" صفحة رقم ١٠٥ "
والتفريع هذا مزيد مناسبة لقوله آنفاً ) ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ( ( محمد : ١١ ) الآية.
فالأمر في قوله :( فاعلم ( كناية عن طلب العلم وهو العمل بالمعلوم، وذلك مستعمل في طلب الدوام عليه لأن النبي ( ﷺ ) قد علم ذلك وعلمه المؤمنون، وإذا حصل العلم بذلك مرة واحدة تقرر في النفس لأن العلم لا يحتمل النقيض فليس الأمر به بعد حصوله لطلب تحصيله بل لطلب الثبات فهو على نحو قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله ( ( النساء : ١٣٦ ). وأما الأمر في قوله :( واستغفر لذنبك ( فهو لطلب تجديد ذلك إن كان قد علمه النبي ( ﷺ ) من قبل وعَمِله أو هو لطلب تحصيله إن لم يكن فعَلَه من قبل.
وذكر ) المؤمنات ( بعد ) المؤمنين ( اهتمام بهن في هذا المقام وإلا فإن الغالب اكتفاء القرآن بذكر المؤمنين وشموله للمؤمنات على طريقة التغليب للعلم بعموم تكاليف الشريعة للرجال والنساء إلا ما استثني من التكاليف.
ومن اللطائف القرآنية أن أمر هنا بالعلم قبل الأمر بالعمل في قوله :( واسغفر لذنبك ). قال ابن عيينة لما سئل عن فضل العلم : ألم تسمع قوله حين بدأ به ) فاعلم أنه لا إلاهَ إلا الله واستغفر لذنبك ). وترجم البخاري في كتاب العلم من ( صحيحه ) باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى :( فاعلم أنه لا إلاه إلا الله ( فبدأ بالعلم.
وما يستغفر منه النبي ( ﷺ ) ليس من السيئات لعصمته منها، وإنما هو استغفار من الغفلات ونحوها، وتسميته بالذنب في الآية إما مُحاكاة لما كان يُكثر النبي ( ﷺ ) أن يقوله :( اللهم اغفر لي خطيئتي ) وإنما كان يقوله في مقام التواضع، وإما إطلاق لاسم الذنب على ما يفوت من الازدياد في العبادة مثل أوقات النوم والأكل، وإطلاقه على ما عناه النبي ( ﷺ ) في قوله :( إنه ليغان على قلبي وإني أستغفر الله في اليوم مائة مرة ).


الصفحة التالية
Icon