تفسير سورة المنافقون

التفسير القيم
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب التفسير القيم .
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

المقصود : أن دوام الذكر لما كان سببا لدوام المحبة، وكان الله سبحانه أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال، كان كثرة ذكره من انفع ما للعبد. وكان عدوه حقا هو الصاد له عن ذكر ربه، وعبوديته.
ولهذا أمر الله سبحانه بكثرة ذكره في القرآن، وجعله سببا للفلاح، فقال تعالى :﴿ واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ﴾ [ الجمعة : ١٠ ] وقال تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ﴾ [ الجمعة : ٤١ ] [ الأحزاب : ٤١ ] وقال تعالى :﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ] وقال تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ﴾ [ المنافقون : ٩ ] وقال تعالى :﴿ فاذكروني أذكركم ﴾ [ البقرة : ١٥٢ ].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :«سبق المفردون » قالوا : يا رسول الله، وما المفردون ؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات
وفي الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :«ألا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب، والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ » قالوا : بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم :«ذكر الله » وهو في «الموطأ » موقوف على أبي الدرداء رضي الله عنه.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه :«ما عمل آدمي عمل أنجى له من عذاب الله : من ذكر الله ».
وذكر رسوله الله صلى الله عليه وسلم تبع لذكره.
والمقصود : أن دوام الذكر سبب لدوام المحبة.
فالذكر للقلب كالماء للزرع، بل كالماء للسمك، لا حياة له إلا به.
[ أنواع الذكر ]
وهو أنواع :
الأول : ذكره بأسمائه وصفاته، والثناء عليه بها.
الثاني : تسبيحه وتحميده، وتكبيره وتهليله، وتمجيده، وهو الغالب من استعمال لفظ الذكر عند المتأخرين.
الثالث : ذكره بأحكامه وأوامره ونواهيه. وهو ذكر العلم، بل الأنواع الثلاثة هي ذكرهم لربهم.
ومن أفضل ذكره : ذكره بكلامه. قال تعالى :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ [ طه : ١٢٤ ] فذكره هنا كلامه الذي انزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى :﴿ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ﴾ [ الرعد : ٢٨ ].
ومن ذكره سبحانه : دعاؤه واستغفاره والتضرع إليه.
فهذه خمسة أنواع من الذكر.
Icon