تفسير سورة الإنسان

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة الإنسان
مدنية وآياتها ٣١ نزلت بعد الرحمن

سورة الإنسان
مدنية وآياتها ٣١ نزلت بعد الرحمن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الإنسان) هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً هل هنا بمعنى التقرير لا لمجرد الاستفهام، وقيل: هل بمعنى قل، والإنسان هنا جنس، والحين الذي أتى عليه حين كان معدوما قبل أن يخلق، وقيل: الإنسان هنا آدم، والحين الذي أتى عليه حين كان طينا قبل أن ينفخ فيه الروح وهذا ضعيف لوجهين أحدهما قوله: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ وهو هنا جنسها باتفاق إذ لا يصح هنا في آدم، والآخر أن مقصد الآية تحقير الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ أي أخلاط واحدها مشج بفتح الميم والشين وقيل: مشج بوزن عدل، وقال الزمخشري: ليس أمشاج بجمع وإنما هو مفرد كقولهم: برمة أعشار، ولذلك أوقع صفة للمفرد واختلف في معنى الأخلاط هنا فقيل: اختلاط ماء الرجل والمرأة وقيل: معناه ألوان وأطوار، أي يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة نَبْتَلِيهِ أي نختبره وهذه الجملة في موضع الحال أي: خلقناه مبتلين له وقيل: معناه نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً هذا معطوف على خلقنا الإنسان، ومن جعل نبتليه بمعنى نصرفه في بطن أمه فهذا عطف عليه، وقيل أن نبتليه مؤخر في المعنى أي جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه وهذا تكلف بعيد.
إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ أي سبيل الخير والشر ولذلك قسم الإنسان إلى قسمين شاكرا أو كفورا وهما حالان من الضمير في هديناه والهدى هنا بمعنى: بيان الطريقين، وموهبة العقل الذي يميز به بينهما، ويحتمل أن يكون بمعنى الإرشاد، أي هدى المؤمن للإيمان والكافر للكفر. قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء: ٧٨]
سلاسلا «١» من قرأه بغير تنوين فهو الأصل إذ هو لا ينصرف، لأنه جمع لا نظير له في الآحاد. ومن قرأه بالتنوين فله ثلاث توجيهات:
(١). قرأ نافع وأبو بكر والكسائي: سلاسلا بالتنوين. وقرأ الباقون: سلاسل بفتحة واحدة لأنه ممنوع من الصرف.
436
أحدها أنها لغة لبعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا ما كان على وزن أفعل والآخر أن النون بدل من حرف الإطلاق، وأجرى الوصل مجرى الوقف والثالث أن يكون صاحب هذه القراءة راوية للشعر، قد عوّد لسانه صرف ما لا ينصرف فجرى على ذلك الْأَبْرارَ جمع بار أو برّ، ومعناه العاملون بالبر وهو غاية التقوى والعمل الصالح حتى قال بعضهم:
الأبرار هم الذين لا يؤذون الذر مِنْ كَأْسٍ ذكر في الصافات [٤٥] معنى الكأس ومن هنا يحتمل أن تكون للتبعيض أو لابتداء الغاية مِزاجُها كافُوراً أي تمزج الخمر بالكافور وقيل: المعنى أنه كافور في طيب رائحته كما تمدح طعاما فتقول هذا مسك عَيْناً بدل من كافورا على القول بأن الخمر تمزج بالكافور، أو بدل من موضع من كأس على القول الآخر كأنه قال: يشربون خمرا خمر عين وقيل: هو مفعول يشربون وقيل منصوب بإضمار فعل يَشْرَبُ بِها قال ابن عطية: الباء زائدة والمعنى يشربها وهذا ضعيف لأن الباء إنما تزاد في مواضع ليس هذا منها، وإنما هي كقولك: شربت الماء بالعسل لأن العين المذكورة تمزج بها الكأس من الخمر عِبادُ اللَّهِ وصفهم بالعبودية، وفيه معنى التشريف والاختصاص. كقوله: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان: ٦٣] يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً أي يفجرونها حيث شاؤوا من منازلهم تفجيرا سهلا لا يصعب عليهم، وفي الأثر أن في قصر النبي ﷺ في الجنة عينا تفجر إلى قصور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين مُسْتَطِيراً أي منتشرا شائعا ومنه، استطار الفجر: إذا انشق ضوؤه.
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ نزلت هذه الآية وما بعدها في علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم «١» فإنهم كانوا صائمين فلما وضعوا فطورهم ليأكلوه جاء مسكين فرفعوه له، وباتوا طاوين وأصبحوا صائمين، فلما وضعوا فطورهم جاء يتيم فدفعوه له، وباتوا طاوين وأصبحوا صائمين فلما وضعوا فطورهم جاء أسير فدفعوه له، وباتوا طاوين والآية على هذا مدنية لأن عليا إنما تزوج فاطمة بالمدينة وقيل: إنما هي مكية وليست في علي عَلى حُبِّهِ الضمير للطعام أي يطعمونه مع حبه والحاجة إليه فهو كقوله:
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: ٩٢] وقوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: ٩] ففي قوله على حبه تتميم وهو من أدوات البيان وقيل: الضمير لله وقيل: للإطعام المفهوم من يطعمون والأول أرجح وأظهر مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً قد ذكرنا المسكين واليتيم وأما الأسير ففيه خمسة أقوال أحدها أن الأسير الكافر بين المسلمين ففي إطعامه أجر لأنه: «في كل ذي كبد رطبة أجر» «٢» وقيل نسخ ذلك
(١). القصة مشهورة وفيها إيثار المسكين ثم اليتيم ثم الأسير ثلاث ليال متواليات على أنفسهم.
(٢). الحديث في البخاري عن أبي هريرة كتاب الشرب والمساقاة ص ٧٧ ج ٣.
437
﴿ من نطفة أمشاج ﴾ أي : أخلاط واحدها مشج بفتح الميم وشين، وقيل : مشج بوزن عدل، وقال الزمخشري : ليس أمشاج بجمع وإنما هو مفرد كقولهم برمة أعشار، ولذلك أوقع صفة للمفرد واختلف في معنى الأخلاط هنا، فقيل : اختلاط الدم والبلغم والصفراء والسوداء، وقيل : اختلاط ماء الرجل والمرأة وروي : أن عظام الإنسان، وعصبه من ماء الرجل، وأن لحمه وشحمه من ماء المرأة، وقيل : معناه ألوان وأطوار أي : يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة.
﴿ نبتليه ﴾ أي : نختبره وهذه الجملة في موضع الحال أي : خلقناه مبتلين له وقيل : معناه نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة.
﴿ فجعلناه سميعا بصيرا ﴾ هذا معطوف على خلقنا الإنسان ومن جعل نبتليه وهذا تكلف بعيد.
﴿ إنا هديناه السبيل ﴾ أي : سبيل الخير والشر، ولذلك قسم الإنسان إلى قسمين شاكرا أو كفورا وهما حالان من الضمير في هديناه والهدى هنا بمعنى : بيان الطريقين وموهبة العقل الذي يميز به بينهما ويحتمل أن يكون بمعنى : الإرشاد أي : هدى المؤمن للإيمان والكافر للكفر قل كل من عند الله.
﴿ سلاسلا ﴾ من قرأه بغير تنوين فهو الأصل إذ هو لا ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الآحاد ومن قرأه بالتنوين فله ثلاث توجيهات :
أحدها : أنها لغة لبعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا أفعل.
والآخر : أن النون بدل من حرف الإطلاق وأجرى الوصل مجرى الوقف.
والثالث : أن يكون صاحب هذه القراءة راوية للشعر قد عود لسانه صرف ما لا ينصرف فجرى على ذلك.
﴿ الأبرار ﴾ جمع بار أو بر ومعناه : العاملون بالبر وهو غاية التقوى والعمل الصالح حتى قال بعضهم : الأبرار هم الذين لا يؤذون الذر.
﴿ من كأس ﴾ ذكر في الصافات معنى الكأس ومن هنا يحتمل أن تكون للتبعيض أو الابتداء الغاية. ﴿ مزاجها كافورا ﴾ أي : تمزج الخمر بالكافور، وقيل : المعنى أنه كافور في طيب رائحته كما تمدح طعاما فتقول هذا مسك.
﴿ عينا ﴾ بدل من كافورا على القول بأن الخمر تمزج بالكافور أو بدل من موضع من كأس على القول الآخر كأنه قال يشربون خمرا خمر عين، وقيل : هو مفعول يشربون، وقيل : منصوب بإضمار فعل.
﴿ يشرب بها ﴾ قال ابن عطية : الباء زائدة والمعنى يشربها، وهذا ضعيف لأن الباء إنما تزاد في مواضع ليس هذا منها وإنما هي كقولك شربت الماء بالعسل لأن العين المذكورة تمزج بها الكأس من الخمر.
﴿ عباد الله ﴾ وصفهم بالعبودية وفيه معنى التشريف والاختصاص. كقوله :﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ].
﴿ يفجرونها تفجيرا ﴾ أي : يفجرونها حيث شاؤوا من منازلهم تفجيرا سهلا لا يصعب عليهم وفي الأثر أن في قصر النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة عينا تفجر إلى قصور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين.
﴿ مستطيرا ﴾ أي : منتشرا شائعا ومنه استطار الفجر إذا انشق ضوؤه.
﴿ ويطعمون الطعام ﴾ نزلت هذه الآية وما بعدها في علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فإنهم كانوا صائمين فلما وضعوا فطورهم ليأكلوه جاء مسكين فرفعوه له وباتوا طاوين وأصبحوا صائمين فلما وضعوا فطورهم جاء يتيم فدفعوه له وباتوا طاوين وأصبحوا صائمين فلما وضعوا فطرهم جاء أسير فدفعوه له وباتوا طاوين والآية : على هذا مدنية لأن عليا إنما تزوج فاطمة بالمدينة وقيل : إنما هي مكية وليست في علي.
﴿ على حبه ﴾ الضمير للطعام أي : يطعمونه مع حبه والحاجة إليه فهو كقوله :﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ [ آل عمران : ٩٢ ]، وقوله :﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾ [ الحشر : ٩ ]، ففي قوله :﴿ على حبه ﴾ تتميم وهو من أدوات البيان، وقيل : الضمير لله، وقيل : للإطعام المفهوم من يطعمون، والأول أرجح وأظهر.
﴿ مسكينا ويتيما وأسيرا ﴾ قد ذكرنا المسكين واليتيم وأما الأسير ففيه خمسة أقوال :
أحدها : أن الأسير الكافر بين المسلمين ففي إطعامه أجر لأنه في كل ذي كبد رطبة أجر، وقيل : نسخ بالسيف.
والآخر : أنه الأسير المسلم إذا خرج من دار الحرب لطلب الفدية.
والثالث : أنه المملوك.
الرابع : أنه المسجون.
الخامس : أنه المرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم :" استوصوا بالنساء خيرا لأنهن عوان عندكم " وهذا بعيد، والأول أرجح لأنه روي :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بالأسير المشرك فيدفعه إلى بعض المسلمين ويقول له أحسن إليه ".
بالسيف، والآخر: أنه الأسير المسلم إذا خرج من دار الحرب لطلب الفدية والثالث أنه المملوك الرابع أنه المسجون الخامس أنه المرأة لقوله «١» صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيرا لأنهن عوان عندكم وهذا بعيد والأول أرجح لأنه روي أن النبي ﷺ كان يؤتى بالأسير المشرك فيدفعه إلى بعض المسلمين ويقول له: أحسن إليه
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ عبارة عن الإخلاص لله، ولذلك فسروه وأكدوه بقولهم: لا نريد منكم جزاء ولا شكورا والشكور مصدر كالشكر ويحتمل أنهم قالوا هذا الكلام بألسنتهم، أو قالوا في نفوسهم، فهو عبارة عن النية والقصد يَوْماً عَبُوساً وصف اليوم بالعبوس مجاز على وجهين: أحدهما أن يوصف اليوم بصفة أهله كقولهم:
نهاره صائم وليله قائم. وروي أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل الدم من عينيه مثل القطران والآخر يشبّه في شدّته بالأسد العبوس قَمْطَرِيراً قال ابن عباس: معناه طويل وقيل: شديد.
وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً النضرة: التنعم. وهذا في مقابلة عبوس الكافر. وقوله:
وقاهم ولقاهم من أدوات البيان بِما صَبَرُوا أي بصبرهم على الجوع وإيثار غيرهم على أنفسهم، حسبما ذكرنا من قصة علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وقد ذكرنا الأرائك «٢» لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً عبارة عن اعتدال هوائها أي ليس فيها حر ولا برد، والزمهرير هو البرد الشديد، وقيل: هو القمر بلغة طيء، والمعنى على هذا أن للجنة ضياء فلا يحتاج فيها إلى شمس ولا قمر وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها معناه أن ظلال الأشجار متدلية عليهم قريبة منهم، وإعراب دانية معطوف على متكئين، وقال الزمخشري: هو معطوف على الجملة التي قبلها وهي: لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، لأن هذه الجملة في حكم المفرد تقديره: غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم، أي جامعين بين البعد عن الحر والبرد وبين دنو الظلال، وقيل: هو صفة لجنة عطف بالواو كقولك: فلان عالم وصالح. وقيل: هو معطوف عليها أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا القطوف جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب، وشبه ذلك، وتذليلها هو أن تتدلى إلى الأرض، وروي أن أهل الجنة يقطعون الفواكه على أي حال كانوا من قيام أو جلوس أو اضطجاع، لأنها تتدلى لهم كما يريدون، وهذه الجملة في موضع الحال من دانية، أي دانية في حال تذليل قطوفها أو معطوفة عليها.
بِآنِيَةٍ هي جمع إناء ووزنها أفعلة وقد ذكرنا الأكواب في الواقعة قَوارِيرَا القوارير هي الزجاج، فإن قيل: كيف يتفق أنها زجاج مع قوله من فضة؟ فالجواب: أن
(١). الحديث متفق عليه عن أبي هريرة والترمذي عن عمرو بن الأحوص، وهو من خطبة حجة الوداع.
(٢). سبق ورودها في الكهف: ٣١ ويس: ٥٦.
﴿ يوما عبوسا ﴾ وصف اليوم بالعبوس مجاز على وجهين :
أحدهما : أن يوصف اليوم بصفة أهله كقولهم : نهاره صائم وليله قائم وروي : أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل الدم من عينيه مثل القطران.
والآخر : يشبه في شدته بالأسد العبوس.
﴿ قمطريرا ﴾ قال ابن عباس : معناه طويل وقيل : شديد.
﴿ ولقاهم نضرة وسرورا ﴾ النضرة التنعم وهذا في مقابلة عبوس الكافر وقوله : وقاهم ولقاهم من أدوات البيان.
﴿ بما صبروا ﴾ أي : بصبرهم على الجوع وإيثار غيرهم على أنفسهم حسبما ذكرنا من قصة علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
وقد ذكرنا ﴿ الأرائك ﴾.
﴿ لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ﴾ عبارة عن اعتدال هوائها أي : ليس فيها حر ولا برد، والزمهرير هو البرد الشديد، وقيل : هو القمر بلغة طيء، والمعنى : على هذا أن للجنة ضياء فلا يحتاج فيها إلى شمس ولا قمر.
﴿ ودانية عليهم ظلالها ﴾ معناه : أن ظلال الأشجار متدلية عليهم قريبة منهم وإعراب دانية معطوف على متكئين، وقال الزمخشري : هو معطوف على الجملة التي قبلها وهي لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، لأن هذه الجملة في حكم المفرد تقديره غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم أي : جامعين بين البعد عن الحر والبرد وبين دنو الظلال، وقيل : هو صفة لجنة عطف بالواو كقولك : فلان عالم وصالح، وقيل : هو معطوف عليها أي : وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها.
﴿ وذللت قطوفها تذليلا ﴾ القطوف جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب، وشبه ذلك، وتذليلها هو أن تتدلى إلى الأرض، وروي : أن أهل الجنة يقطعون الفواكه على أي : حال كانوا من قيام أو جلوس أو اضطجاع، لأنها تتدلى لهم كما يريدون، وهذه الجملة في موضع الحال من دانية، أي : دانية في حال تذليل قطوفها أو معطوفة عليها.
﴿ بآنية ﴾ هي جمع إناء ووزنها أفعلة وقد ذكرنا الأكواب في الواقعة.
﴿ قواريرا ﴾ القوارير هي الزجاج، فإن قيل : كيف يتفق أنها زجاج مع قوله من فضة ؟ فالجواب : أن المراد أنها في أصلها من فضة وهي تشبه الزجاج في صفائها وشفيفها، وقيل : هي من زجاج وجعلها من فضة على وجه التشبيه لشرف الفضة وبياضها ومن قرأ قوارير بغير تنوين فهو على الأصل ومن نونه فعلى ما ذكرنا في سلاسل.
المراد أنها في أصلها من فضة وهي تشبه الزجاج في صفائها وشفيفها، وقيل: هي من زجاج، وجعلها من فضة على وجه التشبيه لشرف الفضة وبياضها، ومن قرأ قوارير بغير تنوين فهو على الأصل ومن نوّنه «١» فعلى ما ذكرنا في سلاسل
قَدَّرُوها تَقْدِيراً هذه صفة للقوارير والمعنى قدّروها على قدر الأكف أو على قدر ما يحتاجون من الشراب، قال مجاهد: هي لا تغيض ولا تفيض، وقيل: قدروها على حسب ما يشتهون، والضمير الفاعل في قدّروها يحتمل أن يكون للشاربين بها أو للطائفين بها مِزاجُها زَنْجَبِيلًا هو كما ذكرنا في مزاجها كافورا سَلْسَبِيلًا معناه سلسل منقاد الجرية، وقيل: سهل الانحدار في الحلق، يقال: شراب سلسل وسلسال وسلسبيل بمعنى واحد. وزيدت الباء في التركيب للمبالغة في سلاسته، فصارت الكلمة خماسية، وقيل: سل فعل أمر سبيلا مفعول به وهذا في غاية الضعف وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ذكر في الواقعة لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً شبههم باللؤلؤ في الحسن والبياض، وبالمنثور منه في كثرتهم وانتشارهم في القصور.
وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ مفعول رأيت محذوف ليكون الكلام على الإطلاق في كل ما يرى فيها، وثم ظرف مكان، وقال الفراء: تقديره إذا رأيت ما ثم فما مفعوله ثم حذفت، قال الزمخشري: وهذا خطاب لأن ثمّ صلة لما، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة مُلْكاً كَبِيراً يعني كثرة ما أعطاهم الله، حتى إن أدنى أهل الجنة منزلة له مثل الدنيا وعشرة أمثاله معه، حسبما ورد في الحديث «٢» وقيل: أراد أن الملائكة تسلم عليهم، وتستأذن عليهم، فهم بذلك كالملوك عالِيَهُمْ «٣» بسكون الياء مبتدأ خبره ثِيابُ سُندُسٍ أي ما يعلوهم من الثياب ثياب سندس، وقرئ عاليهم بالنصب على الحال، من الضمير في يطوف عليهم أو في حسبتهم. وقال ابن عطية: العامل فيه لقّاهم أو جزاهم، وقال أيضا يجوز أن ينتصب على الظرف لأن معناه فوقاهم، وقد ذكرنا معنى السندس والإستبرق وقرئ خُضْرٌ بالخفض صفة لسندس وبالرفع صفة لثياب وَإِسْتَبْرَقٌ بالرفع عطف على ثياب، وبالخفض عطف على سندس وَحُلُّوا وزنه فعلوا معناه جعل لهم حلي أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ذكرنا الأساور في الكهف، فإن قيل كيف قال هنا أساور من فضة، وفي موضع آخر أساور من
(١). قرأ بالتنوين: قواريرا نافع وأبو بكر والكسائي. وقرأ الباقون: قوارير. لأنها ممنوعة من الصرف ما عدا ابن كثير فإنه قرأ الأولى بالتنوين لأنها رأس آية والثانية بدون تنوين على الأصل.
(٢). الحديث رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة وأوله: «إن موسى عليه السلام سأل ربه: ما أدنى أهل الجنة، منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة». انظر الترغيب والترهيب ج ٤/ ص ٢٤٥.
(٣). قرأ نافع وحمزة: عاليهم بكسر اللام وسكون الياء والباقون: عاليهم بفتح الياء.
﴿ مزاجها زنجبيلا ﴾ هو كما ذكرنا في مزاجها كافورا.
﴿ سلسبيلا ﴾ معناه : سلسل منقاد الجرية، وقيل : سهل الانحدار في الحلق، يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل بمعنى : واحد وزيدت الباء في التركيب للمبالغة في سلاسته فصارت الكلمة خماسية، وقيل : سل فعل أمر سبيلا مفعول به، وهذا في غاية الضعف.
﴿ ولدان مخلدون ﴾ ذكر في الواقعة.
﴿ لؤلؤا منثورا ﴾ شبههم باللؤلؤ في الحسن والبياض وبالمنثور منه في كثرتهم وانتشارهم في القصور.
﴿ وإذا رأيت ثم ﴾ مفعول رأيت محذوف ليكون الكلام على الإطلاق في كل ما يرى فيها وثم ظرف مكان، وقال الفراء : تقديره إذا رأيت محذوف ليكون الكلام على الإطلاق في كل ما يرى فيها وثم ظرف مكان، وقال الفراء : تقديره إذا رأيت ما ثم فما مفعولة ثم حذفت، قال الزمخشري : وهذا خطاب لأن ثم صلة لما ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة.
﴿ ملكا كبيرا ﴾ يعني : كثرة ما أعطاهم الله حتى إن أدنى أهل الجنة منزلة له مثل الدنيا وعشرة أمثاله معه، حسبما ورد في الحديث، وقيل : أراد أن الملائكة تسلم عليهم، وتستأذن عليهم، فهم بذلك كالملوك.
﴿ عاليهم ﴾ بسكون الياء مبتدأ خبره.
﴿ ثياب سندس ﴾ أي : ما يعلوهم من الثياب ثياب سندس، وقرئ بالنصب على الحال، من الضمير في يطوف عليهم أو في حسبتهم، وقال ابن عطية : العامل فيه لقاهم أو جزاهم، وقال أيضا يجوز أن ينتصب على الظرف لأن معناه فوقاهم، وقد ذكرنا معنى السندس والإستبرق وقرئ. ﴿ خضر ﴾ بالخفض صفة لسندس وبالرفع صفة لثياب.
﴿ وإستبرق ﴾ بالرفع عطف على ثياب، وبالخفض عطف على سندس.
﴿ وحلوا ﴾ وزنه فعلوا معناه : جعل لهم حلي.
﴿ أساور من فضة ﴾ ذكرنا الأساور في الكهف، فإن قيل : كيف قال هنا أساور من فضة، وفي موضع آخر أساور من ذهب ؟ فالجواب : أن ذلك يختلف باختلاف درجات أهل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم :" جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهم ". فلعل الذهب للمقربين، والفضة لأهل اليمين ويحتمل أن يكون أهل الجنة لهم أساور من فضة ومن ذهب معا.
﴿ شرابا طهورا ﴾ أي : ليس بنجس كخمر الدنيا، وقيل : معناه أنه لم تعصره الأقدام، وقيل : معناه لا يصير بولا.
ذهب؟ فالجواب أن ذلك يختلف باختلاف درجات أهل الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما» «١». فلعل الذهب للمقربين، والفضة لأهل اليمين، ويحتمل أن يكون أهل الجنة لهم أساور من فضة ومن ذهب معا شَراباً طَهُوراً أي ليس بنجس كخمر الدنيا. وقيل معناه: أنه لم تعصره الأقدام، وقيل معناه لا يصير بولا
إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً أي يقال لهم هذا يقوله الله تعالى والملائكة آثِماً أَوْ كَفُوراً أو هنا للتنويع، فالمعنى لا تطع النوعين، فاعلا للإثم ولا كفورا، وقيل:
هي بمعنى الواو أي جامعا للوصفين لأن هذه هي حالة الكفار، وروي أن الآية نزلت في أبي جهل، وقيل: أن الآثم عتبة بن ربيعة، والكفور الوليد بن المغيرة، والأحسن أنها على العموم، لأن لفظها عام، وإن كان سبب نزولها خاصا بُكْرَةً وَأَصِيلًا هذا أمر بذكر الله في كل وقت، وقيل: إشارة إلى الصلوات الخمس، فالبكرة صلاة الصبح، والأصيل الظهر والعصر، ومن الليل المغرب والعشاء.
إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ أي الدنيا والإشارة إلى الكفار واليوم الثقيل يوم القيامة، ووصفه بالثقل عبارة عن هوله وشدته وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ الأسر الخلقة وقيل: المفاصل والأوصال، وقيل: القوة بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا أي أهلكناهم وأبدلنا منهم غيرهم. وقيل:
مسخناهم فبدلنا صورهم وهذا تهديد إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ الإشارة إلى الآية أو السورة أو الشريعة بجملتها فَمَنْ شاءَ تحضيض وترغيب ثم قيّد مشيئتهم بمشيئة الله وَالظَّالِمِينَ منصوب بفعل مضمر تقديره: ويعذب الظالمين.
(١). الحديث رواه أحمد في الجزء ٤ ص ٤١٦، ٤١١. وأوله: «جنات الفردوس أربع: جنتان من ذهب» عن أبي موسى الأشعري.
﴿ آثما أو كفورا ﴾ أو هنا للتنويع فالمعنى : لا تطع النوعين، فاعلا للإثم ولا كفورا، وقيل : هي بمعنى الواو أي : جامعا للوصفين لأن هذه هي حالة الكفار، وروي : أن الآية نزلت في أبي جهل، وقيل : أن الآثم عتبة بن ربيعة، والكفور الوليد بن المغيرة، والأحسن أنها على العموم، لأن لفظها عام، وإن كان سبب نزولها خاصا.
﴿ بكرة وأصيلا ﴾ هذا أمر بذكر الله في كل وقت، وقيل : إشارة إلى الصلوات الخمس، فالبكرة صلاة الصبح، والأصيل الظهر والعصر، ومن الليل المغرب والعشاء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:﴿ بكرة وأصيلا ﴾ هذا أمر بذكر الله في كل وقت، وقيل : إشارة إلى الصلوات الخمس، فالبكرة صلاة الصبح، والأصيل الظهر والعصر، ومن الليل المغرب والعشاء.
﴿ إن هؤلاء يحبون العاجلة ﴾ أي : الدنيا والإشارة إلى الكفار واليوم الثقيل يوم القيامة، ووصفه بالثقل عبارة عن هوله وشدته.
﴿ وشددنا أسرهم ﴾ الأسر الخلقة، وقيل : المفاصل والأوصال، وقيل : القوة.
﴿ بدلنا أمثالهم تبديلا ﴾ أي : أهلكناهم وأبدلنا منهم غيرهم، وقيل : مسخناهم فبدلنا صورهم وهذا تهديد.
﴿ إن هذه تذكرة ﴾ الإشارة إلى الآية أو السورة أو الشريعة بجملتها.
﴿ فمن شاء ﴾ تحضيض وترغيب ثم قيد مشيئتهم بمشيئة الله.
﴿ والظالمين ﴾ منصوب بفعل مضمر تقديره ويعذب الظالمين.
Icon