تفسير سورة الزلزلة

التفسير القرآني للقرآن
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب التفسير القرآني للقرآن المعروف بـالتفسير القرآني للقرآن .
لمؤلفه عبد الكريم يونس الخطيب . المتوفي سنة 1390 هـ

وإخراج الناس فيه من قبور هم للحساب والجزاء- كان عرض هذا اليوم منظورا إليه من خلال صورتى النار والجنة اللتين تحدث عنهما السورة السابقة- كان أبعث المرهبة منه، والخشية من لقائه.

بسم الله الرحمن الرّحيم

الآيات: (١- ٨) [سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
التفسير:
قوله تعالى:
«إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها؟» هذا من إرهاصات يوم البعث والنشور، حيث تزلزل الأرض وتضطرب، وهذا الزلزال الذي سيقع لها يوم البعث، هو زلزال خاص بهذا اليوم، ولهذا أضيف إليها فى قوله تعالى «زلزالها» وكأنه هو الزلزال الوحيد الذي تزلزله، م ١٠٤- التفسير القرآنى ج ٣٠
1649
«إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ» (١: الحج). أما ما يحدث من زلزال للأرض فيما قبل هذا الزلزال، فلا حساب له، إذا نظر له من خلال هذا هذا الزلزال العظيم..
وفى هذا اليوم تخرج الأرض أثقالها، أي ما حملت فى بطنها من أموات، فكأنها تلدهم من جديد، كما تلد الأم أبناءها، بعد أن يتم حملها، وتثقل به بطنها.. كما يقول سبحانه: «فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» (١٨٩: الأعراف)..
وقوله تعالى: «وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها» ؟ هو سؤال عجب ودهش، يسأله الإنسان نفسه بعد أن تلفظه الأرض من بطنها، وتلقى به على ظهرها.. إنه ينكر هذا الذي حدث.. لقد كان فى بطن الأرض، فماذا أخرجه منها؟ وماذا يراد به؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا»
؟ (٥١- ٥٢ يس).
وقوله تعالى:
«يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها» - هو جواب الشرط «إذا» فى قوله تعالى: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها» أي فى هذا اليوم، يوم البعث والنشور، الذي تزلزل فيه الأرض- تحدث الأرض «أخبارها» أي تظهر الأرض أخبارها التي كانت مكنونة فى صدرها..
وفى التعبير عن إظهار أخبارها بالتحديث- إشارة إلى أن أحداثها التي يراها الناس يومئذ، هى أبلغ حديث، وأظهر بيان، فهو شواهد ناطقة بلسان الحال، أبلغ من لسان المقال..
1650
وفى التعبير عن خبء الأرض، وما تخرجه من بطنها بلفظ الأخبار- إشارة أخرى إلى أن هذه الأسرار المضمرة التي كانت مخبوءة فى صدر الأرض، قد أعلنت وأصبحت أخبارا يعلمها الناس جميعا.. وهذا ما يشير إليه الرسول الكريم بقوله، وقد سئل صلوات الله وسلامه عليه عن معنى قوله تعالى: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها».. فقال: «أتدرون ما أخبارها» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها..
تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا..»

وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها» أي تنشر أخبارها، وتظهر أسرارها، وتخرج خبأها..
«إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها، وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها».. فالضمير «ها» الذي يعود إلى الأرض فى «زلزالها» و «أثقالها» و «ما لها» و «أخبارها» يشير إلى أمور خاصة بالأرض فى هذا اليوم، يوم ينفخ فى الصور، للبعث والنشور.. فللأرض فى هذا اليوم زلزالها الذي ينتظرها، ولها أثقالها التي تخرجها، ولها هذا التساؤل الذي يتساءله الناس عنها، ولها حديثها الذي تحدثه للناس، وعن الناس، فى هذا اليوم الموعود.
وليس هذا الذي رآه الناس من أحداث الأرض يومئذ هو من تلقاء نفسها، وإنما ذلك بما أوحى به إليها ربّها، وما أمرها الله به، فامتثلت له، وأمضته كما أمر الله..
وفى قوله تعالى: «أوحى لها» - إشارة إلى أنها بمجرد الإشارة إليها من الله، خضعت لمشيئة الله.. فلم تكن فى خضوعها لربها محتاجة لأن يردّد عليها القول، أو يؤكد لها الأمر.. بل هو مجرد اللمح والإشارة.. وهذا هو شأن
1651
الخاضع المطيع، الذي لا إرادة له مع من يأمره.. إنه لا يحتاج إلى أمر صريح مؤكد، بل تغنى الإشارة عن العبارة..
فالوحى هنا، هو التلميح، دون التصريح، والإشارة دون العبارة.. وهذا من معنى قوله تعالى: «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ» أي حق ووجب عليها الامتثال والطاعة.
قوله تعالى:
«يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ».
أي فى هذا اليوم، يوم البعث، يصدر الناس، أي يجىء الناس، صادرين من قبورهم «أشتاتا» أي أفرادا، متفرقين، كأنهم جراد منتشر، إلى حيث يردون على المحشر فى موقف الحساب.. فللناس فى هذا اليوم صدور، وورود..
صدور من القبور، وورود إلى المحشر.
وقوله تعالى: «لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ» هو تعليل لهذا الصدور، أي وذلك ليروا أعمالهم التي عملوها فى الدنيا. «يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ».
وقوله تعالى:
«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».
أي فمن يعمل فى هذه الدنيا مثقال ذرة من خير، يره خيرا فى الآخرة، ومن يعمل فى دنياه مثقال ذرة من شر، يره شرا يوم القيامة.. فليس المراد برؤية الأعمال تجرد الرؤية، وإنما المراد هو ماوراء هذه الأعمال من جزاء.. فالعمل الطيب إذا رآه صاحبه سرّ به، ورأى فى وجهه البشير الذي يحمل إليه رحمة الله ورضوانه فى هذا اليوم العظيم.. والعمل السيء إذا رآه صاحبه حاضرا بين يديه فى مقام الحساب، ساءه ذلك، وملأ نفسه حسرة وغما، إذ كان هو الشاهد الذي يشهد بتأثيمه وتجريمه.
1652
ومثقال الذرة: وزنها.
والذرة: هباءة من غبار، لا ترى إلا فى ضوء الشمس المتسلل من كوّة فى مكان مظلم.. وعن ابن عباس: الذرّ ما يلتصق بيدك إذا مست التراب.
(١٠٠) سورة العاديات
نزولها: مكية.. نزلت بعد سورة العصر.
عدد آياتها: إحدى عشرة آية..
عدد كلماتها: أربعون كلمة..
عدد حروفها: مائة وستون حرفا
مناسبتها لما قبلها
الزلزلة التي تزلزلها الأرض يوم البعث، وإخراج الأرض أثقالها وما فى جوفها من الموتى، وصدور الناس أشتاتا من القبور إلى موقف الحشر، والمواجهة هناك بين الكافرين والمؤمنين- كل هذا تمثله صورة واقعة فى الحياة، نجدها حين تقوم حالة حرب بين الناس، فتزلزل الأرض تحت أقدام الجيوش الزاحفة نحو ساحة القتال، بما يركبون من خيل، وما يحملون من عدد القتال، وهم يصدرون من بيوتهم فى سرعة الرياح العاصفة إلى لقاء العدو، لا يمسكهم شىء عن الانطلاق حتى يبلغوا ساحة الحرب..
قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا
هكذا يوم الحرب.. إنه من يوم القيامة قريب فى أهواله، وشدائده، وما يلقى الناس منه، من هول وشدة.
1653
Icon