تفسير سورة الهمزة

روح البيان
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

والخيرات الباقية فربحوا بزيادة النور الكمال على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم فانهم فى تجارة لن تبور حيث باعوا الفاني الخسيس واشتروا الباقي النفيس واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيالها من صفقة ما اربحها وهذا بيان لتكميلهم لانفسهم واستدل بعض الطوائف بالآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد لأنه لم يستثن من الخسران الا الذين آمنوا إلخ والتفصى منه ان غير المستثنى فى خسر لا محالة اما بالخلود ان مات كافرا واما بالدخول فى النار ان مات عاصيا لم يغفر له واما بفوات الدرجات العالية ان غفر وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ إلخ بيان لتكميلهم لغيرهم اى وصى بعضهم بعضا بالأمر الثابت الذي لا سبيل الى إنكاره ولا زوال فى الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من الايمان بالله واتباع كتبه ورسله فى كل عقد وعمل وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ اى عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى ما يبلو
الله به عباده وتخصيص هذا التواصي بالذكر مع اندراجه تحت التواصي بالحق لابراز كمال الاعتناء به أو لأن الاول عبارة عن رتبة العبادة التي هى فعل ما يرضى به الله تعالى والثاني عن رتبة العبودية التي هى الرضى بما فعل الله فان المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تشوق اليه من فعل او ترك بل هو تلقى ما ورد منه تعالى بالجميل والرضى به ظاهرا وباطنا ولعله سبحانه انما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود فان المقصود بيان ما فيه الفوز بالحياة الابدية والسعادة السرمدية واشعارا بان ماعدا ماعد يؤدى الى خسر ونقص حظ او تكرما فان الإبهام فى جانب الخسر كرم لأنه ترك تعداد مثالهم والاعراض عن مواجهتهم به وروى عنه عليه السلام أنه قال اقسم ربكم بآخر النهار أن أبا جهل لفى خسر الا الذين آمنوا اى أبا بكر رضى الله عنه وعملوا الصالحات اى عمر رضى الله عنه وتواصوا بالحق اى عثمان رضى الله عنه وتواصوا بالصبر اى عليا رضى الله عنه فسرها بذلك على بن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم على المنبر فيكون تكرير وتواصوا لاختلاف الفاعلين واما على الاول فلاختلاف المفعولين وهما قوله بالحق وبالصبر روى عن الشافعي رحمه الله أنها سورة لو لم ينزل الى الناس الاهى لكفتهم وهو معنى قول غيره انها شملت جميع علوم القرءان تمت سورة العصر فى خامس جمادى الاولى من سنة سبع عشرة ومائة وألف
تفسير سورة الهمزة
تسع آيات مكية بسم الله الرحمن الرحيم
وَيْلٌ بالفارسية بمعنى واى. وهو مبتدأ وساغ الابتداء به مع كونه نكرة لأنه دعاء عليهم بالهلكة او بشدة الشر خبره قوله لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الهمز الكسر واللمز الطعن شاعا فى الكسر من اعراض الناس والطعن فيهم وفى القاموس الهامز والهمزة الغماز واللمزة العياب للناس او الذي يعيبك فى وجهك والهمزة من يعيبك فى الغيب انتهى وبناء فعلة يدل على الاعتياد فلا يقال ضحكة ولعنة الا للمكثير المتعود وفى ادب الكاتب لابن
فِي الْحُطَمَةِ اى فى النار التي شأنها ان تحطم وتكسر كل ما يلقى فيها كما أن شأنه كسر باعراض الناس وجمع المال قال بعضهم قولهم ان فعلة بفتح العين للمكثير المتعود ينتقض الحطمة فانها أطلقت على النار وليس الحطم عادتها بل طبيعتها وجوابه أن كونه طبيعيا لا ينافى كونه عادة إذ العادة على ما فى القاموس الديدن والشأن والخاصية وهو يعم الطبيعي وغيره ومنه يعلم ان النبذ فى الحطمة كان جزاء وفاقا لاعمالهم فانه لما كان الهمز واللمز عادتهم كان الحطم ايضا عادة فقوبل صيغة فعلة بفعلة وكذا ظنوا أنفسهم اهل الكرامة والكثرة فعبر عن جزائهم بالنبذ المنبئ عن الاستحقار والاستقلال يعنى شبههم استحقارا لهم واستقلالا بعددهم بحصيات أخذهن أحد فى كفه فطرحهن فى البحر وفيه اشارة الى الاسقاط عن مرتبة الفطرة الى مرتبة الطبيعة الغالبة وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ تهويل لامرها ببيان أنها ليست من الأمور التي تنالها عقول الخلق والمعنى بالفارسية و چهـ چيز دانا كرد ترا تا دانى چيست حطمه نارُ اللَّهِ اى هى نار الله الْمُوقَدَةُ افروخته شد. بامر وقدرت او جل جلاله وما أوقد وأشعل بامره لا يقدر أن يطفئه غيره فاضافة النار اليه تعالى لتفخيمها والدلالة على أنها ليست كسائر النيران وفى الحديث او قد عليها ألف سنة حتى احمرت ثم ألف سنة حتى ابيضت ثم ألف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة وعن على رضى الله عنه عجبا ممن يعصى الله على وجه الأرض والنار تسعر من تحته الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ اى تعلو اوساط القلوب وتغشاها فان الفؤاد وسط القلب ومتصل بالروح يعنى أن تلك النار تحطم العظام وتأكل اللحوم فتدخل فى أجواف اهل الشهوات وتصل الى صدورهم وتستولى على افئدتهم الى أنها لا تحرقها بالكلية إذ لو احترقت لما تت أصحابها ثم ان الله تعالى يعيد لحومهم وعظامهم مرة اخرى وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد ألطف ما فى الجسد وأشد تألما بأدنى أذى يمسه او لأنه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة ومنشأ الأعمال السيئة فاطلاعها على الافئدة التي هى خزانة الجسد ومحل ودائعه يستلزم الاطلاع على جميع الجسد بطريق الاولى. صاحب كشف الاسرار فرموده كه آتشى كه بدل راه يابد عجبست حسين منصور قدس سره فرموده كه هفتاد سال آتش نار الله الموقدة در باطن ما زدند نا تمام سوخته شد ناكاه شررى از مقدحه انا الحق برون جست ودر ان سوخته افتاد سوخته بايد كه از سوزش ما خبر دهد. اى شمع بيا تا من وتو زار بگرييم. كاحوال دل سوخته هم سوخته داند إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ اى ان تلك النار الموصوفة مطبقة ابوابها عليهم تأكيدا ليأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الابد من أوصدت الباب واصدته اى أطبقته وقد سبق فى سورة البلد فِي عَمَدٍ جمع عمود كما فى القاموس اى حال كونهم موثقين فى اعمدة مُمَدَّدَةٍ من التمديد بالفارسية كشيدن.
اى ممدودة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص اى يلقون فيها على أحد قطريهم والقطر الجانب والمقطرة الخشبة التي يجعل فيها ارجل اللصوص والشطار يعنى خشبة فيها خروق تدخل فيها ارجل المحبوس كيلا يهربوا فقوله فى عمد حال من الضمير المجرور فى عليهم
Icon