ﰡ
مكية وآياتها تسع عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)شرح الكلمات:
اقرأ: أي أوجد القراءة وهي جمع الكلمات ذات الحروف باللسان.
باسم ربك: أي بذكر اسم ربك.
الذي خلق: أي خلق آدم من سلالة من طين.
خلق الإنسان: أي الإنسان الذي هو ذرية آدم.
من علق: أي جمع علقة وهي النطفة في الطور الثاني حيث تصير علقة أي قطعة من الدم الغليظ.
وربك الأكرم: أي الذي لا يوازيه كريم ولا يعادله ولا يساويه.
الذي علم بالقلم: أي علم العباد الكتابة والخط بالقلم.
علم الإنسان: أي جنس الإنسان.
ما لم يعلم: أي ما لم يكن يعلمه من سائر العلوم والمعارف.
قوله تعالى ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ هذه الآيات الخمس من أول ما نزل من القرآن الكريم لأحاديث الصحاح١ فيها فإن مما اشتهر في ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتي حراء يتحنث فيه أي يزيل الحنث فرارا مما عليه قومه من الشرك والباطل حتى فاجأه الحق وهو في غار حراء فقال يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله ثم قال اقرأ قلت ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأت الحديث.
وقوله تعالى ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ يأمر الله تعالى رسوله أن يقرأ بادئا قراءته بذكر اسم ربه أي باسم الله الرحمن الرحيم وقوله ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ أي خلق الخلق كله وخلق آدم من طين وخلق الإنسان من أولاد آدم من علق والعلق اسم جمع واحده علقة وهي٢ قطعة من الدم غليظة كانت في الأربعين يوما الأولى في الرحم نطفة ثم تطورت إلى علقة تعلق بجدار الرحم ثم تتطور في أربعين يوما إلى مضغة لحم، ثم إما أن يؤذن بتخلقها فتخلق وإما لا فيطرحها الرحم قطعة لحم وقوله ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ﴾ تأكيد للأمر الأول لصعوبة الأمر واندهاش الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمفاجأة ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ ٣ أي وربك الأكرم هو الذي علم بالقلم عباده الكتابة والخط. وقوله ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ أي من كرمه الذي أفاض منه على عباده نعمه التي لا تحصى إنه علم الإنسان بواسطة القلم ما لم يكن يعلم من العلوم والمعارف وهذه إشادة بالقلم وأنه واسطة العلوم والمعارف والواسطة تشرف بشرف الغاية المتوسط لها فلذا كان لا أشرف في الدنيا من عباد الله الصالحين والعلوم الإلهية في الكتاب والسنة وما دعوا إليه وحضا عليه من العلوم النافعة للإنسان.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير الوحي الإلهي وإثبات النبوة المحمدية.
٢- مشروعية ابتداء القراءة بذكر اسم الله ولذا افتتحت سور القرآن ما عدا التوبة ببسم الله الرحمن الرحيم.
٢ العلقة الدم الجامد والجمع علق، والعلقة قطعة من دم رطب سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه.
٣ قيل سمي القلم قلماً لأنه يقلم أي يقطع، ومنه تقليم الظفر صح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة فهو عنده في الذكر فوق عرشه".
٤- اعظام شأن الله تعالى وعظم كرمه فلا أحد يعادله في الكرم.
٥- التنويه بشأن الكتابة والخط بالقلم إذ المعارف والعلوم لم تدون إلا بالكتابة والقلم.
٦- بيان فضل الله تعالى على الإنسان في تعليمه ما لم يكن يعلم بواسطة الكتابة والخط.
كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْداً إِذَا صَلَّى (١٠)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
شرح الكلمات:
كلا١: أي لا أداة استفتاح وتنبيه لكسر إن بعدها.
إن الإنسان: أي ابن آدم قبل أن تتهذب مشاعره وأخلاقه بالإيمان والآداب الشرعية.
ليطغى: أي يتجاوز الحد المفروض له في سلوكه ومعاملاته.
أن رآه استغنى: أي عندما يرى نفسه قد استغنى بماله أو ولده أو سلطانه.
إن إلى ربك الرجعى: أي إن إلى ربك أيها الرسول الرجعى أي الرجوع والمصير.
الذي ينهى عبدا إذا صلى: أي أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي لعنه الله.
إن كان على الهدى أو أمر: أي هو رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العدناني.
بالتقوى
لئن لم ينته: أي من أذية رسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنعه من الصلاة خلف المقام.
لنسفعا بالناصية: أي لنأخذن بناصيته ونسحبه إلى نار جهنم.
فليدع نادية: أي رجال مجلسه ومنتداه.
سندع الزبانية: أي خزان جهنم.
كلا: أي ارتدع أيها الكاذب الكافر.
واقترب: أي منه تعالى وذلك بطاعته.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان قبل أن يهذبه الإيمان والمعارف الإلهية المشتملة على معرفة محاب الله تعالى، ومساخطه أنه إذا رأى نفسه قدر استغنى بماله أو ولده أو سلطانه أو بالكل وما أصبح في حاجة إلى غيره يطغى فيتجاوز حد الآداب والعدل والحق والعرف فيتكبر ويظلم ويمنع الحقوق ويحتقر الضعفاء ويسخر بغيره. وأبو جهل كان مضرب المثل في هذا الوصف وصف الطغيان حتى قيل أنه فرعون هذه الأمة، وها هو ذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في المسجد الحرام خلف المقام فيأتيه هذا الطاغية ويهدده ويقول له لقد نهيتك عن الصلاة هنا فلا تعد، ويقول له إن وجدتك مرة أخرى آخذ بناصيتك وأسحبك على الأرض فينزل الله تعالى هذه الآيات ﴿كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ فيقف برسوله على حقيقة ما كان يعلمها وهي أن ما يجده من أبي جهل وأضرابه من طغاة قريش علته كذا وكذا ويسليه فيقول له وإن طغوا وتجبروا إن مرجعهم إلينا وسوف ننتقم لك منهم ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ﴾ يا رسولنا ﴿الرُّجْعَى﴾ إذاً فاصبر على أذاهم وانتظر ما سيحل بهم إن مصيرهم إلينا لا إلى غيرنا وسوف ننتقم منهم ثم يقول له قولا يحمل العقلاء على التعجب من سلوك أبي جهل الشائن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى﴾ ؟ وهل الذي يصلي ينهى عن الصلاة وهل الصلاة جريمة وهل في الصلاة ضرر على أحد؟ فكيف ينهى عنها؟ ويقول له ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ﴾ أي المصلي الذي نهي عن الصلاة وهو الرسول نفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقال تعالى لرسوله بعد تهديده للطاغية، وردعه له، وارتدع فعلا ولم يجرؤ بعد ذلك اليوم أن يمد لسانه، ولا يده بسوء لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿لا تُطِعْهُ﴾ فيما يطلب منك من ترك الصلاة في المسجد الحرام فقد كفيناك شره ﴿وَاقْتَرِبْ١﴾ إلينا بالطاعات ومن أهمها الصلاة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان سبب نزول الآيات كلا إن الإنسان ليطغى إلى آخر السورة.
٢- بيان طبع الإنسان إذا لم يهذب بالإيمان والتقوى.
٣- نصرة الله لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالملائكة عيانا في المسجد الحرام.
٤- تسجيل لعنة الله على فرعون الأمة أبي جهل وأنه كان أظلم قريش لرسول الله وأصحابه.
٥- مشروعية السجود عند تلاوة هذه السورة إذا قرأ فاسجد واقترب شرع له السجود٢ إلا أن يكون يصلي بجماعة في الصلاة السرية فلا يسجد لئلا يفتنهم.
٢ ورد في الذكر حال السجود أن الساجد يقول (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق بحوله وقوته سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين. اللهم اكتب لي بها أجراً وامح عني بها وزراً وارفع لي بها ذكرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود).