تفسير سورة الفاتحة

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب مجاز القرآن المعروف بـمجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة معمر بن المثنى . المتوفي سنة 209 هـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أمّ الكتاب (١)
مجاز تفسير ما فى سورة «الحمد» وهى «أم الكتاب» لأنه يبدأ بكتابتها فى المصاحف قبل سائر القرآن، ويبدأ بقراءتها قبل كلّ سورة فى الصلاة وإنما سمّيت سورة لا تهمز، لأن مجازها من سورة البناء أي منزلة ثم منزلة، ومن همزها جعلها قطعة من القرآن، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سمّى قرآنا. قال النّابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (٢)
أي منزلة، وبعض العرب يهمز سورة، ويذهب إلى «أسأرت». نقول:
هذه ليست من تلك.
فمجاز تفسير قوله «بسم الله» مضمر، مجازه كأنك قلت: بسم الله قبل كل شىء وأول شىء ونحو ذلك، قال عبد الله بن رواحة:
بسم الإله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا
«١»
(١) : عبد الله بن رواحة: بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن مالك...
ابن الخزرج الأنصاري الخزرجي الشاعر المشهور يكنى أبا محمد، ويقال: كنيته أبو رواحة. ترجمته فى الإصابة ٤/ ٤٤٨، رقم ٠٩٠٤٤- والرجز من كلمة روى بعضها البخاري فى غزوة الخندق، ومسلم فى غزوة الأحزاب، كان رسول الله - ﷺ - يرتجز بها فى يوم الأحزاب إذ كان ينقل تراب الخندق، وورد أيضا فى الجمهرة ٣/ ٢٠٢، اللسان (بدا). العيني ٤/ ٢٨.
20
يقال: بدأت وبديت، وبعضهم يقول: بدينا لغة.
«الرّحمن» مجازه ذو الرحمة، و «الرّحيم» مجازه الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، «١» قال برج بن مسهر الطائىّ، جاهلى:
وندمان يزيد الكأس طيبا... سقيت وقد تغوّرت النجوم
«٢» وقال النعمان بن نضلة، عدوىّ من عدى قريش:
فإن كنت ندمانى فبالأكبر اسقني... ولا تسقنى بالأصغر المتثلم
«٣»
(١). (٢- ٤) «مجازه... ونديم» : نقله الطبري ١/ ٤٣- ٤٤ ثم قال: وقد زعم أيضا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير (يريد أبا عبيدة) أن الرحمن مجازه ذو الرحمة، والرحيم مجازه الراحم، ثم قال: وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، ثم استشهد بقول برج... ، واستشهد بأبيات نظائر له فى النديم والندمان، ففرق بين معنى الرحمن والرحيم فى التأويل لقوله الرحمن ذو الرحمة والرحيم الراحم، وإن كان قد ترك بيان تأويل معنييهما على صحته.
(٢) برج: هو برج بن مسهر بن الجلاس أحد بنى جديلة ثم أحد بنى طريف بن عمرو ابن ثمامة، شاعر عاش فى عهد بنى أمية، له ترجمة فى المؤتلف ٦١، وأخباره مع أخبار الحصين بن الحمام فى الأغانى ١٢/ ١٢١. - والبيت فى الطبري ١/ ٤٤، المؤتلف ٦١، الأغانى ١٢/ ١٢١، اللسان (عرق)، وشواهد المغني ٩٨.
(٣) النعمان: هو النعمان بن عدى بن نضلة كان عاملا على ميسان فى عهد عمر رضى الله عنه فعزله. انظر خبره فى السيرة (جوتنجن) ٧٨٦ والسمط ٧٤٥ والاستيعاب ٣/ ٥٦٣ وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ٠١١٧- والبيت مذكور فى ترجمته، وفى الاشتقاق ٨٦ والعقد الفريد ٤/ ٣٣٩ والقرطبي ١٣/ ١٤٩ واللسان والتاج (ندم) ونهاية الأرب ٤/ ١٠١.
21
وقال بريق الهذلىّ عدوىّ من عدى قريش:
رزينا أبا زيد ولا حىّ مثله... وكان أبو زيد أخى ونديمى»
وقال حسّان بن ثابت:
لا أخدش الخدش ولا... يخشى نديمى إذا انتشيت يدى «٢»
«رَبِّ الْعالَمِينَ» (١) أي المخلوقين، قال لبيد بن ربيعة:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثلهم فى العالمينا «٣»
وواحدهم عالم، وقال العجّاج:
فخندف هامة هذا العالم «٤»
«مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» «٥» (٢) نصب على النّداء، وقد تحذف ياء النداء، مجازه:
(١) بريق: هو عياض بن خويلد الهذلي يلقب بالبريق، حجازى مخضرم، وله مع عمر بن الخطاب خبر، انظر معجم المرزباني ٦٨. - والبيت فى ديوان الهذليين ٣/ ٦١- واللسان (ندم).
(٢) ديوانه ١١٢.
(٣) البيت فى الجزء الثاني من ديوانه رقم ٦٣.
(٤) ديوانه ٦٠- السمط ٤٥٧، القرطبي ١/ ١٢٠.
(٥) «الدين... تدان» (ص ٢٣ س ٣) : أورد هذا الكلام فى فتح الباري ٨/ ١١٩، منسوبا إلى أبى عبيدة، وهو فى البخاري باختلاف يسير. وانظره فى عمدة القاري ٨/ ٤٥٨.
22
يا مالك يوم الدين، لأنه يخاطب شاهدا، ألا تراه يقول: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» (٤) فهذه حجة لمن نصب، ومن جره قال: هما كلامان.
«الدِّينِ» (٢) الحساب والجزاء، يقال فى المثل: «كما تدين تدان»، «١» وقال ابن نفيل
واعلم وأيقن أنّ ملكك زائل واعلم بأنّ كما تدين تدان «٢»
ومجاز من جرّ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» أنه حدث عن مخاطبة غائب، ثم رجع فخاطب شاهدا فقال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا» (٥)، قال عنترة بن شدّاد العبسىّ:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علىّ طلا بك ابنة مخرم «٣»
(١) «كما... تدان» : هذا المثل فى الكامل ١٨٥، الجمهرة ٢/ ٣٠٦، جمهرة الأمثال ٢/ ١٥٤، الميداني ٢/ ٢٧٣، اللسان، التاج (دين)، الفرائد ٢/ ١٢٢.
(٢) ابن نفيل: هو يزيد بن الصعق الكلابي، واسم الصعق: عمرو بن خويلد ابن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقال أبو عبيدة (النقائض ٧٥٩) : وإنما سمى الصعق لقدومه بالموسم، فهبت الريح فألقت فى فيه التراب فلعنها فرمى بصاعقة فمات. انظر ترجمته فى معجم المرزباني ٤٩٤.
- والبيت فى الكامل ١٨٥، والطبري ١/ ٥١، والجمهرة ٢/ ٣٠٦، واللسان، والتاج (دين).
(٣) هذا البيت من معلقته وهو فى ديوانه فى الستة ٤٥ وشرح العشر ٩١.
23
وقال أبو كبير الهذلىّ:
يا لهف نفسى كان جدّة خالد وبياض وجهك للتّراب الأعفر «١»
ومجاز «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» : إذا بدىء بكناية المفعول قبل الفعل جاز الكلام، فإن بدأت بالفعل لم يجز، كقولك: نعبد إياك، قال العجّاج:
إيّاك أدعو فتقّبل ملقى «٢»
ولو بدأت بالفعل لم يجز كقولك: أدعو إيّاك، محال، فإن زدت الكناية فى آخر الفعل جاز الكلام: أدعوك إياك.
«الصِّراطَ» (٥) : الطريق، المنهاج الواضح، قال:
فصدّ عن نهج الصّراط القاصد «٣»
وقال جرير:
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوجّ الموارد مستقيم «٤»
(١) من كلمة فى ديوانه ١٩ بيتا ٢/ ١٠١ (القاهرة) - والطبري ١/ ٥١.
(٢) ديوانه ٤٠، الجمهرة ٣/ ١٦٣، واللسان، التاج (ملق) [.....]
(٣) الشطر فى الطبري ١/ ٥٦ والقرطبي ١/ ١٢٨.
(٤) ديوانه ٥٠٧- والطبري ١/ ٥٦ والجمهرة ٢/ ٣٣٠ واللسان (سرط) والقرطبي ١/ ١٢٨.
والموارد: الطرق، ما وردت عليه من ماء، وكذلك القرىّ وقال:
وطئنا أرضهم بالخيل حتى تركناهم أذلّ من الصراط «١»
«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ» (٧) مجازها: غير المغضوب عليهم والضالين، و «لا» من حروف «٢» الزوائد لتتميم الكلام، والمعنى إلقاؤها، وقال العجاج:
فى بئر لا حور سرى وما شعر «٣»
(١) نسب الطبري هذا البيت إلى أبى ذؤيب، والقرطبي (١/ ١٢٨) إلى عامر بن الطفيل، والسيوطي (الإتقان ١/ ١٥٥) إلى عبيد بن الأبرص ولم أجده فى دواوينهم.
(٢) «ولا من حروف... إلخ» قال الطبري ١/ ٦١: كان بعض أهل البصرة يزعم أن «لا» مع الضالين أدخلت تتميما للكلام، والمعنى إلغاؤها ويستشهد على قيله ببيت العجاج... ويتأول معنى: «فى بئر لا حور سرى» أي فى بئر هلكة وإن «لا» بمعنى الإلغاء والصلة، ويعتل أيضا لذلك بقول أبى النجم.. يعنى الطبري بهذا القول أبا عبيدة ويروى تفسير هذه الآية كلها مع ما استشهد به ويرد القول عليه ويصوب أقوال بعض النحويين الكوفيين. وسترى كثيرا أنه يروى قول أبى عبيدة، أو يرد عليه ولا يصرح باسمه، يقول مثلا: «قال بعض أهل البصرة»، «وبعض أهل الغريب من أهل البصرة»، «وبعض أهل العلم بالعربية» ولا يسميه إلا فى مواضع يسيرة جدا، وسترى الطبري كثيرا ما يتطاول عليه، وينسبه إلى الجهل بتأويل أهل التأويل أو ما يشبه ذلك، وهو أحيانا يضرب فى حديد بارد وينفخ فى غير ضرم.
(٣) ديوانه ١٦- والطبري ١/ ٦١ والجمهرة ٢/ ١٤٦ واللسان والتاج (صور) والخزانة ٢/ ٩٥.
25
أي فى بئر خور أي هلكة، وقال أبو النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا لمّا رأين الشّمط القفندرا «١»
القفندر: القبيح الفاحش، أي فما ألوم البيض أن يسخرن، وقال:
ويلحيننى فى اللهو ألّا أحبّه وللهو داع دائب غير غافل «٢»
والمعنى: ويلحيننى فى اللهو أن أحبه. وفى القرآن آية أخرى: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» (٧/ ١١) مجازها: ما منعك أن تسجد. «وَلَا الضَّالِّينَ» :«لا» تأكيد لأنه نفى، فأدخلت «لا» لتوكيد النفي، تقول: جئت بلا خير «٣» ولا بركة، وليس عندك نفع ولا دفع.
(١) أبو النجم: اسمه الفضل بن قدامة بن عبد الله، عجلى من بنى عجل بن لجيم، أخباره فى الأغانى ٩/ ٧٣، وله ترجمة فى الخزانة ١/ ٤٩. - والبيت فى الكتاب ٢/ ٣٢ والطبري ١/ ٦١ والجمهرة ٣/ ٣٣٤ والزجاج ١/ ١٠٧ ب والقرطبي ٢/ ١٨٢ والصحاح واللسان والتاج (قفندر) والخزانة ١/ ٤٨.
(٢) هذا البيت للأحوص وهو فى الكامل مع آخر قبله ٤٩ والقرطبي ١/ ٦٢ ونقله أبو على الفارسي فى الحجة (م) ١/ ١١٠ من إنشاد أبى عبيدة.
(٣) «والمعنى... خير» : قال الطبري ١/ ٦٢: كان بعض أهل البصرة (يريد أبا عبيدة) يزعم أن «لا» مع الضالين أدخلت تتميما للكلام، والمعنى إلغاؤها ويستشهد على قيله ذلك ببيت العجاج... وحكى عن قائل هذه المقالة أنه كان يتأول غير» التي مع «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» أنها بمعنى «سوى» فكان معنى الكلام عنده:
«اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الذين هم سوى المغضوب عليهم» انتهى. تفسير أبى عبيدة «غير» ب «سوى» حكى عنه فى اللسان (غير) أيضا ولكنه لم يرد فى النسخ التي فى أيدينا وقد رد هذا التفسير على قائله فى معانى القرآن للفراء (٢ آ) دون التصريح باسمه.
26
[قال أبو خراش:
فإنك لو أبصرت مصرع خالد بجنب السّتار بين أظلم فالحزم «١»
إذا لرأيت النّاب غير رزيّة ولا البكر لاضطمّت يداك على غنم]
(١) أبو خراش: هو خويلد بن مرة، يكنى أبا خراش من بنى قرد، له ترجمة فى الشعراء ٤١٨ والإصابة ١/ ٤٤٤ والخزانة ١/ ٢١٢. - والبيت فى ديوان الهذليين ٢/ ١٥٤ والخزانة ٢/ ٣١٧.
27
Icon