكتسبت الرؤية في الجنة ﴿رَأَيْتَ نَعِيماً﴾ كثيراً ﴿وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ يروي أنه أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى
أدناه وقيل ملك لا يعقبه هلك أو لهم فيها ما يشاءون أو تسلم عليهم الملائكة ويستأذنون في الدخول عليهم
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١)
﴿عاليهم﴾ بالنصب على أنه حال من الضمير في يطوف عليهم
580
أي يطوف عليهم ولد أن عليهم للمطفوف عليهم ثياب وبالسكون مدنى وومدنى على أنه مبتدأ خبره ﴿ثِيَابُ سُندُسٍ﴾ أي ما يعلوهم من ملابسهم ثياب سندس رقيق الديباج ﴿حضر﴾ جمع أخضر ﴿وإستبرق﴾ غليظ برفعهما حملا على الثياب نافع وحفص ويجرهما حمزة وعلي حملاً على سُندُسٍ وبرفع الأول وجر الثاني أو عكسه غيرهم ﴿وَحُلُّواْ﴾ عطف على وَيَطُوفُ ﴿أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ وفي سورة الملائكة يحملون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا قال ابن المسيب لا أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة واحدة من فضة وأخرى من ذهب وأخرى من لؤلؤ ﴿وسقاهم رَبُّهُمْ﴾ أضيف إليه تعالى للتشريف والتخصيص وقيل إن الملائكة يعرضون عليهم الشراب فيأبون قبولهم منهم ويقولون لقد طال أخذنا من الوسائط فإذا هم بكاسات تلاقي أفواههم بغير أكف من غيب إلى عبد ﴿شَرَاباً طَهُوراً﴾ ليس برجس كخمر الدنيا لأن كونها رجساً بالشرع لا بالعقل ولا تكليف ثم أو لأنه لم يعصر فتمسه الأيدي الوضرة وتدوسه الأقدام الدنسة يقال لأهل الجنة
581
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)
﴿إِنَّ هَذَا﴾ النعيم ﴿كَانَ لَكُمْ جَزَاءً﴾ لأعمالكم ﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾ محموداً مقبولاً مرضياً عندنا حيث قلتم للمسكين واليتيم والأسير لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (٢٣)
﴿إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا﴾ تكرير الضمير بعد إيقاهم اسما لأن تأكيد على تأكيد بمعنى اختصاص الله بالتنزيل ليستقر فين فس النبي ﷺ أنه إذا كان هو المنزل لم يكن تنزيله مفرقاً إلا حكمة وصواباً ومن الحكمة الأمر بالمصابرة
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤)
﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ عليك بتبليغ الرسالة واحتمال الأذية وتأخير نصرتك على أعدائك من أهل مكة ﴿وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ﴾ من الكفرة للضجر من تأخير
581
الظفر ﴿إثما﴾ راكبا لما هو آثم داعيا لكل إليه ﴿أَوْ كَفُوراً﴾ فاعلاً لما هو كفر داعياً لك إليه لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل ما هو إثم أو كفر أو غير إثم ولا كفر فنهى أن يساعدهم على الأولين دون الثالث وقيل الآثم عتبة لانه كان ركابا المآثم والفسوق والكفور الوليد لأنه كان غالبا في الكفر والجحود والظاهر أن المراد كل آثم وكافر أي لا تطع أحدهما وإذا نهي عن طاعة أحدهما لا بعينه فقد نهى عن طاعتهما معاً ومتفرقاً ولو كان بالواو لجاز أن يطيع أحدهما لأن الواو للجميع فيكون منهياً عن طاعتهما معاً لا عن طاعة أحدهما وإذا نهى عن طاعة أحدهما لا بعينه كان عن طاعتهما جميعاً أنهى وقيل أو بمعنى أحدهما وإذا نهي عن طاعة أحدهما لا بعينه كان عن طاعتهما جميعاً أنهى وقيل أو بمعنى ولا أي ولا تطع آثماً ولا كفورا
582
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٢٥)
﴿واذكر اسم رَبِّكَ﴾ صلِّ له ﴿بُكْرَةً﴾ صلاة الفجر ﴿وأصيلا﴾
﴿ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون﴾
صلاة الظهر والعصر
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (٢٦)
﴿ومن الليل فاسجد لَهُ﴾ وبعض الليل فصّل صلاة العشاءين ﴿وسبحه ليلا طويلا﴾ أى تهجد له طريق طويلة من الليل ثلثيه أو نصفه أو ثلثه
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (٢٧)
﴿إِنَّ هَؤُلآء﴾ الكفرة ﴿يُحِبُّونَ العاجلة﴾ يؤثرونها على الآخرة ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ﴾ قدامهم أو خلف ظهورهم ﴿يَوْماً ثَقِيلاً﴾ شديداً لا يعبئون به وهو يوم القيامة لأن شدائده تثقل على الكفار
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (٢٨)
﴿نَّحْنُ خلقناهم وَشَدَدْنَا﴾ أحكمنا ﴿أَسْرَهُمْ﴾ خلقهم عن ابن عباس رضي الله عنهما والفراء ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أمثالهم تَبْدِيلاً﴾ أي إذا شئنا إهلاكهم أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في الخلفة ممن يطيع
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩)
﴿إِنَّ هذه﴾ السورة ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ عظة ﴿فَمَن شَاءَ اتخذ إلى ربه سبيلا﴾ بالقرب اليه بالطاعة له وأتباع رسوله
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)
﴿وما تشاؤون﴾ اتخاذ السبيل إلى الله وبالياء مكي وشامي وأبو عمرو ومحل ﴿إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ النصب على الظرف أي إلا وقت مشيئة الله وإنما يشاء الله ذلك ممن علم منه اختياه ذلك وقيل هو لعموم المشيئة في الطاعة والعصيان والكفر والإيمان فيكون حجة لنا على المعتزلة ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً﴾ بما يكون منهم من الأحوال و ﴿حَكِيماً﴾ مصيباً في الأقوال والأفعال
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١)
﴿يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ﴾ وهم المؤمنون ﴿فِى رَحْمَتِهِ﴾ جنته لأنها برحمته تنال وهو حجة على المعتزلة لأنهم يقولون قد شاء أن يدخل كلاً في رحمته لأنه شاء إيمان الكل والله تعالى أخبر أنه يدخل من يشاء في رحمته وهو الذي علم منه أنه يختار الهدى ﴿والظالمين﴾ الكافرين لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها ونصب بفعل مضمر يفسره ﴿أعد لهم عذابا أليما﴾ نحو أوعدو كافأ
583
سورة المرسلات مكية وهي خمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

584
Icon