تفسير سورة الفلق

تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير .
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ
تفسير سورتي المعوذتين
وهما مدنيتان.
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا عاصم بن بَهْدَلة، عن زر بنُ حُبَيش قال : قلت لأبي بن كعب : إن ابن مسعود [ كان ]١ لا يكتب المعوذتين في مصحفه ؟ فقال : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل، عليه السلام، قال له :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ فقلتها، قال :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ فقلتها. فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم٢. ٣.
ورواه أبو بكر الحُميدي في مسنده، عن سفيان بن عيينة، حدثنا عبدة بن أبي لُبَابة، وعاصم بن بهدلة، أنهما سمعا زر بن حبيش قال : سألتُ أبي بن كعب عن المعوذتين، فقلت : يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يَحُكهما من المصحف. فقال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال :" قيل٤ لي : قل، فقلت ". فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم٥.
وقال أحمد : حدثنا وَكيع، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر قال : سألتُ ابنَ مسعود عن المعوذتين فقال : سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عنهما فقال :" قيل لي، فقلت لكم، فقولوا ". قال أبي : فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نقول٦.
وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا عَبدَةُ بن أبي لُبَابة، عن زر بن حُبَيش - وحدثنا عاصم عن زر - قال : سألت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا. فقال : إني سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" قيل لي، فقلت ". فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم٧.
ورواه البخاري أيضًا والنسائي، عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن عبدة وعاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، به٨.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الأزرق بن علي، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا الصَّلْت بن بَهرَام، عن إبراهيم، عن علقمة قال : كان عبد الله يَحُك المعوذتين من المصحف، ويقول : إنما
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما، ولم يكن عبد الله يقرأ بهما٩
ورواه عبد الله بن أحمد من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن١٠ بن يزيد قال : كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه، ويقول : إنهما ليستا من كتاب الله.
قال الأعمش : وحدثنا عاصم، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب قال : سألنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :" قيل لي، فقلت " ١١.
وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء : أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتواتر عنده، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة، رضي الله عنهم، كتبوهما١٢ في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنة.
وقد قال مسلم في صحيحه : حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن بيان، عن قيس بن أبي حَازم، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم يُر مثلهن قط :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾١٣.
ورواه أحمد، ومسلم أيضا، والترمذي، والنسائي، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة، به١٤. وقال الترمذي : حسن صحيح.
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر قال : بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نَقب من تلك النقاب، إذ قال لي :" يا عقبة، ألا تَركب ؟ ". قال :[ فَأجْلَلْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه. ثم قال :" يا عُقيب، ألا تركب ؟ ". قال ]١٥ فأشفقت أن تكون معصية، قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنيهة، ثم ركب، ثم قال :" يا عقيب، ألا أُعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس ؟ ". قلت : بلى يا رسول الله. فأقرأني :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما، ثم مر بي فقال :" كيف رأيت يا عقيب١٦ ؟ اقرأ بهما كلما نمت، وكلما قمت ".
ورواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم وعبد الله بن المبارك، كلاهما عن ابن جابر، به١٧.
ورواه أبو داود والنسائي أيضًا، من حديث ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عقبة، به١٨.
طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني يزيد بن عبد العزيز الرعيني وأبو مرحوم، عن يزيد بن محمد القرشي، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة.
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، من طرق، عن علي بن أبي رباح١٩. وقال الترمذي : غريب.
طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يحيى٢٠ بن إسحاق، حدثنا ابن لَهِيعة، عن مشَرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اقرأ بالمعوذتين، فإنك لن تقرأ بمثلهما ". تفرد به أحمد٢١.
طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا حيوة بن شُرَيْح، حدثنا بَقِيَّة، حدثنا بَحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدان، عن جُبَير بن نُفَير، عن عقبة بن عامر أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له بغلة شهباء، فركبها فأخذ عقبة يقودها له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم٢٢ : اقرأ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ فأعادها له حتى قرأها، فعرف أني لم أفرح بها جدًا، فقال :" لعلك تهاونت بها ؟ فما قمت تصلي بشيء مثلها ".
ورواه النسائي عن عمرو بن عثمان، عن بقية، به٢٣. ورواه النسائي أيضا من حديث الثوري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين، فذكر نحوه٢٤.
طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر، سمعت النعمان، عن زياد أبي الأسد، عن عقبة بن عامر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الناس لم يتعوذوا بمثل هذين :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾٢٥.
طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا قتيبة، حدثنا الليث، عن أبي عجلان، عن سعيد المقبري، عن عقبة بن عامر قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" يا عقبة، قل ". فقلت : ماذا أقول ؟ فسكت عني، ثم قال :" قل ". قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ فسكت عني، فقلت : اللهم، أردده علي. فقال :" يا عقبة، قل ". قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ فقال :" ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال :" قل ". قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ قال :" ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك :" ما سأل سائل بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما " ٢٦.
طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا محمد بن يسار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في صلاة الصبح٢٧.
طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا قتيبة، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي عمران أسلم، عن عقبة بن عامر قال : اتبعت٢٨ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه٢٩ فقلت : أقرئني سورة هود أو سورة يوسف. فقال :" لن تقرأ شيئًا أنفع٣٠ عند الله من ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾٣١.
حديث٣٢ آخر : قال النسائي : أخبرنا محمود بن خالد، حدثنا الوليد، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي عبد الله، عن ابن عائش٣٣ الجهني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :" يا ابن عائش، ألا أدلك - أو : ألا أخبرك - بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون ؟ ". قال : بلى، يا رسول الله. قال :" ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾ و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ هاتان السورتان " ٣٤.
فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه، تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث.
وقد تقدم في رواية صُدَيّ بن عجلان، وفَرْوَةَ بن مُجَاهد، عنه :" ألا أعلمك ثلاثَ سُوَر لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان٣٥ مثلهن ؟ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾.
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل، حدثنا الجريري، عن أبي العلاء قال : قال رجل : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، والناس يعتقبون، وفي الظهر قلة، فحانت نزلَة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي، فلحقني فضرب [ من بعدي ]٣٦ منكبي، فقال :" ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه، ثم قال :" ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه، فقال :" إذا صليت فاقرأ بهما " ٣٧.
الظاهر أن هذا الرجل هو عقبة بن عامر، والله أعلم.
ورواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن علية، به٣٨.
حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، عن عبد الله بن سعيد، حدثني يزيد بن رومان، عن عقبة بن عامر، عن عبد الله الأسلمي - هو ابن أنيس - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال :" قل ". فلم أدر ما أقول، ثم قال لي :" قل ". قلت :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ثم قال لي :" قل ". قلت :﴿ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ حتى فرغت منها، ثم قال لي :" قل ". قلت :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ حتى فرغت منها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هكذا فَتَعَوَذْ٣٩، ما تعوذَ المتعوذون بمثلهن قط " ٤٠.
حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي أبو حفص، حدثنا بَدَل، حدثنا شداد بن سعيد أبو طلحة، عن سعيد الجُرَيري، حدثنا أبو نَضْرة، عن جابر بن عبد الله قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اقرأ يا جابر ". قلت : وما أقرأ بأبي أنت وأمي ؟ قال :" اقرأ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾. فقرأتهما، فقال :" اقرأ بهما، ولن تقرأ بمثلهما " ٤١.
وتقدم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهن، وينفث في كفيه، ويمسح بهما رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده.
وقال الإمام مالك : عن ابن شهاب، عن عُرْوَة، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح بيده عليه، رجاء بركتها.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى
١ زيادة من المسند..
٢ في م: "عليه السلام"..
٣ المسند (٥/١٢٩)..
٤ في م: "قال"..
٥ مسند الحميدي (١/١٨٥)..
٦ المسند (٥/١٢٩)..
٧ صحيح البخاري برقم (٤٩٧٧)..
٨ صحيح البخاري برقم (٤٩٧٦)..
٩ ورواه البزار في مسنده برقم (٢٣٠١)، من طريق محمد بن أبي يعقوب، عن حسان بن إبراهيم به، وقال البزار: "وهذا لم يتابع عبد الله عليه أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة، وأثبتنا في المصحف"..
١٠ في م: "عن عبد الله"..
١١ زوائد المسند (٥/١٢٩)..
١٢ في م: "أتبعوهما"..
١٣ صحيح مسلم برقم (٨١٤)..
١٤ المسند (٤/١٤٤) وصحيح مسلم برقم (٨١٤)، وسنن الترمذي برقم (٢٩٠٢) وسنن النسائي (٢/١٥٨)..
١٥ زيادة من المسند..
١٦ في م: "يا عقب"..
١٧ المسند (٤/١٤٤) وسنن النسائي (٨/٢٥٣)..
١٨ سنن النسائي (٨/٢٥٢، ٢٥٣) وسنن أبي داود برقم (١٤٦٢)..
١٩ المسند (٤/١٥٥) وسنن أبي داود برقم (١٥٢٣)، وسنن الترمذي برقم (٢٩٠٣) وسنن النسائي (٣/٦٨)..
٢٠ في م، أ: "حدثنا محمد"..
٢١ المسند (٤/١٤٦)..
٢٢ في م، أ: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعقبة"..
٢٣ المسند (٤/١٤٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٤٣، ٧٨٤٤)..
٢٤ سنن النسائي (٨/٢٥٢)..
٢٥ سنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٥٦)..
٢٦ سنن النسائي (٨/٢٥٣)..
٢٧ سنن النسائي (٨/٢٥٢)..
٢٨ في م: "أتيت"..
٢٩ في م، أ: "على قدميه"..
٣٠ في م: "أبلغ"..
٣١ سنن النسائي (٨/٢٥٤)..
٣٢ في أ: "طريق"..
٣٣ في أ: "عباس"..
٣٤ سنن النسائي (٨/٢٥١)..
٣٥ في أ: "في القرآن"..
٣٦ زيادة من المسند..
٣٧ المسند (٥/٢٤)..
٣٨ سنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٥٩)..
٣٩ في م: "فتعوذوا"..
٤٠ سنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٤٥)..
٤١ سنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٥٤)..

الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، بِهِ (١).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسْلَمِيِّ -هُوَ ابْنُ أُنَيْسٍ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ: "قُلْ". فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ، ثُمَّ قَالَ لِي: "قُلْ". قُلْتُ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ثُمَّ قَالَ لِي: "قُلْ". قُلْتُ: " أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ " حَتَّى فَرَغْتُ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ لِي: "قُلْ". قُلْتُ: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " حَتَّى فَرَغْتُ مِنْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَكَذَا فَتَعَوَذْ (٢) مَا تعوذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ" (٣).
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ، حَدَّثَنَا بَدَل، حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو طَلْحَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيري، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرة، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأْ يَا جَابِرُ". قُلْتُ: وَمَا أَقْرَأُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: "اقْرَأْ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " وَ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ". فَقَرَأْتُهُمَا، فَقَالَ: "اقْرَأْ بِهِمَا، وَلَنْ تَقْرَأَ بِمِثْلِهِمَا" (٤).
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يَقْرَأُ بِهِنَّ، وَيَنْفُثُ فِي كَفَّيْهِ، وَيَمْسَحُ بِهِمَا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَة، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ عَلَيْهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ -وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ -وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَعْنٍ وَبِشْرِ بْنِ عُمَر، ثَمَانِيَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ، بِهِ (٥).
وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ: " ن " مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أَعْيُنِ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥) ﴾
(١) سنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٥٩).
(٢) في م: "فتعوذوا".
(٣) سنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٤٥).
(٤) سنن النسائي الكبرى برقم (٧٨٥٤).
(٥) الموطأ (٢/٩٤٢) وصحيح البخاري برقم (٥٠١٦) وصحيح مسلم برقم (٣٩٠٢) وسنن أبي داود برقم (٣٩٠٢) وسنن النسائي الكبرى برقم (٧٥٤٩، ٧٥٤٤، ١٠٨٤٧) وسنن ابن ماجة برقم (٣٥٢٩).
534
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: الْفَلَقُ: الصُّبْحُ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿الْفَلَقِ﴾ الصُّبْحُ. ورُوي عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، وَالْحُسْنِ، وَقَتَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَمَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، مِثْلَ هَذَا.
قَالَ الْقُرَظِيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ: وَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالِقُ الإصْبَاحِ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٩٦].
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿الْفَلَقِ﴾ الْخَلْقِ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنَ الْخَلْقِ كُلِّهِ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: ﴿الْفَلَقِ﴾ بَيْتٌ فِي جَهَنَّمَ، إِذَا فُتِحَ صَاحَ جَمِيعُ أَهْلِ النَّارِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ آبَائِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿الْفَلَقِ﴾ جُبٌّ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، عَلَيْهِ غِطَاءٌ، فَإِذَا كُشِفَ عَنْهُ خَرَجَتْ منا (١) نَارٌ تَصِيحُ مِنْهُ جَهَنَّمُ، مِنْ شِدَّةِ حَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ.
وَكَذَا رُوي عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ (٢) وَالسُّدِّيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حديثٌ مَرْفُوعٌ مُنْكَرٌ، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بن موسى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بْنُ خُزَيْمَةَ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُريرة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ﴿الْفَلَقِ﴾ جُبّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطَّى" (٣) إِسْنَادُهُ (٤) غَرِيبٌ وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ: ﴿الْفَلَقِ﴾ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّهُ فَلَقُ الصُّبْحِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي صَحِيحِهِ (٥).
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ أَيْ: مِنْ شَرِّ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: جَهَنَّمُ وَإِبْلِيسُ وَذُرِّيَّتُهُ مِمَّا خَلَقَ.
﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: غاسقُ الليلُ إِذَا وقبَ غُروبُ الشَّمْسِ. حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْهُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وخُصَيف، وَالْحُسْنُ، وقتادة: إنه الليل إذا أقبل بظلامه.
(١) في م، أ: "خرجت منه".
(٢) في أ: "عنبسة".
(٣) تفسير الطبري (٣٠/٢٢٥).
(٤) في م: "إسناد".
(٥) تفسير الطبري (٣٠/٢٢٥) وصحيح البخاري (٨/٧٤١) "فتح".
535
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ. وَعَنْ عَطِيَّةَ وَقَتَادَةَ: إِذَا وَقَبَ اللَّيْلُ: إِذَا ذَهَبَ. وَقَالَ أَبُو الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ كَوْكَبٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: الْغَاسِقُ سُقُوطُ الثُّرَيَّا، وَكَانَ (١) الْأَسْقَامُ وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِهَا، وَتَرْتَفِعُ عِنْدَ طُلُوعِهَا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَلِهَؤُلَاءِ مِنَ الْأَثَرِ مَا حَدَّثَنِي: نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -ابْنُ أَخِي هَمَّامٍ -حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ قَالَ: النَّجْمُ الْغَاسِقُ" (٢).
قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْقَمَرُ.
قُلْتُ: وَعُمْدَةُ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفري، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَأَرَانِي الْقَمَرَ حِينَ يَطْلُعُ، وَقَالَ: "تَعوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الْغَاسِقِ إِذَا وَقَبَ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، فِي كِتَابَيِ التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بِهِ (٣). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلَفَظُهُ: "تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ". وَلَفَظُ النَّسَائِيِّ: "تعوَّذي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، هَذَا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ".
قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ اللَّيْلُ إِذَا وَلَجَ -: هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَنَا؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ آيةُ اللَّيْلِ، وَلَا يُوجَدُ لَهُ سُلْطَانٌ إِلَّا فِيهِ، وَكَذَلِكَ النُّجُومُ لَا تُضِيءُ، إِلَّا فِي اللَّيْلِ، فَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحُسْنُ، وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي: السَّوَاحِرَ -قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا رَقَيْنَ وَنَفَثْنَ فِي الْعُقْدِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَقْرَبُ مِنَ (٤) الشِّرْكِ مِنْ رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْمَجَانِينِ (٥).
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اشْتَكَيْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ". فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أرْقِيك، مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ وعين، الله يشفيك (٦).
(١) في م: "وكانت".
(٢) تفسير الطبري (٣٠/٢٢٧).
(٣) المسند (٦/٦١) وسنن الترمذي برقم (٣٣٦٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠١٣٨).
(٤) في أ: "إلى".
(٥) تفسير الطبري (٣٠/٢٢٧).
(٦) رواه مسلم في صحيحه برقم (٢١٨٦) من حديث أبي سعيد، رضي الله عنه.
536
وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ مِنْ شَكْوَاهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ سُحِرَ، ثُمَّ عَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَفَاهُ، وَرَدَّ كَيْدَ السحرَة الحسَّاد مِنَ الْيَهُودِ فِي رُءُوسِهِمْ، وَجَعَلَ تَدْمِيرَهُمْ فِي تَدْبِيرِهِمْ، وَفَضَحَهُمْ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَمْ يُعَاتِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، بَلْ كَفَى اللَّهُ وَشَفَى وَعَافَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّان، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلٌ مَنْ الْيَهُودِ، فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا، قَالَ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ سَحَرَكَ، عَقْدَ لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا، فَأرْسِل إِلَيْهَا مَنْ يَجِيءُ بِهَا. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ] (١) فَاسْتَخْرَجَهَا، فَجَاءَ بِهَا فَحَلَّلَهَا (٢) قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نَشط مِنْ عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَا رَآهُ فِي وَجْهِهِ [قَطُّ] (٣) حَتَّى مَاتَ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ هَنَّاد، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حَازم الضَّرِيرِ (٤).
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِ الطِّبِّ" مِنْ صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ ابنُ جُرَيْج، يَقُولُ: حَدَّثَنِي آلُ عُرْوَة، عَنْ عُرْوَةَ، فَسَأَلْتُ هِشَامًا عَنْهُ، فحدثَنا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحر، حَتَّى كَانَ يُرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ -قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ، إِذَا كَانَ كَذَا -فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَعْلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا استفتيتُه فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيِّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّه؟ قَالَ: لَبيد بْنُ أَعْصَمَ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيق حَليف ليهُودَ، كَانَ مُنَافِقًا-وَقَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشط ومُشاقة. قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُف طَلْعَة ذَكَرٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَان". قَالَتْ: فَأَتَى [النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٥) الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ: "هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعة الحنَّاء، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ". قَالَ: فَاسْتَخْرَجَ (٦). [قَالَتْ] (٧). فَقُلْتُ: أَفَلَا؟ أَيْ: تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ: "أمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا" (٨).
وَأَسْنَدَهُ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَأَبِي ضَمْرة أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، وَأَبِي أُسَامَةُ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ وَفِيهِ: "قَالَتْ: حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ". وَعِنْدَهُ: "فَأَمَرَ بِالْبِئْرِ فَدُفِنَتْ". وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ أَيْضًا ابْنُ أَبِي الزَّناد وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ (٩).
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ وَعَبْدِ الله بن نمير. ورواه أحمد، عن
(١) زيادة من المسند.
(٢) في م: "فحلها".
(٣) زيادة من المسند.
(٤) المسند (٤/٣٦٧) وسنن النسائي (٧/١١٢).
(٥) زيادة من صحيح البخاري.
(٦) في أ: "فاستخرجه".
(٧) زيادة من صحيح البخاري.
(٨) صحيح البخاري برقم (٥٧٦٥).
(٩) صحيح البخاري برقم (٥٨٦٣، ٦٣٩١، ٥٧٦٦).
537
وقوله :﴿ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ أي : من شر جميع المخلوقات. وقال ثابت البناني، والحسن البصري : جهنم وإبليس وذريته مما خلق.
﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ قال مجاهد : غاسقُ الليلُ إذا وقبَ : غُروبُ الشمس، حكاه البخاري عنه. ورواه ابن أبي نَجِيح، عنه، وكذا قال ابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، وخُصَيف، والحسن، وقتادة : إنه الليل إذا أقبل بظلامه.
وقال الزهري :﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ : الشمس إذا غربت. وعن عطية وقتادة : إذا وقب الليل : إذا ذهب. وقال أبو المهزم، عن أبي هريرة :﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ كوكب. وقال ابن زيد : كانت العرب تقول : الغاسق سقوط الثريا، وكان١ الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها.
قال ابن جرير : ولهؤلاء من الأثر ما حدثني نصر بن علي، حدثني بكار بن عبد الله - ابن أخي همام - حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم :" ﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ قال : النجم الغاسق " ٢.
قلت : وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير : وقال آخرون : هو القمر.
قلت : وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا أبو داود الحَفري، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث، عن أبي سلمة قال : قالت عائشة، رضي الله عنها : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمر حين يطلع، وقال :" تَعوَّذِي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب ".
ورواه الترمذي والنسائي، في كتابي التفسير من سننيهما، من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، به٣. وقال الترمذي : حسن صحيح. ولفظه :" تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا الغاسق إذا وقب ". ولفظ النسائي :" تعوَّذي بالله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب ".
قال أصحاب القول الأول وهو أنه الليل إذا ولج : هذا لا ينافي قولنا ؛ لأن القمر آيةُ الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وكذلك النجوم لا تضيء، إلا في الليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم.
١ في م: "وكانت"..
٢ تفسير الطبري (٣٠/٢٢٧)..
٣ المسند (٦/٦١) وسنن الترمذي برقم (٣٣٦٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠١٣٨)..
وقوله :﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة والضحاك : يعني : السواحر. قال مجاهد : إذا رقين ونفثن في العقد.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال : ما من شيء أقرب من١ الشرك من رقية الحية والمجانين٢.
وفي الحديث الآخر : أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشتكيت يا محمد ؟ فقال :" نعم ". فقال : بسم الله أرْقِيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك٣.
ولعل هذا كان من شكواه، عليه السلام، حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرَة الحسَّاد من اليهود في رءوسهم، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، وفضحهم، ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر، بل كفى الله وشفى وعافى.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن يزيد بن حَيَّان، عن زيد بن أرقم قال : سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أياما، قال : فجاءه جبريل فقال : إن رجلا من اليهود سحرك، عقد لك عُقَدًا في بئر كذا وكذا، فَأرْسِل إليها من يجيء بها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عليًا، رضي الله تعالى عنه ]٤ فاستخرجها، فجاء بها فحللها٥ قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نَشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه [ قط ]٦ حتى مات.
ورواه النسائي عن هَنَّاد، عن أبي معاوية محمد بن حَازم الضرير٧.
وقال البخاري في " كتاب الطب " من صحيحه : حدثنا عبد الله بن محمد قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : أول من حدثنا به ابنُ جُرَيْج، يقول : حدثني آل عُرْوَة، عن عروة، فسألت هشاما عنه، فحدثَنا عن أبيه، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحر، حتى كان يُرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا - فقال :" يا عائشة، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيتُه فيه ؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب. قال : ومن طَبَّه ؟ قال : لَبيد بن أعصم - رجل من بني زُرَيق حَليف ليهُودَ، كان منافقًا - وقال : وفيم ؟ قال : في مُشط ومُشاقة. قال : وأين ؟ قال : في جُف طَلْعَة ذكر تحت رعوفة في بئر ذَرْوَان ". قالت : فأتى [ النبي صلى الله عليه وسلم ]٨ البئر حتى استخرجه فقال :" هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نُقَاعة الحنَّاء، وكأن نخلها رءوس الشياطين ". قال : فاستخرج٩. [ قالت ]١٠. فقلت : أفلا ؟ أي : تَنَشَّرْتَ ؟ فقال :" أمَّا اللهُ فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًا " ١١.
وأسنده من حديث عيسى بن يونس، وأبي ضَمْرة أنس بن عياض، وأبي أسامة، ويحيى القطان وفيه :" قالت : حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله ". وعنده :" فأمر بالبئر فدفنت ". وذكر أنه رواه عن هشام أيضًا ابن أبي الزَّناد والليث بن سعد١٢.
وقد رواه مسلم، من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير. ورواه أحمد، عن عفان، عن وُهَيب١٣ عن هشام، به١٤.
ورواه الإمام أحمد أيضًا عن إبراهيم بن خالد، عن رباح، عن مَعْمَر، عن هشَام، عن أبيه، عن عائشة قالت : لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يُرى أنه يأتي ولا يأتي، فأتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر : ما باله ؟ قال : مطبوب. قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم، وذكر تمام الحديث١٥.
وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره : قال ابن عباس وعائشة، رضي الله عنهما : كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبَّت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مُشَاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مُشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها. وكان الذي تولى ذلك رجل منهم - يقال له :[ لبيد ]١٦ بن أعصم - ثم دسها في بئر لبني زُرَيق، ويقال لها : ذَرْوان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه، ولبث ستة أشهر يُرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يَذُوب ولا يدري ما عراه. فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فَقَعَد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما بال الرجل ؟ قال : طُبَّ. قال : وما طُبَّ ؟ قال : سحر. قال : ومن سحره ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي. قال : وبم طَبَّه ؟ قال : بمشط ومشاطة. قال : وأين هو ؟ قال : في جُفِّ طلعة تحت راعوفة في بئر ذَرْوَان - والجف : قشر الطلع، والراعوفة : حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح - فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعورًا، وقال :" يا عائشة، أما شعرت أن الله أخبرني بدائي ؟ ". ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر كأنه نُقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود، فيه اثنتا عشرة١٧ عقدة مغروزة بالإبر. فأنزل الله تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نَشطَ من عقال، وجعل جبريل، عليه السلام، يقول : باسم الله أرْقِيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين الله يشفيك. فقالوا : يا رسول الله، أفلا نأخذ الخبيث نقتله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن يثير على الناس شرًا " ١٨.
هكذا أورده بلا إسناد، وفيه غرابة، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم، والله أعلم.
١ في أ: "إلى"..
٢ تفسير الطبري (٣٠/٢٢٧)..
٣ رواه مسلم في صحيحه برقم (٢١٨٦) من حديث أبي سعيد، رضي الله عنه..
٤ زيادة من المسند..
٥ في م: "فحلها"..
٦ زيادة من المسند..
٧ المسند (٤/٣٦٧) وسنن النسائي (٧/١١٢)..
٨ زيادة من صحيح البخاري..
٩ في أ: "فاستخرجه"..
١٠ زيادة من صحيح البخاري..
١١ صحيح البخاري برقم (٥٧٦٥)..
١٢ صحيح البخاري برقم (٥٨٦٣، ٦٣٩١، ٥٧٦٦)..
١٣ في م: "وهب"..
١٤ صحيح مسلم برقم (٢١٨٩) والمسند (٦/٩٦)..
١٥ المسند (٦/٦٣)..
١٦ زيادة من م، أ..
١٧ في م، أ: "فيه اثنا عشر"..
١٨ الكشف والبيان للثعلبي "ق ١٩٤ المحمودية"..
Icon