تفسير سورة الملك

تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الملك من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين .
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿تَبَارَكَ﴾ تَنَزَّهَ عَنْ صِفَات الْمُحَدِّثِينَ ﴿الَّذِي بِيَدِهِ﴾ في تصرفه ﴿الملك﴾ السلطان والقدرة ﴿وهو على كل شيء قدير﴾
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَالْحَيَاة﴾ فِي الْآخِرَة أَوْ هُمَا فِي الدُّنْيَا فَالنُّطْفَة تَعْرِض لَهَا الْحَيَاة وَهِيَ مَا بِهِ الْإِحْسَاس وَالْمَوْت ضِدّهَا أَوْ عَدَمهَا قَوْلَانِ وَالْخَلْق عَلَى الثَّانِي بِمَعْنَى التَّقْدِير ﴿لِيَبْلُوكُمْ﴾ لِيَخْتَبِركُمْ فِي الْحَيَاة ﴿أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا﴾ أَطْوَع لِلَّهِ ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ فِي انْتِقَامه مِمَّنْ عَصَاهُ ﴿الْغَفُور﴾ لِمَنْ تَابَ إلَيْهِ
﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَاوَات طِبَاقًا﴾ بَعْضهَا فَوْق بَعْض مِنْ غَيْر مُمَاسَّة ﴿مَا تَرَى فِي خلق الرحمن﴾ لَهُنَّ أَوْ لِغَيْرِهِنَّ ﴿مِنْ تَفَاوُت﴾ تَبَايُن وَعَدَم تَنَاسُب ﴿فَارْجِعْ الْبَصَر﴾ أَعِدْهُ إلَى السَّمَاء ﴿هَلْ تَرَى﴾ فِيهَا ﴿مِنْ فُطُور﴾ صُدُوع وَشُقُوق
﴿ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَر كَرَّتَيْنِ﴾ كَرَّة بَعْد كَرَّة ﴿يَنْقَلِب﴾ يَرْجِع ﴿إلَيْك الْبَصَر خَاسِئًا﴾ ذَلِيلًا لِعَدَمِ إدْرَاك خَلَل ﴿وَهُوَ حَسِير﴾ مُنْقَطِع عَنْ رُؤْيَة خلل
﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا﴾ الْقُرْبَى إلَى الْأَرْض ﴿بِمَصَابِيح﴾ بِنُجُومٍ ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا﴾ مَرَاجِم ﴿لِلشَّيَاطِينِ﴾ إذَا اسْتَرِقُوا السَّمْع بِأَنْ يَنْفَصِل شِهَاب عَنْ الْكَوْكَب كالقبس يؤخذ من النار فيقتل الجني أن يَخْبِلهُ لَا أَنَّ الْكَوْكَب يَزُول عَنْ مَكَانه ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاب السَّعِير﴾ النَّار الْمُوقِدَة
﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَاب جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير﴾ هي
﴿إذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا﴾ صَوْتًا مُنْكَرًا كَصَوْتِ الْحِمَار ﴿وَهِيَ تَفُور﴾ تَغْلِي
﴿تَكَاد تَمَيَّز﴾ وَقُرِئَ تَتَمَيَّز عَلَى الْأَصْل تَتَقَطَّع ﴿مِنْ الْغَيْظ﴾ غَضَبًا عَلَى الْكَافِر ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْج﴾ جَمَاعَة مِنْهُمْ ﴿سَأَلَهُمْ خَزَنَتهَا﴾ سُؤَال تَوْبِيخ ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِير﴾ رَسُول يُنْذِركُمْ عَذَاب الله تعالى
﴿قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِير فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّه مِنْ شَيْء إنْ﴾ مَا ﴿أَنْتُمْ إلَّا فِي ضَلَال كَبِير﴾ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ كَلَام الْمَلَائِكَة لِلْكُفَّارِ حِين أُخْبِرُوا بالتكذيب وأن يَكُون مِنْ كَلَام الْكُفَّار لِلنَّذْرِ
١ -
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَع﴾ أَيْ سَمَاع تَفَهُّم ﴿أو نعقل﴾ أي عقل تفكر ﴿ما كنا في أصحاب السعير﴾
١ -
﴿فَاعْتَرَفُوا﴾ حَيْثُ لَا يَنْفَع الِاعْتِرَاف ﴿بِذَنْبِهِمْ﴾ وَهُوَ تَكْذِيب النَّذْر ﴿فَسُحْقًا﴾ بِسُكُونِ الْحَاء وَضَمّهَا ﴿لِأَصْحَابِ السَّعِير﴾ فَبُعْدًا لَهُمْ عَنْ رَحْمَة اللَّه
١ -
﴿إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ﴾ يَخَافُونَهُ ﴿بِالْغَيْبِ﴾ فِي غَيْبَتهمْ عَنْ أَعْيُن النَّاس فَيُطِيعُونَهُ سِرًّا فَيَكُون عَلَانِيَة أَوْلَى ﴿لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر كَبِير﴾ أَيْ الجنة
١ -
﴿وَأَسِرُّوا﴾ أَيّهَا النَّاس ﴿قَوْلكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ﴾ تَعَالَى ﴿عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور﴾ بِمَا فِيهَا فَكَيْفَ بِمَا نَطَقْتُمْ بِهِ وَسَبَب نُزُول ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ أَسِرُّوا قَوْلكُمْ لَا يَسْمَعكُمْ إلَه مُحَمَّد
١ -
﴿أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ﴾ مَا تُسِرُّونَ أَيْ أَيَنْتَفِي عِلْمه بِذَلِكَ ﴿وَهُوَ اللَّطِيف﴾ فِي عِلْمه ﴿الخبير﴾ فيه
١ -
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض ذَلُولًا﴾ سَهْلَة لِلْمَشْيِ فِيهَا ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبهَا﴾ جَوَانِبهَا ﴿وَكُلُوا مِنْ رِزْقه﴾ الْمَخْلُوق لِأَجَلِكُمْ ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُور﴾ مِنْ القبور للجزاء
755
١ -
756
﴿أَأَمِنْتُمْ﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا وَبَيْن الْأُخْرَى وَتَرْكه وَإِبْدَالهَا أَلِفًا ﴿مِنْ فِي السَّمَاء﴾ سُلْطَانه وَقُدْرَته ﴿أَنْ يَخْسِف﴾ بَدَل مِنْ مَنْ ﴿بِكُمْ الْأَرْض فَإِذَا هِيَ تَمُور﴾ تَتَحَرَّك بِكُمْ وَتَرْتَفِع فَوْقكُمْ
١ -
﴿أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يُرْسِل﴾ بَدَل مِنْ مَنْ ﴿عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ رِيحًا تَرْمِيكُمْ بِالْحَصْبَاءِ ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ عِنْد مُعَايَنَة الْعَذَاب ﴿كَيْفَ نَذِير﴾ إنْذَارِي بِالْعَذَابِ أَيْ أَنَّهُ حَقّ
١ -
﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ﴾ مِنْ الْأُمَم ﴿فكيف كان نكير﴾ إنْكَارِي عَلَيْهِمْ بِالتَّكْذِيبِ عِنْد إهْلَاكهمْ أَيْ أَنَّهُ حق
١ -
﴿أو لم يَرَوْا﴾ يَنْظُرُوا ﴿إلَى الطَّيْر فَوْقهمْ﴾ فِي الْهَوَاء ﴿صَافَّات﴾ بَاسِطَات أَجْنِحَتهنَّ ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ أَجْنِحَتهنَّ بَعْد الْبَسْط أَيْ وَقَابِضَات ﴿مَا يُمْسِكهُنَّ﴾
عَنْ الْوُقُوع فِي حال البسط والقبض ﴿إلا الرحمن﴾ بِقُدْرَتِهِ ﴿إنَّهُ بِكُلِّ شَيْء بَصِير﴾ الْمَعْنَى أَلَمْ يَسْتَدِلُّوا بِثُبُوتِ الطَّيْر فِي الْهَوَاء عَلَى قُدْرَتنَا أَنْ نَفْعَل بِهِمْ مَا تَقَدَّمَ وَغَيْره مِنْ العذاب
٢ -
﴿أَمَّنْ﴾ مُبْتَدَأ ﴿هَذَا﴾ خَبَره ﴿الَّذِي﴾ بَدَل مِنْ هَذَا ﴿هُوَ جُنْد﴾ أَعْوَان ﴿لَكُمْ﴾ صِلَة الَّذِي ﴿ينصركم﴾ صفة الجند ﴿من دون الرحمن﴾ أَيْ غَيْره يَدْفَع عَنْكُمْ عَذَابه أَيْ لَا نَاصِر لَكُمْ ﴿إنْ﴾ مَا ﴿الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُور﴾ غَرَّهُمْ الشَّيْطَان بِأَنَّ الْعَذَاب لَا يَنْزِل بهم
٢ -
﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقكُمْ إنْ أَمْسَكَ﴾ الرَّحْمَن ﴿رِزْقه﴾ أَيْ الْمَطَر عَنْكُمْ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْله أَيْ فَمَنْ يَرْزُقكُمْ أَيْ لَا رَازِق لَكُمْ غَيْره ﴿بَلْ لَجُّوا﴾ تمادوا ﴿في عتو﴾ تكبر ﴿ونفور﴾ تباعد عن الحق
٢ -
﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا﴾ وَاقِعًا ﴿عَلَى وَجْهه أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا﴾ مُعْتَدِلًا ﴿عَلَى صِرَاط﴾ طَرِيق ﴿مُسْتَقِيم﴾ وَخَبَر مِنْ الثَّانِيَة مَحْذُوف دَلَّ عَلَيْهِ خَبَر الْأُولَى أَيْ أَهْدَى وَالْمَثَل فِي الْمُؤْمِن وَالْكَافِر أَيّهمَا عَلَى هُدَى
٢ -
﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ خَلَقَكُمْ ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة﴾ الْقُلُوب ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ مَا مَزِيدَة وَالْجُمْلَة مُسْتَأْنَفَة مُخْبِرَة بِقِلَّةِ شُكْرهمْ جِدًّا عَلَى هَذِهِ النِّعَم
٢ -
﴿قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ﴾ خَلَقَكُمْ ﴿فِي الْأَرْض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ لِلْحِسَابِ
756
٢ -
757
﴿وَيَقُولُونَ﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْد﴾ وَعْد الْحَشْر ﴿إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِيهِ
٢ -
﴿قُلْ إنَّمَا الْعِلْم﴾ بِمَجِيئِهِ ﴿عِنْد اللَّه وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين﴾ بَيِّن الْإِنْذَار
٢ -
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أَيْ الْعَذَاب بَعْد الْحَشْر ﴿زُلْفَة﴾ قَرِيبًا ﴿سِيئَتْ﴾ اسْوَدَّتْ ﴿وُجُوه الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ﴾ أَيْ قَالَ الْخَزَنَة لَهُمْ ﴿هَذَا﴾ أَيْ الْعَذَاب ﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ﴾ بِإِنْذَارِهِ ﴿تَدَّعُونَ﴾ أَنَّكُمْ لَا تُبْعَثُونَ وَهَذِهِ حِكَايَة حَال تَأْتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِطَرِيقِ الْمُضِيّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعهَا
٢ -
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّه وَمَنْ مَعِيَ﴾ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِعَذَابِهِ كَمَا تُقْصَدُونَ ﴿أَوْ رَحِمَنَا﴾ فَلَمْ يُعَذِّبنَا ﴿فَمَنْ يُجِير الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَاب أَلِيم﴾ أَيْ لَا مُجِير لَهُمْ مِنْهُ
٢ -
﴿قل هو الرحمن آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء عِنْد مُعَايَنَة الْعَذَاب ﴿مَنْ هُوَ فِي ضَلَال مُبِين﴾ بَيِّن أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ أَمْ هُمْ
٣ -
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَصْبَح مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾ غَائِرًا فِي الْأَرْض ﴿فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِين﴾ جَارٍ تَنَالهُ الْأَيْدِي وَالدِّلَاء كَمَائِكُمْ أَيْ لَا يَأْتِي بِهِ إلَّا اللَّه تَعَالَى فَكَيْفَ تُنْكِرُونَ أَنْ يَبْعَثكُمْ وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَقُول الْقَارِئ عَقِب مَعِين اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيث وَتُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَة عِنْد بَعْض الْمُتَجَبِّرِينَ فَقَالَ تَأْتِي بِهِ الْفُؤُوس وَالْمَعَاوِل فَذَهَبَ مَاء عَيْنه وَعَمِيَ نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْجَرَاءَة عَلَى اللَّه وعلى آياته = ٦٨ سورة ن
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم
Icon