ﰡ
مكيّة وهى احدى وثلثون اية قال قتادة ومجاهد مدنية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتى استفهام تقرير ومعناه قد اتى ومضى عَلَى الْإِنْسانِ المراد به الجنس او آدم عليه السلام حِينٌ قال البيضاوي اى طائفة محدودة من الزمان وفى القاموس الجنس وقت مبهم يصلح لجميع الا زمان طال او قصر وقيل يختص بأربعين سنة او ستين سنة او شهر او شهرين مِنَ الدَّهْرِ اى من الممتد الغير المحدود وفى القاموس الدهر الزمان الطويل او الف سنة قلت هو مدة عمر آدم عليه السلام وفى الصحاح الدهر فى الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده الى انقضائه وعلى ذلك قوله هل اتى على الإنسان حين من الدهر الاية ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة دهر فلان مدة حيوته لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً حال من الإنسان اى حال كونه لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد او صفة لحين والعائد محذوف اى لم يكن فيه شيئا مذكورا وهذا الكلام يقتضى كونه شيئا والا لم يوصف بانه قد اتى عليه ويقتضى كونه غير مذكور بل منسيا فقال المفسرون وذلك ان أريد به آدم عليه السلام فذلك الحين حين صورة الله تعالى من الطين فكان ملقى بين مكة والطائف أربعين سنة قبل ان ينفخ فيه الروح وقال ابن عباس ثم خلقه الله تعالى بعد عشرين ومائة سنة وان أريد به الجنس فذلك الحين اربعة أشهر حين كان نطفة او علقة او مضغة الى نفخ الروح وستة أشهر اقل مدة الحمل وسنتين أكثرها وقيل اكثر مدة الحمل سبع سنين وعلى التقديرين لا يخلو الكلام عن التسامح لان ذلك الحين لم يأت على الإنسان بل على الطين المصور النطفة ونحوها والظاهر ان الكلام يقتضى كونه إنسانا لان عقد الوضع قبل عقد الحمل فالاولى ان يحتمل ذلك الكون على كونه فى مرتبة الأعيان الثابتة التي اهتدى إليها الصوفية ويدل على هذا التأويل تنكير حين فانه للتكثير روى عن ابن عمر انه سمع رجلا يقرأ هذه الاية لم يكن شيئا مذكورا فقال ليتها تمت يريد ليته بقي على ما كان غير مذكور ابدا وهذا القول اولى بالتأويل الأخير دون ما سبق وللصوفية هاهنا
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى ذريته ان كان المراد بالإنسان الاول آدم عليه السلام والا فالمراد فيهما الجنس مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ ق جمع شئيج او شيج من الشجب الشيء إذا خلطته وصف النطفة بالجمع لان المراد به مجموع منى الرجل والمرأة وكل منها مختلفة الاجزاء والأوصاف فى الرقة والقوام والخواص وقيل أمشاج مفرد بمعنى مختلطة يختلط فيه منى الرجل والمرأة فهو حينئذ على وزن أعشار يقال برمة أعشار بمعنى يحمله عشرة يقال يمان كل يومين اختلطا فهو أمشاج وقال قتادة معناه أطوار أي ذات أطوار فان النطفة تصير علقة ثم مضغة اى تمام الخلق نَبْتَلِيهِ حال من الإنسان ذكر الابتلاء وأراد به نقله من حال الى حال مجازا او حال مقدرة اى مقدرين ابتلائه فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ج لتمكن من استماع الدلائل ومشاهدة الآيات فهو كالمسبب للابتلاء ولذا عطف على ما قيد به.
إِنَّا هَدَيْناهُ اى بيناه اى الإنسان السَّبِيلَ الى الله والى مرضياته وجنته بنصب الدلائل وبعث الرسل وإنزال الكتب والمراد بالهداية هاهنا اراءة الطريق دون إيصال بخلاف قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً حالان من الهاء اى هديناه السبيل مقدرين منه أحد الامرين امر الشكر على الهداية وقبولها او الكفر والإنكار وقيل حال من السبيل يعنى هديناه السبيل حال كون السبيل سبيل الشكر او الكفر ان وصف السبيل بالشكر والكفر مجازا والترديد انما هو فى حالتى السبيل من الشكر والكفران دون الاراءة تعلقت يقسمى السبيل وحاليته معافلا يجوز يقال ان هذا التأويل غير مستحسن فان اراءة طريق الحق حقا وطريق الباطل باطلا مستلزم أحدهما
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ فى جهنم سَلاسِلَ قرأ نافع والكسائي وابو بكر وهشام سلاسلا بالتنوين للمناسبة وصلا وقفوا بالألف عوضا منه وقرأ الباقون بغير تنوين وصلا وقف حمزه وقنبل وحفص بغير الف وكذا روى عن البزي وابن ذكوان وقف الباقون بالألف صلة للفتحة وَأَغْلالًا فى أيديهم نقل الى عنقهم وَسَعِيراً وقودا شديدا وهذه الجملة والتي بعدها مستانفين كانهما فى جواب ما نصيب الشاكرين وما نصيب الكافرين وقدم وعيد الكافرين مع تأخر ذكرهم لان إنذارهم انفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين احسن.
إِنَّ الْأَبْرارَ جمع بر بفتح الباء كارباب او بار كالشهادة يعنى المؤمنين الصادقين فى ايمانهم والمطيعين لربهم ومصدره البر كسر الباء بمعنى الصلة والخير والاتساع فى الإحسان والصدق والطاعة كذا فى القاموس وكل ذلك صفات المؤمنين يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ قال فى الصحاح الكأس الا نائما فيه من الشراب ويسمى كل واحد منهما بانفراده كاسا يقال كأس خال ويقال شربت كأسا وكاسا طيبة وفى القاموس الكأس الإناء يشرب فيه او ما دام الشراب فيه ولا تخصيص فى الشراب بخمر او لبن او عسل او ماء وهاهنا يحتمل ان يكون الإناء او من للابتداء والمعنى يشربون مشروبا خمرا ولبنا وماء وعسلا من كاس اى من ظرفه ويحتمل ان يكون بمعنى المشروب اما حقيقة او مجازا تسمية الحال باسم المحل نحو جرى النهر ومن حينئذ اما زايدة او للتبعيض او للبيان ويحتمل ان يكون الإناء بما فيه ويكون من للابتداء كانَ مِزاجُها ما تمزج الضمير عايد الى كاس حقيقة ان كان بمعنى الشرب ومجازا على طريقة إذا نزل السماء بأرض قوم وعينا ان كان بمعنى الإناء يعنى كان مزاج ما فيها كافُوراً ج قال قتادة يمزج بهم بالكافور ويختم بالمسك وقال عكرمة مزاجها
عَيْناً بدل من كافور ان جعل اسم ماء او بدل من محل من كاس على تقدير مضاف اى ماء عين او منصوب على الاختصاص او المدح او بفعل يفسره ما بعده يَشْرَبُ بِها الباء زائدة اى يشربها او صلة على تضمين يعنى ملتذا بها او ممزوجا بها او بمعنى من الابتداء عِبادُ اللَّهِ الذين عبدوا الله وحده مخلصين له الدين يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً اى يقودون تلك العين ويجرونها اجراء سهلا حيث شاؤا من منازلهم وقصورهم اخرج عبد الله بن احمد فى رواية الزهد عن ابن شوذب قال فهم قضيان من ذهب يفجرونها بها بتبع قضائهم.
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ جملة مستانفة فى جواب ما بالهم يثأبون كذلك او فى جواب الأبرار ما هم فهو تعريف للابرار بانهم يودون الواجبات ويخافون الله فيجتنبون المكروهات ويرحمون العباد ويفعلون الحسنات خالصا لله تعالى ابتغاء مرضاته هذا شأن الأبرار ويحصل ذلك المراتب بعد فناء النفس وزوال رزائله واما المقربون فشأنهم ارفع من ذلك او تعليل لما سبق يعنى ان الأبرار يشربون إلخ لانهم يوفون النذر فى الدنيا والنذر فى اللغة ان توجب على نفسك ما ليس بواجب كذا فى الصحاح وايفائهم ما يوجبوا على أنفسهم ما ليس بواجب عليه يدل بالطريق الاولى على ايفائهم ما فرض الله عليهم من الصلاة والزكوة والصوم والحج والعمرة والجهاد وغيرها فلعله هو المراد بما قال قتادة يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكوة والحج والعمرة وغيرها من الواجبات- (فصل) للايجاب ولما كان النذر عبارة عن إيجابه على نفس ما ليس بواجب ظهر انه لا بد لانعقاده من شرطين أحدهما ان يكون طاعة فان ما ليس بطاعة لا يصلح للايجاب قال رسول الله - ﷺ - انما النذر ما ابتغى به وجه الله رواه احمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص والثاني ان لا يكون واجبا بايجاب الله تعالى وقال ابو حنيفة ولا بد ايضا ان يكون العبادة مقصودة بنفسها وان يكون من جنسها واجب بايجاب الله وعند الجمهور لا يشترط ذينك الشرطين والإجماع على وجوب الاعتكاف بالنذر يقتضى انتفاء هذين الشرطين فانه عبادة لاجل انتظار الصلاة لا بنفسه وليس منه عينه واجب ومن ثم قال الشافعي يجب بالنذر كل قربة لا تجب ابتداء كعيادة المريض
يبلغنى انه امر بكفارة
وجود الشرط حكمه حكم المنجز مطلقا عند ابى حنيفة فى ظاهر الرواية وعند ابى يوسف وهى رواية عن الشافعي وبه قال مالك غير انه قال فى صدقة جميع المال يلزمه التصدق بالثلث وفيما سوى ذلك فعنده يجب عليه الوفاء بما أوجب لا غير وروى عن ابى حنيفة انه رجع عن هذا القول وقال أجزأه عن المعلق كفارة يمين ويخرج عن العهدة بفعله وبه قال محمد واختار صاحب الهداية والمحققون عن علماء الحنفية ان المراد بالشرط الذي يجزء عنه الكفارة عند ابى حنيفة الشرط الذي لا يريد وجوده نحو ان دخلت الدار وكلمت فلانا او فعلت كذا فعلىّ حج او صوم سنة ويسمى هذا النذر نذر الحاج واما الشرط الذي يريد وجوده نحو ان شعبت او قدم غايبى او مات عدوى او ولدت امرأتى ابنا فعلىّ كذا قالوا وجب عليه الوفاء لا غير ويسمى هذا النذر نذر تبرد ولهذا التفصيل قال احمد وهى الأظهر من الروايات عن الشافعي
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ الى آخره اشارة الى ترحمهم على عباد الله وإتيانهم الحسنات النافلات خالصا لله تعالى ابتغاء مرضاته عَلى حُبِّهِ اى على حب الله تعالى او على حبهم الإطعام وحاجتهم اليه مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً اخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال لم يكن النبي - ﷺ - ياسر اهل الإسلام ولكنها نزلت فى اهل الشرك كانوا يأسرونهم فى الله فنزلت فيهم فكان النبي - ﷺ - يأمر بالإحسان إليهم كذا قال قتادة وقال مجاهد وسعيد بن جبير هو المسبحون من اهل القبلة والاول اظهر وقيل الأسير المملوك وقيل المرأة قال رسول الله - ﷺ - اتقوا الله سبحانه فى الضعيفين المملوك والمرأة رواه ابن عساكر عن ابى عمرو عن أم سلمة اتقوا الله فى الصلاة وما ملكت
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ حال من يطعمون بتقدير القول اى قائلين نطعم لهم هذا القول اما تحقيقا او تقدير القول بلسان الحال قال المجاهد وسعيد بن جبير انهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم فاثنى عليهم لِوَجْهِ اللَّهِ لفظ الوجه مقحم اى لله وطلب مرضاته ثوابه لا نُرِيدُ مِنْكُمْ
عوضا بدنيا ولا ماليا وَلا شُكُوراً مصدر كالدخول والجروح والقبول روى عن عائشة انها كانت تبعث بالصدقة الى اهل بيت ثم تسال المبعوث ما قالوا فان ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى صواب الصدقة لها خالصا عند الله.
إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا تعليل للاطعام بعد تعليل كانه معطوف على لوجه الله بحذف العاطفة وحذف حرف الجر يعنى نطعمكم طمعا وخوفا من الله المطلوب مرضاته وثوابه للخوف من غضبه وعذابه عن انس قال قال رسول الله - ﷺ - ان الصدقة لتطفى غضب الرب ويدفع منه السوء رواه الترمذي يَوْماً ظرف لمقدر اى نخاف من عذاب ربنا عَبُوساً العبوس الذي يجمع ما بين عينيه حزنا وصف اليوم به مجازا على طريقة نهارك صايم قَمْطَرِيراً شديد العبوس كذا قال الكلبي وقال اخفش قمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله فى بلاء وفى القاموس القمطرير الشديد واقمطر اشتد نفسه ترقى من الأدنى الى الأعلى.
فَوَقاهُمُ اللَّهُ ذكر المستقبل بلفظ الماضي اشعار القطع وقوعه الفاء للسببية اى لاجل خوفهم واجتنابا بموجب العذاب فى ذلك اليوم وقاهم الله شَرَّ اى مكاره ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ أعطاهم بدل العبوسة نَضْرَةً حسنا فى الوجه وَسُرُوراً فى القلب.
وَجَزاهُمْ الله حيث لم يطلب الجزاء عن غيره بِما صَبَرُوا على طاعات الله عن معاصية وعلى الجوع عند اطعام المسكين وعلى القتل فى الجهاد وعلى المعصية عند الصدقة جَنَّةً دخلوها وَحَرِيراً ألبسوه.
مُتَّكِئِينَ حال من الضمير المنصوب فى جزاء او من المرفوع فى ادخلوا المقدر فِيها فى الجنة عَلَى الْأَرائِكِ ج اى السرر فى الحجال اخرج البيهقي عن ابن عباس قال لا يكون الأرائك حتى يكون السرير فى الحجلة فان كان سرير بغير حجلة لا يكون أرائكه وان كان حجلته بغير سرير لا يكون أرائكه فاذا اجتمعا كان أرائكه لا يَرَوْنَ حال من فاعل متكئين او من ذى حاله فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً قال فى القاموس الزمهرير شدة البرد القمر وازمهرت الكواكب اى لمعت فالمراد بالزمهرير اما شدة البرد وبالشمس لازمه اى الحر فالمعنى لا حر فيها ولا برد ليدوم فيها هواء معتدل اخرج ابن المبارك وعبد الله بن احمد فى زوايدة وابن مسعود قال الجنة سجيح لاحر فيها ولا قرا والمراد بالزمهرير القمر اولا مع من الكواكب
وَدانِيَةً اى قريبة عطف على متكئين او على محل لا يرون ويرون دانية او على جنة بتقدير الموصوف اى وجنة اخرى دانية عليهم ظلالها فيكون نظير القوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان لكن لهذا التأويل ضعف لاقتضائه ان لا يكون الجنة الاولى دانيه الظلال إذا القسمة تنافى الشركة عَلَيْهِمْ اى منهم ظِلالُها فاعل دانية وَذُلِّلَتْ حال من ظلالها بتقدير قد او عطف على دانية على طريقة فالق الإصباح وجعل الليل سكنا او حال من ذى حال دانية والعائد محذوف اى ذللت لهم قُطُوفُها اى ثمارا تَذْلِيلًا اى جعلت سهل التناول لا يمتنع على قطوفها كيف شاؤا اخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن البراء بن عازب ان اهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين على اى حال شاؤا.
وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ اى أباريق بلا عرى كذا اخرج هناد عن مجاهد كانَتْ اى الكواكب الجملة صفة بها قَوارِيرَا حال من فاعل كانت على تقدير كونها تامة اى تكونت أكواب حال كونها قوارير اى مثل قوارير وخبرها على تقدير كونها ناقصة اى تكون مثلها فى الصفاء اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال آنية من فضة صفائها كصفاء القوارير واخرج سعيد بن مسعود بن عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذباب لم يرى الماء من ورائها لكن من أواني الجنة بياض الفضة فى صفاء القوارير.
قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ بدل من الاول اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال ليس فى الجنة شىء الا قد أعطيتم فى الدنيا شبه القوارير من فضة قال الكلبي ان الله جعل قوارير كل قوم من تراب ارضهم وان ارض الجنة من فضة فجعل منها قوارير يشربون فيها قرأ ابن كثير قوارير الاول بالتنوين لتناسب رؤس الاى والثاني بلا تنوين بعدم الانصراف وقرأ نافع والكسائي وابو بكر كلاهما بالألف تبعا للخط لا حمرة
وَيُسْقَوْنَ فِيها معطوف على يطاف عليهم كَأْساً المراد بالكأس هاهنا المشروب اما حقيقة او على طريق جرى النهر كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا صفة لكاس كانت العرب يستلذون الشراب الممزوج بالزنجبيل قواعد الله بذلك قال ابن عباس ما ذكر الله فى القران بما فى الجنة وسماه ليس له فى الدنيا مثل وقيل عين فى الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل وقال قتادة يشربها المقربون صرفا ويمزج لسائر اهل الجنة قلت ذكر الله تعالى فى الجنة كاسا كان مزاجها كافورا وكاسا كان مزاجها زنجبيلا ذلك على اختلاف رغبة الشاربين فان محرور الطبيعة يعجبه التبريد فيرغب الى كاس كان مزاجها كافورا والمبرود يعجبه التسخين فيرغب الى كاس كان مزاجها زنجبيلا ولكل يرغب فيه.
عَيْناً بدل من زنجبيلا ان كان الزنجبيل اسما لعين والا فهو بدل من كاس على حذف المضاف اى كاس عين فِيها تُسَمَّى تلك العين سَلْسَبِيلًا اخرج سعيد ابن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد قال هى حديدة الحربة انتهى ويقر شراب سهل الانحدار فى الخلق والمساغ سلسل سلسالا وسلسبيلا فقيل الباء فيه زائدة وقال الزجاج سميت بذلك لانها منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤا وقال مقاتل وابو العالية سميت به لانها تسيل عليهم فى الطريق....... وفى منازلهم ينبع من اصل العرش من جنة عدن الى اهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك.
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ عطف على الجملة السابقة- وِلْدانٌ ينشئهم الله لخدمة المؤمنين او ولدان الكفرة يجعلهم الله خدما لاهل الجنة مُخَلَّدُونَ اى لا يموتون ولا يهرمون إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً لا يموتون ولا يهرمون
وَإِذا رَأَيْتَ حذف مفعوله ونزل منزلة اللازم- ثَمَّ ظرف لرايت اى فى الجنة رَأَيْتَ نَعِيماً كثيرا وَمُلْكاً كَبِيراً الجملة الشرطية معترضة فى الجنة وقد مر فيما سبق عن ابن عمر مرفوعا ادنى اهل الجنة منزلة لمن ينظر الى جناته وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة الف سنة وفى رواية مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وقيل «لك لا يزول ويسلم عليهم الملائكة ويستاذنهم فى الدخول ولهم فيها ما يشاؤن ويرون الرب الجليل.
عالِيَهُمْ قرأ نافع وحمزة بإسكان الياء على انه مبتداء وما بعده خبره من جملته حال من ضمير عليهم فى يطوف عليهم او من المنصوب فى حسبتهم او من ملكا كبيرا بحذف المضاف اى اهل ملك كبير والباقون بالنصب على انه ظرف مستقر بمعنى فوقهم خبر لما بعده او حال مما ذكرنا وما بعده فاعل الظرف ثِيابُ سُندُسٍ بالاضافة مبتداء او خبر او فاعل لما قبله والسندس معرب ضرب من رقيق الديباج كذا فى القاموس خُضْرٌ اخضر قرأ نافع وحفص وابو عمرو ابن عامر بالرفع على انه صفة ثياب والباقون بالجر على انه صفة سندس وَإِسْتَبْرَقٌ زاى الديباج الغلظ معرب استبره او ديباج يعمل بالذهب او ثياب حرير صفاق نحو الديباج كذا فى القاموس قرأ نافع وابن كثير وعاصم بالرفع عطفا على ثياب والباقون بالجر عطفا على سندس عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول الله - ﷺ - أخبرنا عن ثياب اهل الجنة اخلق يخلق أم نسج ينسج فقال بلى ينشق عنها
وهذه الآيات اخبار عن شان الأبرار فلعلهم يعطون الكاسات تارة بتوسط الولدان وتارة بتوسط الملائكة وتارة بلا توسط واما المقربون فلعلهم يعطون بلا توسط غالبا.
إِنَّ هذا النعيم كانَ لَكُمْ جَزاءً لاعمالكم وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ع محمودا مقبولا مرضيا عندنا مجازا فقال فهذا قول لهم من الله تعالى كأنهم شكر لهم من الله تعالى حيث لم يريدوا مشكورا من غيره تعالى من المسكين واليتيم قلت جعل الله سبحانه نعيم الجنة جزاء لاعمالهم تفضلا لهم والا فأى عمل يتصور ان يكون جزاءه كذلك.
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ج قال ابن عباس يعنى متفرقا اية بعد اية ولم ينزل جملة واحدة وتأكيد الجملة بتقديم المسند اليه على الجزاء الفعلى وتصديرها بان وتكرير الضمير لاشعار بأن الحكمة والصواب منحصر فى هذا النوع من التنزيل كانه كرر الاسناد الى نفسه وجعله مختصا به والحكيم لا يفعل الا ما هو حكمته.
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ الفاء للسببية يعنى إذا عرفت حال الأبرار والفجار وتأخير جزاء الفريقين اى دار القرار فاصبر على أذى الكفار ولا تعجل فى عقوبتهم ولا تحزن بتأخير نصرك عليهم وإذا علمت ان تنزيل القران مختص به تعالى فاصبر نفسك على ما امر به وعما نهى عنه وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ اى من الكفار للضجر من تأخير الظفر آثِماً اى مرتكبا لاثم داعيا لك اليه وان لم يكن ذلك كفرا- أَوْ كَفُوراً ج مرتكبا للكفر داعيا لك الى الكفر فاو لاحد الامرين منكر وقعت فى حيز النفي فافادت العموم اى لا تطع أحدا دعاك الى اثم او دعاك الى كفر او إليهما جميعا فانه داع الى كل واحد منهما ولو وقعت هناك الواو لكان المعنى لا تطع من دعاك الى الكفر والإثم جميعا ولا يستفاد منه عدم إطاعة الداعي الى الإثم فقط ومقتضى هذه الاية انه لا بأس فى إطاعة كافر فيما ليس بإثم ولا كفر
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ اى صل شبه عن الصلاة بذكر اسم الله تعالى تسمية الشيء باسم جزئه فان التحريمة ركن من اركان الصلاة او يقال افعال الصلاة وأقوالها كلها ذكر قال رسول الله - ﷺ - ان هذه الصلاة ليس فيها شىء من كلام الناس انما هى التسبيح والتكبير وقراءة القران رواه المسلم من حديث معاوية بن حكم بُكْرَةً اى أول النهار عنى به صلوة الفجر منصوب على الظرفية وكذا وَأَصِيلًا اى اخر النهار عنى به صلوة الظهر والعصر.
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ عبر هاهنا عن الصلاة بالسجود وأراد به صلوة المغرب والعشاء ولما كان فى صلوة الليل زيادة كلفته أكده بتقديم الظرف وزيادة الفاء فى فاسجد على تقدير اما اى واما من الليل فاسجد وَسَبِّحْهُ لَيْلًا عبر هاهنا عن الصلاة بالتسبيح والمراد به قيام الليل طَوِيلًا صفة لمصدر محذوف اى تسبيحا طويلا نصف الليل او اقل او اكثر منه.
إِنَّ هؤُلاءِ يعنى الكفار مكة يُحِبُّونَ الدار الْعاجِلَةَ فى الدنيا وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ اى قدامهم او خلف ظهورهم يَوْماً ثَقِيلًا شديدا مستعار من الشغل البالغ فى المشقة على الحال وجملة ان هؤلاء تعليل لقوله تعالى لاتطع منهم اثما او كفورا يعنى انهم آثمون لا يعملون ما يعملون فى الدنيا ولا يصأون بالاخرة فلا تطعهم.
نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ ج أحكمنا اسرهم خلقهم وارحالهم وربط مفاصلهم وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ فى الخلق وشدة الاسر تَبْدِيلًا مصدر للتاكيد وجملة الشرطية معطوفة على شددنا وجملة نحن خلقناهم مع ما عطف عليه لبيان تشنيع الكفار على كفرهم فى مقابلة النعم وذكر نعمة إيجادهم وتمكينهم لانها اصل النعمة كلها وفى جملة إذا شئنا تسلية للنبى صلى الله عليه واله وسلم فى احتمال الاذية منهم ووعد لهم باهلاكهم وتبديلهم بقوم
إِنَّ هذِهِ السورة او الآيات تَذْكِرَةٌ ج وموعظة وتذكرة توضح السبيل الى الله سبحانه والى مرضاته فَمَنْ شاءَ التقرب الى الله وسلوك السبيل اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا بالطاعة ودوام الذكر والإخلاص وتقليد النبي صلى الله عليه واله وسلم.
وَما تَشاؤُنَ قرأ نافع والكوفيون بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ لا توجد مشيتكم ايها الناس او مشية الكفار باتخاذ السبيل الى الله وبشئ من الأشياء فى وقت من الأوقات الا وقت مشية الله تلك المشية عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - ﷺ - ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله - ﷺ - اللهم مصرف القلوب صرف قلبى على طاعتك رواه مسلم فلما وجد مشية الله بهداية المؤمنين شاء اتخذ السبيل الى الله ولما لم توجد مشية الله بهداية الكفار لم يشأ ذلك إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بما يستاهل كل أحد فيفعل به ما هو اهل له وذلك يستدعى سبق استعدادهم الخير والشر وانما هو يكون المبادي تعينات المؤمنين ماشية من اسم الله الهادي ومبادى تعينات الكفار من اسم المضل حَكِيماً لا يشاء الا ما تقضيه الحكمة.
يُدْخِلُ الله سبحانه مَنْ يَشاءُ من عباده ورحمته فِي رَحْمَتِهِ ط اى فى جنته فانها محل الرحمة يقذف الايمان والتصديق فى قلبه ومحبة الله فى سره وتوفيقه للطاعة وحفظه وتنفيره عن الكفر والمعصية وَالظَّالِمِينَ منصوب بفعل محذوف تفسيره بعده ويعذب الظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ع جملة والظالمين معطوف على يدخل والجملتين يقرر ان مضمون ما يشاؤن الا ان يشاء الله- والله تعالى اعلم- تمت سورة الدهر.