تفسير سورة الماعون

الكشاف أو تفسير الزمخشري
تفسير سورة سورة الماعون من كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل المعروف بـالكشاف أو تفسير الزمخشري .
لمؤلفه الزمخشري . المتوفي سنة 538 هـ
مكية، وقيل‏ :‏ مدنية، وآياتها سبع.

وقرئ: رحلة، بالضم: وهي الجهة التي يرحل إليها: والتنكير في جُوعٍ وخَوْفٍ لشدتهما، يعنى: أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم. وقيل: كانوا قد أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة، وآمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم. وقيل ذلك كله بدعاء إبراهيم صلوات الله عليه. ومن بدع التفاسير: وآمنهم من خوف، من أن تكون الخلافة في غيرهم. وقرئ: من خوف، بإخفاء النون.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة لإيلاف قريش أعطاه الله عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها» «١».
سورة الماعون
مكية ثلاث آيات الأول، مدنية البقية، وآياتها ٧ «نزلت بعد التكاثر» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الماعون (١٠٧) : الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)
قرئ: أريت، بحذف الهمزة، وليس بالاختيار، لأن حذفها مختص بالمضارع، ولم يصح عن العرب: ريت، ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أوّل الكلام. ونحوه:
صاح هل ريت أو سمعت براع ردّ الضّرع ما قرى في الحلاب «٢»
(١). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بالسند إلى أبى بن كعب.
(٢). لإسماعيل بن بشار، وفي حياة الحيوان ما هو صريح في أنه لنفيلة بن عبد المدان بن خرشم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان ابن هود عليه السلام وصاح مرخم، فان كان أصله يا صاحبي، فترخيمه شاذ من وجهين، لأن فيه حذف المضاف إليه وحذف بعض المضاف وكلاهما شاذ وإن كان أصله يا صاحب بلا إضافة. فهو شاذ من جهة أنه ليس علما ولا مؤنثا بالهاء. وقيل: ترخيم النكرة المقصودة جائز، وريت: أصله رأيت، فخفف بحذف الهمزة للضرورة، وكان قياس تخفيفها جعلها بين بين. لعدم سكون ما قبلها. وقرى يقرى قريا: جمع جمعا. ويروى: ثوى، أى تمكن واستقر.
والحلاب: إناء الحلب، وروى: العلاب، جمع علبة، وهي محلب من جلد. يقول: يا صاحبي هل رأيت أو سمعت أن راعيا رجع في الضرع ما جمع في المحلب من اللبن. وعدى لفعلين، أو بأحدهما بالباء، لتضمين معنى المعلم ويجوز أن الباء زائدة. وحسن حذف همزة رأيت أن «هل» بمعنى «قد» في الأصل وهمزة الاستفهام منوية قبله وورد ذكرها قبلها قليلا، بل قيل إنها مقدرة أيضا قيل أسماء الاستفهام كلها، والبيت من باب التمثيل، والمعنى:
أن الماضي لا يعود، والواقع لا يرتفع.
803
وقرأ ابن مسعود: أرأيتك، بزيادة حرف الخطاب، كقوله أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ والمعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو؟ إن لم تعرفه فَذلِكَ الَّذِي يكذب بالجزاء، هو الذي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أى: يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وأذى، وبردّه ردّا قبيحا بزجر وخشونة. وقرئ: يدع، أى: يترك ويجفو وَلا يَحُضُّ ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين، جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، يعنى: أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد، لخشى الله تعالى وعقابه ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه:
علم أنه مكذب، فما أشده من كلام، وما أخوفه من مقام، وما أبلغه في التحذير من المعصية وأنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين، ثم وصل به قوله فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ كأنه قال: فإذا كان الأمر كذلك، فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها، حتى تفوتهم أو يخرج وقتها، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله ﷺ والسلف ولكن ينقرونها نقرأ من غير خشوع وإخبات، ولا اجتناب لما يكره فيها: من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدرى الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السور، كما ترى صلاة أكثر من ترى الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ومنع حقوق أموالهم.
والمعنى: أنّ هؤلاء أحق بأن يكون سهوهم عن الصلاة- التي هي عماد الدين، والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك، ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام- علما على أنهم مكذبون بالدين. وكم ترى من المتسمين بالإسلام، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة، فيا مصيبتاه. وطريقة أخرى: أن يكون فَذلِكَ عطفا على الَّذِي يُكَذِّبُ إمّا عطف ذات على ذات، وصفة على صفة، ويكون جواب أَرَأَيْتَ محذوفا لدلالة ما بعده عليه، كأنه قيل: أخبرنى، وما تقول فيمن يكذب بالجزاء؟ وفيمن يؤذى اليتيم ولا يطعم المسكين؟ أنعم ما يصنع؟ ثم قال فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ أى إذا علم أنه مسيء، فويل للمصلين، على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم، لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف
804
إليهم ساهين عن الصلاة مرائين، غير مزكين أموالهم. فإن قلت: كيف جعلت المصلين قائما مقام ضمير الذي يكذب، وهو واحد؟ قلت: معناه الجمع، لأنّ المراد به الجنس. فإن قلت:
أىّ فرق بين قوله عَنْ صَلاتِهِمْ وبين قولك فِي صَلاتِهِمْ؟ قلت: معنى عَنْ: أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشطار من المسلمين.
ومعنى فِي: أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم، وكان رسول الله ﷺ يقع له السهو في صلاته فضلا عن غيره «١»، ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم. وعن أنس رضى الله عنه: الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم. وقرأ ابن مسعود: لاهون. فإن قلت: ما معنى المراءاة؟ قلت: هي مفاعلة من الإراءة، لأنّ المرائى يرى الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة، فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقوله عليه الصلاة والسلام «ولا غمة في فرائض «٢» الله، لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار، وإن كان تطوعا، فحقه أن يخفى، لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا، وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين، فيثنى عليه بالصلاح. وعن بعضهم: أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها، فقال: ما أحسن هذا لو كان في بيتك، وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة، على أن اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح.
الأسود «٣»
» الْماعُونَ الزكاة، قال الراعي:
قوم على الإسلام لمّا يمنعوا ماعونهم ويضيّعوا التّهليلا «٤»
(١). قال المخرج: ورد في ذلك خمسة أحاديث «الأولى» قصة ذى اليدين. متفق عليها من حديث أبى هريرة من طرق عنه ومحصله أنه صلى ركعتين في الظهر أو العصر ثم سلم سهوا «الثاني» حديث عبد الله بن بحينة. متفق عليه أيضا في قيامه بغير تشهد أول وسجوده للسهو قبل السلام. وفيه عن سعد عن أبى يعلى «الثالث» حديث ابن مسعود متفق عليه أيضا أنه ﷺ صلى الظهر خمسا. فقيل له في ذلك. فسجد سجدتين بعد ما سلم» «الرابع» حديث عمران بن حسين «أنه ﷺ صلى العصر ثلاث ركعات فقام رجل يقال له الخرباق- الحديث» «الخامس» حديث معاوية بن خديج قال «صليت مع النبي ﷺ المغرب. فسها فيها. فسلم في ركعتين ثم انصرف» الحديث أخرجه ابن خزيمة وأبو داود وابن حبان وجزم بأن هذه القصة مغايرة لقصة عمران. وأنهما مغايرتان لقصة أبى هريرة: قلت وقد بسط العلائى القول فيه في جزء مفرد.
(٢). هو في الحديث المتقدم في سورة يونس.
(٣). لم أجده.
(٤). يقول: هم قوم ثابتون على الإسلام، أو مع إسلامهم وزيادة عليه، لم يمنعوا الزكاة ولا غيرها من الخيرات، فلما لاستغراق النفي في الماضي، وإما ترقب حصول المنفي بها فهو غالب وليس مرادا هنا، ولم يضيعوا التهليلا: أى الصلاة، لاشتمالها على لا إله إلا الله.
805
Icon