تفسير سورة القدر

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة القدر من كتاب التفسير الحديث المعروف بـالتفسير الحديث .
لمؤلفه محمد عزة دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ

سورة القدر
في السورة تنويه بليلة القدر وتقرير إنزال القرآن فيها. وبعض الروايات تذكر أنها مدنية «١». غير أن جميع التراتيب المروية تسلكها في عداد السور المكية.
وأسلوبها ووضعها في المصحف بعد سورة العلق قد يؤيدان مكيتها وتبكيرها في النزول.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة القدر (٩٧) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
. (١) القدر: الشأن والنباهة. وفي آية سورة الأنعام هذه: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [٩١] أي ما عظموه تعظيما يتناسب مع قدره العظيم.
(٢) وما أدراك: جملة تنبيهية لخطورة الأمر المذكور وقد تكرر ورودها في معرض التنبيه للأمور الخطيرة.
(٣) جمهور المفسرين على أن هذا الاسم ينصرف إلى جبريل أحد عظماء الملائكة أو عظيمهم.
احتوت الآيات تقريرا تذكيريا بإنزال القرآن في ليلة القدر، وتنبيها تنويهيا
(١) انظر الإتقان للسيوطي ج ١ ص ١٤.
الجزء الثاني الحديث ٩
129
بهذه الليلة وعظم شأنها وخيرها وشمولها ببركة الله وسلامه، وتنزل الملائكة والروح فيها بأوامره وتبليغاته. والآيات لم تذكر القرآن غير أن جمهور المفسرين على أن ضمير الغائب في «أنزلناه» عائد إليه، وروح الآية تلهم ذلك كما أن آيات سورة الدخان هذه: حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) تؤيد ذلك.
تعليقات على ما روي في صدد نزول السورة ومدى جملة خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وصلتها بدولة بني أمية
ولقد روى المفسرون «١» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر يوما رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المسلمون فأنزل الله السورة. كما رووا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين فعجب المسلمون فأتاه جبريل فقال يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر فقد أنزل الله خيرا من ذلك ثم قرأ عليه السورة.
وهذه الروايات لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. والذي يتبادر لنا استئناسا من بكور نزول السورة وترتيبها في المصحف بعد سورة العلق أنها نزلت بعد قليل من آيات سورة العلق الخمس الأولى للتنويه بحادث نزول أول وحي قرآني.
ولقد أورد المفسرون حديثا رواه الترمذي عن القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال: «قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال سوّدت وجوه المؤمنين أو يا مسوّد وجوه المؤمنين فقال لا تؤنّبني رحمك الله فإنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أري بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) الكوثر يا محمد يعني نهرا في الجنّة ونزلت: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ
(١) انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.
130
الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)، يملكها بعدك بنو أمية يا محمد. قال القاسم فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص» «١». ولقد علق الطبري على هذا بقوله إنها دعاو باطلة لا دلالة عليها من خبر وعقل. وذكر ابن كثير أن الترمذي وصف حديثه بالغريب وقال إنه لا يعرف إلّا عن طريق القاسم. ووصفه ابن كثير بأنه منكر جدا وقال إن شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي قال عنه إنه منكر. ونبه على عدم انطباق مدة بني أمية على الألف شهر لأنها أكثر من ذلك بنحو تسع سنين. وفي هذا إظهار لكذب القاسم راوي الحديث في قوله إننا حسبناها فلم تزد ولم تنقص يوما. وقال ابن كثير فيما قاله إن السورة مكية ولم يكن للنبي منبر في مكة.
والذي نعتقده أن الرواية من روايات الشيعة التي يخترعونها لتأييد مقالاتهم على ما نبهنا عليه في مناسبة سابقة مهما كان بين ما يروونه وبين فحوى العبارة القرآنية وسياقها مفارقة. وهذا يظهر قويا في هذه الرواية. ورواية الترمذي للرواية ليس من شأنها أن تجعلنا نتوقف في ذلك فاحتمال التدليس في ذلك وارد دائما.
ولعل ما قاله ابن كثير من أنه لم يكن في مكة منبر هو الذي جعل رواة الشيعة يروون رواية مدنية السورة لأن روايتهم تتسق بهذه الرواية.
ولقد قال الطبري إن أشبه الأقوال بظاهر التنزيل في معنى جملة لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) من قال: «عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر» وروي عن مجاهد قولا جاء فيه أن معناها هو أن قيامها والعمل فيها خير من ألف شهر. ومع ما في هذا القول وذاك من وجاهة وصواب فإننا لا نزال نرجح أن الجملة قد جاءت بقصد التوكيد على ما في ليلة القدر من خير وبركة على سبيل التنويه والتعظيم بحدث الحادث العظيم الذي كان فيها، والله أعلم.
(١) انظر تفسيرها في الطبري وابن كثير ونص الحديث من ابن كثير. وقد أورده أيضا مؤلف التاج عزوا إلى الترمذي انظر التاج ج ٤ ص ٢٦٣.
131
تعليق على روايات نزول القرآن جملة واحدة
ولقد أورد المفسرون في سياق هذه السورة روايات وأقوالا تتضمن فيما تتضمنه أن القرآن أنزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم أخذ ينزل منجّما أي مفرقا، وأن ما عنته هذه السورة هو هذا حيث قصدت جميع القرآن «١». ولقد أورد ابن كثير في سياق تفسير آية البقرة [١٨٥] عن الإمام أحمد حديثا رواه عن واثلة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنزلت صحف إبراهيم في أول رمضان والتوراة لست خلت منه والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه». وأورد حديثا آخر رواه جابر بن عبد الله فيه زيادة عن الزبور وتعديل لوقت الإنجيل حيث جاء فيه: «إن الزبور نزل لثنتي عشرة خلت من رمضان والإنجيل لثماني عشرة خلت منه». والمتبادر أن الأحاديث بسبيل ذكر نزول هذه الكتب في هذه الأوقات دفعة واحدة. والأحاديث لم ترد في الكتب الخمسة، ولقد روى بعضهم عن الشعبي أن الآية الأولى من سورة القدر تعني «إنّا ابتدأنا بإنزاله في ليلة القدر» «٢». والنفس تطمئن بقول الشعبي هذا، وبأن هذا السورة وآيات سورة الدخان التي أوردناها آنفا وآية سورة البقرة هذه:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [١٨٥] قد عنت بدء نزول القرآن، وبأن سورة القدر قد احتوت تنويها بعظم حادث بدء نزول القرآن وجلالة قدره، وبخطورة الليلة التي شرّف الله قدرها، بحدوث هذا الحادث العظيم فيها. أما إنزال القرآن جميعه دفعة واحدة إلى سماء الدنيا فليس عليه دليل من القرآن أو من الحديث الصحيح. ولا يبدو له حكمة كما لا يبدو أنه منسجم مع طبيعة الأشياء حيث احتوت معظم فصول القرآن صور السيرة النبوية المتنوعة في مكة أولا ثم في المدينة وكثيرا ما كانت تنزل في مناسبات
(١) انظر تفسيرها في تفسير الطبري والنيسابوري وابن كثير والبغوي والطبرسي والزمخشري.
(٢) انظر تفسير السورة في تفسير الزمخشري والطبرسي أيضا وانظر تفسير آية شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن من البقرة في تفسير المنار وانظر الإتقان للسيوطي ج ١ ص ٤٢ وانظر كتابنا القرآن المجيد ص ٢٨١ وما بعدها.
132
أحداثها، وهذا الذي قلناه ينطبق على رواية قتادة التي أوردها الطبري بالنسبة للكتب السماوية الأخرى.
تعليق على ليلة القدر
ولقد أورد المفسرون ورواة الأحاديث أحاديث عديدة في صدد تعيين ليلة القدر. منها حديث رواه الشيخان والترمذي عن عائشة أيضا قالت: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» «١». وحديث رواه الخمسة إلّا الترمذي جاء فيه: «قال ابن عمر إن رجالا من أصحاب النبي أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحرّيها فليتحرّها في السبع الأواخر» «٢». وحديث رواه الشيخان والترمذي عن عائشة قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأخير من رمضان» «٣». وحديث رواه الخمسة إلّا البخاري عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب فقلت إن أخاك ابن مسعود يقول من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال رحمه الله أراد ألا يتكل الناس. أما إنّه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين ثم حلف لا يستثني أنّها ليلة سبع وعشرين فقلت بأيّ شيء تقول ذلك يا أبا المنذر قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها» «٤». وحديث عن معاوية بن أبي سفيان رواه أبو داود وأحمد قال: «قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة القدر ليلة سبع وعشرين» «٥».
(١) التاج ج ٢ ص ٧٣- ٧٦ ومعنى يجاور: يعتكف في المسجد.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه. [.....]
(٤) المصدر نفسه ص ٧٧- ٧٨ وهناك أحاديث عديدة أخرى أوردها ابن كثير في وقتها لم ترد في كتب الصحاح ومنها ما يذكر غير الأوقات المذكورة في الأحاديث التي أوردناها والواردة في كتب الصحاح فاكتفينا بذلك لأنها هي المشهورة والوثيقة معا.
(٥) المصدر نفسه.
133
ولما كانت آية البقرة تنصّ على نزول القرآن في شهر رمضان وآية القدر تنص على نزوله في ليلة القدر فيمكن أن يقال إن حادث أول وحي قرآني قد وقع في إحدى الليالي العشر الأخيرة من رمضان أو ليلة السابع والعشرين منه على التخصيص.
والتنويه القرآني بهذه الليلة قوي. وهي جديرة به لأن الحادث الذي وقع فيها أعظم حادث في تاريخ الإسلام. وإليه يرجع كل حادث فيه. وكل ذكرى من ذكرياته، وكل خير وبركة من خيراته وبركاته، وهو الجدير بأن يكون تاريخه موضع تنويه وإشادة وتكريم واحتفاء في كل جيل من أجيال الإسلام، بل في كل جيل من أجيال البشر وفي كل مكان من الأرض. فالنبوة المحمدية التي بدأت به هي نبوة الخلود والبشرية جمعاء. والقرآن الذي بدئ بإنزاله على النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه الليلة هو كتاب الله الخالد الذي فيه رحمة وهدى وشفاء لجميع الناس في كل مكان وزمان، والذي احتوى ما فيه الكفاية لرجع أمور الدين والدنيا إلى نصابها الحق ولإقامة إخاء عام بين البشر. ونظام اجتماعي وسياسي واقتصادي مرتكز على قواعد الحق والعدل والحرية والمساواة والكرامة وهذا التاريخ هو التاريخ الوحيد المعروف في مثله من تاريخ الأنبياء وكتبهم. والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي بقي في أيدي الناس كما بلغه النبي صلّى الله عليه وسلّم سليما تاما فوق كل مظنة. ومحمد صلّى الله عليه وسلّم هو النبي الوحيد الذي لم يدر حول وجوده وشخصيته وتاريخه ما دار حول غيره من الشكوك والأقوال.
وفيما احتوته السورة من الإشارة إلى نزول الملائكة وعلى رأسهم عظيمهم في هذه الليلة بأوامر الله وبركاته وشمولها بالسلام والتجليات الربانية قصد إلى بيان عظمة شأنها ورفعة قدرها أولا، ودعوة ضمنية إلى المسلمين إلى إحيائها في كل عام اقتداء بالملائكة وتحصيلا للبركة الربانية فيها وتكريما للذكرى المقدسة التي انطوت فيها.
ولقد أثرت بعض الأحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في خير هذه الليلة وبركتها، والحث على تحريها وإحيائها منها حديث رواه الخمسة عن أبي هريرة قال: «قال
134
النبي صلّى الله عليه وسلّم من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» «١». وحديث رواه الخمسة عن عائشة قالت: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله». ولفظ الترمذي: «كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها» «٢». وهذا متصل من دون ريب بالذكرى الجليلة. ومن الغريب أن يغفل المسلمون عن المعنى العظيم لهذه الذكرى وأن ينتهوا من أمرها إلى المعاني والأهداف المادية الخاصة فيما يدعون الله به كما هو السائد في الأوساط الإسلامية منذ قرون طويلة.
وقد يكون هنا مجال للتساؤل عما إذا كانت تسمية «ليلة القدر» هي تسمية قرآنية ونعتية طارئة، القصد منها التنويه والحفاوة والتذكير بعظمة شأن الحادث الذي كان فيها، أم أنها كانت معروفة قبل نزول القرآن. ولم نطلع على قول وثيق يساعد على النفي أو الإثبات. غير أن في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها والذي أوردناه في سياق تفسير سورة العلق أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخلو بغار حراء فيتحنّث أي يتعبد فيه الليالي ذوات العدد، وأن الوحي نزل عليه هنا ما يمكن أن يكون دلالة ما إلى ما كان من معنى خطير لليالي ذوات العديد قبل البعثة. وما دام أن الوحي نزل عليه في إحدى هذه الليالي فمن الجائز أن تكون الليالي ذوات العدد هي الليالي العشر الأخيرة من رمضان أو أن هذه الليالي العشر منها. ولقد ذكرت الروايات «٣» أن التحنث في شهر رمضان كان معروفا وممارسا في أوساط مكة المتقية المتعبدة حيث يسوّغ هذا أن يقال إن الليالي ذوات العدد كانت من الأمور المعروفة في هذه الأوساط أيضا. ولقد صارت ليلة القدر علما على ليلة بعينها، ووردت بمعنى هذه العلمية أحاديث عديدة مما مرت نصوصها، ولقد ورد في سورة الدخان هذه الآيات: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) حيث يفيد هذا أن الله عز وجل قد جرت
(١) التاج ج ٢ ص ٧٣- ٧٤.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٨.
135
عادته على قضاء الأمور الخطيرة المحكمة في ليلة القدر. ففي كل هذا كما يتبادر لنا قرائن أو شبه قرائن على أن تسمية ليلة القدر ليست تسمية طارئة ونعتية أو تنويهية وحسب، وأنها قد كان لها في أذهان بعض الأوساط المكية خطورة ما دينية الصفة.
تعليق على كلمة الروح
وبمناسبة ورود تعبير «الروح» نقول إن هذه الكلمة قد وردت في القرآن كثير في سياق الإشارة إلى هبة نسمة الحياة لآدم والمسيح والناس مضافة إلى الله عز وجل كما في آيات سورة الحجر هذه: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) وفي سورة الأنبياء هذه: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١) وفي آيات سورة السجدة هذه: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (٩). وقد وردت الكلمة أيضا في صدد الإشارة إلى وحي الله وأوامره، وإلى الملك الذي كان ينزل بالقرآن على النبي صلّى الله عليه وسلّم كما جاء في آية سورة النحل هذه: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) وفي آية غافر هذه: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) وآيات سورة الشعراء هذه موصوفا بالأمين: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤). ووردت مطلقة بما يفيد أنها عظيم الملائكة كما جاء في آية سورة النبأ هذه: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ووردت مضافة إلى القدس في سياق تنزيل القرآن كما جاء في آية
136
سورة النحل هذه: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) ووردت في آيات عديدة مضافة إلى القدس في صدد تأييد المسيح عليه السلام كما ترى في هذا المثال: وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة [٨٧] والمتبادر أن المقصود من الكلمة هنا على ما تلهمه روح العبارة هو عظيم الملائكة. وفي سورة التحريم آية تلهم أن عظيم الملائكة هو جبريل وهي: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤) ولما كانت آيات النحل نعتت الملك الذي ينزل بالوحي القرآني بالروح ولما جاء في آية في سورة البقرة أن الذي ينزل بهذا الوحي هو جبريل وهي: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) فيكون المقصود من الكلمة هنا هو جبريل عظيم الملائكة على ما هو المتبادر. وجمهور المفسرين على أن تسمية جبريل بروح القدس هي على اعتبار أنه روحاني الخلقة بدون تولد من أب وأم وأنه مطهر من الرجس والله تعالى أعلم.
ولما كان أمر الملائكة وحقيقتهم وأعمالهم من المسائل الغيبة الواجب الإيمان بها لأن القرآن قد قررها كما قلنا قبل فالواجب الإيمان بما جاء في صددهم في الآية دون تخمين وتزيد مع ذكر كون ذلك بسبيل التنويه بعظم شأن الليلة للحادث العظيم الذي كان فيها.
وندع التعليق على ما ورد في الآيات التي أوردناها في معرض التمثيل والتي تنسب الروح إلى الله عز وجل وتذكر نفخه بروحه في آدم ومريم والإنسان عامة إلى تفسير هذه الآيات في سورها.
137
Icon