ﰡ
مكية، وقيل: مدنية، وقيل: منها آية مكية، وهي قوله: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾، والباقي مدني، وآيها: إحدى وثلاثون آية، وحروفها ألف وأربع وخمسون حرفًا، وكلمها: مئتان واثنتان وأربعون كلمة.
روي أنها نزلت في صنيع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في إطعامه عشاءه وعشاء أهله وولده لمسكين ليلةً، ثم ليتيم ليلة، ثم لأسير ثالثة، متواليات (١)، والله أعلم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١)﴾.[١] ﴿هَلْ﴾ بابها المشهور للاستفهام المحض، ومعناها هنا: قد.
﴿أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ يعني: آدم عليه السلام ﴿حِينٌ﴾ مدة ﴿مِنَ الدَّهْرِ﴾ أربعون سنة ملقى من طين بين مكة والطائف قبل أن تنفخ فيه الروح.
...
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢)﴾.
[٢] ثم بين خلق بنيه فقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ يعني: بني آدم، والإنسان هنا هو اسم الجنس ﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ نعت؛ أي: أخلاطٍ، واحدها مَشَج -بفتح الميم والشين- يعني: ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرحم، فيكون منهما الولد، فماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا صاحبه، كان الشبه له، وما كان من عصب وعظم، فمن نطفة الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر، فمن ماء المرأة.
﴿نَبْتَلِيهِ﴾ حال؛ أي: خلقناه مريدين ابتلاءه؛ بأن نختبره بالأمر والنهي.
﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ ذا سمع وبصر.
...
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)﴾.
[٣] ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ﴾ بينا له ﴿السَّبِيلَ﴾ أي: الطريقَ إلى الهدى والضلالة.
﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ حالان قسمتهما (إما)؛ أي: بأن يشكر فيؤمن، أو يكفر فيضل.
...
[٤] ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا﴾ هيأنا (١) ﴿لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ﴾ يسحبون بها في النار.
قرأ نافع، وأبو جعفر، والكسائي، وأبو بكر، ورويس، وهشام: (سَلاَسِلًا) منونًا مصروفًا؛ لأن الأصل الصرف، ووقفوا عليه بالألف بدلًا منه، وقرأ الباقون: بغير تنوين على المشهور عند النحاة، ووقف منهم بالألف صلة للفتحة واتباعًا لخط المصحف: أبو عمرو، وحفص، وروح، والبزي، وابن ذكوان بخلاف عنهم سوى أبي عمرو، ووقف الباقون بغير ألف، وهم: حمزة، وقنبل، وخلف (٢).
﴿وَأَغْلَالًا﴾ في أعناقهم تُشد فيها السلاسل.
﴿وَسَعِيرًا﴾ نارًا مستعرة يُعذَّبون بها.
...
﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥)﴾.
[٥] ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ﴾ هم الصادقون المطيعون ﴿يَشْرَبُونَ﴾ في الآخرة خمرًا.
﴿مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا﴾ ما تمزج به ﴿كَافُورًا﴾ وهو اسم عين ماء في الجنة.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٦٣)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٢٢ - ٥٢٣)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٤ - ٣٩٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٩ - ٢٠).
[٦] ﴿عَيْنًا﴾ نصب بحال (كافور) (١) ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ أي: يشربها، فالباء زائدة.
﴿عِبَادُ اللَّهِ﴾ أي: أولياؤه ﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ يجرونها حيث شاؤوا من منازلهم؛ لأن أنهار الجنة تكون منقادة لأهلها، كما أن الأشجار تكون منقادة لهم، فيتبعهم النهر إلى حيث شاؤوا.
...
﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧)﴾.
[٧] روي أن الحسن والحسين مرضا، فنذر علي وفاطمة وفضة جاريتهما إن عوفيا صيام ثلاثة أيام، فعوفيا، فلم يكن عندهم شيء، فاستقرض علي ثلاثة أصواع من شعير من يهودي، فطحنت فاطمة صاعًا، وخبزته خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها قدامهم ليفطروا، فقال سائل: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد أهل (٢) الجنة، فآثروه به، وباتوا لم يطعموا شيئًا، وأصبحوا صيامًا، فلما قدموا الصاع الثاني، في الليلة الثانية، وهو خمسة أقراص ليفطروا عليه، وقف عليهم يتيم سائلًا، فآثروه ولم يطعموا شيئًا، وأصبحوا صيامًا، وفي الليلة الثالثة (٣) قدموا الصاع
(٢) "أهل" زيادة من "ت".
(٣) "وفي الليلة الثالثة" زيادة من "ت".
﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ منتشرًا؛ من استطار الحريق: انتشر.
...
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)﴾.
[٨] ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ حب الطعام وشهوتهم له.
﴿مِسْكِينًا﴾ لا مال له ﴿وَيَتِيمًا﴾ لا أب له ﴿وَأَسِيرًا﴾ يعني: أسارى الكفار؛ فإنه كان - ﷺ - يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: "أحِسنْ إليه" (٢).
...
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (٩)﴾.
[٩] ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ لم يقولوا ذلك باللسان، ولكن من اعتقادهم وضميرهم، فأخبر الله بذلك عن قلوبهم.
﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً﴾ على ذلك ﴿وَلَا شُكُورًا﴾ بأن تشكرونا عليه.
...
(٢) قال المناوي في "الفتح السماوي" (٣/ ١٠٧٠): قال الولي العراقي: لم أقف عليه.
[١٠] ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا﴾ لا انبساطَ فيه ﴿قَمْطَرِيرًا﴾ شديدًا.
...
﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (١١)﴾.
[١١] ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ﴾ الذي يخافون ﴿وَلَقَّاهُمْ﴾ أعطاهم ﴿نَضْرَةً﴾ حسنًا في وجوههم ﴿وَسُرُورًا﴾ في قلوبهم.
...
﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا﴾ على طاعته ﴿جَنَّةً﴾ أدخلهم فيها ﴿وَحَرِيرًا﴾ ألبسهموه.
...
﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (١٣)﴾.
[١٣] ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ نصب على الحال ﴿فِيهَا﴾ في الجنة ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ السُّرُر في الحِجال، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعا، وتقدم في سورة (يس).
﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا﴾ يؤذيهم حرُّها ﴿وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾ بردًا شديدًا.
...
﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا﴾ قريبةً منهم ظلالُ أشجارها.
...
﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ﴾ جمع إناء، وهي الأوعية ﴿مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ﴾ الكوب: ما لا عروةَ له ولا أُذُنَ من الأواني ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾.
...
﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (١٦)﴾.
[١٦] خبر (كانت) ﴿قَوَارِيرَا﴾ وإنما كرر القوارير؛ للتبيين، ومعناه: صفاؤها كالقوارير، وبياضها كالفضة. قرأ نافع، وأبو جعفر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: (قَوَارِيرًا قَوَارِيرًا) بتنوينهما، ووقفوا عليهما بالألف، وقرأ ابن كثير، وخلف: في الأول بالتنوين، ووقفا عليه بالألف، والثاني بغير تنوين، ووقفا عليه بغير ألف، والباقون: بغير تنوين فيهما، ووقف حمزة، ورويس عليهما (١) بغير ألف، واختلف عن روح، ووقف هشام عليهما بالألف صلة للفتحة، ووقف الباقون، وهم: أبو عمرو، وحفص، وابن ذكوان على الأول بالألف، وعلى الثاني بغير ألف، فحصل من ذلك أن من لم ينون وقف على الأول بالألف إلا حمزة، وعلى الثاني بغير ألف إلا هشامًا (٢)، وهو كـ (سَلاَسِلا) في الصرف وتركه كما تقدم ﴿مِنْ فِضَّةٍ﴾
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٦٣ - ٦٦٤)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٥ - ٣٩٦)، و"معجم =
...
﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (١٧)﴾.
[١٧] ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا﴾ اسم عين في الجنة يوجد منها طعم (٣) الزنجبيل.
...
﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (١٨)﴾.
[١٨] وتبدل من ﴿كَأْسًا﴾ ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى﴾ أي: توصف.
﴿سَلْسَبِيلًا﴾ يعني: سَلِسَة لينة تتسلسل في الحلق.
...
﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (١٩)﴾.
[١٩] ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ دائمون ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ﴾ لحسنهم وانشغالهم (٤) بالخدمة ﴿لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾ من سلكه على البساط واللؤلؤ إذا نُثر من الخيط على البساط، كان أحسنَ منه منظومًا.
(١) في "ت": "قدرها لهم السقاة".
(٢) "الكأس" زيادة من "ت".
(٣) "طعم" زيادة من "ت".
(٤) في "ت": "وانتشارهم في".
[٢٠] ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ﴾ ظرف، وليس مفعولًا لـ (رَأَيْتَ)، تقديره: إذا أوجدت الرؤية في الجنة ﴿رَأَيْتَ نَعِيمًا﴾ لا يوصف ﴿وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ واسعًا (١).
في الحديث: "أدنى أهلِ الجنةِ منزلةً مَنْ ينظرُ إلى مُلْكِه مسيرةَ ألفِ عامٍ، يرى أقصاه كما يرى أدناه" (٢).
...
﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١)﴾.
[٢١] ﴿عَالِيَهُمْ﴾ أي: فوقهم ﴿ثِيَابُ سُنْدُسٍ﴾ هو ما رَقَّ من الديباج ﴿خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ هو ما غَلُظَ من الحرير (٣). وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب: (عَالِيَهُمْ) بفتح الياء وضم الهاء، والنصب على الحال، والعامل فيه (لَقَّاهُمْ) و (جَزَاهُمْ)، وقرؤوا (خُضْرٌ) بالرفع نعت (ثِيَابٌ)، (وَإِسْتَبْرَقٍ) بالخفض نعت (سُنْدُسٍ)، وقرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم: (عَالِيَهُمْ) كأبي عمرو (٤)، و (خُضْرٍ) بالخفض نعت (سُنْدُسٍ)، (وَإِسْتَبْرَقٌ) بالرفع عطف على الـ (ثياب)، وقرأ حفص عن عاصم: (عَالِيَهُمْ) كما تقدم (خُضْرٌ
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٩/ ١٩٣)، عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا عليه من قوله.
(٣) في "ت": "الديباج".
(٤) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٦٤ - ٦٦٥)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٨)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٢٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٩٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٦ - ٢٧).
﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ وفي الكهف والحج ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ﴾ [الكهف: ٣١] [الحج: ٢٣]؛ للإيذان بأنهم (١) يحلون من الجنسين معًا، ومفترقًا.
﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ طاهرًا من الأقذار، لم تَدُسْه (٢) الأقدام، ولم تمسه الأيدي الوسخة كخمر الدنيا، ولا يصير بولًا، وذلك أنهم إذا طعموا وشربوا، فيصير ما أكلوا طِيبًا (٣) يخرج من أبدانهم كأطيب من ريح المسك، وتضمر بطونهم، وتعود شهوتهم.
...
﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)﴾.
[٢٢] فثَمَّ يقال لهم: ﴿إِنَّ هَذَا﴾ النعيمَ ﴿كَانَ لَكُمْ جَزَاءً﴾ لعملكم.
﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ﴾ في الدنيا ﴿مَشْكُورًا﴾ مجازًى عليه.
(٢) في "ت": "تدنسه".
(٣) في "ت": "رشحًا".
[٢٣] ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ متفرقًا، آية بعد آية، وذكر التوراة (١) بلفظ الإنزال؛ لأنها نزلت مرة واحدة، وهذا تثبيت لمحمد - ﷺ -، وتقوية لنفسه على أفعال قريش وأقوالهم.
...
﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ عليك بتبليغ الرسالة ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ﴾ من الكفار ﴿آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ هو تخيير في أن يعرف الذي ينبغي ألا يطيعه بأي وصف كان من هذين؛ لأن كل واحد منهم (٢) فهو آثم، وهو كفور، ولم تكن الأمة حينئذ من الكثرة (٣) بحيث يقع الإثم على العاصي.
...
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ أي: صَلِّ.
﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ المعنى: دم على الصلاة المفروضة في هذين الوقتين.
...
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ﴾ مصليًّا متهجدًا.
(٢) "منهم" ساقطة من "ت".
(٣) "من الكثرة" ساقطة من "ت".
...
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾ يعني: كفار قريش ﴿يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾ يختارون الدنيا على الآخرة ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ﴾ بعد موتهم ﴿يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ لا ينهضون له، وهو يوم القيامة.
...
﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا﴾ قَوَّينا ﴿أَسْرَهُمْ﴾ توصيل أعضائهم (١) بعضِها ببعض.
﴿وَإِذَا شِئْنَا﴾ إهلاكَهم، أهلكناهم، ثم ﴿بَدَّلْنَا﴾ جعلنا ﴿أَمْثَالَهُمْ﴾ في الخلقة ﴿تَبْدِيلًا﴾ و (إِذَا) هنا موضع إن.
...
﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿إِنَّ هَذِهِ﴾ السورةَ ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ عظةٌ.
﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ بأن يتقرب إليه بطاعته.
...
[٣٠] ﴿وَمَا تَشَاءُونَ﴾ ذلك. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: (يَشَاؤونَ) بالغيب، والباقون: بالخطاب (١) ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ لأن الأمر إليه، وفيه دليل على أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى، خيرها وشرها، جارية بمشيئته على أي وجه كانت.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ بالسر والسرائر (٢) ﴿حَكِيمًا﴾ حكم عليكم ألا تشاؤوا إلا بعد مشيئته.
...
﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١)﴾.
[٣١] ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ﴾ وهم المؤمنون ﴿فِي رَحْمَتِهِ﴾ بهدايتهم لطاعته.
﴿وَالظَّالِمِينَ﴾ أي: المشركين، ونصبه بفعل يفسره ﴿أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ في الآخرة، والله أعلم.
* * *
(٢) في "ت": "بالخير والشر".